الملف

الملف

13/02/2019

فرعٌ على الميثاق الأخصّ للحقيقة المحمّدية

فرعٌ على الميثاق الأخصّ  للحقيقة المحمّدية

قراءة في صفة الامتحان الإلهيّ للزهراء عليها السلام

يستدعي البحث في الامتحان الإلهيّ للزهراء عليها السلام، تقديم البحث في عموم الامتحان الإلهيّ لكلّ الناس، وسينتهي بنا المطاف -من خلال البحث القرآنيّ والروائيّ- إلى أن الامتحان، أو الميثاق الإلهيّ، على ثلاثة أقسام:

1) الميثاق العامّ، وهو لكلّ البشر :

هو الميثاق الذي أخذه الله تعالى على كلّ بني آدم عليه السلام، بالتوضيح الذي تضمّنته آية الميثاق: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ...﴾. (الأعراف:172)

2) الميثاق الخاصّ للأنبياء والأولياء:

قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾. (الأحزاب:7)

وفي تفسير الميزان للسيد الطباطبائي، قال: «..الميثاق المأخوذ من النبيّين ميثاق خاصّ من حيث إنهم نبيّون، وهو غير الميثاق المأخوذ من عامة البشر..»، وهو المشار إليه في الآية 172 من سورة الأعراف، المتقدّم ذكرها.

ومفاد الروايات، أن هذين الامتحانين، لعامة البشر ولخصوص الأنبياء، كانا في مرحلة «عالَم الذّرّ».

وبديهيّ أن ميثاق النبيّين عليهم السلام، أعمّ وأشمل من ميثاق سائر الخلق. ومن عناوينه، ما رواه الفخر الرازي في (تفسيره: 8/123)، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «إنّ اللهَ تعالى ما بعثَ آدمَ عليه السلام -ومَن بعدَه من الأنبياءِ عليهم الصلاة والسلام- إلا أخَذَ عليه العهدَ: لئِن بُعث محمّدٌ عليه الصلاة والسلام، وهو حيٌّ، لَيُؤمِنَنّ به ولَيَنْصُرَنّه..».

وهذه الرواية تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾. (آل عمران:81)

3) الميثاق أو الامتحان الإلهيّ الأخصّ للحقيقة المحمّديّة:

المقصود من «الحقيقة المحمّديّة»، الخمسة أصحاب الكساء، والتسعة المعصومون من ذريّة سيّد الشهداء عليه السلام. والامتحان الإلهيّ للحقيقة المحمّدية متقدّمٌ زمنياً -أي قبل مرحلة عالَم الذّرّ- على امتحان سائر النبيّين، وفي سياقه يقع امتحان الصدّيقة الكبرى الزهراء عليها السلام.

وفي حشدٍ كبيرٍ جداً من الروايات تصريحٌ بأن النبيّ صلّى الله عليه وآله، خُلق قبل النبيّ آدم بدهرٍ طويل، وأنه صلّى الله عليه وآله أوّل النبيّين خَلقاً، وأنه سرّ الخلق، وأن الملائكة تعلّمت التهليل والتسبيح منه ومن آله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

من هذه الروايات، ما رواه ابن حنبل في (مسنده) عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، قال: «كنتُ أنا وعَلِيّ نوراً، بين يدَي الله، قبلَ أن يخلقَ آدمَ بأربعة عشرَ ألف سنة..».

[انظر: كشف الغطاء: 1/10؛ طرائف ابن طاوس: ص 16؛ شرح إحقاق الحق: 5/243]

ولا يخفى أن هذا الامتحان الإلهيّ للحقيقة المحمّدية، هو الأول، وعلى أساسه كان الخلق وعالَم الذّر، وسائر عوالم الإنسان.

وتشارك الزهراءُ عليها السلام، مَن هي بضعةٌ منه صلّى الله عليه وآله. وبهذا تلتقي دلالة عبارة الزيارة «امْتَحَنَكِ.. قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَكِ»، وما ورد من قولها عليها السلام، عن أبيها صلّى الله عليه وآله: «وأشهدُ أنّ أبي محمّداً عبدُه ورسولُه، اختارَه قبلَ أن يجتبِلَه، واصطفاهُ قبلَ أن يبتعِثَه، وسمّاهُ قبلَ أن يستنجِبَه».

ومعنى أن الحقيقة المحمديّة هي سرّ الخلق -«لَولاكَ ما خلقتُ آدم»- أنّ نجاح سيد النبيّين وآله صلوات الله وسلامه عليهم، في الامتحان كان قد تحقّق، فثبتتْ به «جدوى مشروع الخلق». وفي هذا الأفق والعالَم، كان امتحان الزهراء عليها السلام الذي تتحدّث عنه الزيارة.

خصوص الامتحان الإلهيّ للزهراء عليها السلام

يُفهم من كلمات العلماء أنه لا يصحّ الفصل بين الامتحان الذي تعرّضت له الزهراء عليها السلام، في هذه الحياة الدنيا، بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وبين امتحانها الإلهيّ في عالَم الذرّ. هذا الامتحان هو ذاك، والنجاح فيه هنا، هو ما كان قد ظهر في عِلم الله تعالى في عالَم الذرّ، أو النشأة الأولى.

ما يلي، أبرز ما ورد في كلمات العلماء حول طبيعة الامتحان الإلهيّ للصدّيقة الكبرى عليها السلام.

* الصبر على الابتلاءات المرتقَبة: سُئل المرجع الراحل الشيخ جواد التبريزي، حول تفسير الامتحان قبل الخلق، وكونها عليها السلام صابرة، الوارد في متن الزيارة: «امتحَنكِ الّذي خلقَكِ قبلَ أن يَخلُقَكِ، فوَجَدَكِ لِما امتحنَكِ به صابرةً».

فأجاب رحمه الله (صراط النجاة): «لعلّ الامتحان راجعٌ إلى عالم الذرّ، وخلْق الأرواح في الصوَر المثالية قبل خلق الأبدان، واللهُ العالم».

وقال في مكانٍ آخر: «الامتحان المذكور في زيارة الزهراء سلام الله عليها، فالمراد به: عِلمُ الله بما يجري عليها، وصبرُها على جميع الابتلاءات السابقة على وجودها المادّي الخارجيّ، ما أوجب إعطاءها المقام الخاصّ بها..».

* حبسُ النفْس على مرضاة الله: يقول المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني (الحقّ المبين، ص 305): «عندما نقرأ في زيارتها سلام الله عليها: يا ممتحنةُ، امتحنكِ اللهُ الّذي خلقَكِ قبلَ أن يخلقَكِ، فوجَدَكِ لِما امتحَنَكِ صابرة. نعرف أنّها بلغت مقامها العظيم بامتحان الله تعالى لها، لكنّا لا نعرف إلا القليل عن ذلك الامتحان وكيف نجحت فيه بالصَّبر، وكيف حبست نفْسها على مرضاة الله تعالى حتّى رحلت من هذه الدنيا».

* الاجتباء قبل الخلق أمارة على خصوصيّةٍ في الذوات المطهّرة: يقول العلاّمة الشيخ محمّد السند (الإمامة الإلهية، تقرير دروسه، ص 199): «إنّ الامتحان في رتبة العلم الربوبيّ والاصطفاء والاختيار والانتجاب في أفق العلم الإلهيّ قبل خلق النبيّ صلّى الله عليه وآله وقبل خلق الزهراء عليها السلام، يدلّ على وقوع العلم الإلهيّ على خصوصيّةٍ في تلك الذوات المطهّرة التي حباها الله بختم النبوّة والحجّية على الخلق».

* الصبر على حمل الأسرار الربانية: قال الشيخ محمّد فاضل المسعودي (الأسرار الفاطمية، ص 54): «والذي يظهر من هذه الزيارة المخصوصة للصدّيقة الشهيدة أنها امتُحنت من قبل الباري عزّ وجلّ قبل خلْقها، أي عندما كانت نوراً من الأنوار التي خلَقها الله تعالى قبل الخلق بألف عام، والتي كانت بعرشه مُحْدِقة، و كان الامتحان لها لأجل إظهار مقامها السامي، ومنزلتها الحقيقية، حيث كانت نتيجة الامتحان أنها صابرة.

 والمعروف عند العرف العقلائي أن الشخص يمتحَن ليُعرف مدى استعداداته وقابلياته. والزهراء سلام الله عليها امتُحنت في حمل العلم والأمانة الربانية، فوجدها الباري عزّ وجلّ صابرة على حمل العلم والأمانة الربّانية، لذا استحقّت حمل الأسرار الربّانيّة».

 

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  شعر

شعر

  تاريخ و بلدان

تاريخ و بلدان

نفحات