الملف

الملف

07/05/2019

على ضفاف الكوثر

 

على ضفاف الكوثر

الولاية قنطرة الورود إلى مَعين التوحيد

  • الشيخ حسين كوراني

 * من دروس «المركز الإسلامي» في «حسينية الصدّيقة الكبرى عليها السلام»، درسٌ بعنوان «تدوين السيرة - قراءة في المنهج» يتحدّث فيه سماحة الشيخ حسين كَوراني عن المنهج الواقعي في مقاربة سيرة أمير المؤمنين عليه السلام، والمعصومين عموماً، وهو منهج البدء في تدوين سيرتهم مذ كانوا أنواراً محدقةً بالعرش، «قبل خَلق الخَلق»، حين أخذت الملائكةُ عنهم التقديس والتهليل وصنوف الثناء على الباري تبارك وتعالى. وقد أتبعنا ذلك بإضاءات على مجالات من سيرة مولى الموحّدين، تطرّق لها سماحته في مؤلّفاته أو محاضراته.

«شعائر»

 

تناول عدد كبير من علماء المسلمين -سنّة وشيعة- الروايات المشتركة بين سيّد النبيّين وسيّد أوصيائه، بالشرح والتعليق، ومن محاور هذه الروايات:

1) أنّهما نور واحد.

2) أنّ الأنبياء بُعثوا على الإقرار بولاية سيّد النبيّين، وولاية أمير المؤمنين صلّى الله عليهما وآلهما.

* من روايات المحور الأول:

أ) أورد ابن شيرويه الديلمي -وهو من أعيان العلماء السنّة- في كتاب (الفردوس)، بإسناده عن سلمان الفارسيّ رضي الله عنه- قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:

خُلِقْتُ أنا وعليّ من نور واحد قبل أن يخلق الله آدم بأربعة آلاف عام، فلمّا خلق الله تعالى آدم ركّب ذلك النور في صُلبه، فلم نزل في شيءٍ واحدٍ حتى افترقنا في صلب عبد المطّلب، ففيَّ النبوّة، وفي عليٍّ الخلافة».

 (البحراني، غاية المرام: 1/30، بتصرّف)

ب) قال السيد ابن طاوس: «..قوله صلّى الله عليه وآله: (كنتُ أنا وعليّ نوراً بين يدي الله). فمن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل... عن سلمان قال: سمعتُ حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، يقول: كنتُ أنا وعليّ نوراً بين يدَي الله عزّ وجلّ قبل أن يُخلق آدمُ بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله تعالى آدم قسم ذلك النور جزئين، فجزءٌ أنا وجزءٌ عليّ..».

(السيد ابن طاوس، الطرائف: ص 15)

* ومن روايات المحور الثاني:

قال السيد علي الميلاني في (نفحات الأزهار):

* «حديث بعث الأنبياء على ولاية سيّدنا عليّ عليه السلام، وقد رواه جماعة من أعلام أهل السنّة، منهم: الحاكم النيسابوري...».

* ثمّ استعرض السيد الميلاني رواية كلٍّ من هؤلاء العلماء، أكتفي هنا بذكر بعضها:

أ) رواية الحاكم النيسابوري: بسنده عن عبد الله بن مسعود: «قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: أتاني ملَك فقال: يا محمّد! ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا..﴾، على ما بُعثوا.

قال: قلتُ: على ما بُعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب». (الزخرف:45)

 ب) رواية شهاب الدين أحمد: عن أبي هريرة قال: «قال رسول صلّى الله عليه وآله: لمّا أُسري بي ليلةَ المعراج، فاجتمع عليّ الأنبياء في السماء، فأوحى الله إليّ: سَلْهُم يا محمّد، بماذا بُعثتم؟

قالوا: بُعثنا على شهادة أن لا إله إلّا الله، وعلى الإقرار بنبوّتك، والولاية لعليّ بن أبي طالب».

ج) رواية عبد الوهاب بن محمّد: رواه عن أبي نعيم الأصبهاني، عن أبي هريرة، مثله.

(الميلاني، نفحات الأزهار: 5/258)

* لدى تطبيق هذا المنهج في تدوين السيرة، سنجد التلازم بين سيرة النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله، وسيرة سيّد أوصيائه عليه وعليهم السلام، مبدأً متأصّلاً تناولَ العلماء المسلمون عبر القرون رواياته الكثيرة بالبحث والتحليل، إلّا أنها بقيت في مظانّها لا يصل إليها إلّا مَن تعمّد البحث والتنقيب، ولو أنّها كانت قد أُوردت كمدخل إلى السيرة -سواءً سيرة النبيّ أم الوصيّ صلّى الله عليهما وآلهما- لاختلف الأمر، وأمكن انتشارها بين الناس على نطاق واسع.

دعاء اليوم العاشر

«اللّهُمّ اجعلْني من المتوكّلين عليك، واجعلْني من الفائزين لديك، واجعلْني من المقرّبين إليك، بإحسانِكَ يا غايةَ الطّالبين».

التوكُّل غير التوكيل، ومن لوازمه الثّقة المطلقة، وأن يكون ضمن نظامٍ محكم وخطة عملٍ مدروسة. وعليه يتنافي التوكُّل، أيضاً، مع الاتّكاليّة والعبثية. وينشأ الخلل في التوكُّل من عدم استحضار الثّقة بالوكيل، أو من عدم الدقة في مراعاة الخطة المدروسة.

خطّة العمل في التوكّل على الله، هي الالتزام بالأحكام الشرعية، واجتناب المعاصي، التي قد تتراكم فتضرب الثقة بين العبد وخالقه، فتكون النتيجة كما في الدعاء: «أوحشَ ما بيني وبينك فرْطُ العِصيان والطُّغيان».

 

 

نقتدي بعليّ وأهل البيت، لنصل إلى سيّد النبيّين

أمر الله تعالى بالاقتداء بسيّد الأنبياء صلّى الله عليه وآله، فقال سبحانه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾.

 وكان الإمام عليّ عليه السلام، أوّل المقتدين برسول الله صلّى الله عليه وآله، وبلغ اقتداؤه به إلى حيث كان نفسه صلّى الله عليه وآله: ﴿..وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ..﴾، وهي مرتبة فوق «المؤاخاة» التي قامت على أساس «الأشباه والنظائر»، كما يذكَر في محلّه.

بدأ هذا التأسّي العلويّ والاقتداء بسيّد النبيّين صلّى الله عليه وآله قبل البعثة، وعندما نزل الوحي شهد رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّ علياً عليه السلام، كان تجلّي رسول الله إلى حدّ التماهي في كلّ الخصائص، ما عدا النبوّة.

كان عليّ عليه السلام آنذاك في العاشرة من عمره الشريف، وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله يؤكّد للأمّة وحدة الحقيقة المحمّدية، والنور المحمّديّ، والتلازم بين مسيرة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ..﴾ ونزول الوحي، وبين ولاية عليّ وأهل البيت عليهم السلام، وأنّ ضمانة استمرار الرسالة الإسلامية بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، فرعُ حسن اقتداء الأمّة بأهل البيت عليهم السلام.

من هنا وجب توكيد حقيقة أنّنا نقتدي بعليّ عليه السلام، لنصل به ومعه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله.

مجالات الاقتداء: عندما نقول إنّ علينا أن نقتدي برسول الله صلّى الله عليه وآله، فلا بدّ من أن تتّسع ساحة الاقتداء لتشمل الرؤية الكونية بجميع أبعادها النظرية والسلوكية، لتكون العقيدة مطابقة لعقيدة رسول الله صلّى الله عليه وآله، ويكون الموقف النظريّ من كلّ حقائق الوجود منسجماً مع هذه العقيدة، ويكون السلوك التطبيقيّ العمليّ متّسقاً مع الفكر الذي هو تجلّي الرؤية الكونية الشاملة: العقيدة والرؤى المبنيّة على أُسسها، وأنظمة السلوك التي هي ثمار هذه العقيدة ورؤاها في مختلف ميادين العلاقة مع الله تعالى، والإنسان، والكون.

نهج البلاغة، حوض «الكوثر»

على كلّ منّا أن يتنبّه جيداً إلى كيفية تزويد نفسه بالوقود الإيماني، فيهتمّ بالموعظة، وسيقوده ذلك تلقائياً إلى علاقة خاصّة بـ (نهج البلاغة) ومواعظ أمير المؤمنين عليه السلام، ليسير بها ومعها في آفاق النفس، والقرآن الكريم، والحديث الشريف.

ثمّ إنّ (نهج البلاغة) هو (حوض الكوثر)، وهو (نهر الكوثر)، مَنْ شرب من (نهج البلاغة) سيشرب من (الكوثر).

أيّها الحبيب، نسمع كثيراً أنّ علياً عليه السلام ساقي الحوض، فما معنى (ساقي الحوض)؟

حوض الكوثر هو حوض رسول الله صلّى الله عليه وآله، إلّا أنّ الذي يسقي منه هو عليّ عليه السلام، ما هو السبب؟

لأنّ حوض الكوثر هو صورة معنوية، صورة ملكوتية عن الهداية المحمّدية في الدنيا، فهو حوض رسول الله صلّى الله عليه وآله، ولأنّ الشرب والأخذ والاقتداء برسول الله صلّى الله عليه وآله، والشرب من حوضه والأخذ منه في الدنيا لا يمكن أن يتحقّق إلّا من خلال عليّ بن أبي طالب عليه السلام، لأجل ذلك، كان الساقي على الحوض في يوم القيامة هو أمير المؤمنين عليه السلام.

بلى.. «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها»، و«عليّ ساقي الحوض»، معناهما: لا يمكن، على الإطلاق، أن يهتدي مهتدٍ في الدنيا بنور المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله، إلّا إذا تمسّك بعليّ عليه السلام، وعندها يمكنه أن يشرب من حوض الكوثر، من يد الساقي الذي شرب منه في الدنيا، لأنّ الآخرة هي باطن الدنيا، تتجسّم الأمور في الآخرة، الأمور الدنيوية تتجسّم وتصبح في الآخرة بشكل يتناسب مع ذلك العالم.

نحن أمام دفّتي (نهج البلاغة) على ضفاف الكوثر، ليس بيننا وبين أن نشرب من الكوثر إلّا أن نفتح (نهج البلاغة)، بشرط أن تكون قلوبنا نقيةً طاهرة، عندها سنشعر أنّ هذا الطعم هو طعم الكوثر، غفرانك اللهم وحنانيك، فإذا كان القلب مظلماً بالذنوب، إذا كانت حجب المعاصي تحول بين القلب و(النهج الكوثر)، فهل إلى خلاص من سبيل؟ بلى أيّها الحبيب، حبّ عليّ عليه السلام يُطفئ بحاراً من نار، والمحبّ مطيع لمن أحبّ. اللهم ارزقنا الحبّ الحقيقيّ الذي لا ينفصل عن الطاعة.

 

عليُّ الحَكَمُ العَدل

* «ولّى أميرُ المؤمنين عليه السلام أبا الأسود الدؤلي القضاء ثمّ عزله، فقال له: لمَ عزلتني وما خُنت وما جَنيت؟

فقال: إنّي رأيتُ كلامك يعلو كلامَ خصمك».

* عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: من ابتُلي بالقضاء فليواسِ بينهم في الشارة، وفي النظر، وفي المجلس».

* قال ابن أبي الحديد: «استعدى رجلٌ على عليّ بن أبي طالب عليه السلام، عمرَ بن الخطاب، وعليّ جالس، فالتفت عمر إليه، فقال: قم يا أبا الحسن! فاجلس مع خصمك، فقام فجلس معه وتناظرا، ثمّ انصرف الرجل، ورجع عليّ عليه السلام إلى مجلسه، فتبيّن عمر التغيُّرَ في وجهه، فقال: يا أبا الحسن! ما لي أراك متغيّراً؟ أكرِهتَ ما كان؟

قال: نعم. قال: وما ذاك؟

قال: كنّيتني بحضرة خصمي، هلّا قلت: قم يا عليّ! فاجلس مع خصمك».

 

دعاء اليوم الحادي عشر

«اللّهُمّ حَبِّبْ إليَّ فيه الإحسانَ، وكَرِّه إليَّ فيه العصيانَ، وحَرِّمْ عَلَيَّ فيه السَّخَطَ والنيران، بعونِكَ يا عونَ المستغيثين».

سُئل رسول الله صلّى الله عليه وآله عن تفسير «الإحسان»، فقال: «أنْ تعبدَ اللهَ كأنّكَ تَراه، فإنْ لم تَكُنْ تَراه فإنّه يَراك».

وسُئل الإمام الصادق عليه السلام عن معنى الإحسان، فقال: «إذا صلّيتَ فأحسِنْ ركوعَك وسجودَك، وإذا صمتَ فَتَوَقَّ كلَّ ما فيه فسادُ صومِك.... وكلّ عملٍ تعملُه للهِ فَلْيَكُن نَقِيَّاً من الدَّنَسِ».

 

اخبار مرتبطة

  إصدارات

إصدارات

07/05/2019

إصدارات

نفحات