تحقيق

تحقيق

04/07/2016

العيد في الإسلام


العيد في الإسلام

«يومُ اجتماعٍ، وزَكاةٍ، ورَغبةٍ، وتَضرّع»

ـــــــــــ إعداد: «شعائر» ـــــــــــ

للعيد نكهة خاصّة عند جميع الشّعوب، فهو مظهر من مظاهر الفرح والحبور حيث ينفض غبار الهموم ورتابة الأعمال اليوميّة، كما يشكّل حلقة اجتماعيّة من خلال تواصل الأهل والأقارب والأصدقاء وتزاورهم  في جوّ من السّرور والبهجة.

وقد عرف العرب أعياداً في جاهليّتهم ألغاها الإسلام لارتباطها بعبادة الأوثان، وأبقى على عيد النّحر أو الأضحى بعدما أزال الطّقوس الوثنيّة منه، معيده إلى سنّة النّبيّ إبراهيم عليه السلام في الحجّ، وأضاف عيد الفطر في الأوّل من شوّال، بشعائره الإسلاميّة ومضامينه الإنسانيّة.

 

العِيدُ، لغةً، كُلُّ يَوْمٍ فيهِ جَمْعٌ، واشتقاقُه من عادَ يَعود، كأَنَّهم عادُوا إِليه. وقيل: اشتِقاقُه من العادَةِ، لأَنَّهُم اعتادُوه. والجَمْع: أَعيادٌ.

وإذا كان العيد، الوقْت الّذِي يَعُود فيه الفَرَحُ والحُزْنُ، أو ما يَعْتَادُه من الحُزْنِ والشَّوْقِ، فإنّ معناه الاصطلاحيّ طغى على معناه اللّغويّ، حتّى ارتبط في الأذهان أنّه سُمِّيَ عِيداً، لأَنَّه يَعُودُ كلَّ سَنَةٍ بِفَرَحٍ مُجَدَّدٍ.

 

 

وسُمّي العيد يوم الزّينة، للزّينة التي تُتّخذ في يوم العيد، كما سُمّي يوم الخروج، حيث يخرج النّاس إلى أماكن محدّدة كدور العبادة، أو إلى أماكن عامّة يحتفلون بيوم العيد. 

عيد الفِطر في الإسلام

فُرض صيام شهر رمضان في السّنة الثّانية من الهجرة في شعبان، وحُوّلت القبلة، وفُرض زكاة الفطر، وشُرِّع فيها صلاة العيد.

وقد سُئل الإمام الرّضا عليه السّلام عن علّة يوم العيد بعد الصّيام، فقال: «إنّما جُعِلَ يَوْمُ الفِطْرِ العيدَ لِيَكونَ للمُسْلِمينَ مَجْمَعاً يَجْتَمِعونَ فيهِ، وَيَبْرُزونَ إِلى اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَيَحْمَدونَهُ عَلى مَا مَنَّ عَلَيْهِمْ، فَيَكونُ يَوْمَ عيدٍ، وَيَوْمَ اجْتِماعٍ، وَيَوْمَ فِطْرِ، وَيَوْمَ زَكاةٍ، وَيَوْمَ رَغْبَةٍ، وَيَوْمَ تَضَرُّعٍ، وَلِأَنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ يَحِلُّ فيهِ الأَكْلُ وَالشّرْبُ، لِأَنَّ أَوَّلَ شُهورِ السَّنَةِ عِنْدَ أَهْلِ الحَقِّ شَهْرُ رَمَضانَ، فَأَحَبَّ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَكونَ لَهُمْ في ذَلِكَ اليَوْمِ مَجْمَعٌ يَحْمَدونَهُ فيهِ وَيُقَدِّسونَهُ».

زكاة الفطرة

يجب على المسلمين إخراج زكاة الفطرة للفقراء على التّفصيل المُبيّن في الكتب الفقهيّة؛ وعنها قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «مَنْ أَدّى زَكاةَ الفِطْرَةِ تَمَّمَ اللهُ لَهُ بِها مَا نَقَصَ مِنْ زَكاةِ مالِهِ».

وقال الإمام الصّادق عليه السّلام: «إنَّ مِنْ تَمامِ الصَّوْمِ إِعْطاءَ الزَّكاةِ - كَما أَنَّ الصَّلاةَ عَلى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ مِنْ تَمامِ الصَّلاةِ - لِأَنَّهُ مَنْ صامَ وَلَمْ يُؤَدِّ الزَّكاةَ فَلا صَوْمَ لَهُ إِذا تَرَكَها مُتَعَمِّداً».

 

 

 فكانت زكاة الفطرة عاملاً في إدخال الفرح على قلوب الفقراء يوم العيد، ومظهراً من مظاهر التّكافل الاجتماعيّ. ومع التّطوّر الحضاريّ واتّساع رقعة البلاد، أضحت للفطرة دارٌ يجري من خلالها توزيع الفطرة على المستحقّين، من ذلك ما يخبر به المؤرّخ ابن الطوير (ت: 617 للهجرة) في كتابه (نزهة المُقلتَين في أخبار الدّولتين) من أنّ العزيز بالله الفاطميّ بنى «دار الفطرة» خارج القصر، وهو أوّل من بناها، وقرّر فيها ما يُعمل مما يُحمل إلى الناس في العيد، وهي قبالة باب الدَّيْلم من القصر الذي يدخل منه إلى المشهد الحسينيّ بالقاهرة.

الاستعداد للعيد

كان الاستعداد للعيد يجري على المستوى الدّينيّ من وداع شهر رمضان بختم القرآن الكريم والإكثار من الأدعية والأذكار، وعلى المستوى الاجتماعيّ من تجهيز الملابس والمأكولات والحلوى الخاصّة بالعيد. فكان المؤمنون يستعدّون للعيد بكثرة الدّعاء، وفي حديثه عن الصّائمين قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:

«... يَغْفِرُ لَهُمْ في آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْهُ.

قيل: يا رسول الله! أي ليلة؟ القدر؟

قال: لا وَلَكِنَّ العامِلَ إِنَّما يُوَفَّى أَجْرَهُ إِذا انْقَضى عَمَلُهُ».

لذلك كان الإمام الرّضا عليه السّلام يُوصي قائلاً: «أَكْثِروا مِنْ ذِكْرِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلاةِ عَلى رَسولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في لَيْلَةِ الفِطْرِ، فَإِنّها لَيْلَةٌ يُوَفَّى فِيَها الأَجِيرُ أَجْرَهُ».

أمّا بخصوص الاستهلال، فإنّ الأمر لا يختلف عمّا ذكرناه عن استهلال هلال شهر رمضان في التحقيق السّابق.

وقد أوصى رسولُ الله صلّى الله عليه وآله بالاغتسال قبل التّوجّه إلى صلاة العيد، فكان المسلمون يغتسلون، وكان الحثّ على غُسل العيد والجمعة وغير ذلك من الأغسال، «.. لِمَا فيهِ مِنْ تَعْظيمِ العَبْدِ رَبَّهُ، وَاسْتِقْبالِهِ الكَريمِ الجَليلِ، وَطَلَبِ المَغْفِرَةِ لِذُنوبِهِ، وَلِيَكونَ لَهُمْ يَوْمُ عيدٍ مَعْروفٍ يَجْتَمِعونَ فيهِ عَلى ذِكْرِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَجُعِلَ فيهِ الغُسْلُ تَعْظيماً لِذَلِكَ اليَوْمِ».

 

 

ختم القرآن الكريم

وإذا كانت المساجد تعمر بكثرة تلاوة القرآن في شهر رمضان المبارك، فإنّ في اللّيلة الأخيرة كان يجري فيها خَتْم القرآن بكامله، وفي العصر الفاطميّ في القاهرة، كان الحاكم الفاطميّ يفتح أبواب قصره للمُقرئين لختمه.

وفي هذا قال المقريزيّ في (خُططه): «ولمّا كان في التّاسع والعشرين من شهر رمضان، خرجت الأوامر بإضعاف ما هو مستقرّ للمُقرئين والمُؤذّنين في كلّ ليلة برسم السّحور بحكم أنّها ليلة ختم الشّهر».

ثمّ يصف المقريزيّ ما كان يجري من زينة واستعراض الوحوش المزيّنة والنّجائب والخيول، وعرض الأسلحة وآلات الموكب المعدّة للخروج في الموكب يوم العيد.

المساجد، والبيت الحرام

وكانت المساجد تتهيّأ للعيد مثلما تهيّأت لاستقبال شهر رمضان، وقد وصف ابن بطوطة في رحلته الحرم المكّيّ ليلة العيد فقال:

«وعادتهم في شوّال، وهو مفتَتح أشهر الحجّ المعلومات، أن يُوقدوا المشاعل ليلة استهلاله، ويُسرجون المصابيح والشّمع، على نحو فعلهم في ليلة سبع وعشرين من رمضان. وتُوقد السّرج في الصّوامع من جميع جهاتها، ويُوقَد سطح الحرم كلّه وسطح المسجد الذي بأعلى أبي قبيس، ويُقيم المؤذّنون ليلتهم تلك في تهليل وتكبير وتسبيح، والنّاسُ ما بين طواف وصلاة وذكر ودعاء، فإذا صلّوا صلاة الصّبح أخذوا في أهبة العيد، ولبسوا أحسن ثيابهم، وبادروا لأخذ مجالسهم بالحرم الشّريف، به يصلّون صلاة العيد، لأنّه لا موضع أفضل منه. ويكون أوّل من يبكر إلى المسجد (السَّدّنة) فيفتحون باب الكعبة المقدّسة، ويقعد كبيرهم في عتبتها، وسائرهم بين يديه، إلى أن يأتي أمير مكّة فيتلقّونه، ويطوف بالبيت أسبوعاً، والمؤذّن الزمزميّ فوق سطح قبّة زمزم على العادة.... ثمّ يأتي الخطيب بين الرّايتين السّوداوين، والفرقعة أمامه، وهو لابسٌ السّواد، فيصلّي خلف المقام الكريم، ثمّ يصعد المنبر ويخطب خطبة بليغة. ثمّ إذا فرغ منها أقبل النّاس بعضهم على بعض بالسّلام والمصافحة والاستغفار، ويقصدون الكعبة الشّريفة فيدخلونها أفواجاً، ثمّ يخرجون إلى مقبرة باب المعلّى، تبرّكاً بمن فيها من الصّحابة وصدور السّلف ثمّ ينصرفون».

الزيّنة والتّجمّل

كان النّاس، وما زالوا، يلبسون يومَ العيد أحسن ثيابهم، ويتطيّبون ويمتشطون؛ وجاء في الحديث: «اغْتَسِلْ في العيدَيْنِ جَميعاً وَتَطَيَّبْ وَتَمَشَّطْ، وَالْبَسْ أَنْظَفْ ثَوْبَ مِنْ ثِيابِكَ».

وكان لرسول الله صلّى الله عليه وآله - كما ورد في البحار- ثلاثُ قَلانس؛ قلنسوة السفر، وقلنسوة العيدين، وقلنسوة كان يلبسها ويقعد مع أصحابه.

كما كان الأولاد يرتدون أجمل لباسهم في ذلك النّهار. والعادة في العيد «أن يُحَسِّنَ الناسُ هيآتهم ويأخذوا عند كلّ مسجد زينتهم»، وفي هذا قال الإمام الصّادق عليه السلام: «يَنْبَغي لِمَنْ خَرَجَ إِلى العيدِ أَنْ يَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيابِهِ، وَيَتَطَيَّبَ بِأَحْسَنِ طِيبِهِ».

الخروج لصلاة العيد

كان النّبيّ صلّى الله عليه وآله يخرج يوم الفطر والأضحى رافعاً صوته بالتّكبير، موصياً: «زَيِّنوا أَعْيادَكُمْ بِالتَّهْليلِ وَالتَّكْبيرِ وَالتَّحْميدِ وَالتَّقديسِ».

ورد في (بحار الأنوار) للمجلسيّ: «والتّكبير في العيدَين واجب، أمّا في الفطر ففي خمس صلوات؛ يبتدىء به من صلاة المغرب ليلة الفطر إلى صلاة العصر من يوم الفطر، وهو أن يقال: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلّا اللهُ واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ وللهِ الحمدُ، اللهُ أكبرُ عَلى مَا هَدَانا، والحمدُ للهِ عَلى مَا أبلانا». والمراد بالوجوب في صدر الفقرة هو الاستحباب المؤكّد.

وقد سُئل الإمام الرِّضا عليه السّلام عن علّة التّكبير في العيد فقال: «لأنَّ التَّكْبيرَ إِنَّما هُوَ تَعْظيمٌ للهِ وَتَمْجيدٌ عَلى ما هَدى وَعافا، كما قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿...وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ البقرة: 185.».

 

 

ويظهر أنّ صلاة العيد كانت تُقام خارج المسجد في مكان مكشوف، ورُوي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه خرج يوم العيد فلم يزل يُكبّر حتّى انتهى إلى الجبّانة.

وكانت تُقام بالبقيع زمن الإمام السّجّاد عليه السّلام؛ فعن جابر بن عبد الله الأنصاريّ، قال: «كنتُ بالمدينة وقد ولّاها مروان بن الحكم من قِبل يزيد بن معاوية، وكان شهر رمضان، فلمّا كان في آخر ليلةٍ منه أمر مناديه أن ينادي في النّاس بالخروج إلى البقيع لصلاة العيد.

فغدوتُ من منزلي أريد سيّدي عليّ بن الحسين عليه السّلام غلساً، فما مررتُ بسكّة من سكك المدينة إلّا لقيتُ أهلها خارجين إلى البقيع فيقولون: إلى أين تريد يا جابر؟

فأقول إلى مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله، حتّى أتيت المسجد فدخلته، فما وجدت فيه إلّا سيّدي عليّ بن الحسين عليهما السلام قائماً يصلّي صلاة الفجر وحدَه، فوقفت وصلّيت بصلاته. فلمّا فرغ من صلاته، سجد سجدة الشّكر، ثمّ إنّه جلس يدعو وجعلت أؤمن على دعائه..‌.».

وفي زمن العبّاسيّين، كان الحاكم يخرج لصلاة العيد في موكب مهيب، وقد طلب المأمون العبّاسيّ من الإمام الرِّضا عليه السّلام أن يخرج لصلاة العيد أمام الحشد الغفير من النّاس، وفي هذا رُوي – عن ياسر الخادم وغيره - أنّه لمّا «حضر العيد بعث المأمون إلى الرِّضا عليه السّلام يسأله أن يركب ويحضر العيد ويخطب لتطمئنّ قلوب النّاس، ويعرفوا فضله، وتقرّ قلوبهم على هذه الدّولة المباركة.

فبعث إليه الرِّضا عليه السّلام وقال: قَدْ عَلِمْتَ ما كان بَيْني وَبَيْنَكَ مِنَ الشُّروطِ في دُخُولِي فِي هَذا الأَمْرِ.

فقال المأمون: إنّما أريد بهذا أن يرسخ في قلوب العامّة والجند والشاكريّة هذا الأمر فتطمئنّ قلوبهم ويقرّوا بما فضّلك الله تعالى به، فلم يزل يرادّه الكلام في ذلك.

فلمّا ألحّ عليه، قال الرضا عليه السلام: إِنْ أَعْفَيْتَني مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَإِنْ لَمْ تُعْفِني خَرَجْتُ كَما كانَ يَخْرُجُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآلِه وَسَلَّمَ، وَكَما خَرَجَ أَميرُ المُؤْمِنينَ عَلِيُّ بْنُ أَبي طالِبٍ عَلَيه السَّلامُ.

فقال المأمون: اخرج كما تحبّ. وأمر المأمون القوّاد والنّاس أن يبكّروا إلى باب أبي الحسن الرضا عليه السّلام.

فقعد النّاس لأبي الحسن عليه السّلام في الطّرقات والسُّطوح، من الرّجال والنّساء والصّبيان، واجتمع القوّاد على باب الرّضا عليه السّلام، فلمّا طلعت الشّمس قام الرّضا عليه السّلام فاغتسل وتعمّم بعمامة بيضاء من قطن، وألقى طرفاً منها على صدره، وطرفاً بين كتفيه، وتشمّر، ثمّ قال لجميع مواليه: افْعَلوا مثلَ ما فَعَلْتُ.

ثمّ أخذ بيده عكّازة، وخرج ونحن بين يديه، وهو حافٍ قد شّمر سراويله إلى نصف السّاق وعليه ثياب مُشمّرة.

فلمّا قام ومشينا بين يدَيه، رفع رأسه إلى السّماء وكبّر أربع تكبيرات؛ فخُيّل إلينا أنّ الهواء والحيطان تجاوبه... والقوّاد والنّاس على الباب قد تزيّنوا ولبسوا السّلاح وتهيَّؤوا بأحسن هيئة، فلمّا طلعنا عليهم بهذه الصّورة حفاةً قد تشمّرنا وطلع الرّضا عليه السلام، وقف وقفةً على الباب، وقال: (اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ عَلى ما هَدانا، اللهُ أكبرُ على ما رَزَقَنا مِنْ بَهيمَةِ الأَنْعامِ، وَالحَمْدُ للهِ عَلى ما أَبْلانا)؛ ورفع بذلك صوته ورفعنا أصواتنا.

فتزعزعت «مَرو» من البكاء والصّياح، فقالها: ثلاث مرّات، فسقط القوّاد عن دوابّهم، ورموا بخِفافهم لمّا نظروا إلى أبي الحسن عليه السّلام، وصارت مرو ضجّةً واحدة، ولم يتمالك الناس من البكاء والضّجّة.

فكان أبو الحسن عليه السّلام يمشي ويقف في كلّ عشرة خطوات وقفةً ويُكبّر الله تعالى أربع مرّات، فيتخيّل إلينا أنّ السّماء والأرض والحيطان تجاوبه، وبلغ المأمون ذلك، فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين: يا أمير المؤمنين! إن بلغ الرّضا المُصلّى على هذا السّبيل افتُتن به النّاس، فالرأي أن تسأله أن يرجع، فبعث إليه المأمون فسأله الرجوع، فدعا أبو الحسن عليه السّلام بخفّه فلبسه ورجع».

 

 

وفي زمن الفاطميّين بالقاهرة: «كان في شرقيّ القصر الكبير مصلّى العيد من خارج باب النّصر، وهذا المصلّى بناه القائد جوهر لأجل صلاة العيد في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وثلثمائة، ثمّ جدّده العزيز بالله، وبقي إلى الآن بعض هذا المصلّى، واتّخذ في جانب منه موضع مصلّى الأموات اليوم»، وذلك بحسب ما أخبره المقريزيّ في (خططه).

كلمة أخيرة

ونختم بما رواه الشيخ المليني في (الكافي)، عن جابر الأنصاريّ، عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام أنّه قال: «قالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ: إِذَا كَانَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ شَوّالٍ نَادَى مُنادٍ: أَيُّها المُؤْمِنونَ! اغْدُوا إِلى جَوائِزِكُمْ. ثُمَّ قالَ: يا جابِرُ، جَوائِزُ اللهِ لَيْسَتْ بِجَوائِزِ هَؤُلاءِ المُلوكِ، ثُمَّ قالَ: هُوَ يَوْمُ الجَوائِزِ».

 وعن أمير المؤمنين عليه السّلام في صفة العيد: «إنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللهُ صِيَامَهُ وَشَكَرَ قِيَامَهُ، وَكُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ».

***


أعياد جاهلية أبطلَها الإسلام

عرف العرب في الجاهليّة أعياداً أبطلها الإسلام، منها:

- الاحتفال بـ «ذات أنواط»، وهي شجرة كبيرة، قرب مكّة، ورد ذكرها في السّيرة، حيث كان المشركون يَنُوطُون بها سِلاحَهُمْ، أَيْ يُعَلِّقُونَ ويَعْكُفُون حَوْلَها.

- وقبل حلول النّصرانيّة في نجران، كان أهلُها وثنيّين يعبدون نخلةً ويعيّدون عندها كلّ عام بحسب ما أورد الطبريّ في (تاريخه).

- واتّخذ العرب أعياداً عند اللّات والعزّى ومناة الثّالثة، فكانوا ينحرون عندها الذّبائح ويوزّعونها على من حضرهم.

- وكان لأهل يثرب يومان يلعبون فيهما، وقد أخذوهما من الفرس.

- واحتفل قومٌ من العرب، بـ«يوم السّباسب»، وتشير المصادر إلى أنّه عيد الشّعانين المعروف عند النّصارى.

- ومن أعيادهم: يومُ السَّبْعِ، فقد ورد ذكره دون تفاصيل عنه.

- وكان يوم النّحر في الحجّ عيد العرب الأكبر في الجاهليّة، وهو عيد الأضحى عند المسلمين، بعدما أزال الإسلام الطّقوس الوثنيّة منه مُعيدَه إلى سنّة النبيّ إبراهيم عليه السّلام في الحجّ.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

04/07/2016

دوريات

نفحات