الملف

الملف

منذ يوم

وجوبُ الحذر من نقْص المعرفة

وجوبُ الحذر من نقْص المعرفة

حتّى لا نكون شركاء في ظُلم الزهراء عليها السلام

* تتوقّف الهداية إلى ما يُرضي الله تعالى على معرفة الذين أُمرنا بالاقتداء بهم والأخْذ عنهم، وأيّ نقْص أو خَللٍ في تلك المعرفة يستلزم بالضرورة نقصاً في تحقّق الهداية. وهذا ما ينبغي الحذر منه عند التطرّق لمقام الصدّيقة الكبرى السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، والمعاني المستفادة من سيرتها المباركة.

«شعائر»

 

لكي لا نشارك في ظلم مولاتنا السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، ولكي نضمنَ أن لا نُصبح من أعدائها صلوات الله عليها، يتوجّب علينا أن نعرّفها كما عرّفها رسولُ الله صلّى الله عليه وآله.

أمّا أن نقلّل من عظَمة الزهراء عليها السلام، ولو عن سُوء فهْم، ووَهْم حُسن النيّة، فإنّ ذلك إنزالٌ للزهراء عليها السلام عن مرتبتها التي رتّبها الله تعالى فيها. ويجب التنبّه إلى أنّ التقليل من عظَمتها صلوات الله عليها ظلمٌ معنويّ، والظلم المعنويّ للزهراء أشدّ من الظلم المادّي، وأخطر بكثير.

والمقصود بالظلم المعنويّ هو أن لا نفْقهَ بعض دلالات عظَمتها المحمّدية، فلا ندرك أنّ الزهراء أعظم من النبيّ إبراهيم عليه السلام، أو أيّ نبيٍّ من الأنبياء، باستثناء رسول الله صلّى الله عليه وآله.

أليس هذا ما كان يريدنا الإمام الصادق عليه السلام أن نفقَهه حين قال: «لولا عليٌّ لمْ يكُن لفاطمةَ كُفْؤٌ، آدمَ فما دونَه».

أكثرُ الحديث السائد بيننا عن الزهراء عليها السلام، هو دون هذه العظَمة المحمّدية بكثير، بل بفراسخ، بل بأبعد ممّا بين السماء والأرض. وهذا الظلم المعنويّ للزهراء عليها السلام، أشدّ من غصب فدَك. إنّ غصب فدك جرأة على المقام المعنويّ للزهراء عليها السلام، وهو جرأة على الله تعالى بالجرأة على مقام الزهراء العظيم. كان غصب فدك نتيجة هذه الجرأة على مقامها المعنويّ عليها صلوات الرحمن.

فالحذر الحذر! لأنّ أيّ ظلمٍ معنويّ للزهراء يصدر منّي ومنك يجعلنا مع أعدائها، وهذا الخطر جدّي؛ حيث إنّ نقص المعرفة بالزهراء صلوات الله عليها يؤدّي إلى الاصطفاف مع أعدائها، والعياذ بالله تعالى.

إنّه الخطر الذي يصرّ المؤمن في قراءته لدعاء كميل أن يخلّصه الله تعالى منه. نقرأ في الدعاء:

«فلئِن صيّرتَني في العقوباتِ معَ أعدائك، وجمعتَ بيني وبينَ أهلِ بلائك، وفرّقتَ بيني وبينَ أحبّائِكَ وأوليائك، فهَبْنِي يا إلهي وسيّدي ومولايَ صبرتُ على عذابِك، فكيفَ أصْبِرُ على فراقِكَ، وهَبْني صبرتُ على حَرِّ نارِكَ فكيفَ أصبرُ عن النّظرِ إلى كرامتِكَ، أم كيفَ أسكُنُ في النّارِ ورجائي عَفوُك».

يقول الملا هادي السبزواري في (شرح الأسماء الحسنى: 30/1):

«أقول: انظروا معاشرَ المحبّين كيف أدرجَ عليه السلام، في هذا الدعاء فراقَ أحبّائه وأوليائه في فراقه [تعالى]. وإلّا فالظاهر أن يقال: فكيف أصبرُ على فراقك وفراق أحبّائك وأوليائك، إشارةً إلى أنّ فراقهم حيث هم أولياؤه ومنتسبون إليه فراقُه [تعالى]، ولهذا مَن أحبّهم فقد أحبَّ الله، ومَن أبغضَهم فقد أبغضَ الله، وذلك لأنّ مَن أحبّ شيئاً أحَبَّ آثاره....».

يضيف: «فالأثرُ بما هو أثرٌ ليس شيئاً بحياله، إنّما هو كالمعنى الحرفيّ ليس ملحوظاً باستقلاله، بل هو كالمرآة لملاحظة المؤثِّر، كما قال صلّى الله عليه وآله: (مَن رآني فقد رأى الحقّ)؛ فمحبّتُه عائدةٌ إلى محبّتِه، وعداوتُه عائدةٌ إلى عداوتِه... قال تعالى: ﴿..قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..﴾». (الشورى:23)

وفي المحصّلة يُمكن القول إنّ:

* معرفة الزهراء عليها السلام هي الدِّين، وعلى معرفتها دارت القرونُ الأولى والأخيرة. فلا يُمكن الوصول إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله من غير طريق الزهراء عليها السلام، ولا يمكن الوصول إلى التوحيد الحقيقي إلّا بها، وهذا أوضحُ معاني «يرضى اللهُ لِرضاها».

* نقصُ هذه المعرفة بالصدّيقة الزهراء صلوات الله عليها نقصٌ في الدّين، وهو يجعل صاحب المعرفة الناقصة مهدّداً بزوالها، وزوالُها زوالُ الدين.

* مَن وجد في معرفته بالزهراء نقصاً وأنّه يتعامل معها عليها السلام، بما لا ينسجم مع عظَمتها المحمّدية، فعليه أن يبادر إلى تصحيح هذه العلاقة وإزالة هذا النقص.

* السائدُ في كثيرٍ من الأوساط نقصٌ ذريع، بل ومرعب في معرفة الزهراء عليها السلام، من قبيل تفسير حديث النبيّ «فاطمة أمّ أبيها»، بأنّها منحت أباها حناناً. أو أنّها الكاتبة الإسلامية الأولى، وأنّ مصحفها عبارة عن مفكّرة كانت تدوّن فيها بعض الروايات التي سمعتها من الرسول، أو نُقلت لها عنه صلّى الله عليه وآله.

الطريق إلى تصحيح المعرفة

ما معنى قول النبيّ صلّى الله عليه وآله: «يَرضى اللهُ لِرضاها»، وما معنى قوله صلّى الله عليه وآله: «حبُّ فاطمة ينفعُ في مائة موطنٍ، أَيْسَرُها القبرُ، والصِّراطُ، والميزان..»؟

معناه أنّ حبّ الزهراء حبُّ الله تعالى، وضعْفُ العلاقة بالزهراء عليها السلام ضعفُ العلاقة بالله تعالى، ونقْصُ المعرفة بالزهراء يعرّض المعرفة الناقصة للزوال، فيلتحق مَن حُرِم نعمة حبّها بصفوف أعدائها.

لذلك، وفي مجال تصحيح العلاقة والمعرفة بالصدّيقة الكبرى عليها السلام، تجب العناية الجادّة  بالعناوين التالية:

1) كثرة القراءة في ما كتبه العلماء المختصّون حول سيرتها ومنزلتها.

2) الدمعة على سيّد الشهداء عليه السلام.

3) المواظبة على الأعمال العبادية المرتبطة بالزهراء عليها السلام. قراءة زياراتها والأدعية المروية عنها، وكذلك أداء الصلوات المروية عنها. التوسّل والاستغاثة بها عليها السلام، والالتزام بدعاء القنوت المرويّ عن الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف، والذي تحدّث عنه المرجع السيد المرعشي:

«اللّهمّ صلِّ على محمّدٍ وآلِه، اللّهمّ إنّي أسألُكَ بِحَقِّ فاطمةَ وأبيها وبَعْلِها وبَنِيها والسِّرِّ المُستَودَعِ فيها، أنْ تُصَلِّيَ على محمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ، وأنْ تفعلَ بي ما أنتَ أهلُه، ولا تَفعل بِي ما أنا أهلُه، بِرحمَتِكَ يا أرحمَ الراحِمين».

4) التفكير والقراءة حول حُرمة المؤمن وحرمة المعصوم وحرمة النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله، والتأمّل طويلاً ودائماً في دلالات أنّ عظَمة الزهراء عليها السلام محمّدية.

 

... وأمّا قبرُ فاطمة!

 «روي أنّها (الزهراء عليها السلام) قُبضت... وقد كمل عمرُها يوم قُبضت ثماني عشرة سنة... فغسّلها أمير المؤمنين عليه السلام، ولم يحضرها غيره، والحسن، والحسين، وزينب، وأمّ كلثوم، وفضّة جاريتها، وأسماء بنت عميس، وأخرجها إلى البقيع في الليل، ومعه الحسنُ والحسين، وصلّى عليها، ولم يَعلم بها، ولا حضر وفاتها، ولا صلّى عليها أحدٌ من سائر الناس غيرهم... وعفى موضعَ قبرها، وأصبح البقيع ليلةَ دُفنت وفيه أربعون قبراً جدداً.

وإنّ المسلمين لمّا علموا وفاتها جاؤوا إلى البقيع، فوجدوا فيه أربعين قبراً، فأشكل عليهم قبرُها من سائر القبور، فضجّ الناس ولامَ بعضُهم بعضاً، وقالوا: لم يخلف نبيُّكم فيكم إلّا بنتاً واحدة، تموتُ وتُدفَن ولم تحضروا وفاتها ولا دفنها ولا الصلاةَ عليها! بل ولم تعرفوا قبرها!

فقال ولاةُ الأمر منهم: هاتوا من نساء المسلمين مَن يَنبشُ هذه القبور حتّى نجدَها فنصلّي عليها ونزور قبرها.

فبلغ ذلك أمير المؤمنين صلّى الله عليه، فخرج مغضباً قد احمرّت عيناه، ودرّت أوداجُه، وعليه قباؤه الأصفر الذي كان يلبسه في كلّ كريهة، وهو يتوكّأ على سيفه ذي الفقار، حتّى ورد البقيع، فسار إلى الناس مَن أنذرهم، وقال: هذا عليّ بن أبي طالب قد أقبلَ كما ترونه، يُقسم بالله لَئِن حُوِّل من هذه القبور حجرٌ، ليَضَعنّ السّيفَ في رقاب الآمِرين.

فتلقّاه «فلان» ومَن معه من أصحابه، وقال له: ما لك يا أبا الحسن؟! والله لَنَنْبِشَنّ قبرَها وَلَنُصَلِّيَن عليها.

فضرب عليّ عليه السلام، بيده إلى جوامع ثوبه فهزّه ثمّ ضرب به الأرض، وقال له: يا ابنَ السوداء، أمّا حقّي فقد تركتُه مخافةَ أن يرتَدَّ الناسُ عن دِينِهم، وأمّا قبرُ فاطمة، فوالّذي نفسُ عليٍّ بيدِه؛ لَئِن رُمْتَ وأصحابَك شيئاً من ذلك لأَسْقِيَنّ الأرضَ مِن دِمائِكم، فإنْ شئتَ فاعْرِض يا «فلان».

فتلقّاه «فلان» فقال: يا أبا الحسن، بحقّ رسول الله، وبحقّ مَن فوق العرشِ إلّا خليتَ عنه، فإنّا غيرُ فاعلين شيئاً تكرهه.

قال: فخلّى عنه وتفرّق الناس، ولم يعودوا إلى ذلك».

 

(الطبري «الإمامي»، دلائل الامامة : ص 136 – 137)

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ يوم

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات