الملف

الملف

منذ أسبوع

الكتمان والإعلان

الكتمان والإعلان

المنهج السياسيّ للإمام العسكريّ عليه السّلام

  • إعداد: «شعائر»

عاصر الإمامُ الحسن العسكريّ عليه السّلام في فترة إمامته ثلاثةً من خلفاء بني العبّاس؛ بقيّة حكم المعتزّ، ثمّ حكم المهتدي، ثمّ شطراً من حكم المعتمد، حيث قضى شهيداً بالسمّ بعد مُضيّ خمس سنين من حكم هذا الأخير.

وقد تعرّض الإمام العسكريّ عليه السّلام للسجن مرّات عديدة، حيث سجنه المعتمد بن المتوكّل، ولما ظهرت كرامات الإمام عليه السّلام أطلق سراحه، ثمّ عاد وأمر بقتله. ومِن قبله حُبس مرّات في حكم والمعتزّ والمهتديّ ومع أبيه الهادي عليهما السلام أيام حكم المستعين.

وامتازت تلك الحقبة بكونها واحدة من أصعب فترات الحكم العبّاسيّ، حيث أُلقي القبض على عدد كبير من العلويّين وزُجُّوا في السجون الرهيبة، فنال بعضَهم القتل، وبعضهم الحبس الطويل، وبعضهم التعذيب الشديد، وشُرّدوا في الأرض.. وكانت بعد هذا ثورات وانتفاضات في أماكن عديدة، منها:

أ) انتفاضة الحسين بن محمّد بن حمزة، الذي خرج بالكوفة.

ب) انتفاضة عليّ بن زيد بن الحسين، الذي خرج بالكوفة أيضاً.

ج) ثورة صاحب الزنج.

ثورة صاحب الزنج وموقف الإمام العسكريّ منها

من الحوادث الهامّة التي وقعت في عصر الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام، ثورة صاحب الزنج التي بدأت سنة 255 هجرية، وانتهت سنة 270. وقد اتّفق المؤرّخون على أنّه ليس من العلويّين، على الرغم من إصراره على نسبة نفسه إليهم، وذكر بعض المؤرّخين، ومنهم المسعوديّ، أنّ صاحب الزنج من فرقة الخوارج.

وكان صاحب الزنج قد دعا الزنوج الإفريقيّين الذين كانوا يتعرّضون لظلم مرير من أصحاب الأراضي الذين كانوا يقومون باستصلاحها في جنوب العراق، دعاهم إلى الثورة، فاتّبعه منهم جمع غفير، ثمّ إنّه استولى على البحرين والأحساء، وأباح لجنده الأموال والنساء، ثمّ توجّه إلى البصرة فأغار عليها سنة 257، وأمعن في أهلها نهباً وسلباً وقتلاً وتحريقاً، ثمّ سبى النساء وباعهنّ بأثمان زهيدة.

ثمّ توجّه صاحب الزنج إلى الأهواز، وهزم الحملات التي أرسلها المعتمد العبّاسيّ لقتاله. ثمّ قصد مدينة واسط وهمّ بالتوجّه إلى بغداد، فجهّز له المعتمد جيشاً كثيفاً قاده أخوه الموفّق، فدارت بينهم معارك ضارية قُتل فيها صاحب الزنج.

وقد صرّح الإمام العسكريّ عليه السّلام بموقفه من صاحب الزنج بما لا يدع مجالاً لريب ولا شبهة، فنفى صِلته بأهل البيت عليهم السّلام في بيانٍ بليغ موجز، قال عليه السّلام: «صاحب الزنج ليس منّا أهلَ البيت».

التمهيد لغَيبة الإمام المهديّ

واجه الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام، في الظروف الخطيرة التي عاصرها، مسؤوليّةً كبيرة على المستوى السياسيّ والثقافيّ، فقد كان عليه أن يتصدّى لجملة من المخاطر التي تُهدّد خطّ الإمامة، وتسعى جاهدة في استئصال القواعد المؤمنة الموالية لخطّ الولاية؛ وأن يُمهّد، فوق ذلك، لحدث خطير كان على مشارف الحدوث، هو غَيبة الإمام المهديّ عليه السّلام، من أجل تخفيف الوطأة على القواعد الشيعيّة، ورسم الخطوط العامّة لوظائف وتكاليف تلك القواعد في عصر الغَيبة.

وكان الإمام العسكريّ عليه السّلام يفعل كلّ هذه المهام الصعبة في ظروف دقيقة كان السلطان يبتغي له فيها الغوائل، وقد نقل المؤرّخون أنّ المهتدي العبّاسيّ تَهدّد الإمام العسكريّ عليه السّلام بقوله: «واللهِ لأجلينّهم عن جديد الأرض».

عَلِم الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام أنّ عمره الشريف لا يطول في عهد الحكم العبّاسيّ الجائر، فقام بأمرَين مهمّين:

أ) ثبّت نظام الأموال والوكلاء، حفظاً على أموال المسلمين من الضياع والتلف، ورعايةً لشؤونهم وحقوقهم.

ب) ثبّت موضوع الغَيبة والسفارة، فغاب مدّة عن الناس وعيّن مَن ينوب عنه، ليتهيّأ الناس لغَيبة ابنه الإمام المهديّ صلوات الله عليه، وليتعرّفوا على الرجوع إلى سفراء الحجّة عليه السّلام، يتّصلون بالإمام من خلالهم، ويرفعون إليه أسئلتهم وحوائجهم عن طريقهم.

ومن الأمور الهامّة التي قام بها الإمام العسكريّ عليه السّلام في التمهيد للغيبة:

1) تقديم الهويّة الكاملة للإمام المهديّ عليه السّلام وبيان دوره المستقبليّ في إقرار العدل والأمان في ربوع البسيطة.

ونلاحظ في هذا المجال أنّ الإمام العسكريّ عليه السّلام قد أخرج ولده المهديّ عليه السّلام في اليوم الثالث من مولده، وعرضه على أصحابه قائلاً: «هذا صاحبكم مِن بَعدي، وخليفتي فيكم، وهو القائمُ الذي تمتدّ إليه الأعناق بالانتظار؛ فإذا امتلأت الأرض جَوراً وظلماً خرج فيملأها قسطاً وعدلاً».

كما أنّ الإمام العسكريّ عليه السّلام كتب إلى خواصّ شيعته وأطلعهم على ولادة الإمام المهديّ عليه السّلام. يروي الشيخ الصدوق عن أحمد بن الحسن بن إسحاق القمّي، قال:

لمّا وُلد الخلف الصالح عليه السّلام ( وهذا من الألقاب التي لُقّب بها الإمام المنتظر عليه السّلام ) وَرَد عن مولانا أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السّلام إلى جدّي أحمد بن إسحاق كتاب، فإذا فيه مكتوب بخطّ يده عليه السّلام الذي كانت تَرِد به التوقيعات عليه: «وُلد لنا مولود، فليكُنْ عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً، فإنّا لم نُظهر عليه إلاّ الأقرب لقرابته، والوليّ لولايته؛ أحببنا إعلامك ليسرّك الله به مثلَ ما سرّنا به، والسلام».

2) المحافظة على الإمام المهديّ عليه السّلام، من خلال سَتره عن أعين أعدائه، وإخفاء أمره ولادته عنهم.

وقد نجح الإمام العسكريّ عليه السّلام في هذين المجالين نجاحاً كبيراً، فلم يطّلع أعداؤه على ولادته عليه السّلام، ولم يعرفوا مكانه. وهكذا، جمع سلام الله عليه بين أمرين: الكتمان، والإعلان. الأوّل للحفاظ عليه، والثاني لتثبيت إمامته ووصايته.

 

اخبار مرتبطة

  ايها العزيز

ايها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ أسبوع

دوريات

  اجنبية

اجنبية

منذ أسبوع

اجنبية

نفحات