تحقيق

تحقيق

09/10/2018

يوم الزينة الفرعونيّ في الشام

«فوَاللهِ لا تَمحو ذِكرنا»

يوم الزينة الفرعونيّ في الشام

____ إعداد: «شعائر» ____

بعد فاجعة كربلاء، كانت «دمشق» حيث قصر يزيد محطّ الرحال الثاني -بعد الكوفة- لأسرى آل بيت النبيّ عليهم السلام. وكما فرعون الذي: ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾، جمع «يزيد بن معاوية بن أبي سفيان» الناس حوله ليباركوا له ما زعمه قضاءً على الإسلام، فأنشد: «لعبتْ هاشمُ بالملك فلا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل»!

* كيف كانت أجواء الشام قبل وصول الموكب النبويّ الذي عُرف باسم «موكب السبايا»؟

* وكيف انقلبت أجواء الابتهاج بالانتقام من رسول الله صلّى الله عليه وآله، إلى عزاء ومهانة ليزيد، وتهديد جديّ للنظام؟

* وما هي تداعيات هدير الحديث القدسيّ، بمَظهريْه، على لسان السيدة زينب وإمام زمانها الإمام زين العابدين عليهما السلام؟

* هذا التحقيق يحاول الإجابة عن هذه الأسئلة، استناداً إلى ما ورد في كتاب (حياة الإمام الحسين عليه السلام) للشيخ باقر شريف القرشي، وتاريخَي الطبري وابن الأثير، ومصادر أخرى متفرقة.

 

«ما أُوذي نبيٌّ مثلما أُوذيت». حديثٌ نبويّ يلخّص حجم المعاناة التي تكبّدها رسول الله في سبيل إخراج قومه من الظلمات إلى النور. ولا يتبيّن مبلغ الأذى الذي كابده خير خلق الله تعالى، إلّا  إذا استحضرنا أنّ طوائف من أنبياء بني إسرائيل قُتلوا ذبحاً، أو نشروا بالمناشير. مع ذلك، لا تُقاس معاناتهم بما تجشّمه النبيّ الأعظم، وهو يرتقي بالإنسان الجاهليّ من درك وأْد بناته، إلى ذُرى الإيثار على نفسه ولو كان به خصاصة.

وبالرغم من امتثاله الأتمّ للمشيئة الإلهية وتجرُّعه الغُصص، وهو يداوي أسوأ أسقام النفس البشرية، طوال ثلاثة وعشرين عاماً، فقد نزل عليه الوحي يوم الغدير: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ..﴾ (المائدة:67)، أي أنّ تبليغ الرسالة في مهبّ الضياع لولا الولاية، كأنّما الرسالة النبوية هدايةٌ بالقوّة، لا تخرج إلى حيّز الفعل إلّا باقتفاء أثر أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة المعصومين من بنيه.

فلمّا توفّي رسول الله، وأعرضت الأمّة عن الأخذ بحُجزة باب مدينة العلم النبويّ، خرجتْ بضعته الصدّيقة الكبرى إلى مسجده، فألقتْ خطبتها التي أرست أولى مداميك التصدّي للانقلاب على الأعقاب.

ومن يومها، ثمّة نجدان، نجد سيادة الإنسان على الأرض وتقرير مصيره بنفسه مستفيداً من تجاربه! ونجد سيادة الله تبارك وتعالى، والامتثال إلى قوله سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ..﴾. (الأحزاب:36)

ودارات دائرة الأيام، فتداول القوم السلطة تداول الكرة، حتى تلقّفها معاوية ابن آكلة الأكباد، فلمّا هلك، انتقل «المُلك العضوض» إلى وليده يزيد، فأشرف تيار السيادة البشرية بقيادة «قاتل النفس المحترمة» على تحقيق مآرب الانقلاب على الأعقاب في التنكّر التامّ لوحي السماء. حينها، شاء الله تبارك وتعالى أن يرى الإمام الحسين عليه السلام، «قتيلاً»، وبنات رسول الله «سبايا»، فكانت كربلاء!

وكما الرسالة النبوية، كذلك النهضة الحسينية؛ تصحيحٌ للمسار وإصلاحٌ للأمّة كامنٌ بالقوّة، كان في مهبّ الضياع لولا تصدّي العقيلة الصغرى بخُطبها في الكوفة وفي محافل الإمبراطورية الأموية، وكشفها للكفر المقيم في نفوس «ولاة الأمر» الطلقاء، موجّهة بذلك الضربة القاصمة لتيار الانقلاب على الأعقاب، في مسعاه للتفرّد بالأرث النبويّ، فتزييفه والعودة به إلى عهود الجاهلية البائدة.

وفي جميع المحطات، كانت السيدة زينب، تقتبس من سنا إمام زمانها زين العابدين عليه السلام، الذي كان مأموراً بالحذر، وتفويت الفرص لقتله «لينقطع نسلُ هذا البيت»، كما أشار بعض شياطين الأنس على يزيد.

وقد بلغت محاولات قتل الإمام زين العابدين خمساً، أولاها في كربلاء أثناء نهب الخيم، والثانية في مجلس ابن زياد، وثلاثة منها في الشام بتدبيرٍ من يزيد نفسه، إلّا أنّ الله تعالى دفع عنه ليتمّ نوره ولو كره الكافرون. فتمكّن وارثُ وارثِ الأنبياء عليهم السلام، من ارتقاء «الأعواد» في البلاط الأموي والتعريف بنفسه المباركة، والانتساب إلى رسول الله ومنازل الوحي، والتلويح بكفر يزيد وآبائه في عُقر خلافتهم المغصوبة، وأمام جماهيرهم المضلّلة، فدبّ بذلك -وبما تقدّم من مواقف الصدّيقة الصغرى- شيءٌ من دم الغيرة والحميّة على دين الله، في عروق مَن طال صمتهم من الصحابة والتابعين، وانزاح شيءٌ من غشاوة العمى عن أعين الشاميّين، ليستفيق سخلُ الأموية ذات صبيحة، وعبارات سبّه ولعنه تلطّخ جدران دمشق. فـ﴿..تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا..﴾، وألقى باللائمة على ابن زياد وتسرّعه، فرماه الأخير بـ«الفسق»، ﴿..وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا﴾.

دمشق.. غرّة صفر سنة 61

بعد أيامٍ من وصول موكب السبي النبويّ إلى الكوفة، دعا الطاغية ابن زياد زحرَ بن قيس فسرّح معه برأس الحسين عليه السلام، ورؤوس أصحابه إلى يزيد بن معاوية. وأمر ببنات رسول الله، وبعليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام، فغُلّ بِغلٍّ إلى عنقه، ثم سرّح بهم مع محفز بن ثعلبة وشمر بن ذي الجوشن، فانطلقا بهم حتى قدموا على يزيد.

كان ابن معاوية  ينتظر وصول الموكب، وقد جلس في «مَنظرة» -أي مجلس ملوكيّ معدّ على مكان مرتفع- وعندما رأى الرؤوس على الرماح، وفي مقدّمتها رأس الإمام الحسين، استبدّ به الوجْد الشيطاني فرددّ أبياتاً في آخرها، قوله: «فلقد قضيتُ من النبيّ ديوني»! وقد ثبت أنّه لعنه الله، تَمَثَّل في وقت آخر بأبيات تؤكّد كفره: «لعِبَت هاشم بالمُلك فلا خَبر جاءَ ولا وحيٌ نَزَلْ..».

وكان الطاغية قد أمر بتزيين دمشق فرحاً باستقبال ما سمّاه النظام «موكب السبايا»، فعلّقوا الستور والديباج، وهم فرحون مستبشِرون، وعندهم نساء يلعبْنَ بالدفوف والطبول.

كانت «دمشق» آنذاك عاصمة الدولة الإسلامية المترامية الأطراف، التي تشبه في عصرنا ما يسمّى بـ«القطب الأوحد»، وكان النظام الأمويّ حريصاً على نشر ثقافة يوم الزينة الفرعونيّ الأمويّ، لأنّه رأى فيه نصراً تاريخيّاً على رسول الله صلّى الله عليه وآله، فعمل على أن يكون «يوم الزّينة» في استقبال «السبايا» من آل بيت سيّد النبيّين، مَفصَلاً يؤسّس لاستمرار الإمبراطورية الأموية التي تتظاهر بالإسلام، وهي مقيمةٌ على عبادة الأصنام.

ولمّا وُضعت الرؤوس بين يدي يزيد، دعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله، ثمّ دعا بأسارى آل البيت فأدخلوا عليه والناس ينظرون.

فقال يزيد لعليٍّ زين العابدين عليه السلام: «يا عليّ، أبوك الذي قطع رحِمي وجَهِلَ حقّي، ونازعني سلطاني، فصنع اللهُ به ما قد رأيتَ».

فقال زين العابدين عليه السلام: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا..﴾. (الحديد:22)

كانت هذه أول مواجهة مباشرة بين الإمام والطاغية، تتالت فأفضتْ إلى اضطرار يزيد التظاهرَ بتكريم الإمام زين العابدين، وتخصيص جانبٍ من الجامع الأمويّ لإقامته، بل وحتّى السماح لبعض الخواصّ بالدخول عليه، كما في المصادر التاريخية. كلّ ذلك، حصل بعد أن بيّن الإمام صلوات الله عليه في خطبته بالشام، أمام الآلاف المؤلّفة من الناس، أنّ يزيداً اقترف الجريمة الكبرى في حقّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد بلغت فداحتها حدّ خروجه من الملّة.

السيّدة زينب..كأنّما تُفرغ عن لسان أبيها

بعكس ما كان يقصده يزيد، من استعراضٍ لقوّته، فقد تحوّلت مجالسه الى ساحة محاكمة لجرائمه، ففقد السيطرة على نفسه، ولم يعد يدري كيف يواجه الموقف، بينما استمرّت السيدة زينب عليها السلام توجّه له ضربات التحدّي.

روى الصدوق عن مشايخ بني هاشم، أنّ عقيلتهم الكبرى صلوات الله عليها، لمّا رأت يزيد ينكت بمخصرته ثنايا أبي عبد الله عليه السلام، قامت -كأنّما تُفرغ عن لسان أمير المؤمنين- فألقتْ خطبتها التاريخية التي بشّرتْ فيها بزوال مُلك يزيد، وأليم عقابه الأخرويّ، فقالت من جملة كلامها: «..وحسبُكَ بالله حاكماً، وبمحمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم خصيماً، وبجَبرئيل ظهيراً... ولئن جرّتْ عليّ الدواهي مخاطبتك، إنّي لأستصغرُ قدْرَك وأستعظِمُ تقريعَك، وأستكثِرُ توبيخَك، لكنّ العيون عَبرى، والصّدورَ حَرّى... ولئن اتّخذتنا مَغنماً، لتجدنّا وشيكاً مَغرماً، حين لا تجدُ إلّا ما قدّمت يداك، وما ربّك بظلّامٍ للعبيد... فكِد كيدَك، واسعَ سعيَك، وناصبْ جُهدك، فوَاللهِ لا تَمحو ذِكرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا يرحضُ عنك عارُها، وهل رأيُك إلّا فنَد وأيامُك إلّا عدَد، وجمعُك إلّا بدَد، يومَ يُنادي المنادي: ألا لعنةُ الله على الظالمين..».

ويتواصل استصغارها لقدر ابن معاوية، فلمّا نظر رجل من أهل الشام إلى السيدة فاطمة بنت أمير المؤمنين عليه السلام، وقال مخاطباً يزيد: «هَب لي هذه الجارية»!! رفعت السيدة زينب صوتها لتُسمع يزيد، قائلةً للرجل: «كذبتَ ولؤمتَ، ما ذلك لك ولا لأميرك».

واستشاط يزيد غضباً لاستهانتها بهيبته، فردّ بانفعال: «إنّ ذلك لي، ولو شئتُ أن أفعله لفعلتُ».

فعاجلته السيدة زينب بضربة أكثر وقعاً، حين قالت: «كلّا والله، ما جعل اللهُ لك ذلك إلّا أن تخرج من ملّتنا وتدينَ بغير دِيننا».

فصاح غاضباً: «إيّايَ تستقبلين بهذا؟ إنّما خرج من الدّين أخوك وأبوك»!

وإذا كان يزيد منفعلاً قد فقد السيطرة على نفسه، فإنّ السيدة زينب كانت في قمّة الاطمئنان والثبات، لذلك أجابته واثقة: «بدينِ الله ودينِ أبي ودينِ أخي وجدّي اهتديتَ أنت وأبوك وجدّك، إنْ كنتَ مسلماً»!

وما عسى أن يكون جواب يزيد أو موقفه تجاه هذا التحدّي الصارخ، فهو يتربّع على عرش خلافة المسلمين، لكنّ السيدة زينب تجعل إسلامه موضع شكّ، لذلك لم يحر يزيد جواباً، ولم يجد ردّاً فلجأ إلى الشتم: «كذبتِ يا عدوّة الله»!!

لكن غضب يزيد وانفعاله وشتمه لم يُسكت العقيلة زينب، ولم يضع حداً لهجومها عليه وتحدّيها له، بل أوضحت أمام الجمع أنّ دافِع يزيد إلى الشتم، هو سوء استخدامه لموقعه باعتباره حاكماً يمارس الظلم والقهر، فقالت عليها السلام: «أنت أميرٌ مسلّط، تشتمُ ظالماً، وتَقهرُ بسلطانك».

فسكت يزيد وأُفحم واعترف بخسارته المعركة، حتى بلغ به الحال أنّه صبر على تكفيره وتكفير أتباعه، ولم يتمكّن من الردّ على سيّدةٍ من أرباب الولاية، الذين متى شاؤوا شاء الله تعالى.

ردود الفعل..

وعلى وقع كلمات الإمام زين العابدين، ومواقف السيدة زينب، سادت النقمة وانتشر الاستياء في مختلف أوساط العاصمة الأموية استنكاراً لما فعله يزيد. وممّا رصده لنا التاريخ من مظاهر الاستنكار، ما يلي:

* ممثل ملك الروم: لمّا رأى رأس الإمام بين يدي يزيد تأثّر من ذلك، فقام وخرج غضبانَ من مجلس يزيد.

* حبرٌ يهوديّ: لمّا سمع كلام الإمام زين العابدين عليه السلام، قال: «يا سبحان الله! ابن بنت نبيّكم قتلتموه، بئسما خلفّتموه في ذرّيته... سوأَةً لكم من أمّة». فغضب يزيد من قوله، وأمر بتنكيله، فقال الحبر: «إن شئتم فاقتلوني، إنّي وجدت في التوراة: مَن قتل ذرية نبيٍّ فلا يزال ملعوناً أبداً ما بقي، فإذا مات أصلاه اللهُ نار جهنم».

* شيخٌ من أهل الشام: لما جيء بالأسارى من آل النبيّ صلّى الله عليه وآله، أُقيموا على درج دمشق، فدنا منهم شيخٌ شاميّ، وقال: «الحمد لله الذي قتلكم وأستأصلكم»!

فقرأ الإمام زين العابدين على مسامعه آيات المودّة والقُربى وآية التطهير، وسأله إن كان يعرف فيمن نزلت، ثمّ قال له: «نحن أهل البيت الذين خصّهم الله بالتطهير».

فوقع الشيخ على قدَمي الإمام يقبّلهما ويقول: «أبرأ الى الله ممّن قتلكم». وبلغ يزيد فعل الشيخ وقوله: فأمر بقتله.

* مجموعة من الصحابة والتابعين، في مقدّمهم الصحابي أبو برزة الأسلمي: كان حاضراً في مجلس يزيد، فلمّا رأى أحوال السبايا ويزيد ينكت بالمخصرة رأس الحسين عليه السلام، قال: «أما أنّك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابنُ زياد شفيعك، ويجيء الحسين يوم القيامة ومحمّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شفيعه». فغضب يزيد منه وأمر به، فأُخرج سحباً.

* من داخل الأسرة الأموية: ضربت أمواج السخط أطناب البيت الأموي الحاكم، فيحيى بن الحكم اعترض على يزيد في مجلسه، وشتم ابن زياد أمامه.

وابنة يزيد، عاتكة، بادرت إلى رأس الإمام الحسين فطيّبته، وقالت نادبة: رأس عمّي. وكذلك زوجته، هند، لم تستطع كتمان ألمها واعتراضها.

هذا الاستياء الشامل أظهر ليزيد خطأ حساباته في تقدير ردود الفعل على جريمته العظمى، فبادر مضطراً إلى التنصّل من قتل الإمام الحسين عليه السلام، وتظاهر مرغماً بإكرام بقية السيف من أهل البيت عليهم السلام.

نهاية السلالة السفيانية

لا شكّ في أنّ نهضة الإمام الحسين عليه السلام، وما تبعها من المواقف النبويّة للإمام زين العابدين والسيّدة زينب عليهما السلام، في الكوفة والشام، طبعت واقع الأمّة الإسلامية ومستقبلها بطابعها التوحيديّ الذي لا زوال له ولا اضمحلال حتى يرث الله الأرض ومَن عليها.

مع ذلك، لا يُمكن التغاضي عن الآثار الآنية والمرحلية لمواقف آل بيت رسول الله في تلك الحقبة الحرجة من تاريخ الإسلام، فمن أبرز نتائج هذه النهضة المقدّسة أنها وضعت حدّاً لاستمرار السلالة السفيانية في غصب خلافة رسول الله. فبعد هلاك يزيد بن معاوية، آلَ المُلك إلى ولده معاوية، فأعلن تنديده بسياسة أبيه وجدّه، وخلع نفسه عن الحكم في خطبة تاريخية، كاد وقعها يُطيح بالحكم الأمويّ من جذوره، لولا تدارُك آل مروان للموقف بسلسلة تدابير قمعية، في مقدمها قتلُ معاوية الابن نفسه، ودفن مؤدّبه عمر المقصوص حيّاً بذريعة أنه الذي لقّنه حبّ آل أبي طالب، وبغّض إليه آل أبي سفيان. [انظر: «الملف» من هذا العدد]

ومن النتائج الأولية لنهضة سيّد الشهداء، أيضاً، ثورة التوّابين، وخروج المختار الثقفيّ، وثورة أهل المدينة، وسلسلة الثورات العلوية التي ابتدأت مع خروج زيد بن عليٍّ زينِ العابدين، ومن بعده ابنه يحيى، واستمرّت طوال الحقبة الأموية وشطراً طويلاً من الحقبة العباسية، وفي العصور المتأخّرة عنهما، وصولاً إلى الثورة الإسلامية في إيران، وهي بعضُ بركات سيد الشهداء عليه السلام، كما أكّد الإمام الخمينيّ: «كلّ ما عندنا من عاشوراء»، حتّى خروج «الطالب بدمِ المقتولِ بكربلاء» عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

فالسلامُ على الحسين سيّد الشهداء، يومَ وُلد، ويومَ استُشهد، ويومَ يُبعث حياً. رزقنا الله تعالى في الدنيا زيارته، وفي الآخرة شفاعته.

 

 

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات