بسملة

بسملة

10/09/2018

كيف نكون مع الحسين عليه السلام؟

 

كيف نكون مع الحسين عليه السلام؟

بقلم: الشيخ حسين كَوْراني

كأفراد: كيف نكون حسينيّين؟ وكمجتمع: ما هي أهمّ سمات المجتمع المقاوم؟

تجيب كربلاء سيّد الشهداء على كلّ تساؤلاتنا، عقائديّة كانت أم فكريّة، تخصّصيّة أو عامّة، بالإضافة إلى تساؤلات الممانعة والجهاد.

ليست كربلاء مجرّد فعل سلاح ودَم. كان السلاح والدَم في خدمة القانون الإلهيّ بنسخته المحمّديّة الفريدة.

لأنّ كربلاء تجسّد الإسلام كلّه استطاعت أن تحفظ الإسلام، وأن تكون عنوان العولمة الحقيقيّة لا المدّعاة، حيث يتمّ توحيد العالم كلّه على يد الإمام المهديّ تحت شعار «يا لثارات الحسين».

***

الحسين الشخص هو القضيّة. تعني «العصمة» زوال كلّ الذاتيّات المباينة للقِيم الفاضلة، لتصبح الذات تجلِّيَ القِيَم، والصراط المستقيم.

ثارات الحسين هي ثارات كلّ المستضعفين من الفراعنة والطواغيت، وثارات الحقّ من الباطل، والعقل من الهوى، والعلم من الجهل.

«كربلاء» قيمٌ ونهج. مشروع المستقبل كلّه بما فيه هذا الحاضر وكلّ حاضرٍ تعيشه البشريّة التوّاقة إلى الغد الواعد، والأمل الباسم.

من خصائص عصرنا، هذا الشلّال الجهاديّ الهادر، الذي تنّفس عنه صبح طهران، يوم أعلن قائد الأمّة، ومجدّد الدين، عبد الله المسدّد روح الله الخمينيّ: كلّ ما عندنا من عاشوراء.

***

تَواصَل - حتّى الآن - تدفُّق أنوار هذا الشلّال الجهاديّ أربعين عاماً، ﴿.. فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ الله الْأَمْثَالَ﴾. (الرعد:17).

وتعاظم منسوب السَّيل في كلّ وادٍ حسينيّ، في لبنان، والبحرين، والعراق، والشام، واليمن، ونيجيريا، ومع غير النواصب في فلسطين، وفي «غزّة هاشم» بالخصوص، فإذا الدنيا اليوم غيرها بالأمس. العالم بأَسْره على عتبة منعطٍف مفصليّ، ينتقل بسرعة قياسيّة من الحديث عن زوال «إسرائيل» و«آل سعودها» يهود الحجاز، إلى الحديث عن رحيل أميركا من منطقتنا «غرب آسيا»، إيذاناً بزوال هيمنتها على شعوب العالم، ثم زوالها النهائيّ.

***

لكي نرفع رؤوسنا مع مواكب المجاهدين، ولا نحني هاماتنا للتضليل الإعلاميّ، وإجلاب الشيطان الأميركيّ بخيله ورجِله، فنغرق في التفاصيل حيث يكمن الشيطان، علينا استثارة العقل، ليخرق حُجُبَ الوهم، ونوقن بأنّ التهديدات الحرجة الراهنة- بصفقة القرن، وقنبلة «رو تشيلد» النوويّة ، والمعارك الشرسة المتنقلة، وقوافل الشهداء، إنْ هي إلا مخاضاتُ ولادة عالم جديد يطوي صفحة الشيطان الأكبر الأميركيّ. إذا كانت آلام الطلْق بعض مخاض ولادة طفل، فكيف هي مخاضات ولادة عالمٍ جديد؟!

يشتد نفثُ سمّ الأفعى مع آخر الحشرجات ثمّ تموت. كذلك هي أميركا وحشرجاتها اليوم. ما يجري في البصرة وسائر مدن العراق، وما يجري منذ سنين في اليمن والبحرين، وكلُّ مجازر دواعش يهود الحجاز آل سعود في مختلف البلاد، بعض هذه الحشرجات ونفثِ السّم، ﴿.. وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ... ( فاطر:43). ﴿..جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾. (الإسراء:81).

***

رغم تسارع الانتصارات النوعيّة التي أنجزتها «روح كربلاء» بدءاً من إجهاض الهجمة الكونيّة بقيادة أميركا لاستئصال الثورة الإسلاميّة في إيران، مروراً بنصر «تمّوز»، وانتصاريْ «غزّة» على الوجه المعلن للغدّة السرطانيّة «إسرائيل»، وصولاً إلى النصر المؤزّر -الذي يستكمل الآن في إدلب- على الوجه الذي كان مضمراً من وجهَي «الغدّة السرطانيّة» يهود الحجاز، آل سعود وسائر الوهّابيّين وحاخاماتهم، -رغم ذلك كلّه- فإنّ النظرة المتأنية، الى المشهد العام في عالمنا العربيّ والإسلاميّ، تكشف حقيقتين مركزيّتين:

الأولى: أنّ أعداداً كبيرة من الشباب، والقادرين على حمل السلاح، ما يزالون خارج ساحات الجهاد العسكريّ، وإن كانت أعداد هؤلاء في تناقص مستمر.

الثانية: أنّ حركة الجهاد في كلّ بلد لم تشمل -في ما عدا إيران- أكثر البيئة التي خرجت منها قوافل المجاهدين. لم تصل حركة الجهاد في كلّ بلد إلى مستوى «المجتمع المقاوم».

***

في ضوء ما تقدّم -وقد حمي الوطيس كما لم تّدُرْ رَحاه من قبل- تبرز الحاجة إلى سؤال الأفراد والمجتمعات أنفسهم: كيف نكون مع الحسين عليه السلام؟

تمسّ الحاجة في الوصول إلى الإمام الحسين عليه السلام إلى أمور:

1- رفع مستوى المعرفة بالحسين عليه السلام.

2- أُمنية بذل المهجة في الحسين عليه السلام.

3- تحصين المسار بذكر الله تعالى.

4- معرفة موقع موسم عاشوراء وشهري محرّم وصفر، من التعبئة الجهاديّة في درب الحسين عليه السلام.

سأكتفي هنا بموجز حول الأول وإشارات حول الباقي، بما يتناسب مع «افتتاحيّة» و«بسملة».

***

 

* في الأمر الأول: رفع مستوى المعرفة بالحسين عليه السلام:

يَقْصُر عمر الدنيا عن معرفة البشرِ -فكيف بالفرد منهم- عظمةَ سرِّ السرِّ المحمّديّ، الذي قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله: «حسينٌ منّي وأنا من حسين».

رسول الله سرّ الخلق، والحسين سرّه، فالحسين سرُّ سرِّ الخلق بإذن الله تعالى.

حين فتح «آدم» عليه السلام عينيه، كان نور الحسين بين أنوار أهل الكساء -في ما صحّح الشيخ المفيد من الروايات- يمثّل عشرة أئمّة من تجلّيات الحقيقة المحمّديّة.

وقبل أن يفتح «آدم» عليه السلام عينيه، كانت كربلاء الحسين مشروع تحقيق آمال النبيّين والشهداء والصدّيقين. يومها شاء الله تعالى أن يرى الحسين قتيلاً، وشاء -سبحانه- أن يرى سيّدتنا زينب وأخواتها سبايا.

يومها، كان نور «الطالب بدم المقتول بكربلاء» المهديّ المنتظَر عليه السلام، كالكوكب الدرّيّ، بين أنوار المعصومين الأربعة عشر.

***

* الحسين عليه السلام بمحمّديّته:

1- تجلّي توحيد الله، وحبّه، والعبوديّة له عزّ وجلّ.

2- تجلّي حبّ رسول الله والجهاد في سبيل الله تعالى.

3- تجلّي مكارم الأخلاق المحمّديّة.

4- تجلّي دوام ذكر الله تعالى، وعبادته سبحانه وتعالى.

* لهذه الحقائق المركزيّة -وغيرها-كان:

أ- دم الحسين عليه السلام حفظاً للذِّكر بإذن الله تعالى.

ب- حبّ الحسين عليه السلام ضمانة لسلامة الفطرة البشرية من الاستلاب.

ت- نهج الحسين عليه السلام ضمانة لاستمرار التوحيد وتصحيح مسار الأجيال كلّما ادلهمّت الآفاق

ث- نشر التوحيد في أرجاء المعمورة وإقامة الحكومة العالميّة العادلة الواحدة رهن شعار «يا لثارات الحسين».

***

لهذه الحقائق الحسينيّة في العقيدة والعمل:

1- تلازَم التوحيد الحقيقيّ منذ عاشوراء وإلى يوم القيامة، مع بذل المهجة في الحسين عليه السلام. على أبواب مغادرته «مكّة» قال عليه السلام: «مَن كان باذلاً فينا مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسَه فليرحل معنا فإنّنى راحلٌ مُصْبِحاً إن شاء الله».

2- ولا ينفكّ بذل المهجة في التوحيد -والحسينُ عليه السلام مظهرُه التامّ، والتّجلّي- عن دوام ذكر الله تعالى تأسّياً بسيّد الذاكرين صلّى الله عليه وآله في درب الحسين عليه السلام، في مضمار ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة:16-17 ). ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (النور:36-37 ).

3- ولا ينفصل بذل المهجة في توحيد الحسين ومحمّديّته عليه السلام، عن دوام خوض غمرات الجهاد الأكبر لتزكية النفس ورياضتها في مسار: «مَرْحَباً بِقَوْمٍ قَضَوُا الْجِهَادَ الأَصْغَرَ وبَقِيَ الْجِهَادُ الأَكْبَرُ. قِيلَ يَا رَسُولَ الله صَلَّى اللُه عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ومَا الْجِهَادُ الأَكْبَرُ؟ قَالَ: جِهَادُ النَّفْسِ». في هذا المسار قال عليٌّ عليه السلام: « لأَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْه مَطْعُوماً، وتَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً، ولأَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا، مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا، أَتَمْتَلِئُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ، وتَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ، ويَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِه فَيَهْجَعَ؟ قَرَّتْ إِذاً عَيْنُه إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ، بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ والسَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ».

***

في الأمر الرابع، «معرفة موقع مواسم محرّم وصفر من الوصول إلى الحسين عليه السلام»:

مجالس أيام عاشوراء، نواة مواسم التعبئة الجهاديّة العامّة السنويّة -أي على مدى العمر وكرّ القرون- ويواصل شهر محرّم، وصفر بعده، رعاية هذه النواة، ويتعاهدان بذارها في القلوب، وصولاً إلى ثمرة التأسيس النبويّ لزيارة الأربعين، حيث تتلاطم أمواج عولمة «يا لثارات الحسين».

عندما نلاحظ عظيم الفعل الإستراتيجيّ لمجالس العزاء الحسينيّة في الأجيال في أربع رياح الأرض، يمكننا التقاط بعض مدارج الإعجاز الإلهيّ في تأسيس النبيّ وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، لهذه المجالس، فنبذل كلّ جهد ممكن لخدمة هذه المجالس كمّاً وكيفاً، وبنفس المسار الذي سلكته طيلة القرون الماضية.

هذه المجالس دورات التحضير العالميّة لتحليق الروح في آفاق التوحيد المحمّديّة، وصولاً إلى أعلى ما يمكن أن يبلغه كلّ شخص في معرفة الحسين عليه السلام، سرّ التوحيد والنبوّة، وأبي الأئمّة التسعة، الذين هم بعضُ بعضِ جزائه الإلهيّ العظيم.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

12/09/2018

دوريات

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات