مصطلاحات :  الإستراتيجيّة والتَّكتيك

مصطلاحات : الإستراتيجيّة والتَّكتيك

28/07/2011

 الإستراتيجيّة والتَّكتيك
فنّ مُطابقة الوسائل مع الغايات


خضر إبراهيم

يُمكن القَول إنَّ بين الإستراتيجيّة والسياسة تَوْأمة يَستحيل فَصْلها. ولذا فإنَّ لكلِّ سياسة معيَّنة، إستراتيجيّة مُثلَّثة الحدود، بينما تَسري هذه الحدود والمستويات في كلِّ خطَّة سياسيّة يُراد من خلالها بلوغ الهدف الأخير.


غالباً ما تَرِد كلمة إستراتيجيّة في مجالات عدّة مِن مشاغل التفكير البشري؛ في السياسة، والحرب، والفِكر، والثقافة، والإقتصاد. حتّى أنّ هذه الكلمة تحوَّلت إلى مفهومٍ قابلٍ للإستعمال في المجالات المذكورة جميعاً. غير أنَّ للكلمة/المفهوم أُصولها التي تعود إلى حقل النِّزاع، والتَّنافُس بين الدُّوَل، وكيفيَّة تحقيق الحَسْم والغَلَبة في الحروب الناشبة في ما بينها.
فيلسوف الحرب «كلاوزفيتس» يُعرِّف الإستراتيجيّة بأنّها: فنُّ استخدام المعارك كوسيلة للوصول إلى هدف الحرب. أي أنّ الإستراتيجيّة تَضَع المُخطَّط الإجمالي، وتُحدِّد التَّطوُّر المُتوقَّع لِمُختلف المعارك التي تتألَّف منها الحرب. لكن، ثمَّة مِن المفكِّرين مَن رأى، أنَّ مِن عيوب هذا التعريف، أنّه يُدخل هذه الفكرة في حقل السياسة، أو أنّه يضعها في أعلى مستوى لقيادة الحرب، وهذه أمور تتعلَّق بمسؤوليّة الدولة لا بحدود عمل القادة العسكريّين الذين تستخدمهم السُّلطة الحاكِمة ليقوموا بإدارة العمليّات وتنفيذها. وهناك من القادة التاريخيّين مَن قَدَّم تعريفاً أكثر وضوحاً حيث قال: «إنَّ الإستراتيجيّة هي: إجراء الملاءمة العمليّة للوسائل الموضوعة تحت تصرُّف القائد إلى الهدف المطلوب».
أما المُفكِّر العسكري «ليدل هارت»، فيُعرِّف الإستراتيجيّة بأنّها «فنُّ توزيع، واستخدام مختلف الوسائط العسكريّة، لِتحقيق هدف السياسة». إذ أنَّ الإستراتيجيّة لا تَعتمد على حركات الجيوش فحسب، ولكنّها تَعتمد أيضاً على نتائج هذه الحركات، وعندما يؤدِّي استخدام واسطة الحرب إلى معركة حقيقيّة، فإنَّ الإستعدادات التي تُتّخذ لإعداد مثل هذا العمل وتنفيذه، تُشكِّل ما يُسمَّى «التكتيك»، ويُمكن الفَصْل بين الإستراتيجيّة والتكتيك نظريّاً في أثناء الحديث، بينما يَتَعذَّر ذلك في الأمثلة العمليّة، نظراً لتشابكهما وتأثير كلِّ واحد منها على الآخر.
ماذا الآن عن الإستراتيجيّة العليا، وما الذي يُميِّزها عن الإستراتيجيّة الدُّنيا والتكتيك؟
يُلاحِظ مُفكِّرو الحرب وفلاسفتها، أنَّ هذه المفاهيم (التكتيك - الإستراتيجيّة - الإستراتيجيّة العُليا) هي مستويات ثلاثة لمفهوم واحد. وهي لا تَنفصل عن بعضها البعض عندما يوضَع المُخطَّط العامّ مَوْضِع النَّظَر والتَّطبيق، فإذا كان التَّكتيك هو تطبيق الإستراتيجيّة العُليا على مستوى أدنى، فإنَّ الإستراتيجيّة العُليا ليست سوى السياسة التي تَقود سَيْر الحرب.
ويُستعمَل تعبير الإستراتيجيّة العُليا لِشَرح فكرة «السياسة خلال التنفيذ»، وإيضاح أنَّ دورها الحقيقي يَكْمُن في توجيه وتنسيق كلّ إمكانيّات البلاد، وإيجاد التكامل اللّوجستي بين أعضاء الحِلْف العسكري بغية الحصول على الهدف السياسي.
وينبغي إدراك أنَّ القدرة الحربيّة هي عاملٌ من عوامل الإستراتيجيّة العُليا، التي تُدخِل في حسابها قِوى الضَّغط المالي، أو السِّياسي، أو الدِّبلوماسي، أو التِّجاري، أو المعنوي، وكلّها عوامل مهمّة لإضعاف إرادة الخَصْم.
يُجمِع الخُبراء على أنَّ مدى الإستراتيجيّة محدود بالحرب، ولكنّ الإستراتيجيّة العُليا، تنظر إلى ما وراءَ الحرب، وبالتالي نحو السِّلم الذي سَيَعقُبها، إنَّما عليها أن تُنظِّم استخدامه بُغية تفادي ما يؤذي السِّلم المُقبل، الذي يجب أن يكون ثابتاً ويُحقِّق حياة أفضل.
يُمكن القَوْل إنَّ بين الإستراتيجيّة والسياسة تَوْأمة يَستحيل فصلها. ولذا فإنَّ لكلِّ سياسة معيَّنة، إستراتيجيّة مُثلَّثة الحدود، بينما تَسري هذه الحدود والمستويات في كلِّ خطَّة سياسيّة يُراد من خلالها بلوغ الهدف الأخير.


اخبار مرتبطة

  الوثيقة الحَسَنيَّة الخالدة

الوثيقة الحَسَنيَّة الخالدة

  دوريات

دوريات

28/07/2011

نفحات