مصطلحات

مصطلحات

08/01/2016

الإخبات


الإخبات

ــــــــــــــ المحقّق الشيخ حسن المصطفوي ــــــــــــــ

قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ هود:23.

﴿أَخْبَتُوا﴾ مشتقّة من «الإخبات»، وجذرُها اللّغويّ «خبت» على وزن «ثبت»، ومعناها الأصليّ الأرضُ المنبسطة الواسعة التي يُمكن للإنسان أن يخطو عليها باطمئنان وارتياح، فلذلك استُعملت هذه المادّة في الاطمئنان كما استُعملت في الخضوع والتسليم، لأنّ الأرض التي تبعث على الاطمئنان في السير هي خاضعة ومستسلمة للسائرين.

في ما يلي جولة مع مصطلح «الإخبات» في المصادر اللّغوية المختلفة كما جمعها العلامة الشيخ حسن المصطفوي في كتابه (التحقيق في كلمات القرآن الكريم).

 

* في (مصباح اللّغة) للفيّومي: «أخبتَ الرجلُ إخباتاً: خضع لله وخشع قلبُه، قال تعالى: ﴿..وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ الحج:34».

* وفي (مقاييس اللّغة) لابن فارس: «خَبْت، أصلٌ واحدٌ يدلّ على خشوع، يقال أخبتَ يُخبت إخباتاً إذا خشع وأخبتَ لله تعالى، قال عزّ ذكره: ﴿..وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾، وأصله من الخَبْت وهو المفازة لا نباتَ بها».

* وفي (صحاح اللغة) للجوهري: «الخَبْت، المطمئنّ من الأرض، فيه رمل. والإخباتُ الخشوعُ لله. وفيه خبتةٌ أي تواضع. والخَبْت أيضاً ماءٌ لكَلب».

* وفي (المفردات في غريب القرآن) للراغب الأصفهاني: «الخَبْت: المطمئنّ من الأرض، وأخبتَ الرجلُ: قصد الخبتَ أو نزلَه، نحو: أسهلَ وأنجدَ، ثمّ استُعمل الإخباتُ استعمالَ اللِّين والتواضع، قال اللهُ تعالى: ﴿..وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ..﴾ هود:23، وقال تعالى: ﴿..وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ أي المتواضعين، نحو ﴿..لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ..﴾ الأعراف:206. وقوله تعالى: ﴿..فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ..﴾ الحج:54، أي تلين وتخشع، والإخبات هنا قريبٌ من الهبوط في قوله تعالى: ﴿..وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ..﴾البقرة:74.

* وفي (أساس البلاغة) للزمخشريّ: «نزلوا في خَبْتٍ من الأرض وخُبوت، وهي البطون الواسعة المطمئنّة. وأخبتَ القوم: صاروا في الخَبْت، مثل أصحروا. ومن المجاز ﴿.. وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ..﴾ هود:23، اطمأنّوا إليه، وهو يصلِّي بخشوعٍ وإخبات وخضوعٍ وإنصات، وقلبُه مُخبِت».

 

الفرق بين الخضوع والإخبات

في (الفروق اللّغوية) لأبي الهلال العسكري، قال: «الفرق بين الخضوع والإخبات أنّ المُخبِت هو المطمئنّ بالإيمان، وقيل هو المجتهد بالعبادة، وقيل الملازم للطاعة والسكون، وهو من أسماء المدح مثل: المؤمن والمتّقي، وليس كذلك الخضوع لأنّه يكون مدحاً وذمّاً.

وأصلُ الإخبات أن يصير إلى خَبْتٍ؛ وهو الأرض المستوية الواسعة، كما تقول أنجدَ إذا صار إلى نَجْد، فالإخبات على ما يُوجبه الاشتقاق هو الخضوعُ المستمرُّ على استواء».

 

تحقيقُ الكلمة

الخَبْت هو المتّسع المطمئنّ من الأرض ولها انخفاضٌ وانحطاط، وبهذا اللّحاظ قال بعضهم: «هو الوادي العميق الوطِيّ»، كما في (التهذيب)، مضافاً إلى أنّ المتّسع المطمئنّ يلازمُه الانخفاض، وأيضاً إنّ الانخفاض يُستفاد من كلمات قريبة من مادّة الخَبْت؛ كالخَبْط، والخَفْض، والخَرّ، والخَضع، والخشوع، والخَسأ، والخَفْت، والخفيّ.

وأمّا الإخبات: فهو كالإصحار والإنجاد، أي نسبة المفهوم إلى الفاعل ويلاحَظ فيه هذه الحيثيّة، فيكون معناه نسبة الخَبْت وقيامه بالفاعل وتلبّسه به، وهذا معنى الورود والدخول والنزول فيه. فالإخبات هو النزول إلى محيط متّسع مطمئنّ، حتّى يستقرّ فيه ويطمئنّ، ويُخلَّص عن الاضطراب والانحراف والاختلاف والتردّد، ويلازم هذا المعنى حقيقةَ الإيمان والتسليم والطمأنينة كما في الآيات: * ﴿.. فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ..﴾ الحج:54.

* ﴿..فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ الحج:34.

* ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ..﴾ هود:23، فنزلوا إلى محيط الخضوع والطمأنينة، وحصل لهم الطمأنينة والخضوع لله وإلى الله عزّ وجلّ، وهذا نتيجة الإيمان والعمل الصالح.

اخبار مرتبطة

  ملحق شعائر/ 21

ملحق شعائر/ 21

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات