تحقيق

تحقيق

06/04/2016

مقبرة وادي السّلام


مقبرة وادي السّلام

بقعةٌ من جنّةِ عَـدْن

ـــــــــــــــــــــــــــ إعداد: د. أليس كوراني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هي من أكبر مقابر العالم وأقدمها، وتكتسب أهمّيتها لأسباب عديدة؛ فعلى مقربة منها يقع مقام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، وتضمّ أضرحة أنبياء كُثر، منهم آدم ونوح وهود وصالح عليهم السّلام، كما تضمّ قبور صحابة وعلماء وسلاطين وملوك من جنسيّات مختلفة. وتؤكّد الأحاديث الشّريفة أنّه: «ما مِنْ مُؤْمِنٍ يَموتُ في شَرْقِ الأَرْضِ وَغَرْبِها إِلّا وَحَشَرَ اللهُ روحَهُ إِلى وادي السَّلامِ...».

ولأهمّيّتها، أدرجتْ مُنظمّة الأمم المتّحدة للتّربية والعلوم والثّقافة (يونسكو) هذه المقبرة في لائحة التّراث العالميّ، لأنّ عمرها تجاوز الألف عام، ولأنّها تضم قبور العديد من الشّخصيّات التّاريخيّة.

 

 

تقع (مقبرة وادي السّلام) في محافظة النّجف الأشرف، إحدى المحافظات العراقيّة؛ يحدّها من الجنوب مرقد الإمام عليّ عليه السّلام، ويحدّها من الجانب الشّرقيّ طريق النّجف الممتدّ باتّجاه كربلاء، ومن الشّمال حيّ المهندسين، فيما تنتهي في الجانب الغربيّ ببحر النّجف القديم.

تقدّر مساحة (مقبرة وادي السّلام) بحوالي 17 كلم مربّع، وتشكّل 13٪ من مساحة مدينة النّجف، وتمتدّ من وسط المدينة إلى أقصى الشّمال الغربيّ.

قداسة وادي السّلام

من أبرز العوامل التي أضْفَت على (مقبرة وادي السّلام) أهمّيّة كبيرة وزادت في فضلها، مجاورتها مرقدَ أمير المؤمنين عليه السّلام، مضافاً إلى ذكرها في المصادر الرّوائيّة والأحاديث المرويّة عن المعصومين وبيان فضلها ومكانتها.

 

 

في الرّوايات أنّ إبراهيم خليل الله عليه السّلام اشترى ظهر الكوفة بعدما طلب أهلها منه البقاء فيها حيث توقّفت الزلازل حين بات هناك. وتعاقب على ذلك المكان أمم وشعوب حتّى كان الفتح الإسلاميّ لبلاد فارس، فمُصّرت الكوفة ثمّ اتّخذها أمير المؤمنين عليه السّلام عاصمة لخلافته.

وأضحى ظهر الكوفة يُعرف بالنّجف، ومعنى النَّجَف، «مَكانٌ لا يَعْلُوهُ الماءُ، مُسْتَطِيلٌ مُنْقادٌ... والنَّجَفُ: التَّلُّ أو شِبْهُ التَّلِّ». ومن أسمائها أو ألقابها: «الغَرِيّ» وهو الحَسَنُ من كلّ شيء. و«الغَرِيّان»: هما بناءان، كالصَّومعتين، مشهوران بظهر الكوفة بناهما المنذر بن امرىء القيس بن ماء السماء، وقصّة بنائهما مشهورة.

وعن فضلها قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يَقولُ: كوفانُ كوفانُ يَرِدُ (يُرَدُّ) أَوَّلُها عَلَى آخِرِها، يُحْشَرُ مِنْ ظَهْرِها سَبْعونَ أَلْفاً يَدْخُلونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ».

* وكان نظر يوماً إلى ظهر الكوفة فقال: «ما أَحْسَنَ مَنْظَرَكِ وَأَطْيَبَ قَعْرَكِ! اللَّهُمَّ اجْعَلْ قَبْري بِها».

وقال صلوات الله عليه: «أَوَّلُ بُقْعَةٍ عُبِدَ اللهُ عَلَيْها ظَهْرُ الكوفًةِ لَمّا أَمَرَ اللهُ المَلائِكَةَ أَنْ يَسْجُدوا لِآدَمَ، سَجَدُوا عَلى ظَهْرِ الكوفَةِ».

* وعن حبّة العرنيّ، قال: «خَرَجْتُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السّلام إِلَى الظَّهْرِ، فَوَقَفَ بِوَادِي السَّلَامِ كَأَنَّه مُخَاطِبٌ لأَقْوَامٍ. فَقُمْتُ بِقِيَامِه حَتَّى أَعْيَيْتُ، ثُمَّ جَلَسْتُ حَتَّى مَلِلْتُ، ثُمَّ قُمْتُ حَتَّى نَالَنِي مِثْلُ مَا نَالَنِي أَوَّلاً، ثُمَّ جَلَسْتُ حَتَّى مَلِلْتُ، ثُمَّ قُمْتُ وجَمَعْتُ رِدَائِي، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي قَدْ أَشْفَقْتُ عَلَيْكَ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ فَرَاحَةَ سَاعَةٍ، ثُمَّ طَرَحْتُ الرِّدَاءَ لِيَجْلِسَ عَلَيْه، فَقَالَ لِي:

«يَا حَبَّةُ، إِنْ هُوَ إِلَّا مُحَادَثَةُ مُؤْمِنٍ أَوْ مُؤَانَسَتُهُ.

 

 

قَالَ: قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وإِنَّهُمْ لَكَذَلِكَ؟

قَالَ: نَعَمْ، ولَوْ كُشِفَ لَكَ لَرَأَيْتَهُمْ حَلَقاً حَلَقاً مُحْتَبِينَ يَتَحَادَثُونَ.

فَقُلْتُ: أَجْسَامٌ أَمْ أَرْوَاحٌ؟

فَقَالَ: أَرْوَاحٌ، ومَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَمُوتُ فِي بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الأَرْضِ إِلَّا قِيلَ لِرُوحِه الْحَقِي بِوَادِي السَّلَامِ، وإِنَّهَا لَبُقْعَةٌ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ».

* وقال عليه السّلام: «إِنَّ في هذا الظَّهْرِ روحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَبِوادي بَرْهوتَ نَسْمَةَ كُلِّ كافِرٍ».

* وعن أبي عبد الله الصادق عليه السّلام: «الكوفَةُ رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الجَنَّةِ، فيها قَبْرُ نوحٍ وَإِبْراهيمَ [هكذا]، عَلَيْهِما السَّلامُ، وَقَبْرُ ثَلاثِمِئَةِ نَبِيٍّ وَسَبْعينَ نَبِيّاً وَسِتِّمِئَةِ وَصِيٍّ، وَقَبْرُ سَيِّدِ الأَوْصِياءِ أَميرِ المُؤْمِنينَ عَلَيْهِ السَّلامُ».

* وسأل المفضّل أبا عبد الله الصادق عليه السّلام: مسجد الكوفة لقديم؟

فقال عليه السلام: «نَعَمْ، وَهُوَ مُصَلّى الأَنْبِياءِ، وَلَقَدْ صَلّى فيهِ رَسولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، حَيْثُ انْطَلَقَ بِهِ جَبْرَئيلُ عَلى البُراقِ، فَلَمّا انْتَهى بِهِ إِلى دَارِ السَّلامِ وَهُوَ ظَهْرُ الكوفَةِ وَهُوَ يُريدُ بَيْتَ المَقْدِسِ، قالَ لَهُ: يا مُحَمَّدُ، هَذا مَسْجِدُ أَبيكَ آدَمَ، وَمُصَلَّى الأَنْبِياءِ، فَانْزِلْ فَصَلِّ فيهِ، فَنَزَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَصَلَّى، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ إِلى بَيْتِ المَقْدِسِ فَصَلَّى، ثُمَّ إِنَّ جَبْرَئيلُ عَرَجَ بِهِ إِلى السَّماءِ».

* وعن تربة الكوفة قال عليه السّلام: «تُرْبَةٌ تُحِبُّنا وَنُحِبُّها، اللَّهُمَّ ارْمِ مَنْ رَمَاهَا، وَعادِ مَنْ عَادَاهَا».

* وعنه عليه السّلام أنّه قال: «الغَرِيُّ قِطْعَةٌ مِنَ الجَبَلِ الّذي كَلَّمَ اللهُ عَلَيْهِ مُوسَى تَكْلِيمَاً، وَقَدَّسَ عَلَيْهِ عِيسَى تَقْدِيسَاً، وَاتَّخَذَ عَلَيْهِ إِبْراهيمَ خَلِيلاً، وَمُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، حَبِيبَاً، وَجَعَلَهُ للنَّبِيّينَ مَسْكَناً».

من خواصّ تربته إسقاطُ عذاب القبر، وتَرْكُ محاسبة مُنكَرٍ ونَكير للمدفون هناك، كما وردت به الأخبار الصّحيحة عن أهل البيت عليهم السّلام.

ومن خواصّ ذلك الوادي المقدّس أنّ جميع المؤمنين يحشَرون فيه؛ روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السّلام أنّه قال: «ما مِنْ مُؤْمِنٍ يَموتُ في شَرْقِ الأَرْضِ وَغَرْبِها إِلّا وَحَشَرَ اللهُ روحَهُ إِلى وادي السَّلامِ».

شفاعة أمير المؤمنين لموتى وادي السّلام

روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه كان إذا أراد الخَلوة بنفسه أتى إلى طرف الغَرِيّ، فبينما هو ذات يوم هناك مشرفٌ على النّجف، وإذا رجلٌ قد أقبل من البريّة راكباً على ناقة وقدّامه جنازة، فحين رأى عليّاً عليه السّلام قصده حتّى وصل إليه وسلّم عليه، فردّ عليه السّلام وقال له: مِنْ أَيْنَ؟ قال: من اليمن.

قال: وَما هَذِهِ الجَنازَةُ الّتي مَعَكَ؟

قال: جنازة أبي أتيتُ لأدفنَه في هذه الأرض.

فقال له عليه السّلام: لِمَ لَمْ تَدْفِنْهُ في أَرْضِكُمْ؟

قال: أوصى إليّ بذلك، وقال: إنّه يُدفَنُ هناك رجلٌ يدخلُ في شفاعته مثل ربيعة ومضر.

فقال له عليه السّلام: أَتَعْرِفُ ذَلِكَ الرَّجُلَ؟

قال: لا.

فقال عليه السّلام: أَنا، وَاللهِ، ذَلِكَ الرَّجُلُ؛ أَنَا، وَاللهِ، ذَلِكَ الرَّجُلُ؛ أَنا، وَاللهِ، ذَلِكَ الرَّجُلُ، قُمْ فَادْفِنْ أَباكَ. فقام فدفنه.

 

 

وبعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السّلام ومعرفة مكان دفنه، أخذ النّاس يزورون قبره الشّريف خِفْيَةً ويدفنون موتاهم حوله، ومن ثمّ أخذت (مقبرة وادي السّلام) في البروز، وأخذت مقبرة الثويّة أو الجبّانة بالاختفاء، وبعد سقوط الدّولة الأمويّة عام 132 للهجرة، أخذت العمارة تتوالى على القبر الشّريف، فأصبحت عند ذلك النّجف دار سكنٍ ومأوى، ودار دفنٍ وجوار، وقد أحبّ النّاس هذه المجاورة أحياءً وأمواتاً، وأخذت الجنائز تُنقل إلى أرض النّجف الأشرف من أرجاء المعمورة، حتّى أصبح نقل الموتى تقليداً شائعاً.

مقام الإمام المهدي ومقام الإمام الصّادق عليهما السّلام

في بداية (مقبرة وادي السّلام) من جهة شارع الشّيخ الطّوسيّ قدّس سرّه يقع مقاما الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وإلى جانبه مقام الإمام جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام، وتشير المصادر إلى أنّ الإمام الصّادق عليه السّلام صلّى في هذا المقام، وكان يتّخذه في بعض الأحيان مقرّاً له عندما يزور جدّه أمير المؤمنين عليه السّلام.

تعلو المقام بناية قديمة بلوحتَين تشيران إلى مكان صلاتهما عليهما السّلام، وتعلوه قبّة زرقاء، وتوجد في داخل البناء بئر الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف، يحيطها مجموعة من القبور؛ ويقال إنّ الإمام صلوات الله عليه شُوهد هناك.

 

 

وقد شيّد السّيّد محمّد مهدي بحر العلوم قدس سرّه، عمارة صغيرة على الموقع، وجُدّد بناؤها بعد مدّة؛ وكان في هذا المقام صخرة قديمة نُقش عليها زيارة الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف، تعود كتابتها إلى عام 1200 للهجرة، ولم يبق، اليوم، من هذه الصّخرة شيء، فقد فُقدت أو رفعت أو ضاعت بمراحل التّرميم والبناء في المقام كما شأن الكثير من الآثار المهمّة التي اندرست.

مقام الإمام السّجّاد عليه السّلام

وفي الجانب الغربيّ من الحرم العلويّ الشّريف وعلى مشارف بحر النّجف يوجد مسجد أو مقام ينسب إلى الإمام السّجّاد تيمّناً بمبيته وصلاته عليه السّلام هناك، وجدرانه مزيّنة بالقاشانيّ، ويعلو المقام قبّة مزخرفة، وفي داخله محراب يشير إلى محلّ صلاة الإمام السجّاد عليه السّلام عندما جاء لزيارة جدّه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام.

ضريحا هود وصالح عليهما السّلام

في (مقبرة وادي السّلام) قبرا النَّبِيَيْن هود وصالح عليهما السّلام، ومرقدهُما في الجانب الغربيّ من المقبرة، في حرم واحد عليه قبّة مُتوسّطة. وكانت السّيّدة حفيرة حرم الملّا يوسف بن الملّا سليمان المتوفّى سنة 1270 هجريّة نقيب مرقد الإمام عليّ بن أبي طالب وخازنه، نذرت إذا رزقهما الله تعالى ولداً أن تبني على قبرَي النّبيَيْن قبّة، ووفتْ بنذرها وبنَتْ فوق مقامهما تلك قبّة صغيرة من آجر.

 وكان على هذا المرقد - حسب النّصوص التاريخيّة - صخرة حمراء قديمة طولها ذراع يد وأصابع وعرضها شبر، كُتب عليها بالخطّ الكوفيّ دلالات تشير إلى كون هذا المكان هو مرقد النّبيَيْن هود وصالح، وقبل أكثر من قرن، عندما حاصر الإنكليز مدينة النجف أربعين يوماً - وهو الحصار الكبير - هدّموا مرقدَي هود وصالح عليهما السّلام، وعبثوا بكثير من البقاع المشرّفة، وعندما ارتفع الحصار كانت تلك الصّخرة الحمراء قد اختفت.

وكان السّيّد بحر العلوم أوّل من شيّد مقاماً للضّريحَيْن، وبقي حتّى عام 1310 للهجرة حيث قام السيّد محمّد خان بإعادة عمارته عام 1337 للهجرة، وهو ما يزال ماثلاً للعيان تعلوه قبّة مزيّنة بالقاشانيّ الأزرق.

قبرا آدم ونوح عليهما السلام

إذا نظرنا في كتب الزّيارات الخاصّة بزيارة أمير المؤمنين عليه السّلام لقرأنا عبارة: «السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلى ضَجيعَيْكَ آدمَ وَنوحٍ..»، وهي إشارة واضحة على أنّ آدم ونوحًا عليهما السّلام مدفونان داخل الرّوضة المطهّرة إلى جانب الإمام عليه السّلام، وروضته تدخل ضمن وادي السّلام على نحو شامل.

القبور سجّل معماريّ وديوان شعريّ وكتاب موعظة

تعدّ (مقبرة وادي السّلام) معلَماً دينيّاً وتاريخيّاً بارزاً. وبخصوص قبورها، تختلف الطّرز المعماريّة المستخدمة في تشييدها، لكنّ غالبيّتها تعتمد الطّراز الإسلاميّ، وهناك مساحات خاصّة حجزتها عوائل لدفن موتاهم جيلاً بعد جيل، وكُلّ قبيلة أو مدينة لها جانب تختصّ به من هذه المقبرة لا يُشاركها فيه غيرها، بل إنّك تجد العوائل قد تدفن في مكان واحد حتّى يتسنّى زيارة الجميع وقت ورود المقبرة في أوقات خاصّة.

وقد وصف الرّحالة المصريّ محمّد ثابت (ت: 1958م) مقابر وادي السّلام بقوله: «المقابر تمتدّ إلى الآفاق من قباب فاخرة إلى أضرحة بسيطة لإيواء آلاف الجثث التي كنت أراها تنقل على السّيّارات أو على الأكتاف من الآفاق الإسلاميّة وبخاصّة العراق وفارس».

وقامت مجلّة (المصوّر) المصريّة باستطلاع عام 1958م لمدينة النجف الأشرف وأشارت إلى (مقبرة وادي السّلام) بقولها: «وعندما تدخل النّجف قادماً من بغداد تطالعك آلاف المقابر بصورة تذكّرك على الفور بقول أبي العلاء المعرّيّ المشهور:

صَاحِ هَذِي قُبُورُنا تَمْلأ الرُّحْـ

بَ فأينَ القُبُورُ مِنْ عَهْدِ عادِ

 

ويرى زائر الوادي قبوراً دوارس وقبوراً آيلة للسّقوط وأخرى جديدة. والقبور بين قبر عليه دكّة تختلف صغراً وكبراً، وآخر حوله سور يـختلف سعةً وارتفاعاً، وثالث عليه بناء فخم كدار من أحسن الدور قد يقيم فيها شخص يرتّل آيات من القرآن في أوقات مُعيّنة. وكثير من القبور عليها قباب تختلف كبراً وصغراً ولوناً وتصميماً، وكثيرٌ منها ما هو تاريخيّ، وعلى كُلّ قبر توجد صخرة ينحت عليها اسم الميّت وتاريخ وفاته وبعض الميزات الأخرى، والصّخور التي يُنقش عليها الاسم ما بين صخر طبيعيّ بسيط، وبين صخر من الرّخام الجيّد أو من الآجر أو من البلاط الصّناعيّ المُسمّى بالكاشانيّ، ويوجد في تلك المقابر وغيرها ماءٌ مبذول يُسمّى سبيلاً، وقد يوجد في تلك المقابر بعض الحدائق.

وعلى شواهد الكثير من القبور نُقشت أبيات من الشّعر الجيّد باللُّغة الفُصحى، أو العاميّة، وهو بين رثاء الميت أو مدحه أو عِظَــة، فالمواعظ تُخاطب الإنسان بوجوب الاستعداد لذلك اليوم الذي سيسكن فيه بطن الأرض ويستقبل أهوال يوم القيامة بدءاً من المكوث في البرزخ... فكم من قبر تقرأ على شاهده أبياتاً شعريّة مليئة بالموعظة والحكمة ونصائح الاستعداد للآخرة ... ولو قصد إنسانٌ جَمْعَ ما كُتب ونُقش، لكان لديه الكثير من الشّعر والأدب، ولكنّ أدب القبور ليس لهُ حظّ من الحياة. وهذه المقبرة تشبه مدينة مفعمة بالحياة، الحركة فيها دائبة في النّهار..».

توثيق الشّخصيّات المهمّة المدفونة في دار السّلام

في هذه المقبرة مراقد لكثير من عُلماء الإماميّة، ولسلاطين وملوك؛ وتقوم «شعبة البحوث والدّراسات» في «الوقف الشّيعيّ في النّجف الأشرف» بوضع دليل خاصّ لقبور العلماء والشّخصيّات المؤثّرة سياسيّاً وعلميّاً وخطباء المنبر الحسينيّ المدفونين في العتبة العلويّة المقدّسة و(مقبرة وادي السّلام)، إضافة إلى وضع ترجمة لكلّ واحد منهم.

 

 

ويقول مسؤول «شعبة البحوث والدراسات» المؤرّخ الشّيخ عبّاس الدّجيليّ إنّ عمل الوحدة حاليّاً يتركّز على توثيق الوقفيّات القديمة من المخطوطات وغيرها وإصلاح المخطوطات المتضرّرة منها والتي يتجاوز عمرها الـ 100 عام وعمل نسخة واضحة وحديثة عنها.

عدد المدفونين في وادي السّلام

ليس هناك إحصاء دقيق لعدد المدفونين في المقبرة، لكنّ التّقديرات تشير إلى وجود ستّة ملايين أو أكثر، حيث إنّ المقبرة تستقبل الموتى منذ مئات السنين، كما أنّ وادي السّلام ليس مقبرة للنّجف وحدها ولا للعراق وحده، فكثير من النّاس في إيران والهند وباكستان وأفغانستان والكويت ولبنان وغيرها يوصون بدفنهم في وادي السّلام.

ولا يقتصر دفن أموات الشّيعة في هذه المقبرة، بل كثير من أهلّ السّنّة في العراق يوصون بدفنهم فيها، لما ورد فيها من أحاديث عن آل البيت عليهم السّلام سواء في المبيت فيها أو في الدفن بأرضها.

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

07/04/2016

دوريات

نفحات