الملف

الملف

منذ 5 أيام

قبل الرسوم المسيئة بقرون

قبل الرسوم المسيئة بقرون

جريمة التطاول على مقام النبوّة في مصنّفات الحديث

  • العلامة السيّد مرتضى العسكري

* في الجزء الأول من كتابه القيّم (معالم المدرستين)، يؤكّد السيد مرتضى العسكري ضمن قراءة مسهبة، أن الوحدة بين المسلمين لن يُكتب لها النجاح، إلّا بتتبّع العناوين الخلافية بين المسلمين الشيعة والسنّة، ومن ثمّ التباحث في شأنها ضمن إطار علمي هادئ.

ومن جملة العناوين الخلافية التي طرحها رضوان الله عليه، هي النظرة إلى النبوّات، وتحديداً النظرة إلى موقع «النبيّ صلّى الله عليه وآله»، ففي حين لا تجوّز الشيعة -والعياذ بالله- على رسول الله شيئاً من النقائص، فضلاً عن المعاصي، لا قبل النبوّة ولا بعدها، نرى أن مصنّفات سائر المسلمين مشحونة بالنقائض عند حديثها عن رسول الله صلّى الله عليه وآله. فهي، على سبيل المثال، تجوّز التبرّك بآثاره، والتوسّل به، وتقرّ بشفاعته لأصحاب الكبائر من أمّته، لكنّها في الوقت نفسه تنسب إلى ساحته المقدّسة ما لا يليق برجلٍ من عامّة المسلمين.

ثم يطرح السيد العسكري، التساؤل التالي: «مع صراحة النّصوص المتواترة حول بعض صفات الأنبياء (الكماليّة)، كيف نشأ الخلاف حولها؟»، هذه المقالة، هي مختصر جوابه رضوان الله عليه، عن السؤال أعلاه.

«شعائر»

 

الجواب: أنّا إذا أنعمنا النظر في روايات جمّة أخرى رُويت في انتقاص شأن الأنبياء، وانتشرت في كُتب الحديث، واللّاتي تنزّل منزلة الأنبياء عن مستوى سائر الناس، وجدنا أنّها هي الّتي تكوّن للمعتقِد بصحّتها رؤية خاصّة تناقض محتوى الأحاديث الآنفة. ولئلاّ يطول بنا المقام، نكتفي في ما يأتي بالإشارة إلى بعض ما رُوي بشأن خاتَم الأنبياء وأفضل المرسلين صلّى الله عليه وآله، ففيه كفاية لمن أراد أن يتدبّر ويتبصّر. منها:

1) ما رواه البخاري في صحيحه: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم قبل أن ينزل عليه الوحي قدّمَ إلى زيد بن عمرو بن نفيل سفرةً فيها لحم، فأبى أن يأكل منها، ثمّ قال زيد: إنّي لا آكلُ ممّا تذبحون على أنصابكم، ولا آكُل إلاّ ممّا ذُكر اسمُ الله عليه‌».

* زيد بن عمرو بن نفيل، وهو ابن عمّ (فلان)، كان أتقى لله من رسوله صلّى الله عليه وآله، يمتنع من أكل ما ذُبح على الأصنام، بينما يأكله رسول الله!

2) روى البخاري ومسلم: «أنّ جبرئيل لمّا نزل بآيات سورة (العلق)، رجع النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى بيته ترجف بوادُره، فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل، وكان امرأً تنصّر في الجاهلية، فأخبره رسولُ الله خبرَ ما رآه. فقال ورقة: هذا الناموس الّذي أُنزل على موسى..».

* إذاً، فإنّ ورقة النصراني كان أدرى بالوحي وجَبرئيل من رسول الله الّذي خُوطب بالوحي، ومن كلام ورقة اطمأنّ النبيّ إلى مصيره، وإلّا فإنّه كان يريد أن يُلقي بنفسه من حالقِ جبل، بحسب ما رواه ابن سعد في (طبقاته)!

3) روى البخاري ومسلم وقالا: «إنّ رسول الله كان يغضب فيلعن ويسبّ ويؤذي مَن لا يستحقّها، ودعا الله أن يجعلها لمن بدرتْ منه إليه زكاةً وطهوراً».

4) ورويا أيضاً: «إنّ بعض اليهود سحر رسول الله حتّى يخيّل إليه أنّه يفعل الشي‌ء، وما فعله»!‌

* رسول الله، كسائر الناس، بزعمهم، لا يعصمه الله من عبَث اليهود وسِحرهم، وهو يغضب ويلعن ويسبّ من لا يستحقّ، والعياذ بالله!‌

5) ورويا أيضاً: «أنّ رسول الله استمع إلى غناء جوارٍ من الأنصار فنهرهنّ فلان»!

6) وروى مسلم: «أنّ جارية سوداء ضربت بالدفّ وغنّت بين يدَي رسول الله... فدخل فلان، فألقت الدفّ... ثمّ قعدت عليها، فقال رسول الله: إنّ الشيطان لَيخاف منك يا (فلان)»!

* (فلان) و(فلان) كانا أكثر تجنّباً للّهو واللّغو من رسول الله صلّى الله عليه وآله!!

7) روى البخاري ومسلم في (صحيحيهما): «عن عائشة، أنّ النبيّ سمع رجلاً يقرأ في المسجد، فقال: رحمه الله، أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها من سورة كذا»!

ولمّا كانت أحاديث «الصّحاح» هذه، وأشباهها، تكوّن رؤية تنزّل من مستوى الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله، عن مستوى الإنسان العاديّ -لا سيّما الخبر المختلق في قصّة الغرانيق التي تُرتجى شفاعتها بزعم عددٍ من الرواة- ويمكن من خلالها إلقاء الشبهات في الوحي والقرآن، استند المستشرقون من مبشّري النصارى في دراساتهم للإسلام إلى هذه الأحاديث، وأهملوا حديث المعصومين من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله.

فمَن آمن بصحّة الأحاديث المذكورة آنفاً، تتكوّن له رؤية تناقض محتوى الأخبار التي تتناول ما خصّ الله به خاتَم أنبيائه، وميّزه عن سائر الناس بفضائل جمّة.

يبقى، أنّ ما تقدّم ذكره، هو نموذج عن محاولات السّلطات الحاكمة رفع مقام الصحابة -لا سيّما مَن حكم منهم- في أنظار المسلمين على مقام النبوّة، ونذكر هنا منها مثالاً واحداً من سيرة الحجّاج بن يوسف الثقفي، والي عبد الملك بن مروان على العراق، إذ خطب في الكوفة فذكر الذين يزورون قبرَ رسول الله صلّى الله عليه وآله بالمدينة، فقال: «تبّاً لهم! إنّما يطوفون بأعوادٍ ورِمّةٍ بالية! هلاّ طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك! ألا يعلمون أنّ خليفة المرء خيرٌ من رسوله؟»!!

وإنّ الّذي نجده من اتّجاه بعض المسلمين في القرون المتأخّرة من تهوين أمر الرسول صلّى الله عليه وآله، إنْ هو إلّا نتيجة لتلك المحاولات على مدى القرون، سواء في ما رووا من روايات هي دون منزلة رسول الله صلّى الله عليه وآله، أم في ما أوّلوا من آيات القرآن، وغير ذلك من أعمالهم في توجيه المسلمين إلى ما أرادوا، ومنها إنكارهم على من احتفل بذكرى ميلاد الرسول صلّى الله عليه وآله.

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 4 أيام

دوريات

  اجنبية

اجنبية

منذ 4 أيام

اجنبية

نفحات