صاحب الأمر

صاحب الأمر

14/07/2018

الغَيبةُ والحكمةُ فيها

 

الغَيبةُ والحكمةُ فيها

الحجج مُستخفوْن، ومُعلِنون

_______ الشيخ الصدوق قدّس سرّه _______

«إنّ خصومنا طالبونا بوجود صاحب زماننا عليه السلام كوجود مَن تقدّمه من الأئمّة عليهم السلام، فقالوا: إنّه قد مضى على قولكم من عصر وفاة نبيّنا عليه السلام أحد عشر إماماً، كلّ منهم كان موجوداً معروفاً باسمه وشخصه بين الخاصّ والعامّ، فإن لم يوجد كذلك فقد فسد عليكم أمرُ مَن تقدّم من أئمّتكم كفساد أمر صاحب زمانكم هذا في عدمه وتعذّر وجوده» .

إشكالية أوردها الصدوق قدّس سرّه، في كتابه (من لا يحضره الفقيه: ص 20-22)، وردّ عليها بما جرت به سنّة المولى تبارك وتعالى في حججه منذ آدم إلى خاتم الأنبياء والأوصياء على نبينا وآله وعليهم السلام.

«شعائر»

إنّ الغيبة التي وقعت لصاحب زماننا عليه السلام، قد لزمت حكمتُها وبان حقّها وفلجت حجّتها للذي شاهدناه وعرفناه من آثار حكمة الله عزّ وجلّ، واستقامة تدبيره في حججه المتقدّمة في الأعصار السالفة مع أئمّة الضلال وتظاهر الطواغيت واستعلاء الفراعنة في الحقب الخالية، وما نحن بسبيله في زماننا هذا مِن تظاهرِ أئمّة الكفر بمعونة أهل الإفك والعدوان والبهتان .

فأقول وبالله التوفيق: إنّ خصومنا قد جهلوا آثار حكمة الله تعالى وأغفلوا مواقع الحقّ ومناهج السبيل في مقامات حجج الله تعالى مع أئمّة الضلال في دول الباطل في كلّ عصر وزمان، إذ قد ثبت أنّ ظهور حجج الله تعالى في مقاماتهم في دول الباطل على سبيل الإمكان والتدبير لأهل الزمان، فإن كانت الحال ممكنة في استقامة تدبير الأولياء لوجود الحجّة بين الخاصّ والعامّ كان ظهور الحجّة كذلك، وإن كانت الحال غير ممكنة من استقامة تدبير الأولياء لوجود الحجّة بين الخاصّ والعامّ وكان استتاره ممّا توجبه الحكمة ويقتضيه التدبير حجبه الله وستره إلى وقت بلوغ الكتاب أجلَه، كما قد وجدنا من ذلك في حجج الله المتقدّمة من عصر وفاة آدم عليه السلام إلى حين زماننا هذا؛ منهم المستخفون ومنهم المستعلنون، بذلك جاءت الآثار ونطق الكتاب .

فمن ذلك ما حدّثنا به أبي رحمه الله، قال: «حدثنا سعد بن عبد الله قال:..عن عبد الحميد ابن أبي الديلم، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: يا عبد الحميد إنّ لله رسلاً مستَعلنين ورسلاً مستَخفين فإذا سألتَه بحقِّ المستَعلنين فسلْهُ بحقّ المستَخفين».

غَيبة الأوصياء في القرآن الكريم

وتصديق ذلك من الكتاب في قوله تعالى: ﴿وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ النساء:164، فكانت حجج الله تعالى كذلك من وقت وفاة آدم عليه السلام إلى وقت ظهور إبراهيم عليه السلام، أوصياء مستعلنين ومستخفين، فلمّا كان وقت كون إبراهيم عليه السلام ستَر الله شخصه وأخفى ولادته، لأنّ الإمكان في ظهور الحجّة كان متعذّراً في زمانه، وكان إبراهيم عليه السلام في سلطان نمرود مستتراً لأمره وكان غير مظهر نفسه، ونمرود يقتل أولاد رعيّته وأهل مملكته في طلبه إلى أن دلّهم إبراهيم عليه السلام على نفسه، وأظهر لهم أمره بعد أن بلغت الغَيبة أمدها، ووجب إظهار ما أظهره للذي أراده الله في إثبات حجّته وإكمال دينه، فلمّا كان وقت وفاة إبراهيم عليه السلام كان له أوصياء حججاً لله عزّ وجلّ في أرضه يتوارثون الوصية كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت كون موسى عليه السلام، فكان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل في طلب موسى عليه السلام، الذي قد شاع من ذكره وخبر كونه، فستر الله ولادته، ثمّ قذفت به أمّه في اليمّ كما أخبر الله عزّ وجلّ في كتابه ﴿فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ.. القصص:8، وكان موسى عليه السلام في حِجر فرعون يربّيه وهو لا يعرفه، وفرعون يقتل أولاد بني إسرائيل في طلبه، ثمّ كان من أمره بعد أن أظهر دعوته ودلّهم على نفسه ما قد قصّه الله عزّ وجلّ في كتابه، فلمّا كان وقت وفاة موسى عليه السلام كان له أوصياء حججاً لله كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت ظهور عيسى عليه السلام .فظهر عيسى عليه السلام في ولادته، معلناً لدلائله، مظهراً لشخصه، شاهراً لبراهينه، غير مخفٍ لنفسه لأنّ زمانه كان زمان إمكان ظهور الحجّة كذلك .

ثمّ كان له من بعده أوصياء حججاً لله عزّ وجلّ كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت ظهور نبيّنا صلّى الله عليه وآله، فقال الله عزّ وجلّ له في الكتاب: ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ..﴾ فصلت:43، ثمّ قال عزّ وجلّ: ﴿سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا.. الإسراء:77، فكان ممّا قيل له ولزم من سنّته على إيجاب سنن مَن تقدّمه من الرسل إقامة الأوصياء له كإقامة من تقدّمه لأوصيائهم، فأقام رسول الله صلّى الله عليه وآله أوصياء كذلك، وأخبر بكون المهديّ خاتم الأئمّة عليهم السلام، وأنّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، نقلت الأمّة ذلك بأجمعها عنه، وأنّ عيسى عليه السلام ينزل في وقت ظهوره فيصلّي خلفه، فحفظت ولادات الأوصياء ومقاماتهم في مقام بعد مقام إلى وقت ولادة صاحب زماننا عليه السلام المنتظر للقسط والعدل، كما أوجبت الحكمة باستقامة التدبير غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدّمة بالوجود .

وذلك أنّ المعروف المتسالم بين الخاصّ والعامّ من أهل هذه الملّة أنّ الحسن بن علي والد صاحب زماننا عليهما السلام، قد كان وكّل به طاغية زمانه إلى وقت وفاته، فلمّا توفّي عليه السلام وكّل بحاشيته وأهله وحبست جواريه وطلب مولودَه هذا أشدّ الطلب، وكان أحد المتوليّين عليه عمّه جعفر أخو الحسن بن عليّ بما ادّعاه لنفسه من الإمامة، ورجا أن يتمّ له ذلك بوجود ابن أخيه صاحب الزمان عليه السلام، فجرت السنّة في غيبته بما جرى من سنن غيبة مَن ذكرنا من الحجج المتقدّمة، ولزم من حكمة غيبته عليه السلام ما لزم من حكمة غيبتهم .

 

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

14/07/2018

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات