بسملة

بسملة

منذ 4 أيام

صفقة القرن، وكبش المحرقة


صفقة القرن، وكبش المحرقة

بقلم: الشيخ حسين كَوْراني

عندما تقرأ الأجيال القادمة تاريخ هذه المرحلة، وما حفَلت به منطقتنا من حوادث، لن يُتاح لها بيُسرٍ أن تفكّك «لُغْزَ» مشروعٍ تبنّاه شخصٌ كان نَكِرةً ثمّ عُرف بأبيه الملِك، فقيل: «محمّد بن سلمان».

يتحتّم علينا ونحن نعايش حَبْك هذا «اللّغز»، ونرصد القوى الخفيّة التي ابتدعته كمشروع وخطّة، وجعلت هذا الشخص واجهة حراكها، أن نسهم في رسم «اللّغز» كما عايشنا، ونكشف بموضوعيّة وأمانة تلك القوى الخفيّة، وما لمسناه واكتوينا بناره من مؤامراتها المزمنة.

***

 «اللُّغز»: مشروعٌ يُقال إنه إصلاحيٌّ تجديديّ حمل رايته شابٌّ ثلاثينيّ، وُلد عام 1985 ميلاديّة، أريدَ له أن يطرح نفسه مُنَظِّراً استراتيجيّاً، وصاحب رؤية جذريّة ستغيّر وجه المنطقة والعالم، ويجاهر بموقفه السلبيّ من الصحوة الإسلاميّة التي انطلقت من إيران قبل أن يُولد، ويعلن إرساء السياسة الخارجيّة لبلاده على شنّ الغارات بأسراب الطائرات -وتصريحه بذلك موثّق- مستميتاً في تظهير آفاق مشروعه «التنمية المستدامة - رؤية السعوديّة - 2030» في عوالم الاقتصاد، والسياسة، والأمن، والسلام.

ما سيثير استغراب الأجيال القادمة، أنّ هذا التنظير اقترن بخطوات تنفيذيّة متسارعة تبدو وكأنّها نجاحات باهرة يحقّقها هذا الشاب الثلاثينيّ الذي لا يُعرف إلى الآن إلا باسم أبيه، فلا يُذكر اسمه إلّا مع اسمه، وإلّا لَظلّ نكرةً لا يعرفه أحد.

***

أبرز هذه الخطوات التنفيذيّة التي تسوَّق كإنجازاتٍ لمحمّد بن سلمان -ولم أُورد احتلال البحرين لأنّ ذلك سبق تداول اسمه كوليٍّ للعهد- هو التالي:

1-   قاد «محمّد بن سلمان؟» «تحالفاً» عسكرياً باسم العديد من الدّول الإسلاميّة وشنّ غاراتٍ جوّيّة وبحريّة وبرّيّة بهدف تدمير اليمن وإبادة شعبه، يؤازره في ذلك «فسَقَة العرب والعجم، وشرار الإنس والجن»، وتتواصل غاراته الجويّة المكثّفة خلال ما يربو على الألف يوم، وما يزال يتصرّف وكأنّه الآن قد بدأ، فيما يلفّ الدول والشعوب والمنظّمات المسمّاة «إنسانيّة» صمتُ القبور.

2-   قرر «محمّد بن سلمان» التنكّر للعقيدة، والقوميّة، والتاريخ والجغرافيا فأعلن عبر «مجلس التعاون الخليجيّ» استعداء إيران بدلاً من «إسرائيل»، وتوالت مظاهر التطبيع بوتيرةٍ أعلى من كلّ المحاولات الخجولة السابقة. جاء هذا الإعلان في حمّى الصراع بين أميركا وأدواتها في المنطقة، وبين الصحوة الإسلاميّة الخمينيّة - الخامنئيّة الهادرة، وبعد أن حصدتْ الصحوة الإسلاميّة انتصارات تاريخيّة -في طليعتها: نصر «حرب تمّوز» وانتصارات «غزّة»- التي خلخلتْ الكيان الصهيونيّ.

3-   أعلن «محمّد بن سلمان» العمل على نقل المعارك إلى داخل إيران -وكان يقصد أكثر ممّا حصل في أحداث الشغَب في إيران مؤخّراً- ولذلك سعى جاهداً لعقد تحالف عسكريّ عالميّ، لم ينجح إلّا في عقد جلسة فولكلوريّة يتيمة لهذا التحالف، معلناً-ربما لتغطية فشله- أنّ التأسيس اكتمل، مؤكّداً أنّ الإعداد الجادَّ وظروف المنطقة يحتّمان التريّث، ولم يُخْفِ أبداً بل لمّح -هو ووزير الخارجيّة السعوديّة- إلى أنّ الأولويّة الآن للتطبيع مع «إسرائيل» ليمكنها بعد ذلك الانضمام إلى هذا التحالف العسكريّ الذي تنحصر مهمّته بشنّ الحرب على إيران وحزب الله.

4-   أمعن «محمّد بن سلمان» في التنكّر لكلّ قيَم السماء والأرض، حين افتتح مسار تصفية القضيّة الفلسطينيّة في سياق ما عُرف باسم «صفقة القرن». كان المفتتح هو التواطؤ السعوديّ مع قرار «ترامب» اعتبار القدس عاصمةً للكيان المحتلّ.

***

حلّ اللّغز: لا داعي في حلّ أُحجية مشروع هذا الشاب الثلاثينيّ، للحديث عن دور أميركا و«إسرائيل» في كلّ ما طرحه ونفّذه «بن سلمان» أو حاول تنفيذه، حيث إنّ ذلك أوضحُ من الشمس وأبْيَنُ من الأمس.

إنّما تمسّ الحاجة إلى تظهير دور أبيه «سلمان»، المركزيّ في كلّ هذا الانقلاب المدوّي على العقيدة والقوميّة والأوطان، والذي أراد سلمان أن يسجَّل باسم السادس من أبنائه «محمّد بن سلمان».

يستدعي تظهير ذلك الإجابة على التساؤلات التالية:

1-    من هو الملك سلمان بن عبد العزيز؟

2-    ما هي أسباب إصراره على هذا الانقلاب المدوّي، الذي لا يعدو كونه مغامرة غير مضمونة النتائج، إنْ لم يكن انتحاراً لآل سعود وآل الشيخ والوهّابيّة ودواعشها؟

3-    ولماذا يصرّ على البقاء في الظلّ ملوّحاً بين الحين والآخر بأنه سيتنازل عن المُلك لابنه «محمّد بن سلمان»؟

***

1-    من هو الملك سلمان؟

-       وُلد «سلمان» عام 1935م، وهو الابن الخامس والعشرون من الأبناء الذكور للملك المؤسِّس عبد العزيز -الذي تنازل عن فلسطين «لبريطانيا العظمى لتعطيها للمساكين اليهود ولا يحقّ لأحد مطالبتهم بها حتّى تصيح الساعة!!»، كما كتب بخّط يده- وعبد العزيز هذا هو ابن «عبد الرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود».

-       أمضى «سلمان» شطراً كبيراً من عمره أميراً للرياض، «وهو أحد أهمّ أركان العائلة المالكة السعوديّة، إذ هو أحد "السّديْريّين" السبعة من أبناء عبد العزيز-أصحاب الحظوة- وهو أمين سرّ العائلة، ورئيس مجلسها، والمستشار الشخصي لملوك المملكة».

-        يعني ما تقدّم أنّ «سلمان» الوهّابيّ بامتياز، كان مع جميع الملوك السابقين في دائرة قراراتهم السرّيّة، أي الصهيونيّة، بامتيازٍ خاصٍّ جداً ومن الدرجة الأولى، ويؤهلّه هذان الامتيازان: الوهّابيّ الأمويّ، واليهوديّ الصهيونيّ، ليكونَ الوريثَ الأبرز لتحالف «دار الندوة» بقيادة أبي سفيان مع يهود قلاع «خَيْبَر» وغيرها.

-       لكلٍّ من ملوك آل سعود السابقين دوره الرياديّ في احتضان «وعد بلفور»، وخدمة «إسرائيل» والصهيونيّة، بدءاً من عبد العزيز وتنازله عن فلسطين، مروراً بسعود واستماتته في محاربة عبد الناصر، ومروراً كذلك بفيصل وحرب اليمن، تسهيلاً لمهمّة «إسرائيل» في حرب «الأيام الستّة»، وتبنّي «السادات» سرّاً، ومروراً آخرَ بفهد ومشروعه في «قمّة فاس»، وصولاً إلى «عبد الله» والمبادرة المسمّاة عربيّة.

رغم إمعان جميع ملوك آل سعود في خدمة الصهيونيّة، فلم يبلغ أحدٌ منهم ما بلغه «سلمان».

 آخر الأدلّة القاطعة على صهيونيّته التي لا تُضاهى هو «صفقة القرن» وملابساتها.

سلمان، كعب الأحبار المرحلة، ومعاوية العصر.

2-    ما هي أسباب إصراره على الانقلاب على العقيدة والقوميّة والتاريخ والجفرافيا، الذي هو بالانتحار أشبه؟

والجواب: أحرجتْ إيران أميركا و«إسرائيل» ويهود الحجاز آل سعود، فأخرجَتْهم عن طَوْرهم، وأفقدتهم أيّ قدرة على الدّهاء والتجلّد.

ختم محور المقاومة سلسلة انتصاراته بدفن دولة الدواعش، فماذا تنتظر أميركا وإسرائيلاها؟ خيرُ الدفاع الهجوم. هذا الدفاع هو الورقة الأخيرة. لا مجال إذاً للتّواني. صفقة القرن هي الفرصة الأخيرة، وليس في الميدان إلّا «سلمان»، وإلّا خرجتْ أميركا من هذه المنطقة وقُضِيَ على إسرائيلَيها، وجهَي الغدّة السرطانيّة: آل سعود والكيان المحتلّ.

 

3-    لماذا يصرّ «سلمان» على البقاء في الظلّ وعلى تظهير ابنه «محمّد بن سلمان»؟

الجواب: أصلحكَ اللهُ أيّها السائل. هذا سرّ المهنة الأميركيّة الصهيونيّة بفرعَيها السعوديّ والمحتلّ.

يُطلقون المشروع ولا يتبنّونه ويغلّفونه بالنّفاق والكذب ومعسول الكلام المنمَّق، فإنْ نجح استثمروه، وإنْ فشل تبرّؤوا منه ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ (الحشر:16).

أليس في «التحالف الأميركيّ – العالميّ» لحرب داعش خير دليل؟

***

«محمّد بن سلمان» ينفّذ خطط أبيه «سلمان» حرفاً بحرف ونفَساً بنفَس، فإنْ نجح فالغُنم لسلمان، وإنْ فشل فالغُرم على ابنه، ليتمكّن سلمان من إنقاذ آل سعود والوهّابيّين وسائر اليهود ويواصل تظاهره بنصرة القدس وفلسطين وخدمة الحرمَين وولاية الأمر!

***

لا تدَعوا معاوية يفلت من دم عمّار بن ياسر. لا تدَعوا يزيد يحاول التفلّت من قتل الحسين عليه السلام، مُنحياً باللائمة على ابن زياد. لا تدَعوا «سلمان» يتلطّى خلف ابن سلمان!

واجبُ الشعب الفلسطينيّ أوّلاً أن تدوّي هتافاته ملءَ خافقَي فلسطين والكون: قاطِعوا البضائع السعوديّة و«الإسرائيليّة» والأميركيّة. الموت لآل سعود. الموت لسلمان ومحمّد بن سلمان. الموت لأمريكا. الموت لإسرائيل.

اخبار مرتبطة

  تقرير

تقرير

منذ 4 أيام

تقرير

  اصدارات عربية

اصدارات عربية

منذ 4 أيام

اصدارات عربية

نفحات