أحسن الحديث

أحسن الحديث

07/04/2019

التزكية والشكر

التزكية والشكر

من أجَلّ الخصال الإنسانية

____المرجع الديني السيّد عبد الأعلى السبزواري____

 

«مواهب الرحمن في تفسير القرآن» واحد من مؤلّفات الفقيه الكبير السيّد عبد الأعلى السبزواري المتوفّى في النجف الأشرف سنة 1414 هجرية، وقد قام أحد الفضلاء وهو السيد إبراهيم سرور بجمع المطالب الأخلاقية من هذا التفسير في كتاب أسماه «الأخلاق في القرآن»، ومنه اخترنا هذين الفصلين بعنوان «التزكية» و«الشكر».

 

قال تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ البقرة:151.

أصل الزكاة هو النموّ الحاصل من بركة الله تعالى، سواء أكان في الأمور الدنيوية، أم الأخروية، أم هما معاً، وقد استُعملت في القرآن الكريم بأنحاء شتّى:

فتارة تضاف إلى الله عزّ وجلّ، قال تعالى: ﴿..بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ..﴾ النساء:49.َ

وأخرى إلى نبيّنا الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في المقام ﴿يزكّيهم﴾.

وثالثة: إلى ذات الفاعل، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ الشمس:9-10. وهذ شأن جميع الصفات ذات الإضافة.

والتزكية هي الطهارة والتقديس عن الأدناس والأرجاس الظاهرية، أو الرذائل المعنوية، سواء كانتا بالنسبة إلى النفس كما في بعض النفوس السعيدة ممّا يفيض عليها اللهُ تعالى على نحو الاقتضاء، كما قال تعالى: ﴿..غُلَامًا زَكِيًّا﴾ مريم:19، أو بالنسبة إلى الأعمال والأفعال.

والرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم هو المَثل الأعلى في التزكية بجميع مراتبها، والقدوة الحسنة في الأخلاق الفاضلة والسجايا الكريمة، لا يدانيه أحدٌ ولا يجاريه فرد، ولقد جاهد في تزكية أمّته بدينه وتعاليمه وتشريعاته وبنفسه الشريفة، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب:21، وتطهيرهم من رذائل الأخلاق وسوء الاعتقاد، فإنّ بالتزكية يتخلّى الإنسان عن الرذائل والخبائث، ويتحلّى بالفضائل، فهي التربية العملية التي لها الأثر العظيم في مطلق التربية والتعليم.

وترتّبُ التزكية على التلاوة من قبيل ترتّب المقتضى على المقتضي، وقد يكون من قبيل ترتّب المعلول على العلّة التامّة كما في بعض النفوس المستعدّة.

ثمّ إنّه تعالى قدّم التزكية على التعليم في هذه الآية الشريفة وأخّرها عنه في دعاء إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: ﴿..وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ..﴾ البقرة:129. 

ولعلّ الوجه في ذلك أنّ للتزكية مراتب كثيرة، منها الإرشاد المحض وإتمام الحجّة، ومنها التخلّي عن الرذائل، ومنها التحلّي بالفضائل، ومنها التجلّي بمظاهر الأسماء والصفات الربوبية، ولكلّ واحدة منها درجات، فيُحمل ما قُدّمت فيها التزكية على بعض المراتب، وما أخّرت فيها على البعض الآخر.

قال تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ﴾، لأنّ بالتعليم يرتقي الإنسان من أدنى درجات البهيمية إلى أقصى درجات الإنسانية، فقد كان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم المعلّمَ الهادي لأمّته، يبيّن لهم ما انطوت عليه شريعته، وما اشتمل عليه كتابه الكريم من الأسرار والمعارف الربوبية.

وقال تعالى: ﴿وَالحِكْمَةَ﴾، فإن قلنا بمقالة الفلاسفة من أنّ الحكمة تارةً علمية، وهي العلم بحقائق الموجودات بقدر الطاقة البشرية، وأخرى عمليّة، وهي صيرورة الإنسان أكبر حجّة لله تعالى في خلقه، فإنّ عظمة مقامها معلومة لكلّ أحد.

وإن قلنا بما يستفاد من الكتاب والسنّة المقدسة -وهي متابعة الشريعة أصولاً وفروعاً، ومعرفة حجّة الله على الخلق- فالأمر أظهر وأبين.

قال تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾، بفهم أسرار الكتاب العظيم وأخبار الأمم الماضين والعلوم التي تهمّكم وتزيد في علومكم، وتكون سبباً في تهذيب نفوسكم ممّا لم تكونوا تعلمونه سابقاً.

وهذ الآية على اختصارها تحتوي على أصول التربية والتعليم بالترتيب الذي أراده القرآن العظيم ابتداء بالتلاوة والتذكّر بآيات الله تعالى، ثمّ تزكية النفس من الرذائل وتحليتها بالفضائل لتستعدّ لإفاضة العلوم عليها، ثمّ التعليم، ثمّ معرفة الأشياء بحقائقها والعمل بما عرفه، كلّ ذلك من طريق الشرع المبين.

وعليه ترجع التلاوة والحكمة إلى الكتاب الذي هو القرآن العظيم، فإنّهما وإن اختلفا في المؤدّى ولكنّهما متّحدان مصداقاً لكن الكتاب يظهر بأطوار مختلفة.

 

أقسام الشكر

إنّ الشكر من أجَلّ الصفات الحسنة، ومن أرفع مقامات العبودية، وهو على أقسام:

الأوّل: أن يكون من المخلوق للخالق، وقد رغّب إليه الكتاب والسنّة المقدسة ترغيباً بليغاً بأنحاء مختلفة بأن أضاف الشكر:

تارة إلى نفسه، قال تعالى: ﴿..أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ لقمان:14، وقال تعالى: ﴿..وَاشْكُرُوا لِلَّهِ..﴾ البقرة:172، إلى غير ذلك من الآيات المباركة.

وأخرى إلى نعمه، قال تعالى: ﴿..وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ الله..﴾ النحل:114، وهو يرجع إلى الأوّل، لأنّ كلّ ما بالعرَض لا بدّ من أن ينتهي إلى ما بالذات.

وثالثة: إلى نفس الشاكر، قال تعالى: ﴿..وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ..﴾ لقمان:12، فإنّ غاية الشكر إنّما يرجع إلى نفس الشاكر، كقوله تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ..﴾ الإسراء:7، ولا فرق في هذا القسم بين أن يكون الشكر على الآراء والمعتقدات الحسنة والمعارف الحقّة، أو على النّعم الخارجية، وجميع ذلك مذكور في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿..يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ المائدة:89، وقال تعالى: ﴿..وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ النحل:78، وقال تعالى: ﴿..وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ الأنفال:26، وهو مطابق للقواعد العقلية، لأنّ أساس معرفة الله تعالى مبنيّ على وجوب شكر المنعم عقلاً -وهذا الوجوب عقلي لا أن يكون شرعياً- ومعرفة الله تعالى من أرفع المقامات والكمالات الإنسانية التي وصل الإنسان إليها بحكم عقله.

الثاني: أن يكون من الخالق للمخلوق، قال تعالى: ﴿..وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ النساء:147، وقال تعالى: ﴿..وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾ الإنسان:22، بل «الشكور» من أسمائه تعالى الحسنى، فإنّ من عادة العظماء التشكّر ممّا يستحسنونه من أعمال الرعايا، وله دخل كبير في سَوق العباد إلى العمل وجلب قلوبهم.

الثالث: أن يكون من الخَلق لآخر مثله، وهو من مكارم الأخلاق، وقد ورد في الحديث: «مَن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق»، لانتهاء المخلوق ونعمه إلى الخالق، فالشكر له ينتهي بالآخرة إلى شكر نعمائه، وترك شكر المخلوق ينتهي إلى ترك شكر الخالق في سلسلة الأسباب.

 ثمّ إنّ الشكر تارة يكون لله تعالى لذاته بذاته بلا لحاظ عناية أخرى لأنّه مبدأ الكلّ ومنتهاه فيستحقّ الشكر، وهو شكر أخص الخواصّ وأخلص أنواع الشكر وأعظمها.

وأخرى يكون على ما يَرِدُ منه تعالى على عبده من البلايا والمحن، فيشكر عليها كشكره على النعم وهو شكر الخواصّ، وهو كالأوّل من أجَلّ مقامات العارفين بالله تعالى.

وثالثة: يكون بإزاء النعمة، وهو شكر العامّة من الأنام ..   

 

شعب الخيرات

عبادةَ ألفِ سنة

* عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:

«مَن قال في شعبان ألفَ مرّة: (لا إلهَ إلَّا اللهُ، ولا نعبدُ إلَّا إيّاه، مُخلصينَ له الدِّين ولو كَرِهَ المشركون)، كتبَ اللهُ له عبادةَ ألفِ سنة، ومحا عنه ذنْبَ ألفِ سنة، ويَخرجُ من قبرِه يومَ القيامَةِ ووجهُه يتلألأُ مثلَ القمرِ ليلةَ البدر، وكُتِب عند الله صِدِّيقاً».

(السيّد ابن طاوس، الإقبال: 3/295)

شعب الخيرات

..وأكثروا منها

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «.. وأكثروا في شعبان من الصلوات على نبيّكم وأهله». إلى أن قال: «وإنّما سُمّي شعبان شهر الشفاعة لأنّ رسولكم يَشفعُ لكلّ مَن يصلّي عليه فيه».

(الحر العاملي، وسائل الشيعة: 10/512)

 

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

09/04/2019

الموعود

  عربية

عربية

09/04/2019

عربية

نفحات