حوارات

حوارات

29/12/2016

حوار مع كريمة العلامة الطباطبائي رحمه الله


كانت أخلاقه محمّدية

حوار مع كريمة العلامة الطباطبائي رحمه الله

قال والدي: نُبتلى بقسوة لنَصرخ من أعماقنا... يا الله!

 

ــــــــــــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ــــــــــــــــــــــــــــ

 

تعتبر المذكّرات والكلمات التي أوردتها السيدة «نجمة السادات الطباطبائي» كريمة العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي رحمه الله، وزوجة العلامة الشهيد الشيخ علي قدّوسي، في حوارها مع مجلة «زن روز» الإيرانية من أجمل ما رُويَ عن السيرة الشخصيّة للعلامة السيّد، مؤلّف التفسير النوعيّ (الميزان في تفسير القرآن).

في ما يلي الترجمة العربية لهذا الحوار، نقلاً عن العدد الحادي والثلاثين من مجلة «بقية الله».

 

تستهلّ السيدة نجمة السادات حديثها عن والدها العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي رحمه الله بالقول:

* كان حازماً في تطبيق الأحكام الشرعية بدقّة، غيرَ متسامحٍ في أداء الصلاة إلا في وقتها، محبّاً لتلاوة القرآن كثيراً، وبصوت حزين وجميل، دقيقاً في مواعيده وبرنامجه اليومي.

* لم أره يوماً غاضباً، ولم أسمع صوته مرتفعاً أبداً.

* سمعته يقول إنه لم يُخلّ ببرنامجه اليومي من سنّ السادسة والعشرين. وكان مع كثرة الأعمال التي يقوم بها، لا يردّ سائلاً، ولا يتذمَّر من أحد. وحتى في سنيِّ مرضه الأخيرة كان حريصاً على مقابلة الناس، والردّ على أسئلتهم.

* شديد الصلة بتلاميذه، خصوصاً الشهيد مطهري. وكان يقول: «سروري الكبير هو في جلوسي مع أصدقائي (تلامذته) فالدنيا تشرق أثناء وجودهم معي».

* قليل الكلام، موصياً بذلك، وإذا تكلّم فيأتي كلامه دون تكلّف، مفهوماً لكلّ الناس.

* كان متواضعاً، متجنّباً لإظهار شخصيته الرفيعة. وكان إذا ما مُدح بشي‏ء، كالحرص على أداء الصلاة في وقتها، يقول: «إنها عادة اعتدتُ عليها وليست بالشي‏ء الذي يُذكر». ويردّ على من يمدح درسه بالقول: «إنه كلام الله تعالى، وما أنا سوى ناقل له».

* يحرص على الحضور إلى درسه وحيداً، بدون مرافقة أو حراسة. وحينما كان يدرّس العلوم الإسلامية في طهران، كان يتنقّل في حافلات وسيارات النقل المشترك.

* يحبّ البقاء مع الناس دائماً وأن يكون كواحد منهم. وقد كان يجلس معهم في مقام السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام في قمّ المقدّسة.

* يردّد دائماً: «الشخصية هي موهبة من الله ولا يستطيع الإنسان كسبها بالأمور الدنيوية».

* كان والدي مرهف الإحساس ذا روحية عالية، إذا ذُكر الله أمامه تغيّرت أحواله. وكان إذا مرَّ بمنظر طبيعي تظهر منه حالات عجيبة، لا ندري معها في أيّ عالم هو.

* لطالما قال لي: «أحياناً يغفل الإنسان عن الله، فيُصاب بالحمَّى أربعين يوماً ليصرخ من أعماق قلبه: يا الله!».

* كان رضوان الله عليه عاطفياً، يشعر بآلام الآخرين، ويتألم لألمهم ويتأثر لمصابهم، إلا أنه، من جهة أخرى، إذا ما أُصيب بمصيبة أو عرضت له مشكلة كان صبوراً كتوماً، لا يعبأ بالإهانة الموجهة إليه. وكان يقول: «يجب أن لا يحقد عبدُ الله على أحد». وعندما كان أصحابه يطلبون منه الرد على منتقديه الذين اتّهموه بالكذب! يقول لهم: «لا ضررَ يُصيبني من كلامهم، يجب على المرء أن لا يتأثر بهذه الأمور». وبكلمة موجزة، كانت أخلاقه أخلاقاً محمّدية.

أنت ضيفة عندي..

* كيف كان تعامله في البيت مع عائلته؟

العناوين التي أشرت لها آنفاً، ترجمها السيد الوالد واقعاً عملياً في تعامله معنا في البيت. فقد كان - بالرغم من كل أشغاله وأعماله التي لا تنتهي - يخصّص لنا ساعةً كلّ يوم، نقضيها معه بشكل مرح لا نشعر معها أننا أمام فيلسوف عظيم.

كان يجلُّ والدتي كثيراً ويعاملها بكلّ محبة. ولم أرهما ولو لمرّة واحدة يتجادلان حول موضوع معيّن. كان دائماً يمدحها ويُثني عليها ويذكرها بالخير، ويدعو لها، ويذكر صبرها في النجف الأشرف، وتصبّرها على فقد ثمانية من أولادها أثناء الولادة. وكان يقول: «كلّ كتاب ألّفته، فإنها شريكة في نصفه».

كان لطيفاً جداً معنا، وأعطانا الكثير من وقته الثمين. وكثيراً ما كان يجلس ليعلّمنا الرسم والكتابة.

كان رضوان الله عليه يهتم كثيراً بأداء أموره الشخصية في البيت بنفسه، فقد كان يسبقنا لترتيب مكان نومه، وينظّف غرفته بنفسه، ويسبق والدتي إلى ذلك، حتّى في أواخر أيامه عندما كان مريضاً، لم يرضَ أن أخدمه. وعندما كنت أزوره، كان يصرّ على أن يحضر لي الشاي بنفسه ويقول لي: «أنت ضيفة عندي، والأهمّ من ذلك أنك من السادة، فلا يجوز أن آمرَك».

عندما مرضت أمي مرضها الذي توفّيت فيه، لم يسمح لها أن تقوم بأيّ شي‏ء من أعمال البيت، وطلب منها أن تبقى مستلقية على السرير، وترتاح. وقد قام هو بخدمتها وخدمتنا، وعطّل جميع أعماله لمدة سبعة وعشرين يوماً.

وبعد موتها كان دائم التردّد على قبرها، وله في ذلك عبارته المعروفة: «على العبد أن يؤدّي حقّ الغير، ومَن لم يستطع أداء حقّ العبد، فلن يستطيع أن يؤدّي حقّ المولى».

* العلامة الطباطبائي، صاحب هذه الشخصية العلمية العظيمة، كيف كان يوفّق بين أعماله الكثيرة، ودوره كأب لعائلة كبيرة؟

كما قلت سابقاً، فقد كان يخصّص والدي لنا ساعات معينة كلّ يوم، وغالباً ما تكون بعد الظهر، حيث كان ينادينا: «انتهت دروسي الخاصّة. تعالوا لنجلس معاً».

وكان يقول: «هذه أفضل ساعاتي، وفيها أنسى كل متاعبي». كان على علاقة شديدة بنا وبوالدتي، وكان إذا ما أتانا ضيف قام لمساعدتها في تهيئة الضيافة، على الرغم من ممانعة والدتي، حيث كانت تعتبر أنّ شؤون البيت والاهتمام بدروسنا من واجبها هي.

أحسِني التصرّف مع والدة زوجك

* ماذا عن تعامل العلاّمة مع أطفاله من الناحية التربوية؟

إن الاحترام الذي كان يكنّه السيد العلامة للجميع، لم يقتصر على الكبار فقط، بل تعدّاه ليشمل الأطفال أيضاً، خصوصاً الفتيات منهم. فقد كان يصفهنّ بالنعمة الإلهية، وكان يوصيهنّ دائماً بالصدق، ويتلو القرآن الكريم على مسامعهنّ بصوت مرتفع، ويروي لهنّ بعض الأحاديث التي يعتقد بتأثيرها فيهنّ.

كان يلاعب الأطفال ويمازحهم، مراعياً في ذلك كلّ اعتدال، وكان يُجيب على أسئلتهم بدون كَلل أو ملل، وكثيراً ما كان يوصيني بالانتباه للأولاد وإعطائهم حرّيتهم مع الحرص على تأديبهم، ويقول لي: «من الخطأ أن يتشاجر الوالدان أمام أعين أطفالهما». وقد لمست ذلك في بيتنا، حيث إن الودّ والتفاهم اللذين كانا يحكمان العلاقة بين والدَيّ أثّرا فينا كثيراً.

وكما قلت سابقاً، فقد كان يعامل البنات معاملة خاصة، ويُكنُّ لهن محبة خاصة. وكان يعتقد أن هكذا تعامل سيجعلهنّ زوجات وأمّهات صالحات. وحين كان اعتقاد والدتي أن على البنات أن يشاركن في أعمال المنزل، كان جوابه لها: «لا تضغطي عليهنّ، فهنّ بحاجة إلى الراحة، ولم يحِن موعد عملهنّ بعد».

كانت والدتي تغضب متى أخطأنا في تدبير شؤون البيت، فيُهدئ هو من روعها قائلاً: «إنهنّ أمانة الله في أعناقنا، ويجب أن نحترمهنّ، لأن في ذلك مسرّة لله تعالى وللنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم».

تربيته لي لم تقتصر على أيام طفولتي، بل تعدّتها إلى فترة زواجي. فقد كان يوصيني دائماً، وكلما ذهبت لزيارته أن أُحْسِن معاملة زوجي وأهله، وخصوصاً والدة زوجي.

كان يحب أولادي كثيراً، وخصوصاً ولدي حسن. فقد جاءني في طهران ليعزّيني باستشهاده (استُشهد في جبهات القتال ضدّ النظام البعثي البائد) فلم أعرف كيف أقابله، فقد كانت حالته كحالتي، وعندما رآني قال لي: «ماذا أقول لك يا نجمة؟»، قلت: «لا شي‏ء، الشكر لله».

قال: «أحسنتِ، فإنّ الله الذي أعطاك إياهم قد أخذ أفضلَهم، فالحمد لله».

إلا أن القلب في النهاية يحزن لفقد الولد، لذا كان يقول: «عندما أتذكّر (حسن) وكيف كان يسألني، ترتعد جميع أعضائي ويتغيّر حالي».

وكانت رغبة والدي أن يدرس أخي الأكبر العلوم الدينية، ولكنه لم يفعل لأسباب أجهلها...

تربية الأولاد أوّلاً

* بشكل عام، كيف ينظر السيد العلامة إلى المرأة؟ وما هو دورها في المجتمع بنظره؟

كان والدي رحمه الله يرى أنّ الهدف الأول بالنسبة للإناث هو الزواج. وهذا الأمر يقع في المرتبة الأولى، ويأتي بعده تحصيل العلم في الدرجة الثانية. وكان لا يمانع تعليم البنت حتّى بعد زواجها.

وكان رضوان الله عليه يقول: «لو لم يكن للمرأة دور مهم، لما جعل الله نسلَ الأئمّة المعصومين الحُجَج من السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام بالخصوص. إن المرأة الصالحة تحوّل العالم إلى جنّة، والمرأة الطالحة تحوِّله إلى جحيم؛ وكذلك البيت».

وكان يرى أن على المرأة التي تنتهي من تربية أولادها أن تنطلق في المجتمع وتسعى لإصلاح ما فسد فيه.

* وماذا عن نظرته إلى الأمور المادية؟

حياتنا الاجتماعية كانت عادية أو أقلّ. وقد عشنا حوالي إحدى عشرة سنة في النجف الأشرف حياة علمائية، بمعنى أن وضعنا الاجتماعي كان كسائر أوضاع الطلَبة. وإضافة إلى ذلك فقدتْ والدتي ثمانية أطفال بعد الولادة مباشرة. وكان صبرها في ذلك عجيباً.

كان والدي يمقتُ الإسراف في كلّ شي‏ء، وخصوصاً في الطعام، وكان لا يتناول إلا صنفاً واحداً عن المائدة.

عندما رجعنا إلى إيران، عشنا حوالي عشر سنوات في تبريز، إلا أن والدي أصرّ بعدها على الذهاب إلى قم، وترك الراحة والطقس الجميل في تبريز، فقضى بقية حياته في قم عالماً متواضعاً لا تهمّه الأمور المادية في شي‏ء.

الشاه لا يُخيفني..

* كيف كانت علاقته بالعلامة الشهيد قدّوسي؟

العلاقة قديمة بين والدي وزوجي الشهيد قدّوسي (كان مدّعي عام الجمهورية الإسلامية، اغتاله تنظيم منافقي خلق بعد سبعة أشهر من شهادة ابنه حسن). فقد كان زوجي تلميذاً لوالدي، تعلّم منه الأدب والعلم، كما تعلّم من أبويه. وكان أبي يثق به كثيراً، لذا قبِلَ زواجي منه على صغر سِنّي. والعلاقة بينهما كانت قائمة على الاحترام. وكثيراً ما مدح أبي الشهيد وأثنى على قدراته العلميّة. فقد سمعته يقول مراراً: «إن الله أعطى هذا الرجل عقلاً وحِلماً عَجيبين». لهذا السبب كان يعهد إليه بالكثير من أعماله.

وعندما استُشهد الشيخ قدّوسي لم نخبره بسبب حالته الصحية، ولكنه عرف بالأمر (من دون أن يخبره أحد من الناس) فتحمَّل المصاب وصبرَ، وقد بدا عليه ذلك.

* كيف كان ينظر العلامة الطباطبائي إلى الإمام الخميني قدّس سرّه وإلى الثورة الإسلامية؟

كانت علاقته بالإمام الخميني وطيدة منذ البدايات، يسودها الاحترام المتبادل. ومع أنه كان قليل الاهتمام بالسياسة، إلا أنه كان من مؤيّدي الثورة، ويتابع أخبارها، ويعمل على نصرتها قبل انتصارها وبعد ذلك.

ومن الوقائع التي حصلت معه أنه غضب كثيراً عندما أبعدَ الشاه الملعون الإمام الخميني المقدّس إلى خارج إيران، ورفض قبول شهادة الدكتوراه في الفلسفة التي قرّرت «جامعة طهران» منحه إياها. واعتبرها هدية الشاه له ليسكت ويرضى عنه، وقال: «لن أخاف من الشاه، ولن أقبل شهادة الدكتوراه».

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

29/12/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات