صاحب الأمر

صاحب الأمر

09/12/2018

«من مستودع العهد المأخوذ»

 

«من مستودع العهد المأخوذ»

قراءة في رسائل الإمام المهديّ عليه السلام إلى الشيخ المفيد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بدأ عصر الغَيبة يوم شهادة الإمام الحسن العسكريّ صلوات الله عليه، في الثامن من ربيع الأول سنة 260 هجرية. لكنّ غَيبة شخص الإمام المهديّ عجل الله فرجه لم تكن تعني ابتعاده عن تصدّيه للمهمّة الإلهية الموكلة إليه، فقد بلَغنا من ناحيته صلوات الله عليه، كتب ورسائل يُعبَّر عنها بـ«التوقيعات»، تتضمّن توجيهات عامّة وخاصّة، أو إجابات فقهية وعقائدية عن استفسارات الموالين، فضلاً عن تشرّف عدد من العلماء والصلحاء برؤيته صلوات الله عليه، طوال حقبة الغَيبة الممتدة حتى يومنا هذا.

تتناول هذه المقالة، المقتبسة من عدّة مصادر، التعريف بتوقيعين صادرين من قِبل الإمام عجّل الله فرجه إلى الشيخ المفيد، محمّد بن محمّد النعمان، المتوفى سنة 413 هجرية.

 

 

نقل العلامة أحمد بن عليّ الطبرسي في كتابه (الاحتجاج على أهل اللّجاج) ثلاثة كُتُب (رسائل أو توقيعات) وردت من الناحية المقدسة (الحجّة عجل الله فرجه) على الشيخ المفيد. ويظهر من رواية هذه التوقيعات أنها كانت رسائل يُمليها الحجّة عليه السلام، ويكتبها بعض ثقاته. ثم هو عليه السلام يدوّن توقيعه المبارك على الجهة العليا من الكتاب.

* ورد التوقيع الأول على الشيخ المفيد، في أيامٍ بقيت من صفر سنة 410، ذكر موصِلها أنه يحملها إليه من ناحية متّصلة بالحجاز. وذكر الشيخ الطبرسي، بعد أن أورد متن الكتاب، نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام: «هذا كتابُنا إليك أيها الأخ الوليّ، والمخلص في ودّنا الصفيّ، والناصر لنا الوفيّ، حرسَك الله بعينه التي لا تنام... ولا تُظهر على خطّنا الذي سطّرناه... أحداً، وأدِّ ما فيه إلى مَن تسكنُ إليه، وأوصِ جماعتَهم بالعمل عليه..».

* وإذا كان الشيخ المفيد قدّس سرّه، قد أدّى ما في هذا الكتاب إلى مَن كان يسكن إليه، ومنه وصل إلى الشيخ الطبرسي فذكره في كتابه، فقد روى الطبرسي بعد هذا توقيعاً آخر صدر من الناحية المقدّسة إلى الشيخ المفيد، في غرّة شوال من سنة 412. لكنه لم يذكر متن الكتاب وإنما ذكر نسخة التوقيع باليد العليا، صلوات الله على صاحبها: «هذا كتابنا إليك أيها الولي، الملهم للحق العلي، بإملائنا وخط ثقتنا، فاخفه عن كل أحد، واطوه واجعل له نسخة يطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا..».

الكتاب أو التوقيع الثالث ورد على المفيد رضوان الله عليه يوم الخميس 23 ذي الحجة سنة 412، أي قبل أشهر من وفاة المفيد من شهر رمضان لسنة 413.

ذكر هذه التوقيعات السيد بحر العلوم في كتابه (الفوائد الرجالية)، وذكر الإشكال عليها بوقوعها في الغَيبة الكبرى مع جهالة المبلِّغ، ودعواه المشاهدة المنفيّة بعد الغَيبة الصغرى، ثم قال في دفع الإشكال: «باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن».

نقل التوقيعات أيضاً جمهرة عظيمة من أعلام الأمّة وثقاتها معتمدين عليها قابلين لها، كالعلاّمة المجلسي، والمحدّث البحراني، والمحدّث النوري، والمحدّث القمّي، وآخرون.

ونقل الشيخ البحراني في (اللؤلؤة: ص 364)، عن المحقّق الجليل، ابن بطريق الحلّي في رسالته (نهج العلوم): «أنّ التوقيع المبارك ترويه كافّة الشيعة وتتلقّاه بالقبول».

أبرز عناوين الرسالتين

بالتأمل في متنَي الرسالتين الأولى والثالثة (لفقدان الثانية) نلحظ ثلاثة عناوين أساسية تحدّث عنها الإمام المهديّ صلوات الله عليه، كلٌّ منها جدير بإفراد الكلام عليه شرحاً واستنتاجاً، وستكون لنا في أعداد لاحقة من مجلّة «شعائر» -بتوفيقه تعالى- وقفات معها. هذه العناوين هي كالتالي:

1) إخبار الإمام عن بعض أحواله في غَيبته.

2) قُرب الإمام واطّلاعه على شؤون المسلمين وهمومهم.

3) وصيّته الموالين بلزوم التقوى، وأن المعاصي هي الحجاب دون التشرّف بحضوره.

وربما لحق بما تقدم عنوان رابع، يتّصل بالأوصاف التي أطلقها الإمام على الشيخ المفيد، وسبب اختياره له دون سواه من معاصريه.

 

أوصاف الشيخ المفيد في التوقيعات

الملاحظة الأولى هي أن الرسائل تزخر بدعاء الإمام صاحب الزمان في حقّ الشيخ المفيد، فهو صلوات الله عليه، يستهلّ رسالته الأولى (صفر 410)، بالقول: «للأخ السديد، والوليّ الرشيد، الشيخ المفيد... أدام الله إعزازه...».

وأمّا تحيته عليه السلام: «سلامٌ عليك أيها الوليّ المخلص في الدّين، المخصوصُ فينا باليقين...ونعلمك أدام الله توفيقك لنصرة الحقّ، وأجزل مثوبتك على نُطقك عنا بالصّدق..».

فالإمام قد دعا للشيخ المفيد بدوام العزّ، وديمومة التوفيق لنصرة الحقّ، كما دعا له بجزيل المثوبة لنُطقه عن المعصومين عليهم السلام بـ«الصّدق». وهذه الصفة الأخيرة –الصّدق- تتكرّر في الرسالة الثالثة، بقوله عليه السلام: «سلامُ الله عليك أيها الناصر للحقّ، الدّاعي إليه بكلمة الصّدق..».

كذلك يصف الإمام عليه السلام الشيخ المفيد بـ«الوليّ الملهَم للحقّ العليّ»، ورد ذلك في توقيع غرّة شوال، الذي لم ترِدنا نسخته.

 

لمحة موجزة عن الشيخ المفيد

كان مجلس درس الشيخ المفيد يزخر بفطاحل علماء الخاصّة والعامّة، وحظيَ بمكانة رفيعة جعلت حتّى أعداءه يُثنون عليه.

قرأ عليه جملة من الأعلام، كالشيخ الطوسي، والشريفين الرضي والمرتضى، وفي حكاية تلمّذهما عنده كرامة للشيخ المفيد خصّته بها الصدّيقة الكبرى عليها السلام.

توفي رضوان الله عليه في بغداد سنة 413 هجرية، وصلّى عليه الشريف المرتضى، ودُفن عند مدخل المرقد المشرّف للأمامين الكاظمين عليهما السلام.

قال الشهيد الثالث القاضي التستري في (مجالس المؤمنين):«هذه عدّة أبيات منسوبة إلى صاحب الأمر عليه السلام، قالها في رثاء جناب الشيخ المفيد، وُجدت مكتوبة على قبره» :

 

لا صوّتَ الناعي بفقدِكَ

إنـــّـــه يومٌ على آلِ الرسولِ عظيـــمُ

إنْ كنتَ قد غُيِّبتَ في جَدَثِ الثّرى

فالعدلُ و التّوحيدُ فيكَ مُقِيــمُ

والقائمُ المهديُّ يفرحُ كلّمــــــا

تُلِيَتْ عليكَ من الدروسِ علـومُ

 

اخبار مرتبطة

  ايها العزيز

ايها العزيز

  دوريات

دوريات

10/12/2018

دوريات

  اجنبية

اجنبية

10/12/2018

اجنبية

نفحات