حوارات

حوارات

18/03/2018

أجوبة على مسائل اعتقادية للمرجع الديني الشيخ مكارم الشيرازي


الأنبياء والأئمّة جسّدوا اسم الله الأعظم في وجودهم

أجوبة على مسائل اعتقادية للمرجع الديني الشيخ مكارم الشيرازي

ـــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ـــــــــــــــــــ


«كان السؤال ولا يزال مفتاح خزانة العلوم والمعارف البشرية، ولم يكن حظّ الأفراد والشعوب الذين لا يسألون كثيراً سوى النزر اليسير من هذه الخزانة.

والسؤال والجواب حقّ كلّ إنسان، ولا يمكن حرمان أحد عن هذا الحقّ المنطقي. وهذا ما يطرحه القرآن مراراً، حيث يؤكّد سؤال أهل العلم والذكر، بقوله تعالى: ﴿..فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ النحل:43. وممّا يوضح شمولية هذا الأمر القرآني أنّ الإسلام لا يرى حدّاً أو خطّاً أحمر للسؤال، ويسمح للمسلمين وحتّى لغيرهم طرح أيّ سؤال وفي أيّة قضية من القضايا المختلفة، كالعقيدية، والاجتماعية، والأخلاقية، والسياسية وغيرها على أهل الخبرة..».

ما تقدّم هو بعض مقدّمة المرجع الديني الشيخ ناصر مكارم الشيرازي على كتاب «الكشكول العقائدي»، وهو عبارة عن 180 سؤالاً وأجوبتها في مسائل عقائدية مختلفة، مأخوذة من موسوعتَي: «الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل»، والتفسير الموضوعي «نفحات القرآن» لسماحته، ومنها اخترنا

مادة «حوارات» لهذا العدد.  

 

س: جاء في بعض الروايات عن قصّة «بلعم بن باعورا» أنّه كان يعرف الاسم الأعظم لله تعالى، ويستفاد منها أنّ من يعرف هذا الاسم لا يكون مستجاب الدعاء فحسب، بل تكون له القدرة على أن يتصرّف في عالم الطبيعة، وأن يقوم بأعمال خارقة للعادة. فأيّ اسم من أسماء الله عزّ وجلّ هو الاسم الأعظم؟

ج: بحث علماء الإسلام كثيراً في هذا الشأن، وأغلب أبحاثهم تدور في أن يعثروا على اسم من بين أسماء الله له هذه الخصوصية العجيبة والأثر الكبير، إلّا أنّ الأهمّ في البحث أن نعثر على اسم أو صفة من صفاته تعالى بتطبيقها على وجودنا نحصل – من خلالها- على تكامل روحي تترتّب عليه تلك الآثار. وبتعبير آخر: إنّ المسألة المهمّة هي التخلّق بصفات الله، والاتّصاف بها، ووجودها في الإنسان، وإلّا كيف يمكن أن يكون الشخص الرديء الوضيع مستجاب الدعوة بمجرّد معرفته الاسم الأعظم؟! وإذا ما سمعنا أنّ بلعم بن باعوراء كان لديه هذا الاسم الأعظم إلّا أنّه فقده، فمفهوم هذا الكلام أنّه كان قد بلغ - بسبب بناء شخصيّته وإيمانه وعلمه وتقواه - إلى مثل هذه المرحلة من التكامل المعنوي بحيث كان مستجاب الدعوة عند الله، إلّا أنّه سقط أخيراً في الوحل، وفقد تلك الروحية بسبب اتّباعه لهوى النفس وانقياده لفراعنة زمانه.

كما أننا لو قرأنا - أيضاً - أنّ الأنبياء والأئمّة الكرام كانوا يعرفون الاسم الأعظم، فمفهوم هذا الكلام هو أنّهم جسّدوا اسم الله الأعظم في وجودهم، واستضاؤوا بشعاعه، فأولاهم الله - بهذه الحال - مثل هذا المقام العظيم.

 س: ما هو العهد الذي أخذه الله تبارك وتعالى على البشر في عالم الذر؟

ج: إنّ المراد من هذا العالم وهذا العهد هو عالم الاستعداد والكفاءات، وعهد الفطرة والتكوين والخلق. وهب الله الآدميّين الاستعداد لتقبّل الحقيقة التوحيدية، وأودع ذلك السرّ الإلهيّ في ذاتهم وفطرتهم بصورة إحساس داخلي، كما أودعه في عقولهم وأفكارهم بشكل حقيقة واعية بنفسها. فبناءً على هذا، فإنّ جميع أبناء البشر يحملون روح التوحيد، وما أخذه الله من عهد منهم أو سؤاله إيّاهم: ﴿..أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ..﴾ الأعراف:172، كان بلسان التكوين والخلق، وما أجابوه كان باللسان ذاته! ومثل هذه التعابير غير قليلة في أحاديثنا اليومية، وقد روي عن بعض أدباء العرب وخطبائهم أنّه قال في بعض كلامه: سل الأرضَ مَن شقّ أنهارك وغرس أشجارك وأينع ثمارك؟ فإن لم تجبك حواراً أجابتك اعتباراً! كما ورد في القرآن الكريم التعبير على لسان الحال، كالآية 11 من سورة (فصّلت)، إذ جاء فيها: ﴿..فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾.

س: ما هو روح القدس الذي قال عنه تعالى: ﴿..وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ..﴾ البقرة:87؟

ج: للمفسّرين آراء مختلفة في معنى روح القدس، قال بعضهم إنّه جبرائيل، فيكون معنى الآية على هذا إن الله أيد عيسى بجبرائيل. وشاهدهم على ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ..﴾ النحل:102، ووجه تسمية جبرائيل بروح القدس، هو أنّ جبرائيل ملَك، والجانب الروحي في الملائكة أمر واضح، وإطلاق كلمة «الروح» عليهم متناسب مع طبيعتهم، وإضافة الروح إلى القدس إشارة إلى طهر هذا الملك وقداسته الفائقة. وقال آخرون: إنّ روح القدس هو «القوّة الغيبيّة» التي أيّدت عيسى عليه السلام، وبهذه القوّة الخفيّة الإلهية كان عيسى يُحيي الموتى. وهذه القوة الغيبية موجودة طبعاً بشكل أضعف في جميع المؤمنين على اختلاف درجة إيمانهم. وهذا الإمداد الإلهي هو الذي يُعين الإنسان في أداء الطاعات وتحمّل الصعاب، ويقيه من السقوط في الذنوب والزلّات. من هنا ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله لحسّان بن ثابت: «لن يزال معك روح القدس ما ذَبَبْتَ عنّا»، وقول بعض أئمّة أهل البيت عليهم السلام لشاعر قرأ أبياتاً ملتزمة: «إنّما نَفَثَ روحُ القدس على لسانك».

س: جاء القرآن نوراً لهداية عموم الناس، فما سبب احتوائه على آيات متشابهات فيها إبهام وتعقيد بحيث يستغلّها المفسدون لإثارة الفتنة؟

ج: هذا موضوع مهمّ جدير بالبحث والتدقيق، ويمكن أن تكون النقاط التالية هي السرّ في وجود المتشابهات في القرآن:

أوّلاً: إنّ الألفاظ والكلمات التي يستعملها الإنسان للحوار هي لرفع حاجته اليومية في التفاهم، ولكن ما إن نخرج عن نطاق حياتنا المادّية وحدودها، كأن نتحدّث عن الخالق الذي لا يحدّه أيّ لون من الحدود، نجد بوضوح أنّ ألفاظنا تلك لا تستوعب هذه المعاني، فنضطرّ إلى استخدام ألفاظ أخرى وإن تكن قاصرة لا تفي بالغرض تماماً من مختلف الجهات. وهذا القصور في (فهمنا) الألفاظ هو منشأ الكثير من متشابهات القرآن.

إنّ آيات مثل ﴿..يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ..﴾ الفتح:10، أو﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ طه:5، أو﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ القيامة:22-23، تُعتبر من هذه النماذج. وهناك أيضاً تعبيرات مثل «سميع» و«بصير»، ولكن بالرجوع إلى الآيات المحكمات يمكن تفسيرها بوضوح.

ثانياً: كثير من الحقائق تختصّ بالعالم الآخر، أو بعالم ما وراء الطبيعة -ممّا هو بعيد عن أفق تفكيرنا- وإننا بحكم وجودنا ضمن حدود سجن الزمان والمكان غير قادرين على إدراك كنهها العميق. قصور أفق تفكيرنا من جهة، وسموّ تلك المعاني من جهة أخرى، سبب آخر من أسباب التشابه في بعض الآيات، كالتي تتعلّق بيوم القيامة مثلاً. وهذا أشبه بالذي يريد أن يشرح لجنين في بطن أمّه مسائل هذا العالم الذي لم يره بعد، فهو إذا لم يقل شيئاً يكون مقصّراً، وإذا قال كان لا بدّ له من أن يتحدّث بأسلوب يتناسب مع إدراكه.

ثالثاً: من أسرار وجود المتشابهات في القرآن إثارة الحركة في الأفكار والعقول وإيجاد نهضة فكرية بين الناس. وهذا أشبه بالمسائل الفكرية المعقّدة التي يعالجها العلماء لتقوية أفكارهم ولتعميق دقّتهم في المسائل.

رابعاً: نقطة تؤيّدها أخبار أهل البيت عليهم السلام، هي أنّ وجود هذه الآيات في القرآن يصعّد حاجة الناس إلى القادة الإلهيّين والنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والأوصياء، فتكون سبباً يدعو الناس إلى البحث عن هؤلاء والاعتراف بقيادتهم عملياً والاستفادة من علومهم الأخرى أيضاً. وهذا أشبه ببعض الكتب المدرسية التي أنيط فيها شرح بعض المواضيع إلى المدرّس نفسه، لكي لا تنقطع علاقة التلاميذ بأستاذهم، ولكي يستمرّوا - بسبب حاجتهم هذه - في التزوّد منه على مختلف الأصعدة. وهذا أيضاً مصداق وصية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حين قال: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

س: ما المقصود من الشيطان في القرآن الكريم؟

 ج: كلمة «الشيطان» من مادّة «شَطَنَ»، والشاطن هو الخبيث والوضيع. والشيطان تطلق على الموجود المتمرّد العاصي إنساناً كان أو غير إنسان، وتعني أيضاً الروح الشريرة البعيدة عن الحقّ. وبين كلّ هذه المعاني قدْر مشترك. والشيطان اسم جنس عامّ، وإبليس اسم علَم خاصّ، وبعبارة أخرى، الشيطان كلّ موجود مؤذٍ مُغوٍ طاغٍ متمرّد، إنساناً كان أم غير إنسان، وإبليس اسم الشيطان الذي أغوى آدم ويتربّص هو وجنده الدوائر بأبناء آدم دوماً.

من مواضع استعمال هذه الكلمة في القرآن يُفهم أنّ كلمة «الشيطان» تطلق على الموجود المؤذي المضرّ المنحرف الذي يسعى إلى بثّ الفُرقة والفساد والاختلاف، مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ..﴾ المائدة:91.

والاستعمال القرآني لكلمة شيطان يشمل حتّى أفراد البشر المفسدين المعادين للدعوة الإلهية، كقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ..﴾ الأنعام:112.

س: إذا كان الإنسان خُلق من أجل التكامل ونيل السعادة عن طريق عبوديته لله تعالى، فما هي أسباب وجود الشيطان الذي هو موجود مدمّر يعمل ضدّ تكامل الإنسان؟

ج: إنّنا لو تفكّرنا قليلاً فسوف ندرك أنّ وجود هذا العدوّ عامل مساعد لدفع التكامل الإنساني إلى الإمام وتقدّمه. لا نذهب بعيداً، فقوّات المقاومة التي تدافع دائماً وبشدّة ضدّ العدوّ تزداد قوّة يوماً بعد آخر، والقادة والجنود المدرّبون الأقوياء هم الأشخاص الذين يقاتلون الأعداء بعنف في المعارك الكبيرة. والسياسي المحنّك القويّ هو الذي يتمكّن في الأزمات السياسية الشديدة أن يتصدّى للأعداء الأقوياء ويتغلّب عليهم. وأبطال المصارعة الكبار هم الذين نازلوا مصارعين أقوياء أشداء، إذاً، فلمَ العجَب من أنّ عباد الله الكبار بجهادهم المستمرّ المرير ضدّ الشيطان، يصبحون أقوياء يوماً بعد آخر، وهذا لا يعني أنّ الشيطان مكلّف بإغواء عباد الله، فالشيطان كان طاهراً في بداية خلقه كبقية الموجودات، ولكن الانحراف والانحطاط والتعاسة التي أصيب بها إنّما كان برغبته وإرادته، وبهذا فإنّ البارئ عزّ وجلّ لم يخلق إبليس منذ اليوم الأوّل شيطاناً، وإنّما إبليس هو الذي أراد أن يكون شيطاناً..

س: هل إنّ «إصابة العين» لها حقيقة؟

يعتقد الكثير من الناس أنّ لبعض العيون آثاراً خاصّة عندما تنظر لشيء بإعجاب، إذ ربّما يترتّب على ذلك الكسر أو التلف، وإذا كان المنظور إليه إنساناً فقد يمرض أو يجنّ.. إنّ هذه المسألة ليست مستحيلة من الناحية العقلية، حيث يعتقد البعض من العلماء المعاصرين بوجود قوة مغناطيسية خاصة مخفيّة في بعض العيون بإمكانها القيام بالكثير من الأعمال، كما يمكن تدريبها وتقويتها بالتمرين والممارسة. إنّ «أشعّة ليزر» هي عبارة عن شعاع لا مرئي يستطيع أن يقوم بعمل لا يستطيع أيّ سلاح فتّاك القيام به، ومن هنا فإنّ القبول بوجود قوّة في بعض العيون تؤثّر على الطرف المقابل وذلك عن طريق أمواج خاصة ليس بأمر مستغرب. ويتناقل الكثير من الأشخاص أنّهم رأوا بأمّ أعينهم أشخاصاً لهم هذه القوّة المرموزة في نظراتهم، وأنّهم قد تسبّبوا في إهلاك آخرين. لذا فلا ينبغي الإصرار على إنكار هذه الأمور. بل يجدر تقبّل احتمال وجود مثل هذا الأمر من الناحية العقلية والعلمية.

كما جاء في بعض الروايات الإسلامية أيضاً ما يؤيّد وجود مثل هذا الأمر بصورة إجمالية كما في الرواية التالية: إنّ أسماء بنت عميس قالت: يا رسول الله إنّ بني جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم؟

قال صلّى الله عليه وآله: «نعم، فلو كان شيءٌ يسبق القدر لسبَقَه العين».

وجاء في حديث آخر أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: «النبيّ رقى حسناً وحسيناً فقال: أُعيذكما بكلمات الله التامّة، وأسمائه الحسنى كلّها عامّة، من شرّ السامّة والهامّة، ومن شرّ كلّ عين لامّة..».

وجاء في (نهج البلاغة أيضاً): «العينُ حقّ، والرُّقى حقّ..».

اخبار مرتبطة

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات