الملف

الملف

13/02/2019

كمال الولاية الصادقة

كمال الولاية الصادقة

ثباتٌ على اليقين بما جاء به النبيّ وأوصياؤه

نقرأ في زيارة الصدّيقة الشهيدة الزهراء عليها السلام: «وَزَعَمْنَا أنَّا لَكِ أَوْلِياءُ وَمُصدِّقُونَ وَصَابِرُونَ لِكُلّ مَا أَتَانَا بِهِ أَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وَسَلّمَ، وَأَتَى بِهِ وَصِيُّهُ».

زعمُ الولاية مصطلح قرآنيّ: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ..﴾ (الجمعة:6).

 والزّعم في اللغة: «اعتقادٌ لا يُبتنى على أساسٍ موثّق»، فهو ، إذاً، ادعاءٌ، قد يكون حقاً، وقد يكون باطلاً.

والخطورة في كلّ «زعمٍ» بحسبه، إلا أنها تبلغ أعلى مراتب الخطر، عندما يتعلق الزعمُ بأمرٍ عقائديّ، كما هو الحال هنا في «زعْم الولاية».

كيف نحذر الولاية المزعومة

في ما يخصّ التدقيق في ولايتنا للزهرء عليها السلام ينفعنا جداً أن نستحضر أنّ الله تعالى يرضى لرضاها عليها السلام، ثم نقيس كلّ اعتقادٍ من اعتقاداتنا، وكلّ عمل، بل كلّ نيّة بمقياس رضاها عليها السلام. وحتى لا تكون ولايتنا زعماً باطلاً وادعاءً مردوداً، يجب الحذر من المخاطر التالية:

1) الإقامة على معصية: بمعنى أن تكون هناك معصية -ولو واحدة- يقع فيها الشخص عن سابق عمدٍ وإصرار.

2) العمل بلا تقوى: وهو أن يبني المرء تديّنه بناءً ضعيفاً ﴿عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ﴾، يعمل الكثير ولكنْ بلا تقوى. يأتي بالطاعات، ولكن متى لاح له شيءٌ من الحرام، خرج إليه يسعى. (التوبة:109)

3) عدم الحذر من سوء العاقبة: ومنشأه الفهم الخاطئ لـ«ولاية الزهراء عليها السلام»، واعتبارها مجرّد انتماء يحدّد هويّة الفرد الدينيّة الواقعيّة والأبديّة، والصحيح أن ولايتها عليها السلام ليست شيئاً آخر غير الالتزام الدينيّ السليم. ولاية الزهراء عليها السلام تجلّي ولاية الله تعالى.

4) لا تُخرج نفسك من حدّ التقصير: عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام، قال: «..لَا تُخْرِجَنَّ نَفْسَكَ مِنَ حَدِّ التَّقْصِيرِ فِي عِبَادَةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وطَاعَتِه، فَإِنَّ اللهَ لَا يُعْبَدُ حَقَّ عِبَادَتِه».

والضرر في إخراج النفس من «حدّ التقصير» في معرفة العقائد الحقّ، والالتزام بها، أشدّ من خطر إخراج النفس من التقصير في سائر العبادات.

الولاية الحقيقيّة هي الصبرُ الحقيقيّ

حاصل معنى فقرة «وَزَعَمْنَا أنَّا لَكِ أَوْلِياءُ»، هو: شكوى الموالي، وخوفه من أن تكون ولايته للزهراء عليها السلام ولاية مزعومة، وهذه الشكوى وهذا الخوف مبنيّان على خوفه من عدم الصّدق في ادعائه وزعمه التصديق بما جاء به النبيّ والوصيّ صلّى الله عليهما وآلهما، وخوفه من عدم الصدق في استعداده الحقيقيّ للصبر.

هكذا يتضح أنّ الولاية الحقيقيّة تقوم على التصديق، بدلاً من التصوّر الذي يقترن بالزعم. ويثبت التصديقُ بالصّبر.

وعليه، يُصبح حاصل معنى الولاية الحقيقية: التصديقُ بما جاءَ به النبيّ والوصيّ صلّى الله عليهما وآلهما، تصديقاً تامّاً كاملاً، لا تقوى كلّ مراراتِ الدنيا أن تخدشَ الصّبرَ عليه، فضلاً عن أن تنالَ منه.

وعليه أيضاً، يكون حاصل هذا الحاصل أن الولاية الحقيقيّة هي الصبرُ الحقيقيّ.

صبر الموالي دليل التصديق

إذا دقّقنا في هذه الزيارة للزهراء عليها السلام، سنجد أن الحديث فيها عن صنفين من الصبر:

1) صبرُ المولى: «امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذِى خَلَقَكِ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صَابِرَةً».

2) وصبر الموالي: « وَزَعَمْنَا أنَّا لَكِ أَوْلِياءُ وَمُصدِّقُونَ وَصَابِرُونَ لِكُلّ مَا أَتَانَا بِهِ أَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وَسَلّمَ، وَأَتَى بِهِ وَصِيُّهُ..».

وتعبير «أتى بالشيء» أعمّ من الإتيان باللفظ وبالفعل، فكلّ ما صدر من النبيّ صلّى الله عليه وآله -ومن وصيّه عليه السلام- من قولٍ أو فعلٍ، وهو موردٌ للتصديق وللصّبر، فإنّ الواجب على الموالي أن يصدّق به، ويصبرَ عليه.

التصديق والصبر عامّان

وجوبُ التصديق عامّ، لا يُستثنى منه أيّ مورد، فمن لا يصدّق بطول عمر الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف، أو بأصل الرّجعة، فقد حُرم من كمال الولاية، وإذا كان عدم تصديقه بمعنى الإنكار الذي بلغ حدّ الاعتراض، فقد خرج من الولاية، إنْ كان قد دخلها، وحُرم من الوصول إليها إنْ كانت لم تتحقق فيه وله بعد.

ووجوب الصبر عامّ، لا يقصَد بصبر المولى صبرٌ خاصّ في موردٍ أو موارد. واجب الموالي هو الاقتداء بالمعصوم، والتدرّج في مراتب الصبر وصولاً إلى حيث يكون الصبر خُلُقاً يتخلّق به وسجيّة راسخة، رغم بالغ اختلاف الدرجات بينه وبين المعصوم، وبين حالات الموالي نفسه.

زادُ الموالي في هذه الرحلة الأشقّ، أن الله تعالى وعد أن يُفرغ الصبر على من يطلبه بصدق: ﴿.. رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً..﴾. وإفراغُ الصبر ينادي بالوفرة والإغداق. فهل يُحسن القلبُ الطلب؟ وهل يعي أن طلب الوصول إلى الطلب الحقيقيّ، طلبٌ! (البقرة:250)

خطورة عدم التصديق

الخطورة العظمى، حين يكون المطلوب من الموالي التصديق بما صبر عليه المولى، فيسقط من يريد أن يكون موالياً، في الامتحان. ووجه الخطورة، انتفاءُ إمكانيّة الولاية، بحيث لا يبقى مجالٌ حتى لزعمها والادّعاء.

مثال ذلك: أنْ لا يتمكّن الموالي من التصديق بـ«إسقاط المحسن» -جنين الزهراء عليها السلام، الذي سمّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم سمّى الحسنَين- رغم توفّر الأدلة القطعيّة على ذلك، كما ثبت في محلّه من المصادر السنّيّة قبل الشيعيّة، فيلجأ إلى التنظير المبنيّ على الأوهام، من قبيل: وهل يُعقل أن يحصل ذلك بمرآى من الإمام عليّ عليه السلام، ومَسمع؟!

إن السبب الحقيقيّ لعدم التعقّل هذا، هو عدم القدرة على فهم أن يكون في «إسقاط الجنين» حكمة تقتضي الصبرَ عليه.

[راجع مثلاً: كتاب (المحسن السبط، مولودٌ أم سقط؟ للسيد محمّد مهدي الخرسان]

يؤدّي سوء الفهم إلى عدم التعقّل، والمآل عدمُ التصديق بوقوع ذلك، وإنكارُه، ولا يكتفي المنكِر بذلك، بل يعلن الحرب حتى على من يتحدّث به بيقين، فلا يبقى مجالٌ لاستلهام دروس الصّبر والعِبَر من صبر المعصوم على أهوال المعاناة التي تعجز عن حملها الرواسي.

 

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  شعر

شعر

  تاريخ و بلدان

تاريخ و بلدان

نفحات