الملف

الملف

منذ أسبوع

خروج السيّدة المعصومة إلى خراسان

كم بينَنا وبين قمّ؟

خروج السيّدة المعصومة إلى خراسان

§        السيد أبو الحسن هاشم

بعد مدّةٍ من وصول الإمام الرضا عليه السلام، إلى مرو بخراسان، أرسل كتاباً إلى أخته السيّدة المعصومة يأمرها باللّحاق به، فقد كانت أثيرةً عنده، وعزيزةً عليه، ولمّا انتهى الكتاب إليها تجهّزت للسفر إليه.

وفي الوقت نفسه خرج بعضٌ آخر من إخوتها في ركبٍ ثانٍ باتجاه خراسان.. ركبان عظيمان يتّجهان نحو اللقاء بإمامهم عليه السلام: أحدهما يتّجه إليها عن طريق الريّ وساوة، والآخر يتّجه إليها عن طريق شيراز. والإمام الرضا عليه السلام، قد أخبر المأمون مسبقاً بقدومهم عليه.

«شعائر»

 

كان إخوة الإمام الرضا عليه السلام: أحمد، ومحمّد، وحسين، على رأس الركب الأول الذي ضمّ عدداً كبيراً من بني أعمامهم وأولادهم وأقاربهم ومواليهم، ووصل عددهم إلى ثلاثة آلاف.

وفي الطريق انضمّ إليهم جمعٌ كثير من موالي ومحبّي أهل البيت عليهم السلام، فصار عددهم ما يقرب من خمس عشرة ألف نسمة رجالاً ونساءً، يتّجهون إلى خراسان عن طريق شيراز.

ولمّا وصل خبر القافلة وهذا التجمع الكبير إلى المأمون، خشي على مُلكه وسلطانه من التزلزل إذا ما وصلت هذه القافلة العظيمة إلى خراسان، فأمر ولاته بمنع زحف هذا الركب، وإرجاعهم إلى المدينة.

فجهّز حاكم شيراز - آنذاك - جيشاً جراراً من أربعين ألف جندي وتوجّه إلى الركب، فالتقى بهم في «خان زينان» على ثمانية فراسخ  من شيراز. فتوقّفت قافلة بني هاشم تستطلع الأمر .

قال الحاكم لهم: «إنّ الخليفة يأمر بإرجاعكم من حيث أتيتم».

فقال أمير الركب أحمد بن موسى : «إنّنا لا نريد سوى زيارة أخينا الإمام الرضا. وما قصدناه إلا بعد استئذان وإجازة المأمون نفسه» .

قال الحاكم: «قد يكون ما ذكرتَ، ولكنّه أصدر الأمر إلينا بمنعكم من إكمال سيركم» .

فتشاور الإخوة فيما بينهم، واتّفقوا على إكمال مسيرتهم، واحتاطوا لذلك بجعل النساء في آخر القافلة، ولكنّ حاكم شيراز وجنده الأربعين ألفاً قطعوا الطريق عليهم.

فبدأت معركة دامية، أبدى فيها إخوة الإمام وسائر أفراد القافلة شجاعة فائقة، ولا عجب في ذلك فهم من بني هاشم أصل الشجاعة ومنبت البطولة، وعلى أثر ذلك انكسر جيش الأعداء، وتفرّقوا فلجأوا حينئذٍ إلى المكر والخديعة.

فنادى رجلٌ منهم: «إن كان تريدون الوصول إلى الرضا فقد مات!».

فسَرَت هذه الشائعة بين أفراد القافلة كالبرق، وهدّت أركانهم، وكيف لا؟ إنهم يسمعون خبر وفاة إمامهم عليه السلام. وكان ذلك سبباً لتفرّق أفراد القافلة عن الإخوة الكرام .

فتوجّه الإخوة الثلاثة إلى شيراز ليلاً وسرّاً، وتفرّقوا فيها وتفرّغوا للعبادة، ولبثوا مدّةً من دون أن يعرفهم أو يتوصّل إليهم أحد. ولكن على أثر انتشار الجواسيس توصّلوا إلى مكان أحمد بن موسى. فأرسل الحاكم جيشاً كبيراً لاعتقاله. وكان أحمد بن موسى قد اختفى في دار أحد الموالين لهم، فخرج من الدار يقاتلهم قتالاً مستميتاً دفاعاً عن نفسه.

فماذا يا ترى يفعل فرد واحد أمام بلدة مخالفة وجيش كبير؟! إنّه أظهر شجاعة عظيمة، وكان بين فترة وأخرى يدخل الدار فيستريح. وعندما لم يتمكّنوا منه لجأوا إلى الجيران، وأحدثوا فجوة إلى تلك الدار عبر دار الجيران وغافلوه وقتلوه في الموضع الذي نراه الآن والمعروف بـ«شاه جراغ».

كما أنّهم قتلوا أخاه حسيناً بالقرب من بستان، وله مزارٌ أيضاً في شيراز ويُعرف بالسيد «علاء الدين حسين».

وأمّا السيّد محمّد فلم يتمكّنوا منه، وعُرف بكثرة العبادة، وهو الذي كان يلقّب بـ«محمد العابد»، وتوفّي ودُفن في بقعته الشريفة من شيراز.

ركْبُ السيّدة المعصومة يحاصَر في «ساوة»

كانت هذه القافلة تضم إثنين وعشرين علوياً، وعلى رأسها السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام  وإخوتها: هارون، وفضل، وجعفر، وقاسم، وبعض من أولاد إخوتها، وبعض الخدم.

فأرسل المأمون شرطته إلى هذه القافلة أيضاً، فقتل وشرّد كلّ مَن فيها، وجرحوا هارون المذكور، ثم هجموا عليه وهو يتناول الطعام فقتلوه.

وكان ذلك نهاية أليمة ومفجعة لهذا الركب من بني هاشم، فقدت فيها السيدة المعصومة عليها السلام سائر إخوتها، فشابهت مصيبتُها بفقدهم مصيبةَ عمّتها زينب عليه السلام في كربلاء، وخارت قواها وضعفت. فسألت من حولها: كم بيننا وبين قم؟

 قالوا: عشرة فراسخ.

 فقالت: احملوني إليها.

عندما وصلت عليها السلام إلى «ساوة»، ومرضت فيها بعد فقد إخوتها، كان خبرها قد وصل إلى «قمّ»، فخرج أشرافها لاستقبالها، يتقدّمهم موسى بن خزرج الأشعري، فلمّا وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وقادها إلى منزله، تحفّ بها إماؤها وجواريها.

وبقيت السيّدة المعصومة عليها السلام في دار موسى الأشعري سبعة عشر يوماً، فما لبثت إلا هذه الأيام القليلة وتوفيت. ولا يبعد أن يكون سبب وفاتها أنّها قد دُسّ السمّ إليها في «ساوة».

المأمون يعترف!

 ذكرنا احتمال أن يكون وفاة السيّدة المعصومة عليه السلام، بسبب سمٍّ دسّ إليها في «ساوة»، وكان المأمون العباسي من قبلُ قد قتل إخوتها في «ساوة» و«شيراز» ، ثمّ قتل الإمام الرضا عليه السلام، فيما بعد .

وللمأمون إعترافٌ بجناياته وظلمه لأهل البيت عليهم السلام، وأولادهم ومواليهم، نسجله للتأريخ والأجيال بياناً لحقيقة المأمون.

يقول المأمون في كتاب له في الجواب عن بني هاشم، أورده العلامة المجلسي في (بحار الأنوار)، نقلاً عن صاحب (الطرائف) عن ابن مسكويه:

«..حتى قضى الله تعالى بالأمر إلينا، فأَخَفْناهم، وضيّقنا عليهم، وقَتلناهم أكثرَ من قتل بني أميّة إيّاهم.

وَيْحَكُم! إنّ بني أميّة إنّما قتلوا منهم مَن سلّ سيفاً، وإنّا معشرُ بني العباس قتلناهم جُمَلاً.

فلتسألنّ أعظُم الهاشمية بأيّ ذنبٍ قُتلت؟

ولتسألنّ نفوسٌ أُلقيت في دجلة والفرات .

ونفوسٌ دُفنت ببغداد والكوفة أحياء ...».

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ أسبوع

دوريات

  أجنبية

أجنبية

منذ أسبوع

أجنبية

نفحات