بسملة

بسملة

14/02/2018

من وعد «بلفور»، إلى وعد «سلمان»

 

من وعد «بلفور»، إلى وعد «سلمان»

بقلم: الشيخ حسين كَوْراني

تشهد منطقتنا والعالم اليوم إرهاصاتِ تَدَحْرُجِ صنم التّحالف -بل التماهي- الصهيونيّ - الأمويّ السفيانيّ، الذي أقام بنيانه الأول «أبو سفيان»، حين تحالف مع يهود خيبر، وبني النّضير، وبني القينقاع في المدينة المنوّرة.

أمكن لهذا التحالف بعد تتالي هزائمه في صدر الإسلام، أن يلتقط أنفاسه بقيادة معاوية بن أبي سفيان، ويشنّ الثورة المضادّة على الإسلام، التي مكّنته من إقامة «الملك العضوض» الذي حذّر منه الله تعالى نبيّه الأعظم، في سورة الإسراء التي تثبّت خطر هذا التحالف فتتحدّث عن إفساد اليهود في الأرض، وعاقبة ذلك، كما تتحدّث عن بني أميّة ﴿الشَّجَرَة المَلْعُونَة فِي القُرْآنِ﴾ في الآية الستّين منها بالتّحديد: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾ (الإسراء:60).

بعدَ الأمويّين، تبنّى العباسيّون نفس النهج الأمويّ في نظام الحكم والتسلّط. وفي أواسط القرن السابع، وأوائل الثامن جاء ابن تيميّة (661 - 728 هجريّة)، فجدّد النهج الأمويّ ونظّر له.

وفي أواسط القرن الثاني عشر الهجريّ (1115 - 1206 هجريّة ) تلقّف محمّد بن عبد الوهّاب هذا النهج الأمويّ، ومؤلّفاتِ ابن تيميّة وتنظيراتِه، وتمكّن من نشرها بمؤازرة «محمد بن سعود» الذي أقام (عام 1147 هجريّة = 1733 م) ما عُرف بالدولة السعوديّة الأولى.

***

بحكم يهوديّتهم التي يتستّرون عليها -على ذمّة إسحاق بن تسيفي في كتابه القبائل المتناثرة- وطيلة حوالي ثلاثة قرون، تركّزت جهود التحالف اليهوديّ - الوهّابيّ (الأمويّ المنشأ واليهوديّ السبب والهوى وربّما النَّسَب)، وبالتواطؤ مع بريطانيا ثمّ مع أميركا، على هدفين مركزيّين:

الأول: القضاء على الإسلام بنفس المنهج الأمويّ، الحكمِ باسمه وتشويهه وتحريفِه.

الثاني: القضاء على العرب، وإفراغ القوميّة العربيّة من محتواها القيميّ، وتمزيق أوصالها، وضرب مراكز القدرة فيها.

يحدوهم إلى ذلك عاملان أقضّا مضاجعهم:

1- أنّ العرب هم حاضنة الإسلام الأولى، وما تزال أنظار الشعوب المسلمة وستظلّ مشدودة إليهم بامتياز.

2- إنّ قيام الدولة العربيّة الواحدة، أو بقاء العرب قوّة متماسكة ولو في دول متعدّدة، سيؤدّي حتماً إلى تسهيل قيام الدولة الإسلاميّة العالميّة الواحدة. يعني ذلك تداخل الخطرين العربيّ والإسلاميّ عليهم، ويضاف إلى ذلك أنّ تماسك الدّول العربيّة كفيل بزوال احتلال فلسطين.

***

في ضوء ذلك يمكننا معرفة السرّ في إصرار بريطانيا ثمّ أميركا، على أن يكون «آل سعود» مرتكز كلّ الخطط الاستعماريّة في المنطقة، قبل وعد بلفور ومعه وإلى «صفقة القرن»، التي صدر قرارها منذ أوائل التسعينات، ولم يمكن تنفيذه إلا بوعد «سلمان» الذي تنازل لـ«ترامب» عن القضيّة الفلسطينيّة، كما تنازل أبوه «عبد العزيز» لبريطانيا عن فلسطين.

من الأدلّة الدامغة على اعتماد بريطانيا، ثمّ أميركا «آل سعود» مرتكز الخطط الاستعماريّة:

أ- ما تزخر به كتابات «فيلبي» و«كوكس»، وغيرهما من الإنجليز، وما أُفرج عنه من وثائق «رسائل عبد العزيز إلى الإنجليز» –( نشر منها «سعود بن عبد الرحمان السبعاني» مائتي وثيقة وعشراً)-

ب- ما ورد في مذكّرات «أيزنهاور» وغيره من الأميركيّين.

(يسمّي أيزنهاور «سعود بن عبد العزيز» لمواجهة «عبد الناصر» ويوضح أنّ السبب وجود مكّة والمدينة المقدّستين، ووجود النفط)

ت- وما دوّنه بعض القادة الصهاينة في مذكّراتهم، خصوصاً «حاييم وايزمان»، ولأهمّيّة هذه المذكّرات أنقل منها حرفيّاً ما نقله «وايزمان» عن «تشرشل» رئيس وزراء بريطانيا الذي قال له بتاريخ 11/3/1932: «أريد أن تعلم يا وايزمان أنّني وضعت مشروعاً لكم ينفّذ في نهاية الحرب (العالميّة الثانية) يبدأ بأنْ أرى "ابن سعود" سيّداً على الشرق الأوسط، وكبيرَ كبرائه، على شرط أن يتّفق معكم أولاً، ومتى قام هذا المشروع، عليكم أن تأخذوا منه ما أمكن، وسنساعدكم في ذلك، وعليك كتمان هذا السرّ، ولكن انقله إلى "روزفلت"، وليس شيءٌ يستحيل تحقيقه عندما أعمل لأجله أنا و"روزفلت" رئيس الولايات المتحدة الأميركيّة».

***

* وفي ضوء ما تقدّم يمكننا تفسير إصرار «آل سعود» على تقديم الإسلام للناس باعتباره دين الذبح والمجازر. لقد استنسخوا كلّ دمويّة معاوية ويزيد والأمويّين عموماً، والعباسيّين وزادوا عليها سواء في بداية انطلاقتهم وطيلة عمر دُوَلهم السعوديّة الثلاث، أم في هذه المرحلة من خلال دواعشهم.

الفارق بين هذه المرحلة وبين كلّ المراحل السابقة، تعمّدهم –وأسيادهم- نقل ذلك في الإعلام على أوسع نطاق.

لو كان «آل سعود» من المسلمين لما هان عليهم أن يقدّموا عن الإسلام هذه الصورة الوحشيّة الممعنة في سفك الدماء وتقطيع الأوصال، والتجاوز على المصائر والحرمات.

* وفي ضوء ذلك يمكننا -ثالثاً- معرفة السرّ في بذل آل سعود قصارى جهدهم لضرب الدول العربيّة الكبرى خصوصاً اليمن ومصر، والعراق، وسوريا، ومؤخّراً ليبيا والسودان، والحبل على الجرّار، فالخطر محدق بالمغرب العربيّ وخصوصاً الجزائر.

شرح ذلك يطول. آمل أن تتاح فرصته في «بَسْملات» الأعداد القادمة.

***

ولقد اعتمد التحالف اليهوديّ الوهّابيّ -الذي هو في حقيقته التماهي بين طائفتين من اليهود- لتحقيق الهدفين المركزيّين المتقدّمين، -وما تفرّع عليهما- سياساتٍ عديدة أبرزها ما يلي:

1- المساهمة الفعّالة في إسقاط الكيان السياسيّ الذي كان قائماً باسم الإسلام.

2- مصادرة عنوان «أهل السنّة والجماعة» من أهله، وتكفيرهم، لتسلّق زعامة العالم الإسلاميّ بذريعة الحفاظ على نقاء التوحيد، وقد اقتضت الباطنيّة اليهوديّة - السعوديّة الحاقدة، أن يجري ذلك تحت ستار تكفير الشيعة ومحاربتهم للدفاع عن أهل السنّة والجماعة.

كما اقتضت باطنيّتهم الإمعان في تشويه الإسلام باحترافٍ شيطانيٍّ – أمويّ «وشجتْ عليه عروقهم» يقوم على ضرب العلاقة برسول الله صيانةً –بزعمهم- للعلاقة المباشرة بالله تعالى.

3- احتضان المراحل الأولى لإنشاء الكيان الصهيونيّ المحتلّ، وتقديم كافّة أشكال الدعم لهذا الكيان منذ تأسيسه وحتّى يومنا هذا.

4- محاصرة كلّ حركات الممانعة والمقاومة والتصدّي للعدوّ الصهيونيّ في العالمين العربيّ والإسلاميّ، بدءاً من إفشال خطط الجيوش العربيّة التي تحرّكت لتحرير فلسطين، مروراً بتهالكهم لمحاصرة المرحلة الناصريّة، وإفراغها من محتواها بعد اغتيالهم لعبد الناصر، وتنصيب «السادات» خلفاً له، وصولاً إلى إعلان الحرب الذي يتوالى فصولاً على إيران وسوريا وحزب الله.

5- رعاية كلّ حركات العمالة والمساومة والتّنازل للعدوّ الصهيونيّ، بدءاً من تنازل «عبد العزيز» عن فلسطين «للمساكين اليهود»، مروراً بالتبنّي الكامل لكُفْرة «أنور السادات» الصّلعاء، وصولاً إلى ما سُمّي بصفقة القرن التي هي «وعد سلمان».

***

لم يواجه «آل سعود» طيلة قرون تآمرهم الصهيونيّ على الإسلام والعروبة، زلزالاً يهدّد وجودهم كالزلزال الخمينيّ، كما وصفه «بيغن».

عاصر عصف هذا الزلزال المدوّي -الذي بلغت تردّداته أرجاء المعمورة- من ملوك «آل سعود»: فهد، وعبد الله، والآن «سلمان».

بادر «فهد» لطرح مشروع فهد في «قمّة فاس»، وبعد سنوات قدّم «عبد الله» «المبادرة العربيّة»، ولم يمكنهما أن يحقّقا ما يجنّب اليهود -بطوائفهم المضمَرة والمعلَنة- المخاطر الوجوديّة المتعاظمة.

وجاء دور سلمان الذي يعقد عليه التحالف الصّهيو - الأميركيّ الآمال العراض، فهو بنظر أسياده مستشار جميع الملوك السابقين، وأمين سرّ العائلة المالكة، والحَكَم في خلافاتها، و«مطوّع» الأمراء، وصاحب التجارب الإداريّة التي امتدّت طيلة أكثر من نصف قرن.

كلّ هذه «المقوّمات» أهّلته في لحظة انعدام وزنٍ أميركيٍّ و«إسرائيليّ» في المنطقة لتسويق جنون «ترامب» والإدارة الأميركيّة المسمّى «صفقة القرن»!

و«على أهلها جَنَت بَراقِش»!

وعد سلمان، مقبرة «آل سعود» وكلّ الصهاينة، ونهاية «وعد بلفور».

لن يتحقّق إلا «وعد الله»:

* ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الروم:6).

* ﴿.. وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا﴾ (الإسراء:5).

 

 

 

اخبار مرتبطة

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

  سنن وآداب

سنن وآداب

نفحات