فكر و نظر

فكر و نظر

01/08/2016

التطرّف اليوم... أمويّ لا خارجيّ!

 

كفى خداعاً...

التطرّف اليوم... أمويّ لا خارجيّ!

_____ الشيخ حسن فرحان المالكي* _____


تُضيء هذه المقالة للباحث الحجازي الشيخ حسن فرحان المالكي على قضيّة راهنة في غاية الأهميّة والخطورة، وهذه القضيّة هي ظاهرة التكفير والقتل التي تتجدّد وتستشري اليوم في طول البلاد الإسلاميّة وعرضها.

غاية المقالة الكشفُ عن جذور التكفير في التاريخ الإسلاميّ حيث تعود الحالة التكفيريّة الراهنة إلى أصلها الأمويّ، وليس كما يُزعم إلى الفِرق الخارجيّة التي حفل بها تاريخ الإسلام الأوّل، والتي جاء معظمها كردّة فعل على الجَور الأمويّ.

 

نحن في خدعة شيطانيّة كُبرى؛ خُدعنا بالمنافقين الذين تسمّوا بأفضل الأسماء وارتكبوا أبشع الأعمال؛ حذّرنا الله من المنافقين وقال: ﴿.. هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ..‏﴾ (المنافقون:4)؛ لكن الأمّة لم تأخذ تحذير الله على محمل الجدّ، فأهملوا دراسة النفاق والبحث عن أسماء المنافقين وعلاماتهم!

لا يجوز أن نُخادع أنفسنا كلّ مرّة.. فالإرهاب له مدارسُه ورموزه.. التي تتّصل ببني أُميّة لا الخوارج.

لا ينتمي الغُلاة والمتطرّفون اليوم لفرقة من فرق الخوارج، وليس في رموز هذا التطرّف والغلوّ والإرهاب اليوم رمز من رموز الخوارج.

كلّ هذا الخداع في إلصاق التطرّف بالخوارج هو هروب من مواجهة الحقيقة المرّة، فهؤلاء الذين يقتلوننا اليوم ويفجّرون حتّى المساجد يتبرؤون من الخوارج ويبدّعونهم.. ولكنّهم بلا فخر ينتمون لمدارس ورموز معروفة مشهورة.. لا داعي لذكر الأسماء ... فالجميع قد عرف..

أثرُ الخوارج الأوّلين انتهى؛ أثرُ تكفيرهم ومقالاتهم انتهت؛ إنّما التكفير الأمويّ والعنف الأمويّ هو الفاعل اليوم على الساحة الإسلاميّة كلّها، من منبج إلى المكلا (اليمن)؛ ومن أندونسيسا إلى نيجيريا؛ ومن الكرّادة العراقيّة إلى القاع اللبناني؛ ومن إسطنبول إلى بروكسل؛ ومن مساجد القطيف والأحساء إلى المسجد النبويّ بالمدينة المنوّرة...

الأمر واضح جدّاً! والاختبار والتمحيص الإلهيّ مستمرّ؛ لا ينقطع؛ ليعلم الصادقَ منّا والكاذب: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ (العنكبوت:2-3)

كشفُ التطرّف الأمويّ والرموز الأمويّة والتراث الأمويّ هو الفاعل في محاربة التطرّف اليوم، وهو الذي سيُحرج الغلاة ويُخرجهم من جُحورهم للعلن، بدلاً من الاستعانة بهم كناقش الشكّة بالشوكة.. يجب أن يتبيّن الجميع، سواء المباشرين أو القعدة أو الداعين في كلّ قنوت؛ بنصرة المسلمين (ويقصدون أنفسهم) على الكفّار والمشركين (ويعنون سواهم)..


التكفير صناعة أُمويّة

التكفير الأمويّ معروف في التاريخ؛ ابتدأ بتكفير الإمام عليّ بن أبي طالب ولعنه على المنابر؛ وتكفير حجر بن عديّ الصحابيّ المشهور (زعم الشهود من فقهاء الأمويّين وأعيانهم في الكوفة أنّ حجر بن عديّ كفر كفرةً صلعاء)؛ وهم الذين انتجوا مَن كفّر أبا حنيفة والمذاهب كافّة - فيما بعد - أو على الأقلّ؛ يستحلّون دماءهم بحكم أنّهم مبتدعة يجب أن يُستتابوا وإلّا فالسيف. كلّ هذا فكرٌ أمويّ لا خارجيّ.

أيضاً بنو أُميّة هم الذين يَتجرّأون على المساجد؛ فاستهداف الحرمين نهج أمويّ؛ استباحوا المدينة عام 63 للهجرة وتركوا خيولهم تروث في المسجد النبويّ؛ وهم من هدموا الكعبة مرّتين؛ عام 64 وعام 73 للهجرة؛ هذا الاستهداف للمساجد والحرمين له أصل أمويّ، وهذه الحساسيّة المفرطة تجاه الشيعة أمويّة.

والأهم؛ أنّ الصِّلة بين غُلاة اليوم وبني أُميّة ورموزهم وتراثهم أصيلة جدّاً! بينما الصِّلة بين غُلاة اليوم والخوارج منعدمة جدّاً؛ هذا هو المهمّ. اقرأُوا كُتب «داعش» اليوم، وستجدونها متّصلة برموز أمويّة الهوى؛ كابن تيميّة ومدارسه؛ ثمّ بمتطرّفي الحنابلة في القرن الثالث والرابع؛ ثمّ بمن فوقهم؛ وهكذا؛ حتّى يصلوا لدحيم والأوزاعيّ وحريز بن عثمان وخالد بن معدان ورجاء بن حيوة وأسعد الحرازيّ ..إلخ.

والحنابلة المُكَفِّرونَ المُتقدّمون واضحون جدّاً؛ وهم المذهب الوحيد الذي له مؤلّفات عديدة في فضل معاوية ويزيد..

هذا القسم من التكفير والتطرّف الأمويّ مخفيّ عمداً، وهو الفاعل على الساحة الإسلاميّة شرقاً وغرباً؛ لا يريد الغلاة مناقشته ولا كشفه؛ ويحاربون مَن يريد ذلك.. لأنّه حقٌّ ثقيل؛ ومُحرِجٌ كثيراً؛ واللهُ يبتلينا؛ هل سنغيّر ما بأنفسنا - من تعظيم للقتلَة والمجرمين - أم سنتبرّأ منهم؟!


«داعش» المؤتمَنة على التُّراث السفياني

يريدون أن يزعموا بأنّ هؤلاء القتلة خوارج... وفقط. حتّى ولو لم يكن هناك أي صِلة بين «الدواعش» والخوارج. بينما الصِّلة بينهم وبين بعض المدارس المغالية أوضح من الشمس؛ وصِلة تلك المدارس المغالية بابن تيميّة أوضح من الشمس؛ وصِلة ابن تيميّة بغُلاة الحنابلة المتقدّمين أوضح من الشمس - وقد ذمّ معتدليهم كابن الجوزيّ الذي حاول تخليص الحنابلة من النّصب وألّف كتاباً في جواز لعن يزيد وأنّه مذهب أحمد، لكن ابن تيميّة نصر الفريق الحنبليّ الآخر الذي له مؤلّفات في فضل يزيد ومعاوية؛ كابن أبي يعلى الفرّاء، وعبد المغيث الحربيّ وأمثالهم.

ثمّ؛ صِلةُ غُلاة الحنابلة بالسلفيّة الأمويّة المتقدّمة؛ الذين كانوا في حاضنة الدولة الأمويّة؛ وشرّعوا لها قتلَ المُخالف لسياستها وتكفيره واضحة، وإنْ كان أقلّ وضوحاً من سابقاتها، وهنا معركة الباحث وعبقريّته إن أراد. مهمّةُ الباحث هنا إيجادُ الصِّلة بين غُلاة الحنابلة وبني أُميّة.

ما هو الاعتدال السلفيّ القديم الذي لم يتبع النهج الأمويّ؟ وما هو التطرّف السلفيّ الذي كان تابعاً للدولة الأمويّة.. والذي تشرّب الروح الأمويّة ونفسيّاتها وأحاديثها وعقائدها وتزكيتها للذات وفتاواها الدمويّة ...الخ؟

أظنّ أنّه بقليل من الإنصاف والبحث والربط، نستطيع - ولأوّل مرّة - أن نثبت صِلة «داعش» ببني أُميّة، وهي الحقيقة التي طالما حرص السلفيّون من قديم على نفيها وإلصاق التطرّف بالخوارج هروباً واعتباطاً.

الخوارج أخفّ حالاً من بني أُميّة؛ باستثناء «الأزارقة» وبعض «المحكّمة الأولى»؛ وقد انتهوا؛ فلا تراث لهم ولا تلاميذ ولا مدارس ولا شيء.. الأمويّون أشدّ؛ هم الذين قتلوا أهل بدر - 25 بدريّاً – وهم الذين قتلوا أهل بيعة الرضوان وأبناءهم - حوالي 700 مسلم يوم الحرّة - وهم الذين لعنوا عليّاً ومن يحبّه على المنابر؛ وهم الذين استباحوا المدينة سنة 63 للهجرة؛ وهم من سَبوا  نساء المهاجرين والأنصار لمدّة ثلاثة أيّام؛ وهم الذين ذبحوا الحسين وأهل بيته بكربلاء قبل سنة 61 للهجرة؛ وهم الذين نبشوا قبور مخالفيهم؛ وقلّدهم بنو العبّاس فنبشوا قبورهم؛ وهم الذين قتلوا حِجراً وأصحابه؛ وهم الذين قتلوا عمرو بن الحمق الخزاعيّ – بَدْرِيّ - وهم الذين أمروا بالبيعة على البراءة ممّن يَبرؤون منه من الفضلاء؛ وهم الذين حكموا تسعين عاماً؛ وهم الذين أنتجوا معظم الأحاديث أو تصرّفوا فيها؛ ثمّ أنتجوا التبديع والتكفير؛ وهم الذين ذبحوا المعارضين باسم الرِّدّة والكفر.

الأمويّون ورَثةُ «المنافقين»

الأمويّون هم الذين أكثروا من إطلاق الألقاب على المخالفين (رافضة، وغيرها..) ثمّ فرّعوا هؤلاء إلى فروع كثيرة، وتبعتهم كتبُ المقالات .. وحذفوا (نواصب) من قائمة الفِرق والمذاهب! فتبعهم أصحاب المقالات والفِرق أيضاً؛ فلم يذكروا هذا اللقب (نواصب) في كُتب الفِرق والمذاهب! وكأنّ اللقب لم تكن له دولة تَلعن على كلّ منبر وتقتل فوق كلّ حجر ومدَر!

نحن في خدعة شيطانيّة كبرى؛ خُدعنا بالمنافقين الذين تسمّوا بأفضل الأسماء وارتكبوا أبشع الأعمال؛ حذّرنا الله من المنافقين وقال: ﴿.. هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ..‏﴾ لكنّ الأمّة لم تأخذ تحذير الله على محمل الجدّ، فأهملوا دراسة النفاق والبحث عن أسماء المنافقين وعلاماتهم، فوصلوا للسطلة وأنتجوا التطرّف، والتفّوا على الدين، وعطّلوا القرآن وغاياته، ووضعوا الأحاديث المُحرِجة، وشوّهوا سيرة النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وشوّهوا الإسلام، وحاربوا الإسلام بالإسلام ..إلخ.

تأخّرنا كثيراً؛ ولم يعد الحلّ ممكناً لكشف كلّ النفاق وآثاره ورموزه.. لكن يكفي أن نكشف التطرّف القريب الذي هو ابن التطرّف الأخير في القرون الثلاثة الماضية، الذي هو ابن التطرّف في القرن الثامن الهجريّ ... إلى هنا يكفي كجرعة أولى للعلاج..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مفكّر إسلاميّ من الحجاز

اخبار مرتبطة

  شعائر العدد الثامن و السبعون -شهر ذو القعدة 1437-أيلول

شعائر العدد الثامن و السبعون -شهر ذو القعدة 1437-أيلول

نفحات