كلمة سواء

كلمة سواء

10/12/2018

الفِطنة البتراء في مقاربة الدّين

 

الفِطنة البتراء في مقاربة الدّين

_____ الشيخ حسين كَوراني _____

ما هو المسوِّغ الحقيقي لهذه الحيرة في مقاربة الدين، التي تجعل أولوية البحث عن منهج لمقاربته تقفز إلى طليعة الإهتمام؟

هل هو كوننا مسكونين بهاجس الحوار الإسلامي المسيحي؟ أم هو هاجس الحوار العلماني الديني؟ أم هو هاجس افتقار الحقيقة الدينية إلى مقوّمات الحقيقة العلمية؟ وما هذا الإقرار على مهانة الجَلْد المتواصل بسياط التقابل بين: الدِّين والعلم؟

أجدني مستنفراً عندما أسمع ذلك للمبادرة إلى إعلان البراءة من دينٍ يقابل العلم، لألتحق بركب المتديّنين الذين عقدوا القلب على ما أبرمه العقل، وعبَّر عنه ابن سينا بقوله: «مَن تعوّد أن يصدّق من غير دليل، فقد انسلخ عن الفطرة الإنسانية».

ما تمسّ الحاجة إلى تظهيره في هذا الباب، أمور:

1) ليست الحقيقة الدينية بدعاً من الحقيقة، ولا هي يقينٌ نشاز، بل هي كأيّ حقيقة علمية، لا يختلف المنهج الموصل إليها عن المنهج الموصِل إلى غيرها، إلا في أدوات البحث المنهجي ووسائله.

2) إن أشدّ الحقائق الدينية غرابةً، كالكرامات، لا يمكن لها إطلاقاً أن تخرج عن قوانين العقل وأحكامه، وقد تحدّث العلماء عبر القرون  عن ذلك بوضوح، يقول ابن سينا: «نصيحة: إياك أن يكون تكيُّسك (أي تعقّلك) وتبرّزك عن العامّة (أي نخبويّتك) هو أن تنبري منكِراً لكلّ شيء، فذلك طيشٌ وعجز.. فالصواب أن تُسرّح أمثال ذلك إلى بقعة الإمكان ما لم يذُدكَ عنه قائمُ البرهان، واعلم أنّ في الطبيعة عجائبَ، وللقوى العالية الفعّالة والقوى السافلة المنفعلة اجتماعاتٌ على غرائب».

ويقول صدر المتألّهين: «إياك أن تظنّ بفطنتك البتراء أنّ مقاصد هؤلاء القوم من أكابر العرفاء.. خالية عن البرهان..».

3) سنكتشف لدى القراءة المتأنية أنّ المشكلة ليست في باب البحث عن منهج يتكفّل ذلك، بل هي في  تنكّب الوسائل المنهجية التي تتوقّف عليها سلامة البحث، مساراً ونتائج.

4) من البديهي أن يهتمّ المنتمون إلى دينٍ ما، بالطريقة الأمثل لتقديم دينهم الذي يعتبرونه الحقّ، وليس من المنهجية بشيء محاولة إيهام الآخر -ولو بالمآل- بوحدة الأديان بصورتها القائمة فعلاً، لأنّ ذلك لن يقنع أحداً، وسيُلغي الجميع.

5) يلتقي الدين الإسلامي مع كلّ ما سلِم من التحريف في الأديان السابقة، يصرّح بذلك ويجهر به، ويلحّ على الحوار من منطلقه، لأنّ الحوار مع الآخر مهمة حامل الفكر والمعتقِد به، وليس مهمة الفكر نفسه.... ينبغي التمييز بدقّة بين الحقيقة وبين الباحث عنها، فلكلٍّ شروطه المتّصلة بالحوار. وإذ تتّصف الحقيقة بالحدّية التي هي من لوازم الوضوح واليقين، فإنّ الباحث يجب أن يتّصف بالمرونة، وكما يكمن الخطأ في استبدال الصِّفَتَين، فإنّه يكمن بدرجة أشدّ في مُحاورٍ مرِن لا يرتكز إلى حقيقة واثقة من نفسها وموقِنة، وبكلمة: إنّ المرونة وروح الحوار ضرورة بهدف الوصول إلى الحقيقة، وليس ضرورةً للحقيقة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* فقرة من بحث لسماحته بعنوان: «الدّين، العلم، المنهج ... إشكالية المصطلح»، تجد نصّه الكامل على موقع «السرائر» الإلكتروني

 

 

اخبار مرتبطة

  ايها العزيز

ايها العزيز

  دوريات

دوريات

10/12/2018

دوريات

  اجنبية

اجنبية

10/12/2018

اجنبية

نفحات