الملف

الملف

16/07/2015

فاجعة البقيع

فاجعة البقيع

هكذا هدم الوهّابيّون القبور الطاهرة

§        إعداد: أسرة التحرير

لم يكتفِ أعداءُ أهل البيت بمحاولتهم إطفاء نور الله بقتل أنوار الله وخلفاء رسوله، صلّى الله عليه وآله، أو بمعاقبة مَن يتحدّث عنه بحديث أو بقتل مَن يتحدّث بفضيلة من فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، أو بتحريفهم لسنّة رسول الله، صلّى الله عليه وآله، أو بهدم قبر الإمام الحسين عليه السلام عدّة مرات، فبعد أن رأوا هذا النور يزداد توهُّجاً، بالرغم ممّا بذلوا من جهد للقضاء عليه، اتّخذوا طريقة أخرى للقضاء عليه، تمثّلت بِهَدْمِهِم قبورَ بُناة الإسلام وأئمّة الهداية الموجودة في البقيع، وانتهاك حرمتها وقدسيّتها في فترتَين زمنيّتَين.

في ما يلي تحقيق شامل عن فاجعة هدم القبور الشريفة في البقيع، مقتبس من مصادر عدّة.

 

في العام 1158 للهجرة (1745 م) اتّفق كلّ من الأمير محمّد بن سعود (أمير الدرعيّة) والشيخ محمّد بن عبدالوهّاب على العمل معاً على نشر الدعوة الوهّابيّة، على أن تكون للأوّل السلطة السياسيّة ولـلثاني الدينيّة...

خلف محمّدَ بن سعود في الحكم ابنُه عبدُ العزيز الّذي توسّع في الحكم فاحتلّ عدداً من المناطق المجاورة... كما قام بغزو جنوب العراق حيث هجم على مناطق عديدة منه، ودخل جيشه مدينة كربلاء المُقدّسة في 20 نيسان 1801م (1216 للهجرة) بقيادة ابنه سعود، وعاث فيها فساداً، وهدم جانباً من مشهد سيِّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ونهب محتوياته...

 

بداية الهَدم في مكّة المكرّمة

وكان سعود بن عبد العزيز قد قام سنة 1209 للهجرة (1794م) بتجهيز جيش كبير، وهجم على‏ المناطق الحجازيّة المتاخمة لنَجد، واستطاع تحقيق مقدار من النجاح بعد انضمام مجموعة من القبائل إليه لتتخلّص من البطش الذي تميّزت به الهجمات السعوديّة...

وقد قام بهجومه على مكّة في 1218 للهجرة (1802م)، ودخلها ثمّ قام بتهديم قببها وآثارها الدينيّة.. وعن ذلك يقول الشيخ زيني دحلان في (خلاصة الكلام): «فما أصبح الصباح إلّا وهم سارحون بالمساحي لهدم القبب، فبادر الوهّابيّون ومعهم كثير من النّاس لهدم المساجد ومآثر الصالحين؛ فهدموا أوّلاً ما في المعلّى من القبب... ثمّ هدموا قبّة مولد النبيّ صلّى الله عليه وآله... ومولد سيّدنا عليّ رضي الله عنه، وقبّة السيّدة خديجة رضي الله عنها، وتتبّعوا جميع المواضع التي فيها آثار الصالحين، وهم عند الهدم يرتجزون ويضربون الطبل ويغنّون، وبالغوا في شتم القبور التي هدموها».

ويقول المؤرِّخ الوهّابيّ ابن بشر عن هذه الواقعة: «ولبث المسلمون [أي الوهّابيّون] في تلك القباب بضعة عشر يوماً يهدمون. يباكرون إلى هدمها كلّ يوم. وللواحد الأحد يتقرّبون!! حتّى لم يبقَ في مكّة شيئاً من تلك المشاهد والقباب إلاّ أعدموها وجعلوها تراباً».

قصّة الهدم الأول في البقيع (المدينة المنوّرة)

لم تذكر المصادر التاريخيّة عن الهدم الأوّل للبقيع إلّا نزراً يسيراً نذكر جانباً منه هنا؛ ففي سنة 1220 للهجرة (1805م) دخل السعوديّون المدينة المنوّرة بعد مزاعم عن مبايعة البعض لهم، ويذكر ابن بشر في (عنوان المجد في تاريخ نجد) تفاصيل القضيّة، فيقول: «فلمّا قَرُب [سعود بن عبد العزيز] إلى المدينة أرسل إلى أهلها بدخوله، فأبوا وامتنعوا من ذلك، فحمل عليهم كراراً حتّى دخلها بعد وصوله بخمسة وعشرين يوماً، فقتل منها بعض النّاس حيث سمّى أهلها الناكثين، لذلك استباح دمهم حتّى بعد الحرب، فدخل مسجد رسول الله، صلّى الله عليه وآله، وزاره، ولبث فيها عشرة أيام لم يحرّك منها ساكناً..».

ويضيف:

«ويوم الحادي عشر، جاء هو وبعض أولاده ومن يعزّ عليه، فطلب الخدم السودان الّذين يخدمون حرم النّبيّ، فقال: أريد منكم الدّلالة على خزائن النّبيّ، فقالوا بأجمعهم.. نحن لا نولّيك عليها، ولا نسلّطك، فأمر بضربهم وحبسهم، حتّى اضطرّوا إلى الإجابة، فدلّوه على بعض من ذلك فأخذ كلّ ما فيها، وكان فيها من النقود ما لا يُحصى، وفيها تاج كسرى أنوشروان، الذي حصل عليه المسلمون لمّا فُتحت المدائن... وفيها تحف ثمينة من جملة ما أرسله سلاطين الهند بحضرته، صلّى الله عليه وآله، تزييناً لقبّته صلّى الله عليه وآله. وأخذ قناديل الذهب، وجواهر عديدة، ثمّ إنّه رتّب في المدينة رجلاً من آل سعود، وخرج إلى البقيع يريد نجداً، فأمر بتهديم كلّ قبّة كانت في البقيع، وتلك القبب: قبّة الزهراء فاطمة بنت الرسول رضي الله عنها [بيت الأحزان]، وقبّة الحسن بن عليّ رضي الله عنه، وقبّة عليّ بن الحسين رضي الله عنه، وقبة محمّد الباقر، وقبّة جعفر الصادق..».

هذا، وقد حاول الوهّابيّون السعوديّون هدم القبّة النبويّة الشريفة! قال عليّ بن موسى الأفنديّ، رئيس القلم العربيّ في ديوان محافظ المدينة في زمن العثمانيّين في كتاب له باسم (وصف المدينة المنوّرة في سنة 1303 للهجرة /سنة 1885م): «..فلمّا أخذ الوهّابيّ الشرقيّ النجديّ المدينة المنوّرة، ونهب جميع تعاليق الحجرة [النبويّة] من ذهب وفضّة وياقوت وجواهر وزمرّد وغير ذلك من التبرّكات المثمّنة التي لا نظير لها في الدنيا، أمر بهدم قباب البقيع، فهُدمت، وأمر بهدم القبّة الخضراء ليأخذ العَلم الذهب الذي عليها، فكلّ من طلع لتنزيل العلم طاح فمات...».

 

إخراج آل سعود من المدينة المنوّرة

لقد حزّ في نفوس المسلمين في العالم الأفاعيل الشائنة التي قام بها السعوديّون في المدينة المنوّرة ، وتهديم الآثار الإسلاميّة وإهانة الأولياء والصالحين فيها.. ولذلك فقد عمّ الغضب الإسلاميّ سائر البلاد الإسلاميّة، وارتفعت وتيرة المطالبات الشعبيّة بتحرير الأماكن المُقدّسة من القيود السعوديّة، وإعادة الهيبة والاحترام إليها كما كانت فيه علی الدوام. وقد شجّعت هذه الأجواء (بالإضافة إلی الرغبات العثمانيّة في الهيمنة على الحجاز) الدولة العثمانيّة علی التفكير في استردادها، ولذلك فقد طلبت من واليها علی مصر محمّد عليّ باشا البدء في الاستعداد لاستعادة السيطرة علی الحجاز في عام 1222للهجرة /1807م.

وعندما استعادت الدولة العثمانيّة المدينة المنوّرة، أعاد المسلمون إليها عمارتها، وقاموا ببناء الآثار الإسلاميّة التي هدمها الوهّابيّون على صورةٍ من الفنّ تتّفق مع ذوق العصر، مستعينين بالتَّبرّعات السَّخيّة والأضرحة الجاهزة التي كانت تأتي من كافّة العالم الإسلاميّ.

 

الهدم الثاني للبقيع

في مطلع عشرينيّات القرن الماضي - بعد حوالي مائة وعشرين سنة من الاحتلال الوهّابيّ الأوّل للمدينة المنوّرة - لم يتمكّن الشريف حسين حاكم الحجاز من القبول بالمطالب البريطانيّة بإنشاء وطنٍ قوميّ لليهود في فلسطين، فتوتّرت العلاقات بين الأشراف والإنكليز، وأُجبر الشريف حسين على التخلّي عن الحكم. حينها سمحت بريطانيا لآل سعود بغزو الحجاز، فأخذت الحواضر الحجازيّة تسقط الواحدة تلو الأخرى نتيجة المجازر التي ارتكبها الوهّابيّون فيها لإخضاع أهلها.

وهكذا سقطت المدينة المنوّرة في يد الجيش السعوديّ في 15 جمادى الأولى 1344 للهجرة (1925م) بعد حصارٍ طويلٍ عانى منه الأهالي كثيراً، ويصف الرحّالة المستر رتز حالة الأهالي بقوله: «كانت النتيجة التي أدّى إليها الحصار الكريه هذا أن قلَّ عددُ السكّان فيها إلى ستّة آلاف نسمة فقط، مع أنّ هؤلاء السكّان كان عددهم قد وصل إلى سبعين أو ثمانين ألف نسمة من قبل» .. ثمّ يأخذ الرحّالة رتز بوصف الشوارع والأزقّة الفارغة والبيوت المُتهدّمة.

هذا، وقد مكث الجيش السعوديّ عدّة أشهر (تقلّ عن الخمسة بقليل) في المدينة، لم يمسّ فيها مقبرة البقيع بسوء.. فبعد أن دخل الوهّابيّون المدينة المنوّرة في جمادى الأولى 1344 للهجرة، لم تنلها أيدي الغيّ السعوديّ إلّا في الثامن من شوّال من ذلك العام، وقبلها قام بالتمهيد لذلك عبر أحد فقهاء السلاطين وهو قاضي القضاة الشيخ عبدالله بن بليهد، حيث أرسله من الرياض إلى المدينة المنوّرة في شهر رمضان، وبعد دخوله المدينة وجّه إلى علمائها المغلوبين على أمرهم سؤالاً حول جواز البناء على القبور، والتبرّك بقبر رسول الله، صلّى الله عليه وآله،، وسائر ما يعدّه الوهّابيّة من الشرك، وكانت النتيجة أنّه استصدر منهم بالترهيب والتهديد الفتاوى التي تخدم مصالح أسياده من آل سعود.

وهكذا، وفي يومٍ أسود كالح من أيّام عام 1344 للهجرة، كَشّر الوهّابيون عن أنيابهم وسنّوا حِرابهم وفرضوا على جميع بنّائي المدينة المشاركة في الهدم، وتوجّهوا إلى جنّة البقيع ورفعوا سواعد طالما تغذّت على المال الحرام، وهوَوا بها على أطيب بقعة ضمّت الأجساد المُطهّرة لأربعة من الأئمّة من آل البيت الأبرار عليهم السّلام، ولا زالوا بها حتّى سوّوها مع الأرض، لا يشير إليها إلّا مجموعة الحصى التي عليها.. وتنقل لنا رسالة لرجلٍ مُوالٍ ومن محبّي أهل البيت عليهم السّلام كان في المدينة المنوّرة عند هدم قبور البقيع، أرسلها إلى أحد علماء الشيعة في العراق مؤرّخة في 8 شوّال 1344، تنقل لنا هذه الرسالة صورة لما حصل للمقدّسات الإسلاميّة في المدينة المنوّرة، وممّا جاء في الرسالة:

«..جميع البلاد الحجازيّة مقهورة تحت سيطرة ابن سعود وحكمه المطلق فيها. ومنذ أيّام ورد المدينة قاضي قضاة الوهّابيّين [يقصد الشيخ عبدالله بن بليهد] وبينما كان مجلسه غاصّاً بعلمائها صرّح أمامهم بتحريم زيارة القبور، وأنّها بدعة في الدين، وشرك بالله، وأنّه يلزم تحصيل الاتّفاق من جميع علماء المذاهب الأربعة على تخريبها تماماً ومحو آخر أثر من آثارها على وجه الأرض. ونظراً لذلك فقد مُنعت زيارة جميع المراقد المطهّرة، وأُغلقت أبوابها، ومنذ عشرين يوماً لم نجرؤ على قصد هذه المشاهد المشرّفة وزيارتها، إذ إنّ جنود الوهّابيّين (الأخوان) قد رصدوا الحرم المطهّر النبويّ ومنعوا أيّ زائر من التقرّب إلى ضريح رسول الله، صلّى الله عليه وآله.

ثمّ إنّ قاضي قضاة الوهّابيّين لم يتمكّن من تحصيل الاتّفاق المطلوب من علماء المدينة، إلّا بعد أيّام، إذ استعمل معهم الوسائل الأخرى المخوّفة من القوّة، والبعض الآخر وافق ابتداء، فحكموا جميعاً طبق رغبته بتحريم زيارة القبور مطلقاً والتمسّح بها إلى الله، والاستشفاع بها إليه وتلاوة الزيارة فيها. ثمّ صدر الأمر بهدم المراقد الشريفة وتخريبها، فشرع الجند أولّاً بنهب جميع ما تحتويه تلك البنايات المُقدّسة في البقيع من الفرش والستائر والمعلّقات والسرج وغير ذلك، ثمّ بدأوا يخرِّبون تلك المشاهد المقدّسة، وفرضوا على جميع بنّائي المدينة الاشتراك في التخريب والتهديم».

             

الجريمة كما وصفها الغربيّون

يصف الرحّالة الغربيّ (إيلدون رترEldon Ritter)، المدينة المنوّرة بعد الجريمة الثانية التي نفّذها الوهّابيّون عند استيلائهم على المدينة وقتلهم الآلاف من الأبرياء، يقول: «لقد هُدّمت واختفت عن الأنظار القباب البيضاء التي كانت تدلّ على قبور آل البيت النبويّ.. وأصاب القبور الأخرى نفس المصير فسُحقت وهُشِّمت».

 ويقول الرحّالة السويسريّ لويس بورخارت Louise Burkhart، الذي اعتنق الإسلام وسمّى نفسه إبراهيم: «تبدو مقبرة البقيع مهملة جدّاً، لا تليق بقدسيّة الشخصيّات المدفونة فيها. وقد تكون أتعس من أيّة مقبرة موجودة في المدن الشرقيّة الأخرى التي تضاهي المدينة المنوّرة في حجمها، فهي تخلو من أيّ قبرٍ مشيّد تشييداً مناسباً، وتنتشر القبور فيها وهي أكوام غير منتظمة من التراب. يحدّ كلّ منها عدد من الأحجار الموضوعة فوقها..»، ويعزي تخريب المقبرة الى الوهّابيّين.

ثمّ يصف هذا الرحّالة قبور أئمّة أهل البيت عليهم السّلام بالقول: «فالموقع بأجمعه عبارة عن أكوام من التراب المبعثر، وحُفر عريضة..».

أمّا جبل أُحُد، فيقول عنه هذا الرحّالة بأنّه وجد المسجد الذي شُيِّد حول قبر حمزة، رضوان الله تعالى عليه، وغيره من شهداء أُحُد مثل مصعب بن عُمير... قد هدمه الوهّابيّون.. وعلى مسافة وجد قبور اثنَي عشر صحابيّاً من شهداء أُحُد «وقد خرّب الوهّابيّون قبورَهم وعبثوا بها».

 

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

16/07/2015

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات