فكر ونظر

فكر ونظر

منذ 4 أيام

رواية الشيخ المفيد محاربة أمير المؤمنين عليه السلام كَفرَة الجنّ

 

رواية الشيخ المفيد محاربة أمير المؤمنين عليه السلام كَفرَة الجنّ

الناصبيّ ينسب كرامات المعصومين إلى «الخرافات الباطلة»!

ـــــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ـــــــــــــــــــــ

يعالج هذا النصّ للفقيه الجليل الشيخ محمّد بن النعمان، المعروف بالشيخ المفيد، مسألة روائية كلامية تدور حول واحدة من الكرامات التي خصّ الله تعالى بها مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وفيها يجادل الشيخ المفيد المعتزلة والملاحدة الذين أنكروا كرامات الإمام عليه السلام لجهلهم بمقامه الإلهيّ وقربه من سرّ النبوّة الخاتمة، وكذلك لزعمهم التعارض الموهوم بين العقل والغيب.

وفي ما يلي، النصّ المستلّ من الجزء الأول من كتاب الشيخ المفيد (الإرشاد في معرفة حُجج الله على العباد).

 

من (مناقب أمير المؤمنين عليه السلام ومعجزاته) ما تظاهرت به الأخبار من بعثة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم له إلى وادي الجنّ، وقد أخبره جبرئيل عليه السلام بأنّ طوائف منهم قد اجتمعوا لكيده، فأغنى عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكفى اللهُ المؤمنين به كيدَهم، ودفعَهم عن المسلمين بقوّته التي بان بها من جماعتهم.

فروى محمّد بن أبي السريّ التميميّ، عن أحمد بن الفرج، عن الحسن بن موسى النهديّ، عن أبيه، عن وبرة بن الحارث، عن ابن عبّاس رحمة الله عليه، قال:

«لمّا خرج النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى بني المصطلق جَنَّبَ عن الطريق، وأدركه الليل فنزل بقرب وادٍ وعر، فلمّا كان في آخر الليل هبط عليه جَبرئيل عليه السلام يُخبره أنّ طائفة من كفّار الجنّ قد استبطنوا الوادي يريدون كيده وإيقاع الشرّ بأصحابه عند سلوكهم إيّاه، فدعا أميرَ المؤمنين عليَّ بن أبي طالب عليه السلام، وقال له: (اذهبْ إلى هذا الوادي، فسيعرضُ لك من أعداء الله الجنّ مَن يريدك، فادفعْه بالقوّة التي أعطاك اللهُ عزّ وجلّ، وتحصّن منه بأسماء الله التي خصّك بعلمها). وأنفذ معه مائة رجلٍ من أخلاط الناس، وقال لهم: (كونوا معه وامتثلوا أمره).

فتوجّه أمير المؤمنين عليه السلام إلى الوادي، فلمّا قارب شفيره أمَر المائة الذين صحبوه أن يقفوا بقرب الشفير، ولا يُحْدِثوا شيئاً حتّى يأذن لهم. ثمّ تقدّم فوقف على شفير الوادي، وتعوّذ بالله من أعدائه، وسمّى اللهَ عزّ وجلّ وأومأ إلى القوم الذين تبعوه أن يقربوا منه فقربوا، فكان بينهم وبينه فرجة مسافتها غَلوة [الغَلوة: المسافة التي يبلغها السهم عند رميه]، ثمّ رام الهبوط إلى الوادي فاعترضته ريحٌ عاصفٌ كاد أن يقع القومُ على وجوههم لشدّتها، ولم تثبت أقدامهم على الأرض من هول ما لحقهم. فصاح أمير المؤمنين: (أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب، وصيُّ رسولِ الله وابنُ عمّه، اثبتوا إنْ شئتُم). فظهر للقوم أشخاصٌ على صورة الزطّ [جيل من الناس، وقيل: قوم من الزنج] تخيل في أيديهم شُعَلُ النار، قد اطمأنّوا بجنبات الوادي، فتوغّل أمير المؤمنين عليه السلام بطن الوادي وهو يتلو القرآن ويومئ بسيفه يميناً وشمالاً، فما لبثتِ الأشخاصُ حتّى صارت كالدخان الأسود، وكبّر أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ صعد من حيث انهبط، فقام مع القوم الذين اتبّعوه حتى أسفر الموضع عمّا اعتراه.

فقال له أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما لقيتَ يا أبا الحسن؟! فلقد كدنا أن نهلك خوفاً. وإشفاقُنا عليك أكثر ممّا لحقنا.

فقال لهم عليه السلام: (إنّه لمّا تراءى لي العدوّ جهرتُ فيهم بأسماء الله عزّ وجلّ فتضاءلوا، وعلمتُ ما حلّ بهم من الجَزع فتوغّلتُ الوادي غير خائفٍ منهم، ولو بقوا على هيئاتهم لأتيتُ على آخرهم، وقد كفى اللهُ كيدَهم وكفى المسلمين شرَّهم، وسيسبقُني بقيّتُهم إلى النبيّ عليه وآله السلام فيؤمنون به).

وانصرف أمير المؤمنين بمَن تبعه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأخبره الخبر، فسَرّى عنه ودعا له بخير، وقال له: (قد سبقَك - يا عليّ - إليّ مَن أخافَه اللهُ، فأسلمَ وقبلتُ إسلامَه). ثم ارتحل بجماعة المسلمين حتى قطعوا الوادي آمنين غير خائفين».

وهذا الحديث قد روته العامة كما روته الخاصة، ولم يتناكروا شيئاً منه.

ردّ طعن المعتزلة والملاحدة

والمعتزلة لميلها إلى مذهب البراهمة [فرقة من كفرة الهند تقدّس العقل وترى أنّه يُغني عن النبوّة] تدفعه، ولبُعدها عن معرفة الأخبار تُنكره، وهي سالكة في ذلك طريق الزنادقة فيما طعنتْ به في القرآن، وما تضمّنه من أخبار الجنّ وإيمانهم بالله ورسوله عليه وآله السلام، وما قصّ الله تعالى من نبأهم في القرآن في سورة الجنّ وقولهم: ﴿..إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ..﴾ (الجنّ:1-2) إلى آخر ما تضمّنه الخبر عنهم في هذه السورة.

وإذا بطل اعتراض الزنادقة في ذلك بتجويز العقول وجود الجنّ، وإمكان تكليفهم وثبوت ذلك مع إعجاز القرآن والأعجوبة الباهرة فيه، كان مثل ذلك ظهور بطلان طعون المعتزلة في الخبر الذي رويناه، لعدم استحالة مضمونه في العقول. وفي مجيئه من طريقين مختلفين وبرواية فريقين في دلالته متباينين برهانُ صحّته. وليس في إنكار مَن عدَل عن الإنصاف في النظر - من المعتزلة والمجبرة - قدح في ما ذكرناه من وجوب العمل عليه.

كما إنّه ليس في جَحد الملحدة وأصناف الزنادقة واليهود والنصارى والمجوس والصابئين ما جاء صحّته من الأخبار بمعجزات النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم - كانشقاق القمر، وحنين الجذع، وتسبيح الحصى، وشكوى البعير، وكلام الذراع، ومجيء الشجرة، وخروج الماء من بين أصابعه في الميضأة، ثم إطعام الخلق الكثير من الطعام اليسير - قدحٌ في صحّتها، وصدق رواتها، وثبوت الحجّة بها، بل الشبهة لهم في دفع ذلك - وإن ضعفت - أقوى من شبهة مُنكري معجزات أمير المؤمنين عليه السلام وبراهينه، لِما لا خفاء على أهل الاعتبار به، ممّا لا حاجة بنا إلى شرح وجوهه في هذا المكان.

المعجِز الباهر والبينونة من القوم بالعلم

وإذا ثبت تخصّص أمير المؤمنين عليه السلام من القوم بما وصفناه، وبينونته من الكافة في العلم بما شرحناه، وضح القول في الحكم له بالتقدّم على الجماعة في مقام الإمامة، واستحقاقه السبق لهم إلى محل الرئاسة، بما تضمّنه الذكر الحكيم من قصة داود عليه السلام وطالوت، حيث يقول الله عزّ اسمه: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾، (البقرة:247) فجعل تعالى الحجّة لطالوت في تقدّمه على الجماعة من قومه ما جعله لوليّه وأخي نبيّه عليهما السلام في التقدّم على كافة الأمّة، من اصطفائه عليهم، وزيادته في العلم والجسم بسطة، وأكّد ذلك بمثل ما تأكّد به الحكم لأمير المؤمنين عليه السلام من المعجز الباهر المضاف إلى البينونة من القوم بزيادة البسطة في العلم والجسم، فقال سبحانه: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، (البقرة:248) فكان خرق العادة لأمير المؤمنين عليه السلام بما عدّدناه - من علم الغيوب وغير ذلك - كخرق العادة لطالوت بحمل التابوت سواء، وهذا بيِّنٌ، واللهُ وليّ التوفيق.

مضاهاة الزنادقة في السخرية من كرامات أمير المؤمنين عليه السلام

ولا أزال أجد الجاهل من الناصبة والمعاند يظهر العجَب من الخبر بملاقاة أمير المؤمنين عليه السلام الجنّ، وكفّه شرّهم عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأصحابه، ويتضاحك لذلك، ينسب الرواية له إلى الخرافات الباطلة، ويصنع مثل ذلك في الأخبار الواردة بسوى ذلك من معجزاته عليه السلام، ويقول: إنّها من موضوعات الشيعة، وتخرّص من افتراه منهم للتكسّب بذلك أو التعصّب، وهذا بعينه مقال الزنادقة وكافة أعداء الإسلام فيما نطق به القرآن من خبر الجنّ وإسلامهم وقولهم ﴿..إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ..﴾ (الجنّ:1-2)، وفيما ثبت به الخبر عن ابن مسعود في قصته ليلة الجنّ، ومشاهدته لهم كالزطّ [دلائل النبوّة لابي نعيم 2: 471/ 262، الفخر الرازيّ في تفسيره 3: 152، الدر المنثور 8: 307، مجمع الزوائد 8: 314 رواه عن الطبراني]، وفي غير ذلك من معجزات الرسول عليه وآله السلام، فإنّهم يُظهرون العجب من جميع ذلك، ويتضاحكون عند سماع الخبر به والاحتجاج بصحّته، ويستهزؤون ويلغطون [لغط في الكلام: قال ما لا يُفهم معناه] في ما يُسرفون به من سبّ الإسلام وأهله، واستحماق معتقديه والناصرين له، ونسبتهم إيّاهم إلى العجز والجهل ووضع الأباطيل، فليَنظر القوم ما جنوه على الإسلام بعداوتهم أمير المؤمنين عليه السلام، واعتمادهم في دفع فضائله ومناقبه وآياته على ما ضاهوا به أصناف الزنادقة والكفار، ممّا يخرج عن طريق الحِجاج إلى أبواب الشّغب والمسافهات، وبالله نستعين.

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ يوم

دوريات

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات