بصائر

بصائر

08/01/2016

خمسةُ شروطٍ للاستجابة


خمسةُ شروطٍ للاستجابة

تيسيرُ أبواب الدعاء وطُرُقه

____ المرجع الديني الشيخ ناصر مكارم الشيرازي* ____

دراسة شروط استجابة الدعاء توضح لنا كثيراً من الحقائق الغامضة في مسألة الدعاء، وتبيّن لنا آثارها البنّاءة، والرواياتُ الإسلاميّة تذكر شروطاً لاستجابة الدعاء، منها:

1) ينبغي لمن يدعو أن يسعى أولاً لتطهير قلبه وروحه، وأن يتوب من الذّنْب، وأن يقتدي بحياة قادة البشرية الإلهيّين. عن الإمام الصادق عليه السلام: «إِيَّاكُمْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدُكُم رَبَّهُ شَيْئاً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ حَتَّى يَبْدَأَ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللهِ والْمِدْحَةِ لَه، والصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وآلِهِ، والاعْتِرافِ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ المَسْأَلة».

2) أن يسعى الداعي إلى تطهير أمواله من كلّ غَصْبٍ وظُلم، وأن لا يكون طعامَه من حرام. عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْتَجَابَ دُعَاؤُهُ فَلْيُطِبْ مَطْعَمَهُ وَمَكْسَبَهُ».

3) أن لا يفترق الدعاء عن الجهاد المستمرّ ضدّ كلّ ألوان الفساد، لأنّ الله لا يستجيب لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. عن النبيّ صلّى الله عليه وآله: «لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ولَتَنْهُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُسْتَعْمَلَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ، فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ».

تركُ هذه الفريضة الإلهية (فريضة المراقبة الاجتماعية) يؤدّي إلى خُلوّ الساحة الاجتماعية من الصالحين، وترْكِها للمفسدين، وعند ذاك لا أثرَ للدعاء، لأنّ هذا الوضع الفاسد نتيجة حتميّة لأعمال الإنسان نفسه.

4) العمل بالمواثيق الإلهية؛ فالإيمان والعمل الصالح والأمانة والصلاح من شروط استجابة الدعاء، فمَن لم يفِ بعهده أمام بارئه لا ينبغي أن يتوقّع من الله استجابة دعائه. جاء رجلٌ إلى أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام، وشكا له عدم استجابة دعائه، فقال الإمام عليه السلام:

«إنَّ قُلُوبَكُم خَانَتْ بِثَمَانِ خِصَال:

أوّلها: أنَّكُم عَرَفْتُمُ اللهَ فَلَمْ تُؤَدُّوا حَقَّهُ كَمَا أَوْجَبَ عَلَيْكُم، فَمَا أَغْنَتْ عَنْكُم مَعْرِفَتُكُم شَيْئاً.

والثّانية: أَنّكُم آمَنْتُم بِرَسُولِهِ ثُمَّ خَالَفْتُم سُنَّتَهُ وَأَمَتُّمْ شَرِيعَتَهُ، فَأَيْنَ ثَمَرَةُ إِيمَانكُم؟!

والثّالثة: أَنّكُم قَرَأْتُم كِتَابَهُ المُنْزَلَ عَلَيكُم فَلَمْ تَعْمَلُوا بِهِ، وَقُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ثُمَّ خَالَفْتُم!

والرّابعة: أَنّكُم قُلْتُم إِنّكُم تَخَافُونَ مِنَ النَّارِ، وأَنْتُم فِي كُلِّ وَقْتٍ تَقْدُمُونَ إِلَيْها بِمَعَاصِيكُم، فَأَيْنَ

خَوفكُم؟!

والخامسة: أَنّكُم قُلْتُم إِنّكُم تَرْغَبُونَ فِي الجَنَّةِ، وأنْتُم فِي كُلِّ وَقْتٍ تَفْعَلُونَ مَا يُبَاعِدُكُم مِنَها، فَأَيْنَ رَغْبَتكُم فيها؟!

والسّادسة: أَنّكُم أكَلْتُم نِعْمَةَ المَوْلَى فَلَمْ تَشْكُرُوا عَلَيْهَا!

والسَّابعة: إنَّ اللهَ أَمَرَكُم بِعَدَاوَةِ الشَّيْطَان، وقال: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا..﴾ فاطر:6، فَعَادَيْتُمُوهُ بِلَا قَوْلٍ (بالقَول)، وَوَالَيْتُمُوهُ بِلَا مُخَالَفَة.

والثّامِنة: أَنّكُم جَعَلْتُم عُيُوبَ النَّاسِ نصْبَ أَعْيُنِكُم وَعُيُوبَكُم وِرَاءَ ظُهُورِكُم، تَلُومُونَ مَنْ أَنْتُم أَحَقُّ بِاللَّوْمِ مِنْهُ.

فَأَيُّ دُعَاءٍ يُسْتَجَابُ لَكُم مَع هَذا، وَقَدْ سَدَدْتُم أَبْوابَه وَطُرُقَهُ؟ فَاتَّقُوا اللهَ، وَأَصْلِحُوا أَعْمَالَكُم، وَأَخْلِصُوا سَرَائِرَكُم، وَأمُرُوا بِالمَعْرُوفِ وانْهَوْا عَنِ المُنْكَرِ، فَيَسْتَجِيبَ اللهُ لَكُم دُعَاءَكُم».

هذا الحديث يقول بصراحة: إنّ وعد الله باستجابة الدعاء وعدٌ مشروط لا مطلق. مشروط بتنفيذ المواثيق الإلهية، وإنْ عملَ الإنسان بهذه المواثيق الثمانية المذكورة فله أن يتوقّع استجابة الدعاء، وإلّا فلا.

5) من الشروط الأخرى لاستجابة الدعاء العمل والسعي. عن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام: «الدَّاعِي بِلَا عَمَلٍ كَالرَّامِي بِلَا وَتَرٍ». الوتَر بحركته يدفع السهم نحو الهدف، وهكذا دور العمل في الدعاء.

من مجموع شروط الدعاء المذكورة نفهم أنّ الدعاء لا يُغنينا عن التوسّل بالعوامل الطبيعية، بل أكثر من ذلك يدفعنا إلى توفير شروط استجابة الدعاء في أنفسنا، ويُحدث بذلك تغييراً كبيراً في حياة الإنسان وتجديداً لمسيرته، وإصلاحاً لنواقصه.

أليس من الجهل أن يصف شخصٌ الدعاء بهذا المنظار الإسلامي أنّه مُخَدِّر؟!

________________________________________

* مختصَر عن تفسيره (الأمثل)

اخبار مرتبطة

  ملحق شعائر/ 21

ملحق شعائر/ 21

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات