أحسن الحديث

أحسن الحديث

03/06/2016

سورةُ (القيامة)


موجز في التّفسير

سورةُ (القيامة)

ــــــ إعداد: سليمان بيضون ــــــ

* السورة الخامسة والسبعون في ترتيب سوَر المُصحف الشريف، نزلت بعد سورة «القارعة». 

* سُمّيت بـ «القيامة» لابتدائها بقوله تعالى بعد البسملة: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾.

* آياتها أربعون، وهي مكّيّة، مَنْ قرأها شهد له النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وجبرئيل أنّه كان مؤمناً بيوم القيامة، ويأتي في ذلك اليوم ووجهُه مسفِرٌ على وجوه الخلائق، كما في الحديث النبويّ الشريف.

* ما يلي موجز في تفسير السورة المباركة اخترناه من تفاسير: (نور الثّقلين) للشيخ عبد علي الحويزي رحمه الله، و(الميزان) للعلّامة السيد محمّد حسين الطباطبائي رحمه الله، و(الأمثل) للمرجع الديني الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.

 

تبدأ السورة بقَسَمين غزيرين بالمعاني، حيث يقول تعالى: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾، وأشهر أقوال المفسرين أنّ «لا» زائدة، وأنّها لا تنفي القسَم بل تؤكّده.

وأمّا الرابطة الموجودة بين القسمَين، فيقول في (تفسير الأمثل): «الحقيقة إنّ أحد دلائل وجود (المعاد) هو وجود (محكمة الوجدان) الموجودة في أعماق الإنسان، والتي تنشط وتُسرّ عند الإقدام لإنجاز عمل صالح، وبهذه الطريقة تثبّت صاحبَها وتكافئه، وعند ارتكاب الأعمال السيّئة والرذيلة فإنّها سوف تقوم بتقريع صاحبها وتؤنّبه وتعذّبه إلى حدّ أنه قد يُقدم على الانتحار للتخلّص ممّا يمرّ فيه من عذاب الضمير ".." عندما يكون لـ(العالم الصغير) - أي وجود الإنسان - محكمة في قلبه، فكيف يمكن للعالم الكبير أن لا يملك محكمةَ عدلٍ عُظمى؟ فمن هنا نفهم وجود البعث والقيامة بواسطة وجود الضمير الأخلاقي، ومن هنا تتّضح الرابطة الظريفة بين القسَمَين، وبعبارة أخرى فإنّ القسَم الثاني [بالنفس اللوامة] هو دليل على القسَم الأوّل [بيوم القيامة]».

محتوى السورة المباركة

يطوف بيان السورة حول القيامة الكبرى، فتنبئ بوقوع يوم القيامة أوّلاً، ثمّ تصفه ببعض أشراطه تارة، وبإجمال ما يجري على الإنسان أخرى، وينبئ أنّ المساق إليه يبدأ من يوم الموت، وتختتم بالاحتجاج على القدرة على الإعادة بالقدرة على الابتداء. وآياتها المرتبطة بيوم القيامة تجتمع في محاور أربعة:

1 - المسائل المُرتبطة بأشراط الساعة (الآيات: 7-12).

2 - المسائل المُتعلّقة بأحوال الصالحين والطالحين في ذلك اليوم (الآيات: 22-24).

3 - المسائل المُتعلّقة باللحظات العسيرة للموت والانتقال إلى العالم الآخر (الآيات: 26-30).

4 - الأبحاث المُتعلّقة بالهدف من خلق الإنسان وارتباط ذلك بمسألة المعاد (الآيات: 36-40).

فضيلة سورة القيامة

* وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «مَنْ أَدْمَنَ قِراءَةَ ﴿لَا أُقْسِمُ..﴾ وَكانَ يَعْمَلُ بِها، بَعَثَها اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ مَعَهُ في قَبْرِهِ في أَحْسَنِ صورَةٍ، تُبَشِّرُهُ وَتَضْحَكُ في وَجْهِهِ حَتّى يَجوزَ الصِّراطَ وَالميزانَ».

تفسير آيات منها

قوله تعالى: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ الآيتان: 14-15.

عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال بعد تلاوته الآيتين: «.. ما يَصْنَعُ الإِنْسانُ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلى اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، بِخِلافِ ما يَعْلَمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ [منه]، إِنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ كانَ يَقولُ: مَنْ أَسَرَّ سَريرَةً رَدّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ  رِداها - أي يُلبِسُهُ الله ذلك العمل كالرداء - إِنْ خَيْراً فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرّاً فَشَرٌّ».

قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ﴾ الآية: 17.

الإمام الباقر عليه السلام: «ما ادَّعى أَحَدٌ مِنَ النّاسِ أَنَّهُ جَمَعَ القُرْآنَ كُلَّهُ كَما أُنْزِلَ إِلّا كَذّابٌ، وَما جَمَعَهُ وَحَفِظَهُ كَما نَزَّلَهُ اللهُ إِلّا عَلِيُّ بْنُ أَبي طالِبٍ وَالأَئِمَّةُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ».

قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ الآيتان:22-23.

* عن أمير المؤمنين عليه السلام: «ذَلِكَ في مَوْضِعٍ يَنْتَهي فيهِ أَوْلِياءُ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، بَعْدَما يُفْرَغُ مِنَ الحِسابِ إِلى نَهَرٍ يُسَمَّى الحَيَوانَ، فَيَغْتَسِلونَ فيهِ وَيَشْرَبونَ مِنْهُ، فَتَبْيَضُّ وُجوهُهُمْ، فَيَذْهَبُ عَنْهُمْ كُلُّ قَذًى وَوَعْثٍ [الشِّدّة والشّرّ] ثُمَّ يُؤْمَرونَ بِدُخولِ الجَنَّةِ، فَمِنْ هَذا المَقامِ يَنْظُرونَ إِلى رَبِّهِمْ كَيْفَ يُثيبُهُمْ..».

* وعن الإمام الرضا عليه السلام: «مُشْرِقَةٌ تَنْتَظِرُ ثَوابَ رَبِّها».

قوله تعالى: ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ﴾ الآيات: 26-28.

* عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إِنَّ العَبْدَ لَيُعالِجُ كُرَبَ المَوْتِ وَسَكَراتِهِ، وَمَفاصِلُهُ يُسَلِّمُ بَعْضُها عَلى بَعْضٍ، يَقولُ: عَلَيْكَ السَّلامُ تُفارِقُني وَأُفارِقُكَ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ».

* وعن الإمام الباقر عليه السلام: «ذَلِكَ ابْنُ آدَمَ إِذا حَلَّ بِهِ المَوْتُ قالَ: هَلْ مِنْ طَبيبٍ؟ إِنَّهُ الفِراقُ، وَأَيْقَنَ بِمُفارَقَةِ الأَحِبَّةِ».

قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ الآية:40.

* عن الإمام الباقر عليه السلام: «لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ ".." قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَبَلى».

* وجاء في وصف عبادة الإمام الرضا عليه السلام أنه كان إذا قرأ [سورة] ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾، قال عند الفراغ: «سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ بَلى».

 

مراحلُ النّفس الإنسانية

يستفاد من القرآن المجيد أنّ للنفس الإنسانيّة ثلاث مراحل:

1) النفس الأمّارة: وهي النفس العاصية التي تدعو الإنسان إلى الرذائل والقبائح باستمرار، وتزيّن له الشهوات، وهذا ما أشارت إليه امرأة عزيز مصر حينما نظرت إلى عاقبة أمرها فقالت: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ..﴾ يوسف:53.

2) النفس اللّوّامة: وهي نفسٌ يقظة وواعية نسبيّاً، فهي تزلّ أحياناً لعدم حصولها على حصانة كافية مقابل الذنوب، وتقع في شبَك الآثام، إلّا أنّها تستيقظ بعد فترة لتتوبَ وترجع إلى مسير السعادة، وانحرافُها ممكن، إلّا أنّ ذلك يكون مؤقّتاً وليس دائماً، ولا يمضي عليها كثير وقت حتى تعود إلى الملامة والتوبة، ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ القيامة:2.

3) النفس المطمئنّة: وهي النفس المُتكاملة المُنتهية إلى مرحلة الاطمئنان والطاعة، والمنتهية إلى مقام التقوى والإحساس بالمسؤوليّة، وليس من السهل انحرافها، وهذا ما ورد في قوله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ الفجر: 27-30.

                                                                                                 (تفسير الأمثل)

 

زاد الصائم

الدّعاء قبل تلاوة القرآن الكريم

كان الإمام الصادق عليه السلام إذا قرأ القرآن، قال قبل أن يقرأ حين يأخذ المصحف:

«بسمِ الله، اللَّهمَّ إنّي أشهدُ أنَّ هذا كتابُك المُنزَلُ من عِندك، على رسولِك محمّدِ بنِ عبدِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكتابُك الناطقُ على لسانِ رسولِك، وفيه حكمُك وشرايعُ دينك، أنزلتَهُ على نبيِّك، وجعلتَهُ عهداً منكَ إلى خلقِك، وحبلاً متّصلاً فيما بينك وبينَ عبادِك. اللّهمَّ إنّي نشرتُ عهدَكَ وكتابَكَ، اللَّهمَّ فاجْعَل نَظَري فيه عبادةً، وقراءتي تفكُّراً، وفِكري اعتباراً، واجعَلْني مِمَّن اتّعظَ ببَيانِ مواعظِك فيه، واجتنبَ معاصيك، ولا تَطبعْ عند قراءتي كتابَك على قَلبي ولا على سَمْعي، ولا تجعلْ على بَصري غِشاوةً، ولا تَجعلْ قراءتي قراءةً لا تدبُّرَ فيها، بل اجعلْني أتدبّرُ آياتِه وأحكامَه آخِذاً بشرايع دينِك، ولا تَجعلْ نَظَري فيه غفلةً، ولا قِراءَتي هَذْرَمَةً، إنّك أنتَ الرّؤوفُ الرّحيم».

.. وعند الفراغ من التّلاوة

وكان عليه السلام يقول عند الفراغ من قراءة بعض القرآن العظيم: «اللّهمّ إنِّي قرأتُ ما قضيتَ لي من كتابِك الذي أنزلتَهُ على نبيِّكَ محمّدٍ صلواتُك عليه ورحمتُك، فلكَ الحمدُ ربَّنا ولكَ الشّكرُ والمِنّة، على ما قدّرتَ ووفّقتَ.

اللّهمَّ اجعَلني مِمّن يُحِلُّ حلالَك، ويُحرِّمُ حرامَك، ويَجتنبُ مَعاصيك، ويُؤمِنُ بِمُحكَمِه ومُتشَابِهه، وناسخِه ومَنسوخِه، واجعلْهُ لي شفاءً ورحمةً، وحِرزاً وذُخْراً.

اللّهمَّ اجعلْه لي أُنساً في قبري، وأُنساً في حَشْري، وأُنْسَاً في نَشري، واجعلْ لي بركةً بكلّ آيةٍ قرأتُها، وارفعْ لي بكلّ حرفٍ درستُه درجةً في أَعلى عِليّين، آمينَ يا ربّ العالَمين.

اللّهُمّ صلِّ على محمّدٍ نَبيّك وصَفيّك ونَجِيّك ودليلِك، والدّاعي إلى سبيلِك، وعلى أميرِ المؤمنين وليِّك وخليفتِك مِن بعدَ رسولِك، وعلى أوصيائهما المستحفَظين دينَك، المستودَعين حقَّك، والمُستَرعين خلقَك، وعليهم أجمعينَ السّلامُ ورحمةُ الله وبركاتُه».

(إقبال الأعمال، السيّد ابن طاوس)

 

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

03/06/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات