الملف

الملف

15/12/2017

... ولن تَبلغوا

... ولن تَبلغوا

بين فرضيّات الغُلوّ ومرديات التقصير

ـــــــــــــــــــــ المحقّق السيّد علي الحسيني الميلاني ـــــــــــــــــــــ

قد يُثار في بعض الأوساط عن جهل أنّ الزيارة الجامعة تحتوي على مضامين تغالي في شأن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام. ولذلك انبرى المحدّث الشيخ عباس القمّي في (مفاتيح الجنان) بإيراد قول الإمام الهادي عليه السلام بما يتوجّب على الزائر ذِكرُه قبل الشروع بقراءة هذه الزيارة: «..فإذا دخلتَ ورأيتَ القبرَ فقِفْ وقلْ: الله أكبر ثلاثين مرّة..، ثمّ قِفْ وكبّر اللهَ ثلاثين مرّة، ثم ادنُ من القبر وكبِّرِ اللهَ أربعين مرّة، تمام مائة تكبيرة».

ثم يعلّق المحدّث القمي على ذلك بقوله: «ولعلّ الوجه في الأمر بهذه التكبيرات هو الاحتراز عمّا قد تورثه أمثال هذه العبارات الواردة في الزيارة من الغلوّ والغفلة عن عظَمة الله سبحانه وتعالى، فالطباع مائلةٌ إلى الغلوّ، أو غير ذلك من الوجوه».

وهذا ما نشهده اليوم من بعض المتخرّصين من أنّ «الزيارة الجامعة» فيها غلوّ بشأن الأئمّة.والبعض الآخر راح يصنّف الشيعة إلى صنفين:

1) الشيعة المغالون.

2) الشيعة المعتدلون. وحسب تصنيف هؤلاء، فالذين لا يعتقدون بالزيارة الجامعة ومفاهيمها، شيعة وإن أنكروها، وأمّا مَن يعتقد بها ويقرأها فهم الغلاة. من هنا نجد أن الأمر يتطّلب الكلام عن الغلوّ.

ما هو الغلوّ؟

إن المسلَّم به - تاريخياً وعقائدياً - أنّ الأئمّة عليهم السّلام كانوا يطردون الغلاة ويكفّرونهم ويبرَؤون منهم، وكانوا يحذّرون شيعتهم - على الدّوام - من الاتصال بهم والاستماع إليهم. وإنك لَتجد في مصنّفات علمائنا الحديثيّة والكلامية أبواباً خاصّة في بحوث الإمامة تحت عنوان «نَفي الغلوّ في النبيّ والأئمّة عليهم السّلام».

ومن جملة المصنّفات التي أوردت روايات كثيرة وخطيرة في نفي الغلوّ في النبيّ والأئمّة عليهم السّلام كتاب (بحار الأنوار). ومن الأخبار المرويّة فيه:

* عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: «لا تَرفعوني فوقَ حقّي، فإنّ اللهَ تعالى اتّخَذَني عبداً قبل أنْ يتّخذني نبيّاً».

* وفي رواية عن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام يقول فيها: «أللّهمّ إنّي بريءٌ من الغُلاة كبَراءة عيسى ابن مريمَ من النّصارى، أللّهمَ اخذُلهم أبداً ولا تَنْصُر منهم أحداً».

* وعنه عليه السلام أنه قال: «إيّاكم والغلوّ فينا، قولوا: إنّا عبيدٌ مَربوبون وقولوا في فضلِنا ما شئتُم...». وفي رواية: «لا تَتجاوزا بنا العبوديّة ثمّ قولوا ما شئتم، ولن تبلغوا..».

* وفي رواية أخرى عن الإمام الثاني عشر صاحب الزمان عليه السّلام، أنّه قال: «تَعالى اللهُ عزّ وجلّ عمّا يصفون، سبحانَه وبحمده، ليس نحن شركاؤه في عِلمه ولا في قدرتِه..».

* ويقول الإمام الرضا عليه السّلام في بيانٍ آخر: «فمَنِ ادّعى للأنبياء ربوبيّةً، أو ادّعى للأئمّة ربوبيّةً أو نبوّة، أو لغير الأئمّة إمامةً، فنحن بُرآءُ منه في الدنيا والآخرة...».

يتّضح لنا من خلال الروايات الآنفة الذكر وأمثالها مواقف الأئمّة عليهم السّلام المتشدّدة في مواجهة ضلال الغلاة وخطر الغلوّ.

ومن خلال ذلك أيضاً تَبيّن لنا معنى الغلوّ بما فيه من تأليه النبيّ والاعتقاد بنبوّة أو ألوهيّة الإمام، أي أنْ يتجاوز الإنسان الحدّ في منزلة النبيّ والإمام، بأن يعتقد أكثر ممّا هو للنبيّ أو الإمام، أو يقول بأنه شريكٌ لله تعالى.

كلام العلامة المجلسي في ضابطة الغلوّ

يقول العلامة المجلسي في (بحار الأنوار) معرّفاً الغلوّ في المعصومين ومبيّناً حدوده: «اعلم أنّ الغلوّ في النبيّ والأئمّة عليهم السّلام إنّما يكون بالقول بألوهيّتهم أو بكونهم شركاء لله في العبوديّة أو في الخَلق والرزق، أو أنّ الله تعالى حلّ فيهم أو اتَّحد بهم و... القول بأنّهم كانوا أنبياء... أو القول بأنّ معرفتهم تُغني عن جميع الطاعات، ولا تكليف معها بترك المعاصي. والقول بكلٍّ منها إلحادٌ وكفرٌ وخروجٌ عن الدّين، كما دلّت عليه الأدلة العقليّة والآيات والأخبار السالفة وغيرها...».

ثمّ يضيف بعد تعريفه للغلوّ قائلاً: «ولكنْ أفرطَ بعض المتكلّمين والمحدّثين لقصورهم عن معرفة الأئمّة، وعجْزهم عن إدراك غرائب أحوالهم وعجائب شؤونهم، فقدحوا في كثيرٍ من الرواة الثّقات، لنقلهم بعض غرائب المعجزات..».

ثم يقول شيخنا المجلسي: «فلا بدّ للمؤمن المتديّن أن لا يبادرَ بردّ ما ورد عنهم من فضائلهم ومعجزاتهم ومعالي أُمورهم، إلاّ إذا ثبت خلافُه بضرورة الدين، أو بقواطع البراهين، أو بالآيات المحكمة، أو بالأخبار المتواترة...».

ومعنى كلامه رضوان الله عليه أنه إذا ما ورد عن رواتنا الثقات، وفي تضاعيف مصنفاتهم، أخبارٌ عن مراتب وفضائل ومعاجز وعظَمة شأن الأئمّة عليهم السّلام، فلا ينبغي للمؤمن المتديّن أن يردّ ذلك أو ينفيه حتى وإن لم يُدركه في عقله. وإنّما خصَصنا المؤمن المتديّن بالذكر، احترازاً عن غير المتديّن الذي لا يتقيّد بميزانٍ علميٍّ ولا بمعيارٍ عقليٍّ، وإنّما يطلق آراءه حسبما يُملي عليه هواه أو بمقدار عقليّته المحدودة، هذا إذا لم يكن هناك تأمّلٌ وشكٌّ في إيمانه. وهذا ما نجده في بعضهم من الذين يطلقون آراءهم بتكذيب أو إنكار مطالب لم تستوعبها عقولهم، أو لا تنسجم مع أمزجتهم، وهذا ما لا يتناسب مع الإيمان والتديّن والمعرفة التي تقتضيها رواياتنا.

وخلاصة الكلام: إنّه مع حفظ صفتَي العبودية والمخلوقية للأئمّة عليهم السّلام، لنا أن نقول فيهم ما نشاء.فنحن لسنا مغالين، بل نقول إنّ: «الأئمّة عبادُ الله، حازوا على مقامٍ عند الله، وبلغوا شأناً من الشأن لم ولن يبلغه أحدٌ من العالمين». أُنشدِكم بالله، هل في هذا غلوّ؟!

__________________________________________

مختصَر من كتاب (مع الأئمة الهداة في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة)

 

شروح الزيارة الجامعة

في (دائرة معارف علوم أهل البيت عليهم السلام) ثبتٌ بثلاثين مؤلّفاً باللغة العربية في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة، نعدّ منها:

1) (الأنوار الساطعة في شرح الزيارة الجامعة): الشيخ جواد بن عباس الكربلائي (معاصر).

2) (الأنوار اللاّمعة): السيد عبد الله شبّر الحسيني.

3) (أنيس الطلاب): الشيخ محمد جعفر بن محمد علي بن الوحيد البهبهاني.

4) (تلويح الإشارة في تلخيص شرح الزيارة): السيّد محمّد حسين المرعشي الشهرستاني، وهو تلخيص لشرح الشيخ أحمد الأحسائي.

5) (شرح الزيارة الجامعة): الشيخ محمد تقي المجلسي، ضمن شرحه كتاب (مَن لا يحضره الفقيه).

6) (شرح الزيارة الجامعة): العلامة المجلسي، أورده في (بحار الأنوار).

7) (شرح الزيارة الجامعة): السيد نعمة الله الموسوي الجزائري، ضمن شرحه على (تهذيب الأحكام).

8) (شرح الزيارة الجامعة): السيد بهاء الدين محمّد الأعرجي النائيني الأصفهاني المعاصر للحرّ العاملي.

9) (شرح الزيارة الجامعة): الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي المتوفى سنة 1241 هـ .

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 6 أيام

دوريات

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

منذ 6 أيام

إصدارات عربية

نفحات