الملف

الملف

منذ 5 أيام

ذكرى ميلاد النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم

 

خُلقت الأنوار كلّها من نوره

ذكرى ميلاد النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم

 

 

اقرأ في الملف

 

استهلال

الصلاة البتراء محجوبةٌ عن السماء

عقيدة الشيعة في النبوّة والنبيّ صلّى الله عليه وآله

إعداد: «شعائر»

التطاول على مقام النبوّة في مصنّفات الحديث

السيد مرتضى العسكري

الاحتفال بالمولد الشريف إحياءٌ للسنّة النبويّة    

الشيخ جعفر السبحاني

أصول السيرة النبوية وتطوّراتها في القرنين الأوّل والثاني

الشيخ محمّد هادي اليوسفي

الانتساب إلى رسول الله بحُسن الخُلق

الشيخ حسين كَوراني

الصلاة على النبيّ وآله فيضٌ من النور

السيد علي خان المدني الشيرازي

 

 

 

استهلال

لا يزال محجوباً حتّى يلحِق بي أهل بيتي

عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال:

قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ذات يوم لأمير المؤمنين:

ألا أبشّرك؟

قال: بلى بأبي أنت وأمّي، فانّك لم تزل مبشِّراً بكلّ خير.

فقال: أخبرني جبرئيل آنفاً بالعجَب.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: وما الَّذي أخبرك يا رسول الله؟

قال: أخبرني أنّ الرّجل من أمّتي إذا صلَّى عليّ، فأتبَع بالصّلاةِ على أهل بيتي، فُتِحت له أبوابُ السّماء، وصلَّت عليه الملائكةُ سبعين وأنّه لمذنبٍ خطَأ (خاطئ)، ثمّ تُحاتّ عنه الذّنوبُ كما يَتَحاتُّ الورقُ من الشّجر،

ويقول الله تعالى: لبّيك عبدي وسَعديكَ، يا ملائكتي أنتم تصلُّون عليه سبعين صلاةً

وأنا أصلِّي عليه سبعُمائة صلاة.

فإذا صلَّى عليّ ولم يُتبِع بالصّلاة على أهل بيتي كان بينها وبين السّماء سبعون حجاباً، ويقول الله جلّ جلالُه:

لا لبّيك ولا سَعديك، يا ملائكتي لا تُصعِدوا دعاءه إلَّا أن يُلحق بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عترته،

فلا يزال محجوباً حتّى يلحِق بي أهل بيتي.

(وسائل الشيعة: 7/204)

 

 

رحمةُ الله التي وسعتْ كلّ شيء

عقيدة الشيعة في النبوّة والنبيّ صلّى الله عليه وآله

  • إعداد: «شعائر»

* يشكّل حُسن الاعتقاد بمكانة النبيّ الأعظم، المدخلَ الطبيعيّ والحصريّ للـتأسيّ به صلّى الله عليه وآله، وهو الموصِل إلى مدارج الكمال بحسب سعة المتأسّي وعلوّ همّته في سلوك هذا الطريق.

بين يدي القارئ مقتطفات ممّا أثبته ثلاثة من أعلام فقهاء الإمامية، تحت العناوين المتّصلة بعقائد المسلمين الشيعة في النبوّات، لا سيّما نبّوة سيّدنا ومولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، نوردها نقلاً عن  مصنّفاتهم، مع الإشارة إلى أننا اقتصرنا على موضع الشاهد من عباراتهم، مرفقة بذكر مصدر كلٍّ منها.

 

الشيخ المفيد، محمّد بن محمّد النعمان البغدادي، المتوفّى سنة 413 هجرية، نقلاً عن كتابيه (أوائل المقالات) و(تصحيح اعتقادات الإمامية).

حقيقة النبوّة

* اتّفقت الإمامية على أنّ العقل محتاجٌ في علمه ونتائجه إلى السمع، وأنّه غير منفكّ عن سمعٍ ينبّه العاقل على كيفية الاستدلال، وأنّه لا بدّ في أوّل التكليف وابتدائه في العالم من رسول. (المقالات: ص 44)

* النبوّة تفضّل من الله تعالى على مَن اختصّه بكرامته لعلمه بحميد عاقبته، واجتماع الخلال الموجبة في الحكمة بنبوّته في التفضيل على من سواه. فأمّا التعظيم على القيام بالنبوّة والتبجيل وفرض الطاعة فذلك يستحقّ بعلمه الذي ذكرناه. (ص 63)

* اتّفقت الإمامية على أنّ أنبياء الله عزّ وجلّ ورسله من البشر أفضلُ من الملائكة. (ص 49)

* إنّ رسل الله تعالى من البشر وأنبياءه والأئمّة من خلفائه مُحْدثون مصنوعون، ويحلّ بهم الموت... وأمّا أحوالهم بعد الوفاة، فإنّهم يُنقلون من تحت التراب فيسكنون بأجسامهم وأرواحهم جنّة الله تعالى، فيكونون فيها أحياء يتنعّمون... يستبشرون بمَن يلحق بهم من صالحي أممهم وشيعتهم، ويلقونه بالكرامات، وينتظرون من يرِدُ عليهم من أمثال السابقين من ذوي الديانات، وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، والأئمّة من عترته خاصة، لا يَخفى عليهم، بعد الوفاة، أحوال شيعتهم في دار الدنيا بإعلام الله تعالى لهم ذلك حالاً بعد حال، ويسمعون كلام المناجي لهم في مشاهدهم المكرّمة العظام بلطيفةٍ من لطائف الله تعالى بينهم [ينبّئهم] بها من جمهور العباد، وتبلغهم المناجاة من بُعد كما جاءت به الرواية، وهذا مذهب فقهاء الإمامية كافّة وحمَلة الآثار منهم، ولست أعرف فيه لمتكلّميهم من قبل مقالاً. (ص  72)

آباء النبيّ

اتّفقت الإمامية على أنّ آباء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، من لدنْ آدم إلى عبد الله بن عبد المطّلب، مؤمنون بالله عزّ وجلّ، موحّدون له. واحتجّوا في ذلك بالأخبار والقرآن. قال الله عزّ وجلّ: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾. [الشعراء:218-219]

وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لمْ يَزلْ يَنقلُني من أصلابِ الطّاهرينَ، إلى أرحامِ المُطهّراتِ حتّى أخرجَني في عالَمِكم هذا». فدلّ على أنّ آباءه كلّهم كانوا مؤمنين، إذ لو كان فيهم كافرٌ لمَا استحقّ الوصف بالطهارة، لقول الله تعالى: ﴿..إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ..﴾ [لتوبة:28]، فحَكَم على الكفّار بالنجاسة، فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بطهارة آبائه كلّهم ووصفهم بذلك، دلّ على أنّهم كانوا مؤمنين.

وأجمعوا على أنّ عمّه أبا طالب رحمه الله مات مؤمناً، وأنّ آمنة بنت وهب كانت على التوحيد، وأنّها تُحشر في جملة المؤمنين. (المقالات: ص 45؛ الاعتقادات: ص 139)

العصمة

* إنّ نبيّنا محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم، ممّن لم يعصِ الله عزّ وجلّ منذ خلقه الله عزّ وجلّ، إلى أن قبضه، ولا تعمّد له خلافاً، ولا أذنب ذنباً على التعمّد ولا النسيان، وبذلك نطق القرآن وتواتر الخبر عن آل محمّدٍ عليهم السلام، وهو مذهب جمهور الإمامية.... (ص 62)

* العصمة من الله تعالى لحُجَجه هي التوفيق، واللطف، والاعتصام من الحُجج بها [بهما] عن الذنوب... والعصمة تفضّلٌ من الله تعالى... وهي الشيء الذي يعلم الله تعالى أنّه إذا فعله بعبدٍ من عبيده لم يُؤْثِر معه معصيته له، وليس كلّ الخلق يُعلم هذا من حاله، بل المعلوم منهم ذلك هم الصفوة والأخيار. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾. [الأنبياء:101]

وقال سبحانه: ﴿وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾. [ص:47]

وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾. [الدخان:32]

(المقالات: ص 128)

الشفاعة

* اتّفقت الإمامية على أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، يشفع يوم القيامة لجماعة من مرتكبي الكبائر من أمّته... (ص 47)

* إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يشفع يوم القيامة في مذنبي أمّته من الشيعة خاصّة، فيُشفّعه الله عزّ وجلّ... وعلى هذا القول إجماع الإمامية، إلّا مَن شذّ منهم... (ص 79)

***

الفقرة الآتية، مختصر ما ذكره الفقيه الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت: 1228 هـ) حول عقيدة النبوّة في كتاب (العقائد الجعفرية)، الذي صدّر به موسوعته الفقهية (كشف الغطاء).

 

علّة الإيجاد

النبيّ المبعوث إلينا، صلّى الله عليه وآله، والمفروض طاعتُه من الله علينا، أعلى الأنبياء قدراً، وأرفع الرُّسل في الملأ الأعلى ذِكراً، الذي بَشّرت الرسُل بظهوره، وخُلِقت الأنوار كلَّها بعد نوره، علّة الإيجاد، وحبيب ربّ العباد، محمّد المختار صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأحمد صفوة الجبّار، ذو المعجزات الباهرة، والآيات الظاهرة: كانشقاق القمر، وتظليل الغمام، وحنين الجِذع، وتسبيح الحصى، وتكليم الموتى... ونزول المطر عند استسقائه... وإخباره بالمغيّبات، كإنبائه عن العترة الطاهرة، واحداً بعد واحد، وما يجري عليهم من الأعداء في وقعة كربلاء وغيرها... وإخبار الأحبار عنه عليه السلام قبل ولادته بسنين وأعوام.

ومن ذلك ما ظهر له من الكرامات عند ميلاده... وتهنئة أمّه من جهة السماء، وما ظهر لها من الكرامات حين الحمل. وكفى بكتاب الله معجزاً مستمرّاً مدى الدهر...

على أنّ في النظر في أخلاقه الكريمة وأحواله المستقيمة كفايةً لمَن نظر، وحجّة واضحة لمَن استبصر، ككثرة الحِلم، وسَعة الخُلق، وتواضع النفس، والعفو عن المسيء، ورحمة الفقراء، وإعانة الضعفاء، وتحمّل المشاقّ، وجمع مكارم الأخلاق...

وتجب معرفة عصمته بالدليل، ويكفي فيه أنّه لو جاز عليه الخطأ والخطيئة لم يبقَ وثوقٌ بإخباره، ولا اعتماد على وعده ووعيده، فتنتفي فائدة البعثة... وكان كما وصفه ولده الباقر عليه السلام: «..لم يُرَ مثلَ نبيّ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قبلَه ولا بعدَه».

(المصدر:1/53 – 58)

***

من كتاب (الفردوس الأعلى) للفقيه الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء المتوفّى 1373 هجرية، هذا المقتطف من إجابته عن سؤال حول معنى «العقل» وماهيّته.

العقلُ الأوّل

اعلم أنّ المراد من العقول هي الموجودات المقدّسة، والجواهر الخالصة المنزَّهة من شَوب المادّة والمادّي، والجسم والجسمانيّ. ومعروفٌ أنّ العقل هو الجوهر المجرّد في ذاته وفي فعله. واتّفق الحكماء بالأدلّة والبراهين المحكمة، كقاعدة «إمكان الأشرف» وغيرها: أنّ العقول أوّل الموجودات، ومبدأ الصوادر، ووسائطُ الفيض...

وبيان ذلك إجمالاً هو: بحكم القاعدة المبرهنة في محلّها، وهي أنّ (الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد) لا بدّ وأن يكون الصادر الأوّل من الواحد البسيط من جميع الجهات، هو الواحد. ولمّا كان الحقّ سبحانه واحداً من جميع الجهات، وبسيطاً من كلّ الحيثيات، فلا بدّ وأن يكون الصادر الأوّل من ذاته الأحدية العقل الأوّل. والأحاديث الشريفة عند الفريقين متواترة، وفي كتاب (الكافي) وغيره من الجوامع الحديثية مرويّة من أنّ «أوّل ما خلقَ اللهُ العقلَ، فقال له: أقبِل..» إلخ، وهذا العقل الأوّل عبارة عن مرتبة العقل المحمّديّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولهذه الجهة قال صلّى الله عليه وآله: «أوّل ما خلَق اللهُ نوري»، فلا تنافي بين هذين الحديثين، وهذا العقل الأوّل هو الذي يعبَّر عنه في لسان الشرع المقدّس بالعبارات المختلفة؛ فهو العقل الأوّل، والحقيقة المحمّدية، ونور محمّدٍ وآله، ورحمتُه التي وسعت كلّ شيء. (ص 31)

 

قبل الرسوم المسيئة بقرون

جريمة التطاول على مقام النبوّة في مصنّفات الحديث

  • العلامة السيّد مرتضى العسكري

* في الجزء الأول من كتابه القيّم (معالم المدرستين)، يؤكّد السيد مرتضى العسكري ضمن قراءة مسهبة، أن الوحدة بين المسلمين لن يُكتب لها النجاح، إلّا بتتبّع العناوين الخلافية بين المسلمين الشيعة والسنّة، ومن ثمّ التباحث في شأنها ضمن إطار علمي هادئ.

ومن جملة العناوين الخلافية التي طرحها رضوان الله عليه، هي النظرة إلى النبوّات، وتحديداً النظرة إلى موقع «النبيّ صلّى الله عليه وآله»، ففي حين لا تجوّز الشيعة -والعياذ بالله- على رسول الله شيئاً من النقائص، فضلاً عن المعاصي، لا قبل النبوّة ولا بعدها، نرى أن مصنّفات سائر المسلمين مشحونة بالنقائض عند حديثها عن رسول الله صلّى الله عليه وآله. فهي، على سبيل المثال، تجوّز التبرّك بآثاره، والتوسّل به، وتقرّ بشفاعته لأصحاب الكبائر من أمّته، لكنّها في الوقت نفسه تنسب إلى ساحته المقدّسة ما لا يليق برجلٍ من عامّة المسلمين.

ثم يطرح السيد العسكري، التساؤل التالي: «مع صراحة النّصوص المتواترة حول بعض صفات الأنبياء (الكماليّة)، كيف نشأ الخلاف حولها؟»، هذه المقالة، هي مختصر جوابه رضوان الله عليه، عن السؤال أعلاه.

«شعائر»

 

الجواب: أنّا إذا أنعمنا النظر في روايات جمّة أخرى رُويت في انتقاص شأن الأنبياء، وانتشرت في كُتب الحديث، واللّاتي تنزّل منزلة الأنبياء عن مستوى سائر الناس، وجدنا أنّها هي الّتي تكوّن للمعتقِد بصحّتها رؤية خاصّة تناقض محتوى الأحاديث الآنفة. ولئلاّ يطول بنا المقام، نكتفي في ما يأتي بالإشارة إلى بعض ما رُوي بشأن خاتَم الأنبياء وأفضل المرسلين صلّى الله عليه وآله، ففيه كفاية لمن أراد أن يتدبّر ويتبصّر. منها:

1) ما رواه البخاري في صحيحه: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم قبل أن ينزل عليه الوحي قدّمَ إلى زيد بن عمرو بن نفيل سفرةً فيها لحم، فأبى أن يأكل منها، ثمّ قال زيد: إنّي لا آكلُ ممّا تذبحون على أنصابكم، ولا آكُل إلاّ ممّا ذُكر اسمُ الله عليه‌».

* زيد بن عمرو بن نفيل، وهو ابن عمّ (فلان)، كان أتقى لله من رسوله صلّى الله عليه وآله، يمتنع من أكل ما ذُبح على الأصنام، بينما يأكله رسول الله!

2) روى البخاري ومسلم: «أنّ جبرئيل لمّا نزل بآيات سورة (العلق)، رجع النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى بيته ترجف بوادُره، فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل، وكان امرأً تنصّر في الجاهلية، فأخبره رسولُ الله خبرَ ما رآه. فقال ورقة: هذا الناموس الّذي أُنزل على موسى..».

* إذاً، فإنّ ورقة النصراني كان أدرى بالوحي وجَبرئيل من رسول الله الّذي خُوطب بالوحي، ومن كلام ورقة اطمأنّ النبيّ إلى مصيره، وإلّا فإنّه كان يريد أن يُلقي بنفسه من حالقِ جبل، بحسب ما رواه ابن سعد في (طبقاته)!

3) روى البخاري ومسلم وقالا: «إنّ رسول الله كان يغضب فيلعن ويسبّ ويؤذي مَن لا يستحقّها، ودعا الله أن يجعلها لمن بدرتْ منه إليه زكاةً وطهوراً».

4) ورويا أيضاً: «إنّ بعض اليهود سحر رسول الله حتّى يخيّل إليه أنّه يفعل الشي‌ء، وما فعله»!‌

* رسول الله، كسائر الناس، بزعمهم، لا يعصمه الله من عبَث اليهود وسِحرهم، وهو يغضب ويلعن ويسبّ من لا يستحقّ، والعياذ بالله!‌

5) ورويا أيضاً: «أنّ رسول الله استمع إلى غناء جوارٍ من الأنصار فنهرهنّ فلان»!

6) وروى مسلم: «أنّ جارية سوداء ضربت بالدفّ وغنّت بين يدَي رسول الله... فدخل فلان، فألقت الدفّ... ثمّ قعدت عليها، فقال رسول الله: إنّ الشيطان لَيخاف منك يا (فلان)»!

* (فلان) و(فلان) كانا أكثر تجنّباً للّهو واللّغو من رسول الله صلّى الله عليه وآله!!

7) روى البخاري ومسلم في (صحيحيهما): «عن عائشة، أنّ النبيّ سمع رجلاً يقرأ في المسجد، فقال: رحمه الله، أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها من سورة كذا»!

ولمّا كانت أحاديث «الصّحاح» هذه، وأشباهها، تكوّن رؤية تنزّل من مستوى الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله، عن مستوى الإنسان العاديّ -لا سيّما الخبر المختلق في قصّة الغرانيق التي تُرتجى شفاعتها بزعم عددٍ من الرواة- ويمكن من خلالها إلقاء الشبهات في الوحي والقرآن، استند المستشرقون من مبشّري النصارى في دراساتهم للإسلام إلى هذه الأحاديث، وأهملوا حديث المعصومين من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله.

فمَن آمن بصحّة الأحاديث المذكورة آنفاً، تتكوّن له رؤية تناقض محتوى الأخبار التي تتناول ما خصّ الله به خاتَم أنبيائه، وميّزه عن سائر الناس بفضائل جمّة.

يبقى، أنّ ما تقدّم ذكره، هو نموذج عن محاولات السّلطات الحاكمة رفع مقام الصحابة -لا سيّما مَن حكم منهم- في أنظار المسلمين على مقام النبوّة، ونذكر هنا منها مثالاً واحداً من سيرة الحجّاج بن يوسف الثقفي، والي عبد الملك بن مروان على العراق، إذ خطب في الكوفة فذكر الذين يزورون قبرَ رسول الله صلّى الله عليه وآله بالمدينة، فقال: «تبّاً لهم! إنّما يطوفون بأعوادٍ ورِمّةٍ بالية! هلاّ طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك! ألا يعلمون أنّ خليفة المرء خيرٌ من رسوله؟»!!

وإنّ الّذي نجده من اتّجاه بعض المسلمين في القرون المتأخّرة من تهوين أمر الرسول صلّى الله عليه وآله، إنْ هو إلّا نتيجة لتلك المحاولات على مدى القرون، سواء في ما رووا من روايات هي دون منزلة رسول الله صلّى الله عليه وآله، أم في ما أوّلوا من آيات القرآن، وغير ذلك من أعمالهم في توجيه المسلمين إلى ما أرادوا، ومنها إنكارهم على من احتفل بذكرى ميلاد الرسول صلّى الله عليه وآله.

 

علامة على صِدق الانتساب لرسول الله

الاحتفال بالمولد الشريف إحياءٌ للسنّة النبويّة

  • المرجع الديني الشيخ جعفر السبحاني

 * لقد طال النزاع في الآونة الأخيرة عن طريق وسائل الإعلام وغيرها حول جواز الاحتفال بمولد النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقد رفع بعضهم، لا سيّما الفرقة الوهّابيّة المنحرفة، شعار البِدعة فيه، بينما يُجمع المسلمون أنّ إحياء كلّ ما يمتّ بِصِلة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله من أروع مصاديق إحياء سُنّته الشريفة. وإليك دراسة الموضوع في ضوء الأدلّة، مقتبسة بتصرّف عن كتاب (في ظلال التوحيد) للمرجع الديني الشيخ جعفر السبحاني.

«شعائر»

 

 

ما فتئت سيرة المسلمين، منذ الصدر الأول وحتى يومنا هذا، قائمةٌ على تقديس النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله، بأعظم آيات التبجيل، والاحتفال بأيامه كافّة، واعتبارها أعياداً بالمعنى الأعمّ للكلمة. فقد سُئل صلّى الله عليه وآله عن صيام يوم الاثنين، فقال –كما في صحيح مسلم: «ذاك يومٌ وُلِدتُ فيه، وفيه أُنزلَ عليّ». ما دلّ -وغيره كثير- على أن ليوم مولده المبارك خصوصية تنسحب على سائر المناسبات الكبرى في حياته الشريفة: كيوم البِعثة، والهجرة، والإسراء والمعراج، وغيرها.

لقد احتفل المسلمون حِقباً وأعواماً، بذكرى المولد النبويّ، في جميع أمصار العالم الإسلاميّ، من دون أن يعترض عليهم أحدٌ من الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، وقد تحقّق الإجماع على جواز هذه الاحتفالات، بل استحبابها المؤكّد، قبل أن يولَد باذرو الشكوك، كابن تيميّة وشيوخ الوهابية، وأضرابهم من رؤوس الضلال الانحراف.

حبّ رسول الله من أصول العقيدة

الحبّ والبغض خلّتان تتواردان على قلب الإنسان، تشتدّان وتضعفان، ولنشوئهما واشتدادهما أو ضعفهما عوامل وأسباب. ولا شكّ أنّ حبّ الإنسان لذاته من أبرز مصاديق الحبّ، وهو أمر بديهيّ لا يحتاج إلى البيان، ومن هذا المنطلق حبُّ الإنسان لما يرتبط به أيضاً، فهو كما يحبّ نفسه يحبّ كذلك كلّ ما يمتّ إليه بِصلة، سواء كان اتصاله به جسمانياً كالأولاد والعشيرة، أو معنوياً كالعقائد والأفكار والآراء، وربّما يكون حبّه للعقيدة أشدّ من حبّه لأبيه وأمّه، فيذّب عن حياض العقيدة بنفسه ونفيسه، وتكون العقيدة أغلى عنده من كلّ شي‏ء، حتّى نفسه التي بين جَنبيه.

فإذا كانت للعقيدة هذه المنزلة العظيمة، تكون لمؤسّسها والدعاة إليها منزلة لا تقلّ عنها؛ إذ لولاهم لما قام للعقيدة عمود، ولا اخضرّ لها عود.

 

 

 

ولوجود هذه الأرضية في النفس الإنسانية والفطرة البشرية، تضافرت الآيات والأحاديث على لزوم حبّ النبيّ وكلّ ما يرتبط به، وليست الآيات إلاّ إرشاداً إلى ما تُوحي فطرة الإنسان إليه.

قال سبحانه: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. [الأعراف:157]

والمراد من «تعزيره»، في الآية، توقيره وتكريمه وتعظيمه، بما أنّه نبيّ الرحمة والعظَمة، ولا يختصّ تعزيره وتوقيره صلّى الله عليه وآله بحال حياته، بل يعمّها وغيرها، تماماً كما أنّ الإيمان به والتبعيّة لكتابه لا يختصّان بحال حياته الشريفة.

وقد ورد عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أشدّ أُمّتي لي حبّاً قومٌ يكونونَ بَعدي، يوَدُّ أحدُهُم أنّهُ فَقَدَ أهلَه ومالَه وأنّه رآني».

تجليّات المودّة لرسول الله

ليس الحبّ شيئاً يستقرّ في صقع النفس من دون أن يكون له انعكاسٌ خارجيّ على أعمال الإنسان وتصرّفاته، بل إنّ من خصائص الحبّ أن يظهر أثره على جسم الإنسان وملامحه، وعلى قوله وفعله، بصورة مشهودة وملموسة. فحبّ الله ورسوله الكريم لا ينفكّ عن اتّباع دينه، والاستنان بسنّته، والإتيان بأوامره والانتهاء عن نواهيه.

ولا يقتصر أثر الحبّ على ما تقدّم، بل له آثار أُخرى في حياة المحبّ، فهو يزور محبوبه ويُكرمه ويعظمه ويزيل حاجته، ويذبّ عنه، ويدفع عنه كلّ كارثة، وإذا كان المحبوب ميتاً أو مفقوداً حزن عليه أشدّ الحزن، وأجرى له الدموع. كما فعل النبيّ يعقوب عليه السلام، عندما افتقد ولده الحبيب يوسف عليه السلام، فبكاه حتّى ابيضّت عيناه من الحزن.

بل يتعدّى أثر الحبّ عند فقد الحبيب وموته هذا الحدّ، فنجد المحبّ يحفظ آثار محبوبه، وكلّ ما يتّصل به، ويحتفل كلّ عام بميلاده وذكرى موته، ويُكرمه ويعظمه حبّاً به ومودّة له.

إلى هنا ثبت، أنّ حبّ النبيّ وتكريمه أصلٌ من أصول الإسلام لا يصحّ لأحد إنكاره، ومن المعلوم أنّ المطلوب ليس الحبّ الكامن في القلب من دون أن يُرى أثره على الحياة الواقعية، وعلى هذا يجوز للمسلم، القيام بكل ما يعدّ مظهراً لحبّ النبيّ، شريطة أن يكون عملاً حلالاً بالذات ولا يكون منكَراً في الشريعة، نظير:

1) تنظيم السنّة النبوية، وإعراب أحاديثها وطبعها ونشرها.

2) تأليف الكتب المختصرة والمطوّلة حول حياة النبيّ وعترته، وإنشاء القصائد في حقّهم، كما فعل المسلمون الأوائل.

3) تقبيل كلّ ما يمتّ إلى النبيّ بِصِلة: باب داره، وضريحه، وأستار قبره المنوّر، انطلاقاً من مبدأ الحبّ الذي عرفت أدلّته.

4) إقامة الاحتفالات في مواليدهم، شريطة أن لا تقترن بالمنهيات والمحرّمات.

ويُرشدك إلى أنّ هذه الاحتفالات تجسيدٌ لتكريم النبيّ، وجدانُك الحرّ، فإنّه يقضي بلا مِرية على أنّها إعلاءٌ لمقام النبيّ وإشادة بكرامته وعظَمته، بل يتلقّاها كلّ مَن شاهدها عن كثب، على أنّ المحتفلين يوقّرون نبيّهم ويكْرمونه ويرفعون مقامه اقتداءً بقوله سبحانه: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾.

قال شهاب الدين القسطلانيّ -وهو من فقهاء الشافعية ومحدّثيهم في القرن العاشر- في كتابه (المواهب اللدنيّة:1/148): «ولا زال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده عليه السلام، ويعملون الولائم، ويتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويُظهرون السرور، ويزيدون في المبرّات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كلّ فضلٍ عظيم... فرحم الله امرأً اتّخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً، ليكون أشد عِلّةً على مَن في قلبه مرض، وأعيا داءً».

 

قراءة في (سيرة ابن إسحاق) و(مغازي الواقدي)

أصول السيرة النبوية وتطوّراتها في القرنين الأوّل والثاني

  • العلامة الشيخ محمّد هادي اليوسفي

* لا شكّ في الاهميّة الكُبرى التي كانت لأقوال النبيّ صلّى الله عليه وآله وأعماله في حياته، وأكثر منها بعد وفاته. ومن الطبيعي أنْ تورِث هذه الأهمّية عنايةً بتدوين تفاصيل حياته وجمْع الأخبار والأحاديث عنه صلّى الله عليه وآله، وطبيعي أيضاً، أن يكون بعض الصحابة قد تفوَّق على أقرانه في علمه بسيرته ومغازيه.

المقالة أدناه، مختصر لما أورده المحقّق الشيخ محمّد هادي اليوسفي في الجزء الأوّل من كتابه (موسوعة التاريخ الإسلامي) في التعريف بأشهر مَن كتب في سيرة النبيّ صلّى الله عليه وآله.

«شعائر»

 

 

أوّل من صنّف في السيرة النبوية هو عُروة بن الزبير بن العوّام (ت: 92 هـ)... ثمّ تنبّه إلى جمع أخبارها والتحديث بها وهب بن منبّه اليمني (ت: 110 هـ)، ثمّ عاصم بن عمر بن قتادة (ت: 120 هـ)، ثمّ (جماعة من التابعين وتابعيهم)، ثمّ محمّد بن إسحاق بن يسار المدني (ت: 153 هـ)، ثمّ راويته زياد بن عبد الملك البَكّائي (ت: 183 هـ)، ثمّ محمّد بن عمر بن واقد المعروف بالواقدي صاحب كتاب المغازي (ت: 207 هـ)، ثمّ راوية ابن زياد البكّائي عن ابن إسحاق: عبد الملك بن هِشام الحِمْيَري اليمني البصري (ت: 218 هـ).

ولم يصلنا من كُتب هؤلاء شيء سوى (سيرة ابن إسحاق) برواية ابن هشام عن البكّائي عن ابن إسحاق، و(مغازي الواقدي).

وإلى جانب هؤلاء ظهر مَنْ لم يقتصر على أخبار سيرة الرسول صلّى الله عليه وآله، بل جمع إليها أخبار الجاهليّة قبل الأسلام، ثمّ أخبار الخُلفاء بعده، أو جمع أخبار بعض الخُلفاء، أو الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام فقط، فكانوا مؤرّخين بالمعنى العامّ. منهم: أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي الكوفي (ت: 157 هـ)، ومحمّد بن جرير الطبري (ت: 310 هـ).

الأثر الباقي في السيرة

عرفنا أنّ الكتابة في سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله كانت قد حصلت في التابعين وتابعي التابعين، ولكنّها لم تكن كثيرة، بل لا تعدو أن تكون صُحفاً فيها بعض الأخبار عن سيرة المختار صلّى الله عليه وآله.

أمّا الكتاب الذي كُتبتْ له الموفّقيّة والنجاح وشهرة الاعتماد والوثوق فهو (سيرة محمّد بن إسحاق)، التي ألـّفها في أوائل أيـّام العبّاسيّين. ثمّ أصبح ابن إسحاق في الحقيقة عُمدة المؤلّفين في السيرة، فما من كاتب في هذا الباب إلّا وهو مستمدّ منه وراوٍ عنه، اللهمَّ إلاّ ما نأتي عليه من (مغازي) الواقدي ورواية كاتبه ابن سعد عنه، وما رُوي عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

 

عمل ابن هشام في سيرة ابن إسحاق

بعد نحو نصف قرنٍ من وفاة ابن اسحاق، جاء عبد الملك بن هشام الحِمْيَري البصري، فروى سيرة ابن إسحاق برواية زياد بن عبد الملك البكّائي، ولكنّه لم يروها كما هي، بل تناولها بكثير من التمرير والاختصار والإضافة والنقد أحياناً، والمعارضة بروايات أُخر لغيره، عبَّر عن أعماله هذه بقوله في صدر سيرته: «وأنا إن شاء الله مبتدئ هذا الكتاب بذكر إسماعيل بن إبراهيم، ومَن ولَد رسولَ الله من وُلده... وتاركٌ ذكر غيرهم من وُلد إسماعيل للاختصار... وتاركٌ بعض ما يذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب ممّا ليس لرسول الله فيه ذكر ولا نزل فيه من القرآن شيء، وليس سبباً لشيء من هذا الكتاب ولا تفسيراً له ولا شاهداً عليه، لما ذكرت من الاختصار، وأشعاراً ذكرها لم أرَ أحداً من أهل العلم بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها يشنع الحديث به (!) وبعض يسوء بعضَ الناس ذكرُه (!) وبعض لم يُقرّ لنا البكّائي بروايته (!) ومُستَقْصٍ ما سوى ذلك منه».

إذاً فقد أسقط ابن هشام من عمل ابن إسحاق: تأريخ الأنبياء من آدم إلى إبراهيم عليهما السلام، ومِن وُلد إسماعيل مَن ليس في عمود النسب النبويّ الشريف، كما حذف من الأخبار ما يسوء بعض الناس! ومن الشعر ما لم يثبت لديه. ولكنّه زاد فيه ما ثبت لديه، ولذلك نُسبت السيرة إليه وعُرفت به، حتّى لا يكاد يُذكر ابن إسحاق معه، فقد عُرفت (سيرة ابن إسحاق) بين العلماء منذ عهدٍ بعيد باسم (سيرة ابن هشام)، لما له فيها من رواية وتشذيب.

مغازي الواقدي

أمّا الواقدي محمّد بن عمر بن واقد، فقد ذكر تلميذه ابن سعد في (الطبقات الكبرى) أنـّه وُلد في المدينة سنة 130 أي بعد خروج ابن إسحاق منها بخمسة عشر عاماً، ولذلك لم يَرْوِ عنه.

وكثيراً ما يقدِّم لنا الواقدي قصّة الواقعة بإسنادٍ جامع، وإنّ ما أورده في الكتاب من التفاصيل الجغرافيّة لَيوحي بجهده ومعرفته للدقائق في الأخبار التي جمعها في رحلته إلى شرق الأرض وغربها طلباً للعلم. وقد رُوي عنه قوله: «ما أدركتُ رجلاً من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء ولا مولىً لهم إلّا سألته: هل سمعتَ أحداً من أهلك يُخبرك عن مشهده وأين قُتل؟ فإذا أعلمني مضيتُ إلى الموضع فأعاينه، وما عَلِمتُ غزاةً إلّا مضيت إلى الموضع فأعاينه، حتّى لقد مضيتُ إلى (المريسيع) فنظرت إليها».

وعن هارون الغرويّ، قال: «رأيت الواقديّ بمكّة ومعه رَكْوَة فقلت: أين تريد؟ قال: أريد أن أمضي إلى حُنين، حتّى أرى الموضع والوقعة».

وقال عنه ابن النديم في الفهرست: «كان عنده غلامان يعملان ليلاً ونهاراً في نسخ الكُتب».

حول تشيّع الواقدي وابن اسحاق

قال ابن النديم في (فهرسته) عن الواقدي: «كان يتشيّع، حسن المذهب، يلزم التقيّة، وهو الذي روى أن عليّاً  عليه السلام كان من معجزات النبيّ صلّى الله عليه وآله؛ كالعصا لموسى وإحياء الموتى لعيسى بن مريم عليهما السلام..».

ونقل هذا القول عنه السيّد الأمين العاملي صاحب (أعيان الشيعة) وترجم له. وكذلك ذكره آقا بزرك الطهراني في (الذريعة)، بينما لم يذكره الشيخ الطوسي في (فهرسته) ولا (رجاله) ولا ذكر كتاباً من كُتبه، حتّى (مقتل الحسين عليه السلام).

ومن الطريف أن يلاحَظ أنّ ابن إسحاق أيضاً كان يُنسَب إلى التشيّع. ولعلّ السبب في وصفهما بالتشيّع لا يرجع إلى عقيدتهما الشخصيّة، بل إلى ما ورد في كتابيهما من الأخبار التي يعرضانها ممّا تقتضيه طبيعة التأليف في مثل هذه الموضوعات، لا عن عقيدة صحيحة بها، وإلى ما أورداه في بعض المواضع من كتابيهما بشأن جماعة من الصحابة، منهم بعض الخلفاء، فيذكرانهم بعبارات لا تضعهم في الموضع المعتبر لهم عند فريقٍ من المسلمين.

والعجيب أنـّك لا تجد شيئاً من هذا التشكيك في عبد الملك بن هشام الحِميري، مهذِّب سيرة ابن إسحاق، فلو كان العيب في هذا الباقي من سيرة ابن إسحاق لشمل الشكّ ابن هشام أيضاً. وعندئذ نطمئنّ إلى أنّ العيب ليس في هذا الباقي، بل في ما قال عنه ابن هشام: «..وتاركٌ بعض ما يذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب... أشياء بعضُها يشنعُ الحديث به، وبعضٌ يسوءُ بعضَ الناس ذِكرُه...».

ونحن إذا استثنينا هذين «المتّهمين» بالتشيّع، لم يبقَ لعامّة المسلمين شيءٌ يُذكر في السيرة ولا المغازي.

 

تدوين السنّة النبويّة

  • أحمد حسين يعقوب*

الكتابة والتدوين من الأمور المألوفة في كلّ مجتمع، ومن أبرز المظاهر الحضارية التي تسالمت على ضرورتها المجتمعات البشرية. ومن المتّفق عليه بين المؤرّخين أن تدوين السنّة النبويّة كان أمراً مألوفاً ومستقرّاً وشائعاً في أواسط المسلمين أيامَ حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله.

روى سُليم بن قيس الهلاليّ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «كنتُ إذا سألت رسولَ الله أجابني، وإن فَنيتْ مسائلي ابتدأني، فما نزلتْ عليه آيةٌ... إلّا أقرأَنيها وأملاها عَلَيّ وكتبتُها بيدي... فما نسيتُ آيةً من كتابِ الله، ولا عِلماً أملاه عَلَيّ وكتبتُه..».

وأنجز أمير المؤمنين مهمّة تدوين السنّة الطاهرة، وجُمعت في صحيفة طولها سبعون ذراعاً، بخطّ عليّ وإملاء الرسول، يتوارثها الأئمّة من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله.

وفيما عهد رسول الله إلى أمير المؤمنين بكتابة سنّته وتدوينها، أمر في الوقت نفسه كلّ قادرٍ، بالكتابة والتدوين. فكان الرجل من المسلمين يمتلك مدوّنة أو أكثر تتضمّن شيئاً من حديث النبيّ صلّى الله عليه وآله.

روى البخاري أنّ رجلاً من أهل اليمن قال: أُكتب لي يا رسول الله. فقال النبيّ: «أكتبوا لأبي فلان».

وروى الترمذي أنّ رجلاً من الأنصار كان يجلس إلى النبيّ فيسمع منه الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبيّ، فقال له: «استعِن بيمينك»، وأومأ بيده، أي خُطّ.

لكن بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله، شرع «الأمر الواقع» في عملية إبادة الإرث النبويّ، ومنه سُنّته المدوّنة، فرفعت «دولة بطون قريش» شعار «لا كتابَ مع كتاب الله»!

قال عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبوه من أركان دولة بني أمية: «كنتُ أكتب كلّ شيءٍ أسمعه من رسول الله، أريد حِفظَه، فنهتني قريش»!

كما أن (فلان) نفسه كتب بيده خمسمائة حديث، لكنه عمد إلى إحراقها بعد وفاة الرسول عملاً بتوجّهات دولة بطون قريش.

وقال ابن سعد في طبقاته: «إنّ أحاديث رسول الله قد كثرت على عهد (فلان)، فناشد الناس أن يأتوه بها، فلمّا أتوه بها أمر بحرقها»، وحُرقت فعلاً..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث إسلامي من الأردن

 

مفتاحُه حُسن الخُلق والرِّفق بالناس

الانتساب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله

  • الشيخ حسين كَوراني

* «نقرأ في الدعاء: (اللّهمّ كما آمنتُ بمحمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم أرَه، فعرِّفْني في الجِنان وجهَه). إنّها أمنيةٌ لا تعادلها للمؤمن أمنية، أن يكون المرءُ مع رسول الله، وأن يراه في الآخرة، ثمّ يكون في صحبته صلّى الله عليه وآله وسلّم».

هذا النصّ مختصر –بتصرّف في العبارة لضرورات التحرير الصحافي- عن متن إحدى المحاضرات التي ألقاها سماحة الشيخ حسين كوراني ضمن سلسلة «كيف نكون مع رسول الله»، في «المركز الإسلامي»، طيلة أيام شهر ربيع الأول من العام 1438.

«شعائر»

 

أسعدُ الناس يومَ القيامة هو مَن عرف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، في الحياة الدنيا وأطاعه، ثمّ وصل إليه في الآخرة، فكان معه.

وليس أشقى الناس مَن لم يعرف رسول الله في الدنيا ولم يصل إليه، بل أشقى الناس هو الذي عرف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الدنيا إلّا أنّه لم يتّبعْه، ولم يُطعه، وغلبت عليه المعاصي، بحيث أنّه سُلب عند الموت حبَّ النبيّ، فمات على غير الإسلام.

في الروايات أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لأمّ سلَمة: «مِن أصحابي مَن لا يراني بعدَ موتي».

فإذا كان الإنسان الذي عاصر النبيّ وشاركه حروبه وغزواته، يُمكن أن تمنعه الذنوب من الوصول إليه صلّى الله عليه وآله وسلّم، فكيف بأحدنا الذي لم يعش مع الرسول، ولم يشارك معه في الجهاد، وفي الوقت نفسه يريد أن يكتفي بالمعرفة المختلطة بالذنوب، ليكون مع رسول الله صلّى الله عليه وآله؟!

يا لسوء العاقبة والمنقلب أن يكتشف أحدنا يوم القيامة أنّه لا علاقة له برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، لأنه كان يحسن في بعض أعماله، ويُسيء في أعمال أخرى أكثر ممّا أحسنه. فلمّا غلبت عليه المعاصي مات على غير ملّة رسول الله.

الخوف من سوء العاقبة يحتّم علينا أن نفكّر كثيراً في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾. [الروم:10]

يجب أن نستحضر دائماً أن الإنسان، أيّ إنسان، إنما هو ثمرة أعماله؛ فالذي تغلب فيه وعليه المعاصي هو إنسانٌ عاصٍ، والعاصي إذا تاب يمكن أن يصل إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أمّا إذا أقام على المعاصي ولم يتُب، أو اكتفى بتوبة شكليّة، تتكرّر منه المعصية، يقع في الكبائر، ويصرّ على الصغائر، والإصرار على الصغيرة كبيرة.

نقرأ في دعاء كميل: «فلئن صيّرتَني للعقوباتِ مع أعدائك، وجمعتَ بيني وبينَ أهل بلائك، وفرّقتَ بيني وبين أحبّائك وأوليائكَ..». يعني فرّقتَ بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأهل البيت عليهم السلام، هذا التفريق هو بسبب المعاصي والذنوب. هو بمنزلة الجمع مع الأعداء! لأنّ المعاصي من أخلاق أعداء الله تعالى.

نحن بتصرّفاتنا في الدنيا إمّا أن نتشبّه برسول الله وأهل البيت عليهم السلام، أو نتشبّه بآل أبي سفيان وعموم أعداء الله، وأعداء رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

 

أسباب التفريق عن أولياء الله

ما هي الأسباب التي تُفضي إلى التفريق بيننا وبين رسول الله وآل بيت الأطهار في يوم القيامة؟

أخطر هذه الأسباب هو سوء الخُلُق، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله تجلّي الخُلُق العظيم، كما قال تعالى: ﴿وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. [القلم:4]

وسوء الخُلُق يعني سوء المعاملة؛ أي أن يتعامل الإنسان ويتصرّف مع الآخرين بطريقة سيئة ولا أخلاقية. مَن كان كذلك فهو على خطرٍ كبيرٍ جدّاً، لن يصلَ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولن يخرج من الدنيا مؤمناً، اللّهُمّ إلا أن يتدارك.

سأذكر روايتين من الروايات الكثيرة في هذا المجال:

1) عن الإمام الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّ أحبّكم إليّ وأقربَكم منّي يومَ القيامةِ مجلساً؛ أحسنُكم خُلُقاً، وأشدُّكم تواضعاً. وإنّ أبعدَكم منّي يومَ القيامة الثرثارون، وهُمُ المستكبرون».

2) وعنه صلّى الله عليه وآله: «أحبّكم إلى الله أحاسِنُكم أخلاقاً، الموطِّئون أكنافاً، الذين يألَفون ويؤلَفون، وأبغضُكم إلى الله المشّاؤون بالنّميمة، المفرّقون بين الإخوان، الملتمِسون للبُراء العثرات».

المدخل إلى تَدارُك ما فات

المطلوب هو أن يراقب كلٌّ منّا نفسَه في المجالات التي أشارت إليها الروايتان:

أوّلاً: التكبّر، لأنّ المتكبرين-بنصّ الرواية- هم أبعدُ الخلق عن الله تعالى، والتكبّر يتلازم مع الثرثرة، لقوله صلّى الله عليه وآله: «..الثرثارون، وهم المستكبرون».

ثانياً: الإنغلاق، «لا يألَف ولا يُؤلَف»: إنسان يعيش في كيان مُغلَق، يختار لنفسه أصحاباً، فإذا اختلف معهم تركهم واختار غيرهم، لا يألَف ولا يُؤلَف، لا يُحِبّ ولا يُحَبّ، لأنّه كالحجر القاسي، ليست فيه قابلية الجذب نهائياً.

ثالثاً: نقل الكلام، أو بتعبير الرواية «المشّاؤون بالنميمة»: يلتقي أحدنا بآخر فيقول له: هل تعرف ماذا قال عنك فلان؟! أو ماذا قالت عنكِ فلانة؟! هذه نميمة، المشّاؤون بالنميمة هم من أبغض الخلق إلى الله تعالى.

رابعاً: التفريق بين الناس، «المفرّقون بين الإخوان»: هل تحرص الزوجة على تقوية علاقة زوجها بأهله، وهل يحرص الزوج على تمتين علاقة زوجته بأهلها؟ إذا لم يكونا كذلك، ينطبق عليهما أنّهما يفرّقان بين الناس.

خامساً: «الملتمسون للبُراء العثرات»: هم الذين يحومون حول عيوب الناس، ونقائصهم، وأخطائهم. يُفترض بالمؤمن أن يكون هيّناً ليّناً. الإنسان الليّن لا يُدقّق ليُحرج الآخرين، أو ليفتّش عن ثغراتهم ويقرّرهم بها، حتّى لو كان هذا الإنسان له حقّ عند الطرف الآخر، فلا ينبغي أن يطالبه بحقّه من خلال التضييق عليه، له أن يطالب بحقّه، لكنْ مع مراعاة الطرف الآخر وظروفه.

في رواية طريفة حول هذا الموضوع، يروي حمّاد بن عثمان، من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، يقول: «كنتُ عند أبي عبد الله عليه السلام، إذ دخلَ عليه رجلٌ من أصحابنا، فقال له أبو عبد الله: ما لأخيك يشكو منك؟

قال: يشكوني أنّي استقصيتُ حقّي منه.

فقال أبو عبد الله: كأنّك إذا استقصيتَ حقّك لم تُسئ؟ أرأيت ما ذَكر اللهُ عزّ وجلّ في القرآن ﴿..وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾، أَخافوا أن يجورَ اللهُ جلّ ثناؤه عليهم؟ لا واللهِ ما خافوا ذلك، وإنّما خافوا الاستقصاء؛ فسمّاه اللهُ سوءَ الحساب. نعم، مَن استقصى من أخيه فقد أساء». [الرعد:21]

إذاً، مسألة حُسن الخُلُق مسألة حسّاسة ومهمّة جداً، وإذا لم نتنبّه إلى أنّ واجبنا دائماً أن نعمل على تحسين أخلاقنا فإنّنا سوف نتعايش مع سوء الخُلُق ونصل إلى هذه النتيجة الخطرة جداً، بحيث إنّنا نُحرَم من رؤية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم القيامة.

 

ألزمَ أبو عبد الله رقبتَك شيئاً..

في كتاب (الكافي) للشيخ الكليني أن سفيان الثوريّ، وهو من فقهاء الكوفة ومحدّثيها، دعا بدواةٍ وقرطاس، ثمّ أقسم على الإمام الصادق عليه السلام أن يُحدّثه بحديث خطبة رسول الله صلّى الله عليه وآله في مسجد الخَيف. فأملاها الإمام الصادق على سفيان، وفيها قوله صلّى الله عليه وآله: «..ثلاثٌ لا يُغِلُّ عليهنّ قلبُ امرئٍ مسلمٍ: إخلاصُ العمل لله، والنّصيحةُ لأئمّة المسلمين، واللّزومُ لجماعتهم..».

فلمّا كان سفيان في بعض الطريق، قال له صاحبه، وهو رجلٌ من قريش: «قد واللهِ ألزمَ أبو عبد الله رقبتَك شيئاً، لا يذهب من رقبتك أبداً.

فقال سفيان : وأيّ شيءٍ ذلك؟

قال القرشيّ: (ثلاثٌ لا يُغِلُّ عليهنّ -أي لا يخون فيهنّ- قلبُ امرئٍ مسلمٍ؛ إخلاصُ العمل لله..) قد عرفناه، (والنّصيحةُ لأئمّة المسلمين). [النصيحة هنا بمعنى المتابعة والنّصرة]

مَن هؤلاء الأئمّة الّذين يجب علينا نصيحتهم؟ معاوية بن أبي سفيان، ويزيد بن معاوية، ومروان بن الحكم، وكلّ من لا تجوز شهادته عندنا ولا تجوز الصّلاة خلفهم؟

وقول أبي عبد الله: (واللّزومُ لجماعتهم)، فأيّ الجماعة؟ مُرجِئٌ يقول: مَن لم يصلّ ولم يصُم... وهدم الكعبة... فهو على إيمان جبرئيل وميكائيل؟ أو قدريّ يقول: لا يكون ما شاء الله عزّ وجلّ ويكون ما شاء إبليس؟! أو حَروريّ يتبرّأ من عليّ بن أبي طالب ويشهد عليه بالكفر؟ أو جَهْمِيٌّ يقول: إنّما هي معرفة الله وحدَه ليس الإيمان شيئ غيرها؟

قال سفيان: ويحك، وأيّ شيءٍ يقولون؟

قال القرشيّ: يقولون إنّ عليّ بن أبي طالبٍ، وَاللهِ الإمامُ الّذي يجب علينا نصيحتُه. ولزومُ جماعتهم: (يعني) أهلَ بيته.

فأخذ سفيان الكتاب فخرّقه، ثمّ قال: لا تُخبر بها أحداً».

 (انظر: الكليني، الكافي: 1/403)

 

 

﴿..يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56]

الصلاة على رسول الله وآله الأطهار فيضٌ من النور

  • العلامة السيد علي خان المدني الشيرازي

ورد حول معنى الصلاة على رسول الله وآله المعصومين أنها بمنزلة تعظيمه في الدنيا بإعلاء كلمته وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتضعيف مَثوبته والزيادة في رفْع درجته. وغايةُ الدعاء بذلك عائدةٌ إلى المصلّي، لأنّ الله تعالى قد أعطاه، وآلَه المعصومين، من إعلاء الكلمة وعلوّ الدرجة ورفيع المنزلة، ما لا يؤثّر فيه صلاةُ مصلٍّ ولا دعاءُ داع.

وقيل: بل غايته طلب زيادة كماله عليه السلام وقُربه من الله تعالى، إذ مراتبُ استحقاق نِعَم الله عزّ وجلّ غير متناهية.

بين الوجوب والاستحباب

الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وآله في غير الصلاة وعند عدم ذكره مستحبّة عند جميع أهل الإسلام، وأمّا في الصّلاة فأجمع علماؤنا رضوان الله عليهم على وجوبها في التشهّدين معاً.

وأمّا عند ذكره صلّى الله عليه وآله فظاهرُ كثيرٍ من الأخبار كقوله صلّى الله عليه وآله: «مَن ذُكِرتُ عندَه ولم يُصَلِّ عَلَيَّ، فدخلَ النّارَ، فأبعدَه الله»، أنها تجب كلّما ذُكر، وكلّما سُمع ذِكرُه، لأنّ الوعيدَ أَمارة الوجوب. وهو مختارُ ابن بابويه والمقداد من أصحابنا. وأخذ المحقّق الأردبيلي بالاحتياط. ومنهم مَن أوجبها في كلّ مجلسٍ مرّة، ومنهم من أوجبها في العمر مرّة.

آثار الصلاة على محمّد وآل محمّد

ورد في الروايات أنّ للصلاة على رسول الله وآله الأطهار آثاراً دنيوية وأخروية، لا تُحصى، حتّى عدّها بعض العرفاء، بنفسها، برنامجاً عبادياً للسالك إلى الله تعالى، إنْ هو التزم بآدابها من إخلاص النيّة، واجتناب المعاصي، والتدبُّر في معانيها.

ومن التدبُّر فيها -كما يؤكّد العلماء- التنبُّه إلى أنها، في آنٍ واحد، دعاءٌ أو توسُّلٌ بالله تعالى، وبنبيّه وآله صلوات الله عليهم أجمعين.

ومن آثار المداومة على ذكر «اللّهُمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد».

* الوقاية من الذنوب: رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: «..ومَن صلّى عَلَيَّ وعَلى آلي واحدةً، أمَر اللهُ حافِظَيْه أنْ لا يكتُبا عليه ثلاثةَ أيام».

[مُستدرك الوسائل:5/326، نقلاً عن لُبّ اللّباب للراوندي]

وعن الإمام الصادق عليه السلام: «مَن صلّى على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ عشراً، صلّى اللهُ عليه وملائكتُه مائة مرّة... أما تسمعُ قولَ الله عزّ وجلّ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ...﴾». (الأحزاب:43)

وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام، أنّ الصلاة على النبيّ وآله «تهدَمُ الذّنوبَ هدماً».

* ترجيح الحسنات: عن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه في خطبة استقبال شهر رمضان: «..ومَن أكثر فيه من الصّلاةِ عَلَيَّ، ثقّلَ اللهُ ميزانَه يومَ تخفّ الموازين».

وعن أحدهما عليهما السّلام: «ما في الميزان شيءٌ أثقل من الصّلاة على محمّدٍ وآلِ محمّد، وإنّ الرّجلَ لَتُوضَعُ أعمالُه في الميزان، فتَميلُ به، فيُخرج صلّى الله عليه وآله وسلّم الصلاةَ عليه، فيضعُها في ميزانه، فترجح».

* تُذهب النفاق: عن أبي عبد الله الصادق عليه السّلام: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إرفعوا أصواتكم بالصّلاة عَلَيَّ، فإنّها تَذهب بالنّفاق».

* قضاء الحوائج: عن الصادق عليه السّلام، قال: «إنّ في كتابِ عَلِيٍّ عَليه السّلام: إنّ الثناءَ على الله، والصلاةَ على رسولِه قبلَ المسألة».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* (رياض السالكين، بتصرّف)

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 5 أيام

دوريات

  اجنبية

اجنبية

منذ 5 أيام

اجنبية

نفحات