تحقيق

تحقيق

14/08/2018

كمال الدين وتمام النعمة

 

كمال الدين وتمام النعمة

مشاهد من واقعة غدير خُمّ

____ إعداد: «شعائر» ____


تعدّ واقعة الغدير من أهم الوقائع التاريخية في حياة الأمّة الإسلامية، حيث قام الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم - خلالها وفي طريق عودته من حجّة الوداع والتوقّف في منطقة غدير خمّ - بإبلاغ المسلمين بالأمر الإلهي الصادر بتنصيب أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، إماماً للمسلمين وخليفةً له صلّى الله عليه وآله وسلّم، والتي تمّت بمبايعته عليه السلام من قبل جميع الصحابة وسائر الحجّاج الحاضرين هناك.

هذا التحقيق يلقي الضوء على جملة من العناوين المرتبطة بهذا الحدث الإلهي التوحيدي، وقد استقينا مادته من (الموسوعة الإلكترونية التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام).


غادر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المدينة متوجِّهاً نحو مكّة المكرمة لأداء مناسك الحجِّ في السنة العاشرة للهجرة، في اليوم 24 أو 25 من ذي القعدة، وأذَّن صلّى الله عليه وآله وسلّم في الناس بالحجِّ، فتجهَّز الناس للخروج معه صلّى الله عليه وآله وسلّم، وحضر المدينة، من ضواحيها ومن جوانبها خلق كثير بلغ 120 ألف حاج، قاصدين بيت الله الحرام في الحجّة التي عرفت بحجّة الوداع تارةً، وحجّة الإسلام وحجّة البلاغ تارة أخرى.

وفي تلك السنة، حجَّ الإمام عليٌّ عليه السلام من اليمن، وكان قد بعثه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في ثلاثمائة فارس، فأسلم القوم على يديه. ولمَّا قارب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مكَّة من طريق المدينة، قاربها أمير المؤمنين عليه السلام من طريق اليمن، والتحق بالركب النبوي قبل حلول وقت مراسم الحجّ، وأدرك الحجّ معه صلّى الله عليه وآله وسلّم. ولمّا أتمّ المسلمون بمعيّة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم مراسم حجّهم، قفلوا راجعين إلى ديارهم.


نزول آية التبليغ

 

لمَّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نُسكه وقفل إلى المدينة، وانتهى إلى الموضع المعروف بغدير خُمٍّ، من الجُحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين يوم الخميس، الثامن عشر من ذي الحجّة، نزل عليه الوحي في آية الإبلاغ بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.. (المائدة:67). وأمر الله تعالى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، أن يقيم عليّاً عليه السلام علماً للناس، ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على المسلمين. وكان أوائل القوم قريبين من الجحفة، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يردّ من تقدّم منهم، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان.


خطبة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم

 

لمّا اجتمع النّاس، نودي بصلاة الظهر ، فصلّى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بهم، فلمّا انصرف صلّى الله عليه وآله وسلّم من صلاته قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الإبل وأسمع الجميع، وكان ممّا قاله -بعد أن أخذ بيد عليّ عليه السلام، فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون: أيّها الناس، مَنْ أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟

قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّ الله مولاي، وأنا مَولى المؤمنين، وأنا أَولى بهم من أنفسهم، فمَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه. يقولها ثلاث.

ثمّ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: اللّهمّ والِ مَن والاَهُ، وعادِ مَن عادَاهُ، وأحبَّ مَن أحبَّه، وأَبغِض مَن أبغَضَه، وانصُرْ مَن نَصَرَه، واخذُلْ مَنْ خَذَلَه، وأَدِرِ الحَقَّ مَعه حيثُ دار. ألَا فليُبَلِّغ الشّاهد الغائب.

ثمّ لم يتفرّقوا حتى نزل الوحي بقوله تعالى: ﴿..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا..﴾ المائدة:3.


المسلمون يهنّئون الإمام عليّ

ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين عليه السلام، وممّن هنأه في مقدّم الصحابة: عمر بن الخطاب، كلٌّ يقول: «بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب، أصبحتَ وأمسيتَ مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة».

ثمّ جلس صلّى الله عليه وآله وسلّم في خيمته، وأمر عليّاً عليه السلام أن يجلس في خيمةٍ له بإزائه، وأمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً فيهنّئوه بالمقام، ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، ففعل الناس ذلك كلّهم، ثمّ أمر أزواجه وسائر نساء المؤمنين ممّن معه أن يدخلن عليه، ويسلّمن عليه بإمرة المؤمنين، ففعلن.


عدد الحاضرين

اختلفت كلمة الباحثين في عدد الحاضرين في واقعة الغدير بين عشرة آلاف، واثني عشر ألفاً، وسبعة عشر ألفاً، وسبعين ألفاً.


رواة حديث الغدير

لقد ورد حديث الغدير في المصادر الشيعية والسنية، كما أن بعض فقرات الحديث من قبيل «فمَن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه» متواترة. وقد نقله الكثير من الصحابة والتابعين. وتنفرد واقعة الغدير بين الوقائع الإسلامية بكثرة رواتها وتطابق المسلمين على أصل وقوعها، وقد رواها -فضلاً عن المعصومين عليهم السلام- الكثير، منهم:

عشرة ومائة من صحابة النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، بينهم:

-       عمر بن ‌الخطاب (محب الطبري، الرياض النضرة: ج2، ص161) .

-       عثمان بن عفان (ابن المغازلي، مناقب علي ابن أبي طالب: ص27).

-       عائشة بنت أبي ‌بكر (ابن عقدة، كتاب الولاية: ص152) .

-       أبو هريرة (المتقي الهندي، كنز العمال: ج6، ص154).

وغيرهم... وجميع هؤلاء الرواة ممّن حضر الغدير، وشارك في حجّة الوداع ونقلوا الحديث بلا واسطة.

ورواها من التابعين ثلاثة وثمانون تابعياً، منهم: الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز.

ورواها بعد التابعين الكثير من علماء السنّة، يبلغ عددهم ما بين القرن الثاني وحتى الرابع عشر حدود 360 عالماً، من أبرزهم: الإمام الشافعي، وأحمد بن حنبل.

وذهب علماء الشيعة وبعض كبار علماء أهل السنة إلى القول بتواتر حديث الغدير.


الآيات النازلة في الغدير

ذهب مفسِّرو الشيعة والسنّة إلى نزول مجموعة من الآيات في واقعة الغدير، هي:

1) آية إكمال الدين بالولاية: ﴿..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا..﴾ المائدة:3.

2) الآية السابعة والستين من سورة (المائدة) والمعروفة بآية التبليغ: ﴿يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس...

3) ومن الآيات النازلة بعد نص الغدير، قوله تعالى من سورة (المعارج): ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ الله ذِي الْمَعَارِج﴾.

 

وقد أذعنت به الشيعة وجاء مثبتاً في كتب التفسير والحديث لمَن لا يستهان بهم من علماء أهل السنة، أنّه لمّا بلّغ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم غدير خم ما بلّغ، وشاع ذلك في البلاد أتى النعمان بن الحارث الفهري. فقال: «يا محمّد، أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إلهّ إلا الله وأنّك رسول الله، وبالصّلاة، والصّومِ، والحجّ، والزكاة، فقبلنا منك. ثمّ لمْ ترضَ بذلك حتى رفعتَ بِضَبعِ ابنِ عمّك ففضّلته علينا وقلت: (مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه)، فهذا شيء منكَ أم مِن الله؟

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (والّذي لا إلهَ إلّا هُو أنّ هذا مِنَ الله).

فولى الحارث يريد راحلته وهو يقول: أللّهمّ إن كان ما يقول محمٌّد حقّاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم! فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته...وقتله وأنزل الله تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ الآية.

 

شعراء الغدير

دأب الشعراء والأدباء على نظم القصائد في واقعة الغدير وأحقّية أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة والولاية بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، من هؤلاء الشعراء في القرون الأربعة الأولى: حسّان بن ثابت، عمرو بن العاص، السيّد الحِميَري، ابن الرومي، وأبو فراس الحمداني.

عيد الغدير في الإسلام

يستفاد من مراجعة التاريخ أنّ يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجّة الحرام كان معروفاً بين المسلمين بيوم «عيد الغدير»، وكانت هذه التسمية تحظى بشهرة كبيرة إلى درجة أنّ ابن خلكان، الذي تحدّث عن مبايعة الخليفة العباسي المستعلي ابن المستنصر، يقول: «بويع في يوم غدير خم، وهو الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة 487 للهجرة».

وجاء في الحديث النبويّ أيضاً: «يومُ غدير خُمّ أفضلُ أعيادِ أُمّتِي، وهو اليوم الّذي أَمَرَني اللهُ عزَّ وجلَّ بِنَصبِ أخي عليّ بن أبي طالب عليه السلام عَلَماً لِأمّتي يَهتدونَ بِهِ مِن بَعدي، وهو اليومُ الذي أَكمَلَ فيه الدِّين، وأَتَمّ على أمّتي فيه النعمة، ورَضِيَ لهُم الإسلام ديناً».

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: «إنّ يومَ الغدير عيدُ الله الأكبر، وما بعثَ الله عزَّ وجّلَّ نبيّاً إلا عرّفه حُرمَتَه، وإنّه عيدٌ في السماء والأرض، واسمُه في السّماء: يومُ العهدِ المعهود، وفي الأرض: يومُ الميثاقِ المأخوذ والجَمع المشهود».

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات