موقف

موقف

01/08/2016

الزُّهّاد هم الطريقُ إلى الله

الزُّهّاد هم الطريقُ إلى الله

ــــــــــــــــــــــــــ الشيخ محمّد قاسم المصري العامليّ ــــــــــــــــــــــــــ

 

سُئلَ أمير المؤمنين عليه السلام عن فساد العامّة، فقال: «إنّما هِيَ مِنْ فَسَادِ الخَاصَّة. وَإنّما الخَاصَّةُ لَيُقْسَمُونَ إِلَى خَمْسٍ: العُلُمَاءُ وَهُمُ الأَدِلّاءُ عَلَى اللهِ. وَالزّهّادُ وَهُمُ الطّريقُ إِلَى اللهِ. والتُّجّارُ وَهُمْ أُمَنَاءُ اللهِ. وَالغُزاةُ وَهُمْ أَنْصَارُ دِينِ اللهِ. وَالحُكّامُ وَهُمْ رُعَاةُ خَلْقِ اللهِ».

يتناول هذا النصّ المختصر من كتاب (رسالة في التعرُّب بعد الهجرة) للشيخ محمّد قاسم المصريّ العامليّ دورَ الزهد في تقويم الحياة الاجتماعية، وبناء المجتمع الصالح.

 

رُوي عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام: «الزُّهْدُ عَشَرَةُ أَجْزاءٍ... وَإِنَّ الزُّهْدَ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ...﴾».

وهو – أي الزهد - من الصفات العظيمة؛، والمحاسن السامية فهو صفةُ الأنبياء، وسيرةُ الأوصياء، وهو من الملَكات الرفيعة التي ينبغي للمؤمن التحلّي بها، وفيه سعادةُ الدارَيْن، وإلّا فلا يأمن الشخصُ على نفسه من الانحراف وسوء الخاتمة إذا لم يتحلَّ بالزهد.

وعلى الأقلّ هو خيرُ طريقٍ لراحة الدنيا، وأسرعُ بابٍ للفوز بالدرجات العُلا: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. (الشعراء:88-89)

والزُّهد الذي يَلزمُ على المؤمن التحلّي به، هو تلك الملَكة النفسيّة الباعثة على الرغبة فيما عند الله تعالى دون سواه؛ ولأجل ذلك عُدَّ طريقاً إليه سبحانه، وأيّ طريقٍ أسمى ممّا كانت نِسبْتُه إلى الله، حيث قال أمير المؤمنين عليه السّلام عن الزهّاد: «وَهُمُ الطَّرِيقُ إِلَى اللهِ».

إنّ سلوكَ الزاهد، وعيشه وحياته بكلّ معانيها هي مثالٌ يُقتدى به، فإنّ المجتمع كما أنه يحتاج إلى العالم ليرشده، وإلى الحاكم ليرعى شؤونه، وإلى التاجر والصناعيّ لأمور معيشته، وغيرهم، ولكلٍّ منهم عملٌ يتمّم به عمل الآخر ليشكِّلوا مجتمعاً متكاملاً، فإنّ المجتمع أيضاً يحتاج إلى الزاهد ليكون مثالاً ونموذجاً في العزوف عن زخارف الدنيا والرغبة في مرضاة الله تعالى، وبالتالي، فإنّ أيّ تاجر أو أيّ فرد من أفراد المجتمع إذا ما وقع في فتنة معيّنة أو ابتُليَ في دينه ودنياه، فإنّ له بذلك مثالاً يقتدى به. ثم إنَّ الزاهد في سلوكه وعمله وقوله يُصبح عنواناً للتذكير بالآخرة، ودليلاً إلى طريق النجاة من حبائل دار الفناء.


طلبُ الزاهد.. والهروب منه

وللزاهد أوصافٌ، أهمّها ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «إنَّ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا تَبْكِي قُلُوبُهُمْ وإِنْ ضَحِكُوا، ويَشْتَدُّ حُزْنُهُمْ وإِنْ فَرِحُوا، ويَكْثُرُ مَقْتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ وإِنِ اغْتَبَطُوا بِمَا رُزِقُوا».

وذلك أنّ الزاهد يعيش الخوف من الله؛ فهو في حزنٍ وأسفٍ على ما يُفرّط في جنب الله، وفي حذرٍ دائماً من الانزلاق إلى مهاوي الدنيا، فلا يأنس ما دام لم يصِل إلى برّ الأمان؛ فهو لا يأمن غدر الدنيا في كلّ آن، وينتظر الانتقال عنها في أيّ لحظة.. وهذا ما يجعل حُزنه في اشتداد، حتّى إذا ما أدركَتْه المنيّة تبدّلت أحواله ليعيش الفرحة الدائمة والنعيم الذي لا يزول، وينقضي حزنُه ومَقْتُه بلقاء ربٍّ رحيم، ورضوانٌ من الله أكبر...

وقال عليه السّلام: «أَفْضَلُ الزُّهْدِ إِخْفَاءُ الزُّهْدِ». وهذه الصفة لا تتنافى مع كون الزاهد طريقاً إلى الله، فإنّ محاولة الزاهد إخفاء زُهده لكيلا يُصاب بالعُجب والغرور، يُعَدُّ من أعلى درجات الزهد، ولذا نجده عليه السّلام يُعطي ضابطة مهمّة لتمييز الزاهد الحقيقيّ عمّن تَلبّس بلباس الزهد، فقال عليه السّلام: «إِذَا هَرَبَ الزّاهِدُ مِنَ النّاسِ فَاطْلُبْهُ». وفي حديثٍ آخر قال عليه السّلام: «إِذَا طَلَبَ الزّاهِدُ النّاسَ فَاهْرُبْ مِنْه».


اخبار مرتبطة

  شعائر العدد الثامن و السبعون -شهر ذو القعدة 1437-أيلول

شعائر العدد الثامن و السبعون -شهر ذو القعدة 1437-أيلول

نفحات