الملف

الملف

منذ ساعتين

آداب القتال في الإسلام

لا تُقاتلوهم قبلَ دعوتِهم والإعذار إليهم مرّةً بعدَ مرّة

آدابُ القتال في الإسلام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الفقيه الشّيخ علي الأحمدي قدّس سرّه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في كتابه (الأسير في الإسلام) الذي ألّفه في أجواء الحرب التي فُرضت على الجمهورية الإسلامية في إيران، قال الفقيه الشيخ الأحمدي قدّس سرّه:

«بعث اللهُ تعالى الأنبياء عليهم السلام لُطفاً ورحمةً للإنسان، ورُوعي في أسلوب الدعوة أيضاً الرحمة والرأفة والحنان.

والقتال أيضاً شُرِّع رحمةً للعباد لحفظ الإنسانية ولحفظ أساس التوحيد وللدّفاع عن الدعوة الحقّة وعن الإنسانيّة بالغاية».

 

أضاف: «من المعلوم أنّ ما شُرِّع لغاية الرحمة على العباد يُراعى في أسلوبه أيضاً الرحمة والرأفة. وبعبارة أخرى: ما جُعل وسيلةً للوصول إلى الهدف وحِفْظِه لا بدّ وأن يلائمَه ويوافقَه، لا أن يزاحمَه ويضادّه، فعندئذٍ لا بدّ وأن يكون القتال في الإسلام محكوماً بآداب وأحكام وشرائط تقرّب من الهدف المقصود وتُلائمه.

ولا بأس بذكر الآداب والأحكام المقرّرة للقتال إجمالاً حتّى يتبيّن ما هو القتال في الإسلام، وما هو المندوب إليه:

 

1 - جُعل الجهاد في الإسلام والقتال عبادةً، بل من أسنى العبادات وأغلاها وأعلاها. واشتُرط فيها النيّة وقَصْد التقرّب، والإخلاص والبُعد عن الهَوى، وشوائب الرياء والعُجب والفخر والمَنّ، والدواعي النفسانية من الغضب والانتقام وابتغاء عَرَض الحياة الدنيا، وكذلك يشترَط فيها الابتعاد عن موانع القبول والسَّعي في كونه محدوداً بالحدود الإلهية.

2 - استحبّ قبل الشروع في القتال الدعاء والتضرّع إلى الله تعالى، وقد رُوي عن الرسول صلّى الله عليه وآله وعن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه الدعوات المأثورة.

كان رسول الله صلّى الله عليه وآله في غزوة بدر وأُحد والأحزاب يدعو ويتضرّع إلى الله تعالى ساجداً وراكعاً وقائماً.

دعا رسول الله صلّى الله عليه وآله في بدر بهذا الدعاء: «اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتي في كُلِّ كَرْبٍ وَرَجائي في كُلِّ شِدَّةٍ».

وكان صلّى الله عليه وآله يدعو ويستغيث حتّى نزل قوله تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ..﴾ الأنفال:9.

وكان يدعو في الأحزاب: «يا صَريخَ المَكْروبينَ، وَيا مُجيبَ دَعْوَةِ المُضْطَرّينَ».

وكذلك أمير المؤمنين صلوات الله عليه لا يزال اللّيل كلّه قائماً. وكان.. عليه السلام يدعو قبل القتال بدعوات ".." منها:

«اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَعْلَمْتَ سَبيلاً مِنْ سُبُلِكَ جَعَلْتَ فيهِ رِضاكَ، وَنَدَبْتَ إِلَيْهِ أَوْلِياءَكَ، وَجَعَلْتَهُ أَشْرَفَ سُبُلِكَ عِنْدَكَ ثَواباً وَأَكْرَمَها لَدَيْكَ مَآباً وَأَحَبَّها إِلَيْكَ مَسْلَكاً، ثُمَّ اشْتَرَيْتَ (فيه) مِنَ المُؤْمِنينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ..».

* ومنها: «اللَّهُمَّ إِلَيْكَ نُقِلَتِ الأَقْدامُ، وَأَفْضَتِ القُلوبُ، ورُفِعَتِ الأَيْدي، وَشَخَصَتِ (أُشخِصَت) الأَبْصارُ. نَشْكو إِلَيْكَ غَيْبَةَ نَبِيِّنا وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا وَتَشَتُّتَ أَهْوائِنا، رَبَّنا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الفاتِحينَ».

* ومنها: لمّا سمع قوماً من أصحابه يسبّون أهل الشام أيّامَ حربهم بصِفّين، قال: «إِنّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكونوا سَبّابينَ، وَلِكَنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمالَهُمْ وَذَكَرْتُمْ حالَهُمْ كانَ أَصْوَبَ في القَوْلِ وَأَبْلَغَ في العُذْرِ، وَقُلْتُمْ مَكانَ سَبِّكُمْ إِيّاهُمْ:

اللَّهُمَّ احْقِنْ دِماءَنا وَدِماءَهُمْ، وَأَصْلِحْ ذاتَ بَيْنِنا وَبَيْنِهِمْ، وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلالَتِهِمْ حَتّى يَعْرِفَ الحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ وَيَرْعَوِيَ عَنِ الغَيِّ وَالعُدْوانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ».

فعلى المحقّق الدقّة في مضامين هذه الدعوات كي يقفَ على حقيقة القتال وأهدافه ونتائجه في الإسلام.

3 - كان صلّى الله عليه وآله إذا بعث سَرِيّةً دعا لها.

وكان عليّ عليه السلام يدعو لهم ويقول: «اللَّهُمَّ ألهِمْهُمُ الصَّبْرَ وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمُ النَّصْرَ، وَأَعْظِمْ لَهُمُ الأَجْرَ».

كما كان عليه السلام يدعو على أعدائه: «اللَّهُمَّ فَإِنْ رَدّوا الحَقَّ فَافْضُضْ جَمْعَهُمْ، وَشَتِّتْ كَلِمَتَهُمْ وَأَبْسِلْهُمْ بِخَطاياهُمْ».

وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا أراد أن يبعث سَرِيّةً:

4 - دعاهم فأجلسَهم بين يدَيه وأجلس أميرَهم إلى جنبه.

5 - أوصى أميرَ الجيش بتقوى الله في خاصّة نفسه وبمن معه من المسلمين.

6 - ثمّ قال: سِيروا بِسْمِ اللهِ وَبِاللهِ وَفي سَبيلِ اللهِ وَعَلى مِلَّةِ رَسولِ اللهِ.

7 - لا تَغُلّوا، (يعني من المغانم قبل القِسمة، أو لا تخونوا).

8 - لا تُمَثِّلوا، (والمُثلة قطعُ الأعضاء، وذلك كما أنه نهى عن القتل صبراً أيضاً، وهو أن يُجعل المقتول غرَضاً يُرمى حتّى يموت أو يحبس حتّى يقتَل).

9 - لا تَغْدُروا، (يعني في عهودهم ومواثيقهم وفي الأمان الذي يعطون العَدوّ).

10 - لا تَقْتُلوا شَيْخاً فانِياً (لا دخْلَ له في الحرب).

11 - لا تَقْتُلوا صَبِيّاً (وليداً).

12 - لا تَقْتُلوا مُتَبَتِّلاً في شاهِقٍ (أي المنقطع عن الدنيا الفارغ للعبادة).

13 - لا تَقْتُلوا النِّساءَ إِلّا أَنْ يُقاتِلْنَ، فَإِنْ قاتَلْنَ فَأَمْسِكوا عَنْهُنَّ ما أَمْكَنَكُمْ.

14 - لا تَقْطَعوا شَجَراً (إِلّا مع الاضطراِر، أو يكون فيه صلاح المسلمين كما قال تعالى: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ..﴾ الحشر:5.

15 - لا تُحْرِقوا نَخْلاً (إلّا مع الاضطرار، أو يكون فيه صلاح المسلمين).

16 - لا تُغرْقوا النَّخْلَ بِالماءِ.

17 - أَيُّما رَجُلٍ مِنْ أَدْنى المُسْلِمينَ أَوْ أَفْضَلِهِمْ نَظَرَ إِلى أَحَدٍ مِنَ المُشْرِكينَ فَهُوَ جارٌ لَهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ، فَإِذا سَمِعَ كَلامَ اللهِ فَإِنْ تَبِعَكُمْ فَأَخوكُمْ في دينِكُمْ، وَإِنْ أَبى فَاسْتَعينوا بِاللهِ وَأَبْلِغوهُ مَأْمَنَهُ.

18 - لا تُحْرِقوا زَرْعاً.

19 - لا يُلْقى السُّمُّ في بِلادِهِمْ.

20 - لا تُعقَر البَهائم ممّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، إِلّا ما لا بُدَّ لَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ.

21 - أميرُ الجيش أضعفُهم دابّة.

22 - إِذا لَقيتُم عَدُوّاً للمُسْلِمينَ فَادْعوهُمْ إِلى الإِسْلامِ، فَإِنْ دَخَلوا فيهِ فَاقْبَلوهُ مِنْهُمْ وَكُفُّوا عَنْهُمْ، وَادْعوا إِلى الهِجْرَةِ بَعْدَ الإِسْلامِ، فَإِنْ فَعَلوا فَاقْبَلوهُ مِنْهُمْ وَكُفّوا عَنْهُمْ.

23 - وَإِن أَبَوْا أَنْ يُهاجِروا وَاخْتاروا دِيارَهُمْ وَأَبَوْا أَنْ يَدْخُلوا دارَ الهِجْرَةِ كانوا بِمَنْزِلَةِ أَعْرابِ المُؤْمِنينَ، يَجْري عَلَيْهِمْ ما يَجْري عَلى أَعْرابِ المُؤْمِنينَ، وَلا يَجْري لَهُمْ في الفَيْءِ وَلا في القِسْمَةِ شَيْءٌ إِلّا أَنْ يُهاجِروا في سَبيلِ اللهِ.

24 - فَإِنْ أَبَوْا هاتَيْنِ فَادْعوهُمْ إِلى إِعْطاءِ الجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرونَ، فَإِنْ أَعْطوا الجِزْيَةَ فَاقْبَلوا مِنْهُمْ وَكُفّوا عَنْهُمْ.

25 - وَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعينوا بِاللهِ عَلَيْهِمْ وَجاهِدوهُمْ في اللهِ حَقِّ جَهادِهِ.

26 - ولا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعاكُمْ إِلَيْهِ عَدُوُّكُمْ للهِ فيه رِضا.

27 - لا تَهْدِمَنَّ بِناءً.

28 - إنّه صلّى الله عليه وآله امتنعَ من قطع الماء في خيبر ".." كما أنّ أمير المؤمنين عليه السلام- بعد أن أخذَ الماء من معاوية وقيلَ له أنْ يمنع الماء - قال: «خَلُّوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الماءِ فَإِنَّ اللهَ نَصَرَكُمْ بِبَغْيِهِمْ وَظُلْمِهِمْ» ".." أو قال: «فَإِنَّ القَوْمَ قَدْ بَدَأوكُمْ بِالظُّلْمِ وَفاتَحوكُمْ بِالبَغْيِ»؛ عدّ عليه السلام منعَهم الماء ظلماً، أو قال: «خَلّوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، لا أفْعَلُ ما فَعَلَهُ الجاهِلونَ».

وصايا أمير المؤمنين عليه السّلام في الحرب

وفي وصايا أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه (الجمل بالبصرة، وصفّين بالشام، والنهروان) مسائل كثيرة نلخّص منها ما يرتبط بالمقام:

1 - أُوصيكُمْ بِتَقْوى اللهِ الّذي لا بُدَّ لَكُمْ مِنْ لِقائِهِ وَلا تُقاتِلُنَّ إِلّا مَنْ قاتَلَكَ.

2 - أَطيلوا اللَّيْلةَ القِيامَ، وَأَكْثِروا تِلاوَةَ القُرْآنِ، وَاسْأَلوا اللهَ الصَّبْرَ وَالنَّصْرَ. تَعاهَدوا الصَّلاةَ وَحافِظوا عَلَيْها وَاسْتَكْثِروا مِنْها وَتَقَرّبوا بِها.

3 - لا تُقاتِلوا القَوْمَ حَتّى يَبْدَأوكُمْ، فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اللهِ عَلى حُجَّةٍ، وَتَرْككُمْ إِيَّاهُمْ حَتّى يَبْدَأوكُمْ حُجَّةٌ أُخْرى لَكُمْ عَلَيْهِمْ.

4 - انْهَدّوا إِلَيْهِمْ وَعَلَيْكُمُ السَّكينَةُ وَوَقارُ الإِسْلامِ، اسْتَشْعِروا الخَشْيَةَ وَتَجَلْبَبوا السَّكينَةَ.

5 - لا تُمَثِّلوا بِقَتيلٍ إِذا قاتَلْتُموهُمْ وَهَزَمْتُموهُمْ بِإِذْنِ اللهِ.

6 - فَلا تَقْتُلوا مُدْبِراً.

7 - لا تُجْهِزوا عَلى جَريحٍ، (أي لا تقتلوهم سريعاً).

8 - وَإذا وَصَلْتُمْ إِلى رِحالِ القَوْمِ فَلا تَكْشِفوا عَوْرَةً. (والعورة كلّ ما يستحيي منه إذا ظهر).

9 - وَلا تَهْتِكوا سِتْراً.

10 - وَلا تَدْخُلوا داراً إِلّا بِإِذْني.

11 - وَلا تَأْخُذوا شَيْئاً مِنْ أَمْوالِهِمْ إلّا ما وَجَدْتُمْ في عَسْكَرِهِمْ.

12 - وَلا تهيِّجوا امْرَأَةً بِأَذى، وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْراضَكُمْ وَسَبَبْنَ أُمَراءَكُمْ وَصُلَحاءَكُمْ فَإِنَّهُنَ ضِعافُ القِوى وَالأنفُسِ وَالعُقول، وَقَدْ كُنّا نُؤْمَرُ بِالكَفِّ عَنْهُنَّ وَهُنَّ مُشْرِكاتٌ، وَإنْ كانَ الرَّجُلُ لَيَتناوَلُ المَرْأَةَ بِالهِراوَةِ أَوْ بِالحَديدِ فَيُعَيَّرُ بِها، وَعَقِبَهِ، مِنْ بَعْدِهِ...

13 - إِنّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكونوا سَبّابينَ، وَلِكَنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمالَهُمْ. إلى آخر ما مرّ.

14 - لا تَتْبَعوا مُوَلِيّاً وَلا تَطْلُبوا مُدْبِراً.

15 - وَلا تَقْتُلوا أَسيراً.

16 - وَلا تُصيبوا مُعْوِراً، (من أَعْوَر الفارس إذا بدا فيه موضع خَلَل).

17 - وَلا يَطْلُبُ المُبارَزَةَ إِلّا بِإِذْنِ الإِمامِ.

18 - وَمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَاقْبَلوا مِنْهُ.

19 - قال عليه السلام للأشتر: «إِيّاكَ وَأَنْ تَبْدَأَ القَوْمَ بِقِتالٍ إِلّا أَنْ يَبْدَأوكَ حَتّى تَلْقاهُمْ وَتَسْمَعَ مِنْهُمْ، وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنآنُهُمْ عَلى قِتالِهِمْ قَبْلَ دُعائِهِمْ وَالإِعْذارِ إِلَيْهِمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ».

20 - قال لأمير الجيش: «وَاحْرُسْ عَسْكَرَكَ بِنَفْسِكَ وَإِيّاكَ أَنْ تَرْقُدَ أَوْ تُصْبِحَ إِلّا غِراراً». (يعني: إيّاك أن ترقد حتّى الصّباح إلّا قليلاً).

21 – وَعَلَيْكَ بِالتَّأَنّي في حَرْبِكَ، وَإِيّاكَ وَالعَجَلَةَ إِلّا أَنْ تُمَكِّنَكَ فُرْصَةٌ.

22 - اسْتَعينوا بِالصَّبْرِ، فَإِنَّ بَعْدَ الصَّبْرِ النَّصْرَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

هذه (تعليمات) أخذناها من وصايا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه في الآداب والأحكام الحربية الناشئة عن فضائل إنسانية وملَكَات نفسانية، يتحلّى بها المسلم المقاتل فتورثُه سجايا حسنة وأخلاقاً رزينة. هذا عدا ما نُقل عنه، صلوات الله عليه، من بيان أمورٍ لها دخلٌ في ظفَر المقاتل وغلَبَته على عدوّه وسلامته من نكاية العدو ومكائده، وذِكرُها خارجٌ عن شرط المقال.

مسلكُ الإسلام في جهاد العدوّ

هذا كلّه في الجهاد الإسلامي، وإنّ الإسلام يستخدم القتال في الوصول إلى الحقّ، لا في طريق الدنيا وشَهواتها وزُخرفها، ولا للوصول إلى الانتقام وتَشفّي النفوس من المخالفين. وفي استخدامه القتال في الدفاع عن الدين وعن المستضعفين يسلك سبيلاً عقليّاً دينياً على سُنن الرحمة والرأفة. ولا يرى العنف والشدّة إلّا فيما يراه الله تعالى حيث يقول: ﴿.. وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ البقرة:190. «والنَّهيُ عن الاعتداء مطلَقٌ يُراد به كلّ ما يَصدق عليه أنه اعتداء؛ كالقتال قبل أن يُدعى إلى الحقّ، والابتداء بالقتال، وقتْل النساء والصبيان، وعدم الانتهاء إلى العدوّ، وغير ذلك مما بيّنته السنّة النبويّة». [كما في تفسير الميزان للعلّامة السيد محمد حسين الطباطبائي]

قال الأستاذ العلّامة الطباطبائي في تفسير قوله تعالى، في ذيل آيات القتال: ﴿.. وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ البقرة:195: «ثمّ ختم سبحانه الكلام بالإحسان، فقال: ﴿وأَحْسِنُوا إِنّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، وليس المراد بالإحسان الكفّ عن القتال أو الرّأفة في قتْل أعداء الدِّين وما يُشبههما، بل الإحسان هو الإتيان بالفعل على وجهٍ حسنٍ بالقتال في مورد القتال، والكَفّ في مورد الكفّ، والشدّة في مورد الشدّة، والعفو في مورد العفو. فدفعُ الظالم بما يستحقّه إحسانٌ على الإنسانية باستيفاء حقّها المشروع، ودفاعٌ عن الدين المصلِح لشأنها، كما أن الكَفّ عن التجاوز - في استيفاء الحقّ المشروع - بما لا ينبغي، إحسانٌ آخَر».

سلكَ الإسلامُ في الكافر الطاغي المعاند أيضاً طريق الإحسان في مقاتلتِه:

- نهى عن الغدر، أي نقْض ما عُقد معه من المواثيق.

- نهى عن المُثلة إذا أريدَ قتلُه؛ [أي نهى الإسلام عن] أن يُقطَع أنفه وأذُنه ويدُه ورِجله.

- نهى عن قتل الصبر، بأنْ يُجعل غرَضاً [هدفاً] فيُرمى حتّى يموت.

- نهى عن التجويع، بأن يُحبَس حتّى يموت جوعاً.

- نهى عن التعطيش، بأن يحبَس حتّى يموت عطَشاً.

وبالجملة، الأمرُ بالإحسان بعد قوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ..﴾ البقرة:190.

وقولِه تعالى: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ..﴾ البقرة:191.

وقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ..﴾ البقرة:193.

وقوله تعالى: ﴿..فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ..﴾ البقرة:194.

يدلّ على أنّ المراد بالإحسان هو القتالُ على نحوٍ أحسن، وفي الحديث عن الصّادق عليه السلام: «يَعْنِي المُقْتَصِدِيْنَ»، أي البعيدين عن الإفراط والتفريط.

بل الظاهر أن قوله تعالى: ﴿..وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً..﴾ التوبة:123، كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ..﴾ التوبة:73، أيضاً ليس المراد منها الخشونة والفظاظة وسوء الخُلُق والقساوة والجَفوة، بل المراد أن يُجروا عليهم أحكام الله من القتل والحبس وشَدِّ الوَثاق، ولا تمنعُهم الرحمةُ عن إجراء أحكام الله. ويُقال هذا لمن غلبَ عليه العطوفة والعفو والرحمة، كما قال الرازي في تفسيره.

ولا غَرو في ذلك عند من وقف على الأحكام الإلهيّة في صدورها على أساس الإصلاح والرحمة لعباد الله، ومَدْح مَن أطعم أسيراً كافراً أو سقى ظامئاً كافراً.

..فإنّكم مسؤولونَ عن البِقاع والبَهائم

بل أصدر الإسلام أحكاماً كثيرةً حتّى في الحيوانات بأجمعها؛ أهليّاً ووحشيّاً في قتْلِها وتجويعها وتعطيشها والحَمل عليها بما لا تُطيق، أو في مَن ملَكَها ولا يُنفق عليها، أو في مَن ركبَها وحملَها على السير وضربَها، أو مَن مثّل بها أو كفّها أو وسمَها في وجوهها، أو قطع أعضاءها أو جعلها غرَضاً، أو...

ولا بأس بالإشارة إلى بعض ما ورد فيها:

- جعل [الإسلام] لكلّ ذي حياة حقّاً، وإنْ شئتَ فَسَمِّه حقَّ الحياة.

- نهى عن قتل كلّ حيوان، إلا ما كان مؤذياً ومضِرّاً أو مفسِداً حكمَ الدينُ والعقلُ باعدامه؛ كالكافر الحربي، أو الإنسان القاتل، أو مَن ارتكب عملاً حدُّه القتل. قال الإمام الصّادق عليه السلام: «أَقْذَرُ الذُّنوبِ ثَلاثَةٌ: قَتْلُ البَهيمَةِ، وَحَبْسُ مَهْرِ المَرْأَةِ، وَمَنْعُ الأَجيرِ أَجْرَهُ».

- وقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: «اتَّقوا اللهَ فيما خوَّلَكُمْ وَفي العُجْمِ مِنْ أَمْوالِكُمْ. فقيل له: وما العُجم؟ قال: الشّاةُ وَالبَقَرَةُ وَالحَمَامُ وَأَشْباهُ ذَلِكَ».

* وقال صلّى الله عليه وآله: «اتَّقوا اللهَ في هَذِهِ البَهائِمِ».

* وقال صلّى الله عليه وآله: «لَوْ غُفِرَ لَكُمْ ما تَأْتونَ إِلَى البَهائِمِ، لَغُفِرَ لَكُمْ كَثيرٌ».

* وقال صلّى الله عليه وآله: «اتَّقوا اللهَ في عِبادِهِ وَبِلادِكُمْ فَإِنَّكُمْ مَسْؤولونَ عَنِ البِقاعِ وَالبَهائِمِ».

* وقال صلّى الله عليه وآله: «ارْحَموا مَنْ في الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ في السَّماءِ»، (..أي لمَن في الأرض من آدميّ أو حيوان لم يؤمَر بقتله، في الشَّفَقة عليهم والإحسان إليهم).

- وعن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قَضى فيمَن قتلَ دابّةً عَبَثَاً، أو قطع شجراً، أو أفسد زرعاً، أو هدمَ بيتاً، أو غَوَّر بئراً أن يغرَّم قيمةَ ما استهلك وأفسد، وضُرِبَ جَلَداتٍ نَكالاً.

هذه الأخبار [الآتية] تشمل إيذاء الحيوان أيضاً كما لا يخفى:

- وفي حديث: «نَهى النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَنْ ذَبْحِ الحَيَوانِ إِلّا لِأَكْلِهِ».

- نهى صلّى الله عليه وآله عن قَتل النَّحل.

- نهى عن الصّيد للّهو، وجَعَلَ السَّفر - لطلبِ الصّيد لهواً - من الأسفار التي لا يرخّص فيها التقصير والإفطار. بل عن عبد العظيم الحَسَني رضوان الله عليه، عن الإمام أبي جعفر الجواد عليه السّلام في تفسير قوله تعالى: ﴿..فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ..﴾ البقرة:173:  أنّ الِميتة لا تحلّ للباغي، والباغي [هو] الذي يطلب الصّيد بطَراً أو لهواً، لا ليعودَ به على عياله. ليس لهما أن يأكلا المِيتة إذا اضطُرّا، هي حرامٌ عليهما في حال الاضطرار كما هي حرامٌ عليهما في حال الاختيار.

- نهى رسولُ الله صلّى الله عليه وآله عن قَتْل أربعٍ من البهائم: النملة والنحلة والهدهد والصّرد.

- [روي أنّ] «عليّ بن الحسين عليهما السّلام قتلَ نملةً فأعطى فرساً في سبيل الله».

- «عن أبي حمزة الثّمالي، قال: كانت لابن بنتي حماماتٌ فذَبَحتُهنّ غضَباً، ثمّ خرجتُ إلى مكّة فدخلتُ على أبي جعفر محمّد الباقر عليه السلام قبل طلوع الشمس، فلمّا طلعتْ رأيتُ حَماماً كثيراً.

قال، قلت: أسألُه عن مسائل وأكتب ما يُجيبني عنها، وقلبي متفكِّرٌ فيما صنعتُ بالكوفة وذَبحي لتلك الحمامات.

فقال لي أبو جعفر عليه السلام: كَأَنَّ قَلْبَكَ في مَكانٍ آخَرَ؟

قلت: أي والله، وقصصتُ عليه القصّة وحدّثته بأنّي ذبحتُهم.

قال: فقال الباقر عليه السّلام: بِئْسَ ما صَنَعْتَ يا أَبا حَمْزَةَ؛ فَتَصَدَّقْ عَنْ كُلِّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ ديناراً، فَإِنَّكَ قَتَلْتَهُنَّ غَضَباً».

إلى غير ذلك ممّا [قد نصنّف فيه] رسالة مفردة في حقوق الحيوانات إنْ شاء الله تعالى، والغرَض من إيرادها التنبيه على الرحمة واللّطف والرأفة الملحوظة في أحكام الإسلام وقوانينه. ولمزيد الاطّلاع استمع لما يُتلَى عليك:

- نهى [الإسلام] عن سَلْخ الذّبيحة قبل أن تموت، ونهى أن يُقطع رأسها قبل أن تموت.

- نهى أن تُعَرقَب الدّابّة إذا حرنتْ [أي وقفت] في أرض العدوّ. [العَرْقَبَة: قَطْعُ العُرقوب؛ وهو العصب الذي خلف الكعبَين]

- لا يجوز قطع أعضاء الحيوان إلّا لعلاج.

- ونهى عن إخصاء الدّوابّ والغنم إلّا للإصلاح.

- رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله: «لَعَنَ اللهُ مَنْ مَثَّلَ بِالحَيَوانِ».

- «رُوي أنه كان رجلٌ من بني إسرائيل ناسكٌ يعبدُ الله، فبينما هو يصلّي وهو في عبادته إذْ بَصُر بغلامَين صبيّين قد أخذوا ديكاً وهما ينتفان ريشَه. فأقبلَ على ما فيه من العبادة ولم يَنههما عن ذلك، فأوحى الله إلى الأرض أن تَسيخي بعبدي، فساخت به الأرض».

- نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يُحرَق شيءٌ من الحيوان.

- مرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله على قومٍ نصبوا دجاجةً حيّةً وهم يرمونها بالنّبل فقال: «مَنْ هَؤُلاءِ؟ لَعَنَهُمُ اللهُ!».

- روي عنه صلّى الله عليه وآله قوله: «لَعَنَ اللهُ مَن اتَّخَذَ شَيئاً فِيه الرُّوحُ غَرَضَاً».

- وعنه صلّى الله عليه وآله أنّه نهى عن المُثلة وعن صَبْرِ البَهائم. [الصّبر هنا: من قبيل حَبْسِها حتّى تموت جوعاً أو عطشاً]

اخبار مرتبطة

  ملحق شــعائـر

ملحق شــعائـر

  دوريّات

دوريّات

منذ 0 ساعات

دوريّات

نفحات