الملف

الملف

14/01/2019

نورٌ من نور الله وشَجَنةٌ من رسوله

نورٌ من نور الله وشَجَنةٌ من رسوله

مكامن العظمة في شخصيّة الزهراء عليها السلام

كم سمعنا الحديث النبويّ الشريف: «فاطمة بَضعةٌ منّي»؟ هل حاولنا الوصول إلى عمق دلالة هذا الحديث؟ هل تنبّهنا إلى أن من معانيه أنّك عندما تقول: «فاطمة» فقد قلتَ: «رسول الله»؟ أي أنّ فاطمة هي رسول الله، نفسُ رسول الله صلّى الله عليه وآله.

عندما نريد أن نستوضح الصورة بعض الشيء، دعونا نتّفق على سرّ العظمة في الشخص. بِمَ يصبح الشخص عظيماً؟ كلنا نعرف أنّ المقاييس والمعايير التي نصنعها نحن باطلة، فمن النداءات الإلهية في يوم القيامة: «أيّها الناس أنصِتوا، فقد أنصَتُّ لكم زمناً طويلاً، وضعتُ نسَباً وهو التّقوى، ووضعتم أنساباً»!

نحن نصنع معايير لسرّ العظمة، وليس «المعيار» في الحقيقة إلّا القُرب من الله عزّ وجلّ، وطاعته سبحانه.

بعبارة ثانية: عندما يطيع الإنسان اللهَ، فهو عاقل، وعندما يعصي فقد خرج عن دائرة العقل بهذا المقدار. ومَن لا تَعرف سيرتُه إلّا الطاعة الأتمّ لله عزّ وجلّ، فهو العاقل الأتمّ، أقربُ الناس إلى الله والمتمحّض في طاعته سبحانه. وعندما يقترب الإنسان قليلاً من الله عزّ وجلّ، لا بدّ وأن تظهر نتائج هذا القُرب، كلّنا نسمع أو نقرأ الحديث القدسيّ: «عبدي أطِعني تكن مثلي. تقول للشيء: كُنْ، فيكون».

ورسول الله صلّى الله عليه وآله، لشدّة قربه من الله عزّ وجلّ وصل إلى مقامٍ لا يُمكننا أن نتصوّر كُنهه. الإنسان العاديّ إذا أطاع الله عزّ وجلّ، فبمقدار طاعته يقترب، فإذا وصل إلى مرحلة مميّزة من الطاعة تصدر عنه أمور من الغرائب. وما أكثر العلماء الأجلّاء من أصحاب الكرامات الذين كانوا لقُربهم من الله عزّ وجلّ يقومون بمثل هذه الأمور. وما هو المحور؟ إنّه القرب من الله عزّ وجلّ.

هل هناك بين الخلق جميعاً أقرب إلى الله عزّ وجلّ من المصطفى الحبيب؟ إذاً، ما هي نتائج هذا القرب؟ بعضُ نتائجه:

* ﴿..وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللهَ رَمَى..﴾. [الأنفال:17]

* يدُ رسول الله يعبَّر عنها بيد الله تعالى: ﴿..يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ..﴾. [الفتح:10]

* نُطقُ رسول الله وحيٌ منه تبارك وتعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾. [النجم:3-4]

تقول لنا هذه الحقائق ونظائرها: إنّ المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله، هو مَظهَر قدرة الله تعالى، مظهَرُ علم الله تعالى، مظهَر حِلم الله تعالى، مظهَر كرم الله تعالى، والزهراء روحُ المصطفى التي بين جنبيَه.. بَضعةٌ منه.. شَجَنةٌ منه.

ينبغي، إذاً، أن نبحث عن عظَمة فاطمة عليها صلوات الرحمن، في صميم عظَمة رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إنَّ اللهَ لَيَرضى لِرضى فاطمة..»، ألم نسمع جميعاً هذا الحديث؟

يقف عنده أحد كبار العلماء فيقول ما خلاصته: «لو كان الحديث هكذا: إنّ فاطمة لترضى لرضى الله وتغضب لغضبه، لكان يدلّ على درجة عظيمة للزهراء، ولكنّه بصيغته الحالية يدلّ على درجة أعظم بكثير».

وبالتأمّل في نصوص الإمام الخميني، نكتشف أنّ كثيراً ممّا نعرفه ونتداوله لا علاقة له بشخصية الزهراء صلوات الله وسلامه عليها. يقول الإمام في (صحيفة نور): «إنّها -أي الزهراء- موجودٌ ملكوتيّ ظهرَ في العالم في صورة إنسان، بل هي موجود إلهيّ جبروتيّ ظهر في صورة امرأة. جميع الهُويّات الكمالية المتصوَّرة في إنسان موجودة فيها. وفيها عليها السلام، جميعُ خصائص الأنبياء».

يضيف: «لو كانت رجلاً لكانت نبيّاً. لو كانت رجلاً لكانت مكانَ رسول الله صلّى الله عليه وآله. التجلّيات الملكوتية، التجلّيات الإلهية، التجليات الجبروتية، التجليات المُلكية والناسوتية، كلّها، مجتمعة في هذا الوجود».

حتى إذا لم نفهم كلّ دلالات كلمات الإمام الخميني، فهي تكشف عن أنّ اللّغة التي نتحدث بها عن الزهراء عليها السلام، ينبغي أن تكون لغة مميّزة.

وعندما نريد أن نتعرّف إلى بعض خصائصها، مثل «نور الزهراء»، ونحاول أن نكوّن فكرة عمّا في الروايات عن نور الزهراء -بعد الحديث عن العظَمة- ماذا نجد؟

حيثما وجدتَ الحديث عن النور في القرآن الكريم أو في الروايات، تجد حديثاً عن الزهراء. ما هو سرّ هذه العلاقة بين الزهراء والنور الإلهيّ؟ نجد في الروايات ما ينبغي أن يكون هو المصبّ لاستلهام هذه الحقيقة، ولا يمكن الوصول إلى كُنه الحقيقة مباشرة على الأقل، إلّا أنّ هناك أموراً واضحة. مثلاً: هل كانت الزهراء نوراً قبل أن يخلق الله الخلق؟ ومَن يشكّ في ذلك من بين كلّ علمائنا الأعلام!؟ لنتأمل مجاميعهم في الحديث، لنتأمل كتبَهم. سنجد أنّ هذا الأمر من المسلّمات، لا مجال للنقاش فيه أبداً.

أذكر هنا كمثال: في (روضة المتّقين)، يصرّح المجلسيّ الأول، كما يصرّح كذلك الشيخ الصدوق بصّحة أحاديث تضمّنت أنّ نور الزهراء عليها السلام، كان قبل أن يخلق الله عزّ وجلّ الخَلق بآلاف الأعوام.

يكفي أن نقف عند الروايات التي وردت عن المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله، في حديثه حول نور الزهراء: «نورُ فاطمة مِن نورنا»، «نورُنا ونورُ فاطمة واحد».

أذكر هنا حديثاً عن الإمام الصادق عليه السلام، وقد سُئل: لم سُمّيتْ فاطمة الزهراء زهراء؟

فقال: «لأنَّ الله عزَّ وجلَّ خلَقَها من نورَ عظَمته، فلمّا أشرَقَتْ أضاءَتِ السّماواتُ والأرضُ بِنورِها، وغَشيت أبصارُ الملائكة، وخرَّ الملائكةُ للهِ ساجدين، وقالوا: إلهَنا وسيّدنا.. ما هذا النور؟

فأوحى الله إليهم: هذا نورٌ مِن نوري، وأَسكنتُه في سمائي، خَلقتُه من عظَمتي، أُخرِجُه مِن صلبِ نبيٍّ من أنبيائي أُفضّلُه على جميع الأنبياء، وأُخرِجُ من ذلكَ النّور أئمّةً يقومون بأمري.. يَهدون إلى حقّي، وأَجعلُهم خلفاء في أرضي بعد انقضاءِ وَحيي».

إذاً، فالزهراء عليها السلام، مصدر نور الأئمّة الأحد عشر على الأقلّ.. إن شئتَ.. كما يُفهم من ظاهر هذه الرواية.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات

إصدارات

14/01/2019

إصدارات

نفحات