أعلام

أعلام

منذ 4 أيام

العابدُ الزاهد، والعالمُ الموسوعيّ


السّيّد محمّد العَيْناثيّ العامليّ، سِبطُ الشّهيد الثّاني

العابدُ الزاهد، والعالمُ الموسوعيّ

ــــــــــــــــــ إعداد: سليمان بيضون ــــــــــــــــــ

* من أعلام العلماء العامليّين في القرن الحادي عشر الهجري.

* هاجر إلى إيران حيث أنجز عدداً من مؤلّفاته فيها، وتوفّي في مدينة مشهد.

* اعتنى بشؤون الموعظة وتهذيب النفس، وله في هذا المضمار كتابا (آداب النفس)، و(الاثنا عشرية في المواعظ العَددية).

 

هو السيّد محمّد بن محمّد بن حسن بن قاسم الحسيني العاملي العيناثي الجزيني، الشهير بـ «ابن قاسم». لم تذكر المصادر سنة ولادته ومكانها، لكن يظهر أنّ مولده كان في قرية عيناثا العاملية في جنوب لبنان في بداية القرن الحادي عشر الهجري. وأمّا وفاته ومدفنه ففي مدينة طوس الإيرانيّة سنة 1085 هجريّة على ما صرّح به السيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة).

وأما نسبة الجزيني [نسبةً إلى بلدة جزّين] التي أثبتها عددٌ من المصادر، فلعلّها ترجع إلى سنوات قضاها في تحصيل العلم في تلك الحاضرة العلمية العاملية.

بلدة عيناثا

كانت عيناثا إحدى منارات جبل عامل التي شعّ نورها في بلاد الشام، وهي متاخمة لمدينة بنت جبيل، وواحدة من القرى التي ساهمت في النهضة العلمية الأولى التي انطلقت في جبل عامل على يد الشهيد الأوّل الشيخ محمّد بن مكّي الجزيني في أواسط القرن الثامن الهجري.

وبعد نهاية حكم أحمد باشا الجزّار سنة 1219 هجرية، عادت الحياة العلمية إلى عيناثا مُجدّداً، وكانت من المؤسّسين في النهضة العلمية الثانية التي كان قوامها: «مدرسة الكوثرية»، و«مدرسة طيردبا»، و«مدرسة شقراء».

وقد ذاع صيت عيناثا العلميّ، وصارت مقصداً للعديد من طلّاب العلوم الدينية من القرن التاسع حتّى اليوم.

 

 

ومن جملة مَن قصدها الشيخ ناصر الدين البويهي، الذي ذكر أصحاب التراجم أنّه من نسل ملوك بني بُويَه في إيران والعراق، حضر إلى عيناثا ودرس على الشيخ ظهير الدين العاملي الذي كان يروي عن الشيخ نور الدين علي (والد الشهيد الثاني).

كما نبغ من عيناثا علماء من آل خاتون، أمثال الشيخ أحمد بن محمّد بن خاتون العيناثي، المعاصر للشهيد الثاني، كذلك ظهر منها آل فضل الله الحسني الذين قدموا إليها من مكّة المكرمة.

من الأقوال بحقّه

* قال عنه الشيخ الحرّ العاملي في (أمل الآمل): «السيّد محمّد بن محمّد بن حسن بن قاسم الحسيني العاملي العيناثي الجزّيني. كان فاضلاً صالحاً أديباً شاعراً زاهداً عابداً، له كُتب منها: كتاب الاثني عشرية في المواعظ العدديّة، وكتاب الحدائق، وكتاب أدب النفس، وكتاب المنظوم الفصيح والمنثور الصحيح، وفوائد العلماء وفرائد الحكماء. وأمّ أمّه [جدّته] بنت الشيخ زين الدين الشهيد الثاني».

* وقال الشيخ عبّاس القمّي في (الكنى والألقاب): «ابن قاسم العاملي، محمّد بن محمّد بن الحسن الحسيني العاملي العيناثي الجزّيني، فاضل، صالح، أديب، شاعر، زاهد، عابد، صاحب كتاب الاثني عشريّة في المواعظ العددية، فرغ منه سنة 1068 في المشهد المقدّس الرضوي، كانت أُمّ أمّه بنت الشهيد الثاني رضوان الله تعالى عليهم أجمعين».

 

 

* وقال الشيخ آغا بزرك الطهراني في (الذريعة إلى تصانيف الشيعة): «السيّد الواعظ الجليل محمّد بن محمّد بن الحسن بن القاسم الحسيني العيناثي العاملي صاحب الاثني عشرية في المواعظ العدديّة..».

* وقال إسماعيل باشا البغدادي في (هدية العارفين): «العاملي، محمّد بن محمّد بن قاسم الحسيني العاملي العيناثي الجزيني الشيعي، كان حيّاً سنة إحدى وثمانين وألف. له أدب النفس، وحدائق الأبرار وحقائق الأخبار، وفوائد الحكماء، وفوائد العلماء، وكتاب الاثني عشرية في المواعظ العددية، والمنظوم الفصيح والمنثور الصحيح».

* قال عمر كحّالة في (معجم المؤلّفين): «محمّد بن محمّد بن قاسم الحسيني، العاملي العيتاني [العيناثي]، الجزّيني، الشيعي. فاضل. من آثاره: أدب النفس، وحدائق الأبرار وحقائق الأخبار، وفوائد الحكماء، وفوائد العلماء، وكتاب الاثني عشريّة».

العيناثي الشاعر

لا غرابة في أن يكون السيّد محمّد العيناثيّ ممّن وُصف بالشاعريّة كما مرّ في أقوال المؤرّخين بحقّه، فبلدته عيناثا كانت ولم تزل منارةً للأدب، ونبغ منها شعراء كثيرون إلى اليوم.

ومن الطبيعي أن ينتمي شعره إلى ميدان تهذيب النفس والدعوة إلى العزوف عن دار الفناء، ومدْح سادة الخلق محمّد وآله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ذكر له في (الذريعة) ديواناً يحمل الرقم 6468، وقال: إنّ صاحب (أمل الآمل) أورد له منه نيّفاً وعشرين بيتاً، ومنها:

ويحكِ يا نفسُ دَعِي

ما عِشْتِ ذلَّ الطّمعِ

وَارْضي بما جَرى به

حُكْمُ القَضا واقتنعي

إيّاكِ وَالمَيْلَ إلى

شَيْطانِكِ المُبتَدعِ

واقْتصدي واقْتصري

كي تَرْتَوي وَتَشْبَعي

أينَ السّلاطينُ الأولى

من حِمْيَرٍ وتُبّعِ

شادوا الحُصونَ فوقَ

كلِّ شاهقٍ مرتَفعِ

لم يبقَ من ديارِهِمْ

غيرُ رُسومٍ خُشَّعِ

كفى بِذاكَ واعِظاً

وزاجراً لِمَنْ يَعي

حَسْبُكِ يا نفسُ اقْبَلي

نُصحي ولا تُضيّعي

 

وله قصيدة أخرى يقول فيها:

فَحالِفي يا نفسُ أربابَ التُّقى

وخالفي نهجَ الضلالِ والعَمى

والمرءُ لا يُجزى بغيرِ سَعْيِهِ

إِذْ ليسَ للإنسانِ إلّا ما سَعى

واعلمْ بأنْ كلُّ مَن فوقِ الثَّرى

لا بدُّ من مصيرهِ إلى البِلى

وَكِّلْ إلى اللهِ الأمورَ تَسْترحْ

وعدْ إلى مدحِ الحبيبِ المُجتبى

الماجدِ المَبعوثِ فينا رحمةً

محمّدٍ الهادي النَّبيِّ المُصطفى

وَاثْنِ على أخيهِ وابنِ عَمِّه

قَسيمِ دارِ الخُلدِ حقّاً، ولَظَى

والحسنِ المَسمومِ ظُلْماً والحسينِ

السّيّدِ السّبطِ شهيدِ كربلا

فَهُمْ مَنارُ الحقِّ للخَلْقِ فما

أفلحَ مَنْ نَاواهمُ ومَنْ شَنا

 

ومن قصيدةٍ له أيضاً:

أخي لا تَركننَّ إلى أحدٍ

حَتّى يواريكَ ضيقُ الرّمسِ

وعِشْ فَريداً مِنَ الأنام ففي

البُعْدِ عن الإِنسِ غايةُ الأُنسِ

 

كُتبه ومؤلفاته

لم تُذكر للسيّد محمّد العيناثي مؤلّفات في المجالات العلميّة السائدة في الحوزات، بل كلّ ما نُسب إليه ينتمي إلى عالم الوعظ والإرشاد، وهي مؤلّفات قيّمة تُعدّ من المصادر التي لا غنى عنها في هذا الباب، ومنها:

* (الاثنا عشريّة في المواعظ العدديّة): قال عنه في (الذريعة): «مرتّبٌ على مُقدّمة واثني عشر باباً وخاتمة، أوّلها في الآحادية، والثاني في الثنائية، وهكذا إلى الاثني عشريّة، وفي كلّ باب يبدأ بالمأثورات عن النبيّ صلّى الله عليه وآله من طُرق الخاصّة، ثمّ من سائر الطُّرق، ثمّ المأثورات عن أمير المؤمنين، ثمّ الحسن ثمّ الحسين، وهكذا إلى آخر الأئمّة الاثني عشر، عليهم السلام، ثمّ ينقل كلمات الحكماء والعرفاء، وهكذا إلى تمام الأبواب. فرغ منه تاسع رجب سنة 1068، وطبع سنة 1322 في إيران».

* (منتخب الاثني عشريّة في المواعظ العدديّة): قال في (الذريعة) أيضاً: «انتخبه السيّد العيناثي بالتماس بعض أصحابه ورتّبه بترتيبه».

* (حدائق الأبرار وحقائق الاخبار): قال في (الذريعة): «للسيّد الواعظ الحافظ محمّد بن محمّد بن الحسن بن القاسم الحسيني العيناثي مؤلّف الاثني عشريّة في المواعظ العدديّة، فرغ من تأليف الحدائق في عام 1081؛ ينقل عنه السيد حسين القزويني شيخ السيّد بحر العلوم في كتاب معارجه حكايةَ كرامةٍ للشهيد الأوّل، وينقل عنه أيضاً الشيخ درويش علي البغدادي المتوفّى 1277 في كتابه مُعين الواعظين».

 

 

* (آداب النفس): قال مؤلّف الكتاب السيد العيناثي في التعريف به: «والآن قد أفردنا مواعظ وآداب تدعو الإنسان إلى التقوّي والرغبة في الدار الآخرة الباقية، والزهد في هذه الحاضرة الفانية، وتَحَلِّيها بالخير والرشاد، وتَخلّيها عن الشرّ والفساد، وسمّيتها (آداب النفس) ليزول عنها الوسوسة واللّبس، واخترت لها من كلام الأئمّة ومؤدّبي الأمّة، ومن المواعظ وكلام الزهّاد وغيرهم من العلماء والعبّاد ما يحصل لنا ذُخرها، ومن الحكايات ما يحضرنا ذِكرُها، وبالله التوفيق».

من آداب النفس عند العارفين

يذكر السيّد العيناثي في مقدّمة كتابه (آداب النفس) أصناف أهل العبادة، ويصف آداب العارفين منهم، وقد اخترنا شذراتٍ منها:

«فمن آدابهم الطهارةُ، وأن يكون دهرُهم عليها سفَراً وحضَراً، ولا يدرون متى يأتيهم الموت فيفارقون الدنيا على الطهارة، وربما جدّدوا الوضوء لكلّ صلاة من غير أن يتخلّل وضوءهم حدثٌ.

ومن آدابهم في الصلاة تأهّبُهم لها قبل وقتها حتّى لا يفوتَهم الوقت الأوّل. وأكثرُ سعي العارفين في أعمال الصّلاة هو في الإخلاص بحضور القلب عند كلّ عمل، فلا يقول الإنسان (الله أكبر) وفي قلبه شيءٌ أكبر من معبوده.

وأمّا آدابهم في الزكاة، فما ينبغي لهم أن تُفرض عليهم لأنّ الله قد زوى عن الزهّاد أموال الدنيا فلا يقتنون زُخرفَها.

وآدابُهم في الصوم صحّة مقاصدهم، ومباينة شهواتهم، وحفظ أطرافهم، وصفاء مَطعمهم ورعاية قلبهم، ودوام ذكرهم، وقلّة اهتمامهم بالمضمون من رزقهم، وترك ملاحظتهم لصومهم، واعتيادهم الجوع من غير اكتراثٍ في عامّة أوقاتهم.

ومن آدابهم في الحجّ، أن لا يقعدوا عنه وهم عادمون للزاد والراحلة إلّا أن يُقعدهم فرضٌ لازم أو مرضٌ قادح، وعامّتهم دائبون في قطع العلائق ومفارقة الأوطان ومهاجرة الإخوان، فيحوّلون نحو بيت الله من غير نفَقةٍ ولا زاد.

ومن آدابهم في قراءة القرآن، أن يجلسوا لها على طهارة ساكنين مُطرِقين مستقبلين القبلة، غير متّكئين ولا متربّعين، فيقرأونه كذلك بترتيلٍ بغير هَذْرَمَةٍ [سرعة في القراءة] مستشعرين أنّهم قارئو كتابه وكلامه تعالى، ومطالعو جمال عِلمه وحكمته..».

من كلام له في تفضيل الفقر على الغِنى

«ينبغي أن يكون الناصحُ للخلق السالكُ مناهجَ الحقّ، مُحبّاً للفقر على ما فيه من الهَوان، مبغضاً للغِنى على ما فيه من الصّنوان، فاذا أمعنَ العاقلُ الفكرَ في حال الغِنى، فالغِنى هو الفقر، واليُسر هو العُسر، والفقير أحسنُ من الغنيّ حالاً وأقلّ منه اشتغالاً، لأنّ الفقير خفيفُ الظَّهر من كلّ حقّ، منفكُّ الرقَبة من كلّ رِقّ، محذوفٌ في الضيافات حذفَ التنوين في الإضافات..».




نماذج من كتاب (المواعظ العدديّة)

* في المفردات: ما ورد في حِكم النبيّ صلّى الله عليه وآله بلفظة «مَن»: «مَنْ صَمَتَ نَجا. مَنْ تَواضَعَ للهِ رَفَعَهُ اللهُ، وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللهُ».

* في الثُّنائيّات: منها قوله صلّى الله عليه وآله: «إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، قَسَّمَ الخَلْقَ قِسْمَيْنَ فَجَعَلَني في خَيْرِهِما قِسْماً».

وعنه صلّى الله عليه وآله: «خَصْلَتانِ لا أُحِبُّ أَنْ يُشارِكَني فيهِما أَحَدٌ: وُضوئي فَإِنَّهُ مِنْ صَلاتي، وَصَدَقَتي فَإِنَّها مِنْ يَدي إِلى يَدِ السَّائِلِ، فَإِنَّها تَقَعُ في يَدِ الرَّحْمَنِ».

* في الثلاثيّات: قال الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام: «يا موسى أَنا أَفْعَلُ بِكَ ثَلاثَةَ أَفْعالٍ، أَنْتَ أَيْضاً افْعَلْ ثَلاثَةً. فَقالَ موسى: ما هَذِهِ الثَّلاثَةُ؟ قالَ اللهُ تعالى:

الأَوَّلُ: وَهَبْتُكَ نَعيماً كَثيراً وَلَمْ أَمُنَّ عَلَيْكَ، فَهَكَذا إِذا أَعْطَيْتَ خَلْقي شَيْئاً فَلا تَمُنَّ عَلَيْهِمْ.

الثّاني: لَوْ أَكْثَرْتَ الجَفا مَعي لَقَبِلْتُ مَعْذِرَتَكَ إِذا أَقْبَلْتَ إِلَيَّ، فَكَذَلِكَ اقْبَلْ مَعْذِرَةَ مَنْ جَفاكَ لَوْ اعْتَذَرَ إِلَيْكَ.

وَالثّالِثُ: لَمْ أُكَلِّفْكَ عَمَلَ غَدٍ، فَلا تُكَلِّفْني رِزْقَ غَدٍ».

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 4 أيام

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات