مصطلحات

مصطلحات

14/05/2015

الإسلام والتّسليم

الإسلام والتّسليم

____ الشيخ حسن المصطفوي* ____

 

الإسلام: النظر فيه إلى جهة الصدور من الفاعل وقيام الفعل به. قال سبحانه وتعالى:

- ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله..﴾ البقرة:112.

- ﴿..وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..﴾ آل عمران:83.

- ﴿..وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ غافر:66.

أي مَن جعل نفسه وذاته ووجهه في سِلمٍ قبال ربّ العالمين، حتّى لا يبقى جهةُ خلافٍ في البين.

التّسليم: النظر فيه إلى جهة وقوع الفعل وتعلُّقه بالمفعول. قال سبحانه وتعالى:

- ﴿..فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً..﴾ النور:61.

- ﴿..صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ الأحزاب:56.

- ﴿..إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ..﴾ البقرة:233.

أي التّسليم، وجعل هذا العمل متعلَّقاً بالغير، كتسليم التحيّة، وتسليم النفس، وتسليم ما آتيتم، والمراد جعل هذه الموضوعات مسلَّمة وفي سلمٍ في هذه الموارد، في كلّ مورد بحسبه.

والتعبير في هذه الموارد بهذه المادّة دون ما يماثلها من التأدية، والإيتاء، والإعطاء، والدفع وغيرها، إشارة إلى تحقّق مفهوم السّلم، وأن لا يبقى أدنى خلاف وبُغض، ويكون هذا من خلوص النيّة.

متعلّقات التسليم

ثمّ إنّ متعلَّق التّسليم إمّا أمر مادّيّ أو روحانيّ:

فالأمر الماديّ كما في قوله تعالى:

﴿..وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ..﴾ البقرة:233. ما تريدون إيتاءه في مقابل الرضاعة.

وكما في: ﴿..وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ..﴾ الأنفال:43. أي جعلكم سلَماً متوافقين في مقابل العدوّ.

والأمر الروحانيّ كما في قوله تعالى:

﴿..يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب:56: أي اجعلوا أنفسكم وقلوبكم سلماً وموافقاً قبال رسول الله صلّى الله عليه وآله.

ونظيرها قوله تعالى: ﴿..ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ النساء:65: أي حتّى لا يبقى خلاف باطنيّ واستنكار قلبيّ بل يوافقون من جميع الجهات ويسلَّمون أنفسهم وقلوبهم فيما قضى صلّى الله عليه وآله.

متعلّقات الإسلام، ومراتبه

والإسلام أيضاً من جهة متعلَّقه كذلك، فالمادّيّ كما في: ﴿..سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ..﴾ الفتح:16: يراد إظهار التّسليم وكونهم سلماً في المرتبة الأولى من الإسلام.

وكما في قوله تعالى: ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ النّمل:31: يراد الإطاعة والاتّباع في الظاهر.

والروحانيّ كما في: ﴿..وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ غافر:66: فظهر أنّ الإسلام عبارة عن جعل شيءٍ سَلَماً، أي موافقاً متلائماً لا يبقى خلاف ولا تُرى جهة مغايرة ومنافرة.

وللإسلام مراتب:

الأولى: إسلام في الأعمال الظاهريّة وفي الأركان البدنيّة والجوارح والأعضاء الجسمانيّة، كما في قوله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا..﴾ الحجرات:14.

الثانية: جعلُ النفس سلماً وموافقاً في الظاهر والباطن، بحيث لا يبقى خلاف في أعماله وفي نيّاته وقلبه، كما في الآية: ﴿..إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ النّمل:81.

الثالثة: رفع الخلاف كلَّاً، سواء كان في عمل أو في نيّة أو في إنّيّة ذات، ففي هذه المرتبة لا يبقى إنيّة ولا تشخّص نفسيّ، ولا رؤية نفس، ويكون وجوده مستغرقاً في بحر الوجود الحقّ، وفانياً في عظَمة نوره تعالى، وفي هذا المقام يُقلَع أثر الخلاف من أصله، وهو الإنّيّة، ويتجلَّى حقيقة مفهوم التسلَّم والموافقة الحقّة المطلقة؛ ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ..﴾ آل عمران:19. فإنّ الإسلام المطلق الكامل هو يكون متحقّقاً في هذا المقام.

وأمّا السّلام: فهو مصدر كالكلام، ومعناه السِّلم... وهو التوافق الكامل ورفع أيّ خلاف في الظاهر والباطن.

_______________________

        * من كتابه (التحقيق في كلمات القرآن الكريم) - معدَّل

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

14/05/2015

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات