فكر و نظر

فكر و نظر

09/12/2018

في مقدّمها الحياء والمحبّة

 

في مقدّمها الحياء والمحبّة

ما ينبغي للمرء تجاه الله، ورسوله، وأوصيائه

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سماحة السيّد محمّد باقر السيستاني* ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ينبغي للإنسان أن يستحضر الله سبحانه في جميع أحواله، متعلّقاً به بعلائق أربع، هي من أصول الصفات والفضائل التي فطر الإنسان عليها:

الأولى: الشعور بالشّكر والامتنان، بما أنعم عليه من عظيم نِعمه وإحسانه، فإنّما المرء في أصله صنيعة من صنائع الله، وحياته من فيض إنعامه، ولو استثمرها أدّى إلى سعادة دائمة، كما أنّ المشهد الذي يعيش فيه بصنوف نِعمه كلّها يعود إليه سبحانه فهو صاحبه وخالقه، وإنّما مثل الإنسان فيه مثل امرئٍ حلّ في مضيف آخر يستمتع بضيافته ويعيش بين صنوف نعمته، فهو في جميع أحواله في هذا المضيف يعيش مشاعر الشكر لصاحبه والامتنان له، ويبدي ذلك له كلّما صادفه، وإنّ الله سبحانه أولى بهذا الصنيع من غيره، إذ هو أصل كلّ إحسان وأساس كل إنعام، فكلّ مَن في الكون جنوده، وكلّ نعمة هي من خزائنه.

الثانية: حسن الافتقار إليه سبحانه، كما هو واقع الحال، فإنّ وجود الخلق كلّه مرهونٌ بمدده، فهم رهائن فاقة إلى فضله ومعروفه، يملك من أمورهم ما لا يملكونه، ويقدر من شؤونهم على ما لا يقدرون عليه، كما قال عزّ من قائل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ فاطر:15.

ويترتّب على هذه الصفة رجاء المرء إياه في جميع ما يصبو إليه في الدنيا والآخرة، وإشفاقه من قطيعته وعقابه وعدله فيهما.

وهذه الصفة ممّا فُطر الإنسان عليها على حدّ مفطورية الطفل الرضيع على الافتقار إلى إعانة أمّه وعواطفها، ولئن كانت الأم مجهّزة بإمكانات وعواطف تناسب افتقار الطفل إلى أمّه، فإنّ الله سبحانه وتعالى يحبّ عباده أيضاً، وقد ضمن لهم الرحمة والشفقة والرأفة على ما يعلم من صلاحهم، كما قال سبحانه عن المؤمنين: ﴿..يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..﴾ المائدة:54، وقال: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ..﴾ آل عمران:31، وقد جاء في الآيات الشريفة وصفه تعالى بأنّه رحيمٌ رؤوفٌ ودودٌ بالناس عامّة، والمؤمنين به سبحانه خاصّة.

الثالثة: مراعاة الأدب بالنسبة إليه سبحانه، والأدب هو التواصل اللائق مع الآخرين، وهو ممّا فُطر عليه الإنسان، حيث إنّ كثيراً من التزاماته تجاه الآخرين ضربٌ من الأدب الذي يفرضه التواصل معهم حسب مراتبهم ولياقاتهم، وعلى المرء في محضر الله سبحانه أن يتأدّب بما يليق بعظمته وقدرته بالتواضع لديه، والخضوع بين يديه، والاستحياء منه، كما قال عزّ من قائل: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ..﴾ النساء:108.

الرابعة: محبّته سبحانه، فإنّه مستجمعٌ لجهات المحبّة وأسبابها؛ فهو أصل الإنسان وخالقه، والمنعِم عليه، والمتولّي لأموره، والحاضر معه في جميع أحواله، فهو أولى بالمحبّة من الآباء والأصدقاء وسائر المحسنين، كما قال سبحانه: ﴿..وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا للهِ..﴾ البقرة:165.

فعلى المرء تحقيقاً لذلك كلّه أن يسعى في تحصيل رضاه سبحانه، فإنّه السعادة العظمى والغاية القصوى، ويتجنّب سخَطه، فإنّه الشقاء المقيم كما قال عزّ وجلّ: ﴿..وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ..﴾ التوبة:72، وقال: ﴿..لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِن مَقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ غافر:10.

ولا يغيبنّ سبحانه وتعالى عن بال المرء بالنظر إلى ظاهر هذه الحياة، حيث أجرى أمورها على سنن محدّدة ونظام دقيق، فربّما عاد ذلك حجاباً عن الحقيقة بدل أن يكون منبّهاً عليها، فظنّ جريان الأمور فيها على هذا النظام بطبيعتها ولا عامل مدبّر لها وراءها، مع أنّ في بديع نظمها ودقّة تكوينها ما يدلّ على خالقها وبارئها، وسوف ينكشف للمرء هذا الحجاب بعد الرحيل من هذه الحياة، وفي الآخرة حيث يظهر ما كان باطناً وينجلي ما كان مشتبهاً، وأنّ الملْك كلّه لله سبحانه وتعالى.

 

... قائداً نَقتدي بهُداه

وينبغي للإنسان أن يتّصف تجاه رسوله -مضافاً إلى الإذعان برسالته- بصفاتٍ خمس:

الأولى: تصديقه في ما بلّغه عن الله سبحانه.

الثانية: إطاعته في ما أمر به، حيث أمر اللهُ سبحانه وتعالى بطاعته.

الثالثة: التأسّي به في منهجه وسلوكه في الحياة، فإنّ الله جعل الأنبياء مثلاً لسائر خلقه وأمر بالاهتداء بهَدْيهم، كما قال سبحانه في عيسى بن مريم: ﴿..وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾. الزخرف:59.

وقال بعد ذكر جمعٍ من الأنبياء: ﴿أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ..﴾. الأنعام:90 وقال عزّ من قائل: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ الأحزاب:21.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام، في بعض كلامه، بعد وصف إعراض النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، عن  الدنيا والأمْر بالتأسّي به: «فما أعظمَ مِنّةَ اللهِ عندَنا حين أنعمَ علينا به سلفاً نتّبعه وقائداً نطأ عَقِبَه». (نهج البلاغة: 2/60)

وقال عليه السلام عن نفسه: «ألا وإنّ لكلّ مأمومٍ إماماً يقتدي به، ويَستضيء بنُور عِلمه» (نهج البلاغة: 3/70).

وإيّاك أن تعتذر عن التأسّي بهم برفعة مكانهم وعلوّ شأنهم، فإنّ ذلك كلمة حقّ يراد بها باطل، وهي من تلبيس الشيطان وأحابيله، فراراً عن العمل وهروباً عن الاقتداء، ولا محيص للمؤمن من أن يمشي في صراطهم ويقتدي بفِعالهم ويطأ عقبهم، فإن لم يستطع بلوغ مبلغهم واللّحاق بهم، فإنّ عليه أن يعذر الله من نفسه بمتابعتهم بوَرعٍ واجتهاد وعفّة وسداد.

الرابعة: إحلاله بالمحلّ الذي أحلّه اللهُ سبحانه من حيث صفاته الكريمة ومقامه عنده تعالى، من غير أن يزيد فيه أو ينقص عنه.

الخامسة: رعاية الأدب معه حسب ما يناسب مقامه الكريم، شكراً لموقعه في هداية الخلق وتبليغ رسالة الله سبحانه إلى خلقه.

ويجب للمصطفَين من عترته مثل ما يجب له صلّى الله عليه وآله وسلّم، عدا مقام النبوّة ومقتضياته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أستاذ في الحوزة العلمية بالنجف الأشرف، والمقال من كتابه (أصول تزكية النفس وتوعيتها)

 

اخبار مرتبطة

  ايها العزيز

ايها العزيز

  دوريات

دوريات

10/12/2018

دوريات

  اجنبية

اجنبية

10/12/2018

اجنبية

نفحات