مراقبات

مراقبات

06/01/2016

الأمانُ لأهل الجانبَين


مراقبات شهر ربيع الآخر

الأمانُ لأهل الجانبَين

ــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ــــــــــــــــــ


شهر ربيع الثاني أو ربيع الآخر، هو الرابع من أشهر السنة الهجرية. وفي (روضة الواعظين) للفتّال النيسابوري: «شهر ربيع الأول، وشهر ربيع الآخر سمِّيا بذلك لإنبات الأرض وإمراعها فيهما».

وحول التسمية أيضاً قال المسعودي في (مروج الذهب): « ربيع، وربيع، لارتباع الناس والدوابّ فيهما». والإمراع هو أن يكثر الكَلَأ. والارتباع الإقامة، وهنا النزولُ حيث تكون الخضرة.

ثمّ إنّ العشرة الأوَل من شهر ربيع الآخر تُعدّ من أيام أشهُر السياحة المذكورة في الآية الثانية من سورة التوبة. ففي كتاب (معاني الاخبار) للشيخ الصدوق عن الإمام الباقر عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ..﴾ التوبة:2، قال عليه السلام: «عشرين من ذِي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشرة أيّام من شهر ربيع الآخر، ولا يُحسَب في الأربعة الأشهر عشرة أيّام من أوّل ذي الحجّة».

وفي اليوم العاشر من هذا الشهر من سنة 238 كانت ولادة الإمام الحسن بن عليّ الزكيّ العسكريّ عليه السلام في المدينة المنوّرة، كما في (مسارّ الشيعة) للشيخ المفيد، و(مصباح المتهجّد) للشيخ الطوسي، وفيهما أنّ استقرار فرض صلاة الحضر والسفر كان في اليوم الثاني عشر منه سنة واحد للهجرة.

 

اليوم الأول

أورد السيد ابن طاوس في (إقبال الأعمال) دعاءً يُقرأ في اليوم الأول من شهر ربيع الآخر، وصفه الشيخ الملكي التبريزي في (المراقبات) بالدعاء الجليل الفاخر، وعدّه من مهمّات الأعمال في هذا الشهر. والدعاء مذكورٌ بتمامه في الجزء الثالث من (إقبال الأعمال) تحت عنوان الدعاء في غرّة شهر ربيع الآخر، وتجده أيضاً في الجزء الثالث من (مفتاح الجنّات) للسيد محسن الأمين، وفي (باب مراقبات) من أعداد شهر ربيع الثاني السابقة من مجلة «شعائر».

اليوم العاشر: ولادة الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام

في (مزار) الشيخ المفيد، عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام، أنّه قال: «قَبْرِي بِسُرَّ مَنْ رَأَى أَمَانٌ لِأَهلِ الجَانِبَيْن». وفي (الوافي) للفيض الكاشاني أنّ المراد بأهل الجانبَين المقيمون بجانبَي القبر الشريف، لكنّ المجلسيّ الأوّل فسّر الحديث بأنّ فضله عليه السلام يعمّ الموالين وغيرهم.

وتحت عنوان: فضل زيارة السيّدين أبي الحسن عليّ بن محمّد، وأبي محمّد الحسن بن عليّ العسكريَّين عليهما السلام، قال الشيخ المفيد: «من الوفاء بالعهد للإمامَين العسكريَّين زيارة قبورهما، والتقرّب إلى الله وإليهما بقصدهما، والتعظيم لحقِّهما، وبزيارتهما يُستفاد من الثواب ما يستفاد من زيارة آبائهما عليهم السلام».

وأورد رضوان الله تعالى عليه مجموعة من الروايات في فضيلة زيارة مشاهد المعصومين عليهم السلام:

- عن الإمام الرضا عليه السلام: «إِنَّ لِكُلِّ إِمَامٍ عَهْداً فِي عُنُقِ شِيعَتِهِ، وإنَّ مِنْ تَمَامِ الوَفَاءِ بالعَهْدِ، وحُسْنِ الأداءِ، زِيَارَة قُبُورِهِم، فَمَنْ زَارَهُم رَاغِبَاً فِي زِيَارَتِهِم كَانُوا شُفَعَاءَهُ يِوْمَ القِيَامَة».

- وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: «مَنْ زَارَ إِمَامَاً مُفَتَرَضَ الطَاعةِ بَعْدَ وَفَاتِه، وَصَلَّى عِنْدَهُ أَرْبَع رَكَعات، كَتَبَ اللهُ لَهُ حجَّةً وعُمْرَةً».

- وعنه عليه السلام أنّه قال: «مَنْ زَارَنَا فِي مَمَاتِنَا فَكَأَنَّمَا زَارَنَا فِي مَحْيَانَا (...) وَمَنْ أَعانَ فَقِيرَنَا كَانَتْ مُكَافَأتُهُ على جَدِّنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلّم».

***

وفي (المراقبات) للملَكي التبريزي أنّ أيّام ولادة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام هي بمنزلة يوم ولادة رسول الله صلّى الله عليه وآله، من حيث وجوب تعظيمها وأداء مراسم الشكر، واستشعار الفرح بالقلب وإظهاره بالجوارح.

وبخصوص يوم ميلاد الإمام الحسن العسكريّ، قال الشيخ التبريزي: «ولهذا اليوم خصوصيّة من جهة أنّه عليه الصّلاة والسلام والد إمامنا أرواحنا وأرواح العالمين فداه بلا واسطة، فينبغي لرعيّته عليه السّلام تهنئتُه بما يليق بجنابه الأقدس.. وأن يزيد المؤمن في حوائجه التي يعرضها لصاحب الولادة بالتضرّع. وليسأله أن يوصي به عند صاحب العصر عليه السّلام في أن يدخله في نظر لطفه، ويخصّه من بين رعيّته بمكارمه، فإنّ لوصيّة الوالد خصوصيّةً في تأثير القبول».

ونقل السيد ابن طاوس في (إقبال الأعمال) عن (حدائق الرياض) للشيخ المفيد استحباب صوم هذا اليوم العاشر من ربيع الثاني، وأضاف: «إنّ كلّ يومٍ وُلد فيه إمام من أئمّة الإسلام فهو يوم عظيم الإنعام، ينبغي أنْ يُتلقّى بما يستحقّه من الشكر لله جلّ جلاله، والثناء على مقدّس مجده والزيادة في مهمّات حمده. وأن يعترف المؤمن لله جلّ جلاله بما فتح تعالى فيه من الأبواب إلى سعادة الدنيا ويوم الحساب، ويعترف للإمام صلوات الله عليه بحقّه الذي أوجبه الله جلّ جلاله برئاسته وشفقته وعظَمته..».

زيارةُ الإمام العسكريّ عليه السلام

 

في (المزار) للشهيد الأول، قال: «في زيارة الإمامين الهمامين السّيّدين السّندين أبي الحسن عليّ بن محمّد الهادي، وأبي محمّد بن الحسن عليّ العسكري عليهما السّلام، بسرّ من ‏رأى:‏

فَإِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ وَوَرَدْتَ مَشْهَدَهُمَا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، اغْتَسِلْ مَنْدُوباً. فَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى قَبْرَيْهِمَا قُلْ:

(السَّلَامُ عَلَيْكُمَا يَا وَلِيَّيِ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمَا يَا نَجِيَّيِ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمَا يَا نُورَيِ اللهِ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمَا يَا أَمِينَيِ اللهِ، أَتَيْتُكُمَا زَائِراً لَكُمَا عَارِفاً بِحَقِّكُمَا، مُؤْمِناً بِمَا آمَنْتُمَا بِهِ، كَافِراً بِمَا كَفَرْتُمَا بِهِ، مُحَقِّقاً لِمَا حَقَّقْتُمَا، مُبْطِلًا لِمَا أَبْطَلْتُمَا. أَسْأَلُ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمَا أَنْ يَجْعَلَ حَظِّي مِنْ زِيَارَتِكُمَا الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَنْ يَرْزُقَنِي شَفَاعَتَكُمَا وَلَا يُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمَا، وَلَا يَسْلُبَنِي حُبَّكُمَا وَحُبَّ آبَائِكُمَا الصَّالِحِينَ، وَأَنْ لَا يَجْعَلَهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيَارَتِكُمَا، وَأَنْ يَحْشُرَنِي مَعَكُمَا وَيَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمَا فِي الْجَنَّةِ بِرَحْمَتِهِ).

ثُمَّ تَنْكَبّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَبْرَيْنِ فَتُقَبِّلُهُ وَتَضَعُ خَدَّيْكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ وَتَقُولُ:

(اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّهُمْ وَتَوَفَّنِي عَلَى ولَايَتِهِمْ، اللَّهُمَّ الْعَنْ ظَالِمِي آلِ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ وَانْتَقِمْ مِنْهُمْ، اللَّهُمَّ الْعَنِ الْأَوَّلِينَ مِنْهُمْ وَالْآخِرِينَ وَضَاعِفْ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ‏، إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ. اللَّهُمَّ عَجِّلْ فَرَجَ وَلِيِّكَ وَابْنِ نَبِيِّكَ وَاجْعَلْ فَرَجَنَا مَعَ فَرَجِهِمْ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ).

ثُمَّ تُصَلِّي عِنْدَ الرَّأْسِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَتُصَلِّي بَعْدَهَا مَا بَدَا لَكَ، وَتَدْعُو لِنَفْسِكَ وَلِوَالِدَيْكَ وَلِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا تُرِيدُ.

فَإِذَا أَرَدْتَ الِانْصِرَافَ فَوَدِّعْهُمَا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَقُلْ:

(السَّلَامُ عَلَيْكُمَا يَا وَلِيَّي اللهِ، أَسْتَوْدِعُكُمَا اللهَ وَأَقْرَأُ عَلَيْكُمَا السَّلَامَ، آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَبِمَا جِئْتُمَا بِهِ وَدَلَلْتُمَا عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ).

ثُمَّ اخْرُجْ وَوَجْهُكَ إِلَى الْقَبْرَيْنِ عَلَى أَعْقَابِكَ».

في التوسّل بالمعصومين عليهم السلام

«إنّ للتوسّل بالإمام الحسن بن عليّ الزكيّ العسكريّ عليه السلام خصوصيّةً في الحوائج الأخرويّة. فإنّ المعصومين عليهم السّلام - وإن كان كلّ واحد منهم وسيلةً للعباد في جميع حوائجهم - إلا أنّ لكلّ واحد منهم خصوصيّة لبعض الحوائج أيضاً كما يشهد عليه دعاء التوسّل.

* فإنّ لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وكريمته صلوات الله عليها وسبطيه عليهما السّلام خصوصيّة في الحوائج المتعلَّقة بتحصيل طاعة الله جلّ جلاله ورضوانه.

* ولأمير المؤمنين عليه السّلام في الانتقام من الأعداء وكفاية مَؤونة الظَّالمين.

* وللإمام السجاد عليه السّلام في جَوْر السلاطين، ونَفْث الشّياطين.

* وللإمام الباقر والصادق عليهما السّلام في الإغاثة على أمر الآخرة.

* وللإمام الكاظم عليه السّلام في العافية من المحذورات من العِلل، والأسقام والأوجاع.

* وللإمام الرّضا عليه السّلام في النّجاة من مخاوف الأسفار في البحار، والبراري والقفار.

* وللإمام الجواد عليه السّلام في الوسعة والاستغناء عمّا في أيدي الناس.

* وللإمام الهادي عليه السّلام في قضاء النوافل وبرّ الإخوان وكمال الطَّاعات.

* وللإمام الزّكي العسكريّ عليه السّلام في الإعانة على أمر الآخرة.

* ولإمام عصرنا، وملاذنا ومعاذنا، ورجائنا وعصمتنا، ونورنا وحياتنا، الإمام المهديّ عليه السّلام في جملة هذه الحوائج وغيرها..».

(المراقبات)

من سيرة الإمام العسكريّ عليه السلام

الإمام أبو محمّد، الحسنُ بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى الرضا عليهم السلام. الحادي عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام. وُلد بالمدينة المنوّرة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وانتقل مع أبيه عليه السلام إلى سامرّاء بعد أن استدعاه المتوكّل إليها سنة (233 للهجرة)، فبقي بها معه إلى أن اختاره الله إليه سنة (254 للهجرة)، فقام الإمام العسكريّ عليه السَّلام بأعباء الإمامة والقيادة بعده، فكان مرجعاً لشيعته ومحبّيه وللعلماء والفقهاء الذي وفدوا إليه من مختلف البلدان، وخاصّة من مدينة قمّ التي نشطت علميّاً في عصره، وعصر أبيه عليه السلام من قبل، وضمّت عدداً غفيراً من الفقهاء والمحدّثين الذي تربّوا في ظلال أهل البيت عليهم السلام، وانتهلوا من ذلك العطاء المبارك. كما اتّصل به آخرون عن طريق المراسلة والمكاتبة، وذلك حين تشتدّ الظروف وتقسو، فقد وُضع عليه السلام تحت الرقابة الشديدة في سامراء، وحُبس أكثر من مرة خلال فترة إمامته من قبل الملوك العباسيّين الثلاثة: المعتزّ والمهتدي والمعتمد.

روى عنه أصحابه من الروايات في أنواع العلوم الشيء الكثير. فممّن روى عنه: أبو هاشم الجعفري داود بن القاسم، وإبراهيم بن مهزيار الأهوازي، وأحمد بن إسحاق الأشعري القمّي، وآخرون.

وفي (الكافي) للشيخ الكليني أنّ جماعة من العباسيّين والمنحرفين أرادوا السوء بالإمام العسكريّ عليه السلام، فدخلوا على صالح بن وصيف - وهو من القادة العسكريّين عند العباسيّين في سامرّاء – يطلبون منه تشديد الأمر على الإمام في سجنه.

فقال لهم ابن وصيف: (ومَا أَصْنَعُ؟! قَدْ وَكَّلْتُ بِه رَجُلَيْنِ مِنْ أَشَرِّ مَنْ قَدَرْتُ عَلَيْه، فَقَدْ صَارَا مِنَ الْعِبَادَةِ والصَّلَاةِ والصِّيَامِ إِلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، فَقُلْتُ لَهُمَا: مَا فِيه؟).

فقالا: (مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يَصُومُ النَّهَارَ ويَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّه، لَا يَتَكَلَّمُ ولَا يَتَشَاغَلُ، وإِذَا نَظَرْنَا إِلَيْه ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُنَا ويُدَاخِلُنَا مَا لَا نَمْلِكُه مِنْ أَنْفُسِنَا)، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ انْصَرَفُوا خَائِبِينَ».

وكانت شهادة الإمام عليه السلام في الثامن من ربيع الأول سنة 260 للهجرة في سامراء، بسمٍّ دسّه إليه المعتمد العباسي، فدُفن إلى جوار والده بدارهما حيث مزاره اليوم.



اخبار مرتبطة

  ملحق شعائر/ 21

ملحق شعائر/ 21

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات