الملف

الملف

27/10/2016

وقائعُ شهادة الإمام الحسن عليه السلام

 

إنّي مفارقُك ولاحقٌ بربّي

وقائعُ شهادة الإمام الحسن عليه السلام

 

* استُشهد الإمام الحسن صلوات الله عليه، في الثامن والعشرين من صفر، سنة تسع وأربعين، عن سبعة وأربعين عاماً. وقيل: كانت شهادته عليه السلام يوم الخميس في السابع من صفر، ودُفن بالبقيع من المدينة المنوّرة.

وقد تضافرت النصوص على اغتيال معاوية الإمامَ الحسنَ، عليه السلام، بالسمّ كأوضح قضيّة في التاريخ. ذكرها صاحب (الاستيعاب)، و(الإصابة)، و(الإرشاد)، و(تذكرة الخواصّ)، و(دلائل الإمامة)، و(مقاتل الطالبيّين)، والشعبي، واليعقوبي، وابن سعد في (الطبقات)، والمدائني، وابن عساكر، والواقدي، وابن الأثير، والمسعودي، وابن أبي الحديد، والمرتضى في (تنزيه الأنبياء)، والطوسي في (أماليه)، والشريف الرضي في (ديوانه)، والحاكم في (المستدرك)، وغيرهم.

«شعائر»

 

قال الشيخ الكليني في (الكافي) إنّ جعدة بنت الأشعث بن قيس الكنديّ سمّت الحسن بن عليّ عليهما السلام، وسمّت مولاةً له، فأما مولاته فقاءت السّم، وأما الحسن عليه السلام فاستُشهد بعد أن كابد المرض لعدّة أيّام.

وقال ابن سعد في طبقاته: «سَمّه معاوية مراراً». وقال المدائني: «سُقي الحسن السمّ أربع مرّات». وقال الحاكم في (مستدركه): «إنّ الحسن بن عليّ سمَّ مراراً. كلّ ذلك يسلم، حتّى كانت المرّة الأخيرة التي مات فيها، فإنّه رمى كبده».

وفي هذه المرّة الأخيرة، قال الإمام الحسن لأخيه الحسين عليهما السلام: «إنّي مفارقُك ولاحقٌ بربّي، وقد سُقيتُ السُمّ، ورميتُ بكبدي في الطّست، وإنّي لعارفٌ بمَن سقاني السمّ ومن أين دُهيت، وأنا أخاصمُه إلى الله عزّ وجلّ».

ثمّ قال: «وادفنّي مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فإنّي أحقّ به وببيته. فإن أبَوا عليك، فأُنشدك الله بالقرابة التي قرّب الله عزّ وجلّ منك، والرّحِم الماسّة من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن لا تُهريق في أمري محجمةً من دمٍ، حتّى نلقى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فنختصمَ إليه، ونُخبره بما كان من النّاسِ إلينا».

وأوصى إليه بأهله وبولده وتركاته، وبما كان أوْصى به إليه أبوه أمير المؤمنين عليه السلام، ودلَّ شيعته على استخلافه للإمامة من بعده.

* وفي (الكافي) للكليني: «..عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام، قال: لمّا حضرت الحسن بن عليٍّ عليهما السلام الوفاة، قال: يا قنبر، انظُر هل ترى من وراء بابك مؤمناً من غير آل محمّدٍ عليهم السلام؟

فقال: اللهُ تعالى ورسولُه وابنُ رسوله أعلم به منّي.

قال: ادعُ لي محمّد بن عليّ.

قال قنبر: فأتيته فلمّا دخلت عليه، قال: هل حدث إلاّ خير؟

قلت: أجِب أبا محمّد.

فعجّل على شِسع نعله، فلم يسوّه وخرج معي يعدو، فلمّا قام بين يديه سلّم، فقال له الحسن بن عليّ عليهما السلام: اجلِس، فإنّه ليس مثلك يغيبُ عن سماع كلامٍ يحيا به الأموات، ويموت به الأحياء، كونوا أوعيةَ العلم، ومصابيحَ الهدى، فإنّ ضوء النهار بعضُه أضوأُ من بعض. أما علمتَ أنّ الله جعل وُلد إبراهيم عليه السلام أئمّة، وفضَّل بعضهم على بعض، وآتى داود عليه السلام زبوراً، وقد علمتَ بما استأثر به محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم..

يا محمّد بن عليّ، أما علمتَ أنّ الحسين بن عليٍّ عليهما السلام بعد وفاة نفسي، ومفارقة روحي جسمي، إمامٌ من بعدي، وعند الله جلّ اسمُه في الكتاب، وراثةً من النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، أضافها الله عزّ وجلّ له في وراثة أبيه وأمّه، فعلم الله أنّكم خيَرة خلقه، فاصطفى منكم محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم، واختار محمّدٌ عليّاً عليه السلام، واختارني عليٌّ عليه السلام بالإمامة، واخترتُ أنا الحسين عليه السلام.

فقال له محمّد بن عليّ: أنت إمامٌ وأنت وسيلتي إلى محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم.. الحسين أعلمنا عِلماً، وأثقلنا حِلماً، وأقربنا من رسول الله صلّى الله عليه وآله رحِماً، كان فقيهاً قبل أن يُخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم اللهُ في أحدٍ خيراً ما اصطفى محمّداً صلّى الله عليه وآله، فلمّا اختار الله محمّداً واختار محمّدٌ عليّاً واختارك عليٌّ إماماً واخترتَ الحسين، سلَّمنا ورضينا...».

وقد استعمل معاوية مروانَ بن الحكم، لإقناع جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي - وكانت من زوجات الحسن عليه السلام - بأن تسقي الحسن السمّ، فإنْ هو قضى نحبه زوّجها بيزيد، وأعطاها مائة ألف درهم.

وكانت جعدة هذه بحكم بُنُوَّتِها للأشعث بن قيس - المنافق المعروف - الذي أسلم مرّتين، بينهما ردّة منكرة، أقرب الناس روحاً إلى قبول هذه المعاملة النكراء.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام: «إنّ الأشعث بن قيس شَرِك في دم أمير المؤمنين عليه السلام، وابنتُه جُعدة سمّت الحسن عليه السلام، وابنُه محمّد شَرِك في دم الحسين عليه السلام».

 

فرح معاوية!

لم يملك معاوية نفسه من إظهار السرور بموت الحسن عليه السلام، وكان بالخضراء، فكبّر، وكبّر معه أهل الخضراء، ثمّ كبّر أهل المسجد بتكبير أهل الخضراء.

وزاد ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة) على هذا بقوله: «فلماّ أتاه الخبر، أظهر فرحاً وسروراً حتّى سجد، وسجد مَن كان معه! وبلغ ذلك عبد الله بن عباس - وكان بالشام يومئذٍ - فدخل على معاوية فلمّا جلس، قال معاوية: يا ابن عباس، مات الحسن بن عليّ.

فقال ابن عباس: نعم مات. إنّا لله وإنّا اليه راجعون (ترجيعاً مكرّراً). وقد بلغني الذي أظهرتَ من الفرح والسرور لوفاته. أما والله ما سدَّ جسدُه حفرتك، ولا زاد نُقصانُ أجله في عمرك. ولقد مات وهو خيرٌ منك. ولئن أُصبنا به، لقد أُصبنا بمَن كان خيراً منه، جدّه رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. فجبر الله مصيبته وخلف علينا من بعده أحسن الخلافة.

ثمّ شهق ابن عباس وبكى مَن حضر في المجلس. قال الراوي: فما رأيت يوماً أكثر باكياً من ذلك اليوم.

فقال معاوية: كم أتى له من العمر؟

فقال ابن عباس: أمرُ الحسن أعظمُ من أن يَجهل أحدٌ مولده.

قال: فسكت معاوية يسيراً ثمّ قال: يا ابن عباس، أصبحتَ سيّد قومك من بعده.

فقال ابن عباس: أمّا ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين فلا».


مدفنه عليه السلام

 روى سبط ابن الجوزيّ بسنده إلى ابن سعد عن الواقدي: «إنّه لمّا احتضر الحسن عليه السلام، قال: ادفنوني عند أبي - يعني رسول الله صلّى الله عليه وآله - فقامت بنو أميّة ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص، وكان والياً على المدينة فمنعوه! قال ابن سعد: ومنهم عائشة، وقالت: لا يُدفن مع رسول الله أحد».

وروى أبو الفرج الأموي الأصفهاني في (مقاتله) عن يحيى بن الحسن، أنّه قال: «سمعت عليّ بن طاهر بن زيد يقول: لمّا أرادوا دفنه - يعني الحسن بن عليّ عليهما السلام - ركِبَتْ بغلاً واستعونَتْ بني أميّة ومروان ومَن كان هناك منهم ومن حَشَمهم، وهو قول القائل: فيوماً على بغلٍ ويوماً على جمل».

وذكر المسعودي ركوب عائشة البغلة الشهباء وقيادتها الأمويّين ليومها الثاني من أهل البيت عليهم السلام، قال: «فأتاها القاسم بن محّمد بن أبي بكر، فقال: يا عمّة ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر. أتريدين أن يُقال يوم البغلة الشهباء؟ فرجعت».

واجتمع مع الحسين بن عليّ عليهما السلام خلقٌ من الناس، فقالوا له: «دعنا وآل مروان، فوالله ما هم عندنا إلّا كأكلة رأس، فقال: إنّ أخي أوصى أن لا أُريقَ فيه محجمةَ دم. ولولا عهدُ الحسن هذا، لَعلمتُم كيف تأخذُ سيوف الله منهم مأخذها. وقد نقضوا العهدَ بيننا وبينهم، وأبطلوا ما اشترطنا عليهم لأنفسنا»، يشير بهذا إلى شروط الصلح. ومضوا بالحسن عليه السلام فدفنوه بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم.

وروى أبو جعفر الطبري في كتابه (دلائل الإمامة): «فلمّا فرغ الحسين عليه السلام من أمره وصلّى عليه، سار بنعشه يريد قبر جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله ليُلحده معه، فبلغ ذلك مروان بن الحكم طريدَ رسول الله، فذهب مسرعاً على بغلٍ حتّى دخل على عائشة، وقال: يا أمّ المؤمنين! إنّ الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن عند جدّه..

قالت: فما أصنع؟

قال: إلحقي وامنعيه من الدخول إليه..

فأرادت بنو هاشم الكلام وحملوا السلاح، فمنعهم الحسين عليه السلام، وقال: الله، الله أن تفعلوا، وتضيِّعوا وصيّة أخي..».

وقال ابن حجر في (الإصابة): «.. عن ثعلبة بن أبي مالك: شهدتُ الحسن يوم مات ودُفن بالبقيع، فلقد رأيت البقيع ولو طُرِحت فيه إبرة ما وقعت إلّا على رأس إنسان».

فصلوات الله عليه وعلى جدّه وأبيه وأمّه وأخيه والأئمّة المعصومين من ذريّة أخيه، صلاةً دائمةً تدومُ بدوام الأيام، متعاقبةً لا تنقضي.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

28/10/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات