بسملة

بسملة

11/05/2020

كيف نفّذ الاستعمار خطّة "تمليك" فلسطين والحجاز لليهود؟ -2

كيف نفّذ الاستعمار خطّة "تمليك" فلسطين والحجاز لليهود؟ -2

كيف تمّ تصنيع "عبد العزيز بن سعود"؟

بقلم: الشيخ حسين كَوراني

ما هو سرّ تبنّي الاستعمار لآل سعود : لماذا قال "تشرشل" عن "عبد العزيز آل سعود -والد سلمان: "أريد أن أرى ابن السعود كبير كبراء الشرق"؟

ولماذا قال لـ"حاييم وايزمان" الذي خاطبه بهذا القول: لا تُخبر بهذا أحداً غير "روزفلت"؟

ولماذا حرص الرئيس الأمريكيّ  فرانكلين روزفلت "العائد من مؤتمر يالطا، في وقت مبكّر من عام 194519451945 وفي حمّى الحرب العالمية" على لقاء "عبد العزيز آل سعود" في منطقة البحيرات المرّة، بقناة السويس -وبمنتهى السرّية خوفاً من البوارج الألمانية- على متن طرّاد يو أس أسكوينسي (CA-71)، وعقد معه اتفاقاً عُرف باسم الطرّاد الذي كان اللّقاء على متنه.

"أهمّ ما جاء في هذا الاتّفاق هو توفير الولايات المتحدة الحماية اللا مشروطة لعائلة آل سعود الحاكمة، مقابل ضمان السعودية لإمدادات الطاقة التي تستحقّها الولايات المتحدة، وكان من المقرّر أن يدوم هذا الاتفاق 60 سنة، وتم تجديد محتوى اتّفاقياته لنفس المدّة -أي ستّين عاماً- في عام 2005 من قبل الرئيس جورج دبليو بوش..".

 ويكشف عن بعض المحتوى الذي جدّده "بوش" ستّين عاماً، ما نقرأه من أن روزفلت وعبد العزيز قد "ناقشا موضوع مستقبل العائلة المالكة السعودية والنفط العربي، وانتهيا إلى اتفاق يضمن للحكم الملكي السعودي حماية عسكرية مقابل الحصول على النفط".

ويرتكز اتّفاق كوينسي على أربع نقاط - منها :

1- "استقرار المملكة العربية السعودية هو جزء من المصالح الحيوية للولايات المتحدة التي تقدّم كذلك الحماية الغير مشروطة لعائلة آل سعود، وأقلّ منها للمملكة بصفة عامّة ضدّ أيّ تهديد خارجي".

2- "بالتالي استقرار شبه الجزيرة العربية وإعطاء القيادة الإقليمية للمملكة العربية السعودية ودورها الهامّ في المنطقة هم أيضاً جزء من المصالح الحيوية للولايات المتحدة".

لماذا كلّ هذا "الكرم" البريطاني ثم الأميركي، المغدق بلا حدود، على آل سعود عموماً، وعلى "عبد العزيز بن سعود" بالذات؟

                                                                           ***

* يهوديّة آل سعود هي السبب

يتوقّف تقديم الجواب الفصل على هذه التساؤلات على إدراك حقيقتَين:

الأولى: أن آل سعود سلالة يهودية، من يهود بني القَينُقاع، كما تقدّم، على لسان "فيلبي" و"بن غوريون".

الثانية: أن بريطانيا ربّت "عبد العزيز" ودرّبته منذ كان في مقتبَل العمر، لاجئاً مع أبيه في الكويت.

تُثري هاتين الحقيقتين، وتكشف عمق محوريّتهما، وتقدّم بعض التفاصيل الهامّة حولهما، ملاحظةُ المقدّمات التالية :

1- أن علاقات بريطانيا بآل سعود قديمة جداً، ترجع إلى ما قبل تحالف ابن عبد الوهاب وابن سعود، أي قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى، والسبب أن بريطانيا كانت مبكراً جداً قد اخترقت الدولة العثمانية أمنياً، وكان مبعوثوها تحت ستار "رحّالة" أو "عالم آثار" يجوبون أرجاء شبه الجزيرة ويتعرّفون على النسيج الاجتماعي، ومراكز الثقل العشائري، ولم يجدوا أقرب إليهم من "آل سعود"، بحكم أصولهم اليهودية.

ومن المحطّات المفصلية -المتأخرة نسبياً- بين بريطانيا وآل سعود "أنّ زيارة الكولونيل "بيللي" لفيصل بن تركي سنة 1865، قد انتهت إلى معاهدة بين السعوديّين وبريطانيا، وكان عبد العزيز بن سعود في مفاوضة المبعوثين البريطانيّين يعود دائماً إلى نصوص تلك المعاهدة كإطار للبحث في علاقات جديدة مع بريطانيا". (بن سعود مؤسس مملكة لزلي مكلوغلن. ترجمة د . محمد شيا الطبعة الأولى 1991 م).

2- أن الإدارة العميقة للحركة الصهيونية العالمية كانت قد قرّرت مبكراً أنه لا ضمانة لمشروعها الوجودي "الوطن القوميّ اليهوديّ" إلا بإقامة "الكيان السعوديّ"، وفي هذا السياق قال تشرشل في حديثه المشار إليه أعلاه: "إقامة الكيان السعوديّ، هو المدخل لإقامة الكيان الصهيونيّ".

3- لا ينافي هذا الأصل الثابت في الرؤية الصهيونيّة -أي التلازم بين الكيانين السعودي واليهودي- أن بريطانيا كانت في مراحل متعدّدة تدعم غير آل سعود على حسابهم، حتى ليخيّل للغافل أن بريطانيا لا تقيم وزناً لآل سعود، بينما الحقّ الذي لا لبس فيه أن بريطانيا كانت تلبس لكلّ حالة لبوسها في سياق التمكين لآل سعود، لأنّ كيانهم هو المدخل للمشروع الذي اعتبرته أولوية الأولويّات، وهو إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين.

4- أنّ تبنّي بريطانيا لعبد العزيز آل سعود نفسه، أقدم بكثير من تاريخ توقيع الاتّفاقية الأولى بينه وبين السير كوكس في يناير سنة 1915م، "وهناك ما يثبت اتصال عبد الرحمن بن سعود -والد عبد العزيز- بالبريطانيّين في مطلع سنة 1902. ففي أيار 1902، كتب الوالد عبد الرحمن إلى المعتمد السياسي البريطاني يقول:

"لا أريد أن أسأل أحداً سواكم، وما ذلك إلا للأفضال والحماية التي تقدّمونها للّذين وضعوا أنفسهم تحت نظركم، فهل تتطلّع عينا الحكومة البريطانية صوبنا.. أنا أطلب أن تعتبرني حكومتكم الموقّرة كواحد من رعاياها". (ابن سعود، لمكلوغلن. م.م).

وإذا لاحظنا ما كتبه "فيلبي" عن إلحاح عبد الرحمن الوالد على الإنجليز بتبنّي "عبد العزيز" اتّضح أن استجداء الوالد للرعاية البريطانية إنما هو لأجل ابنه كما سيأتي بشيء من التفصيل.

***

* متى بدأ " تصنيع " عبد العزيز وتدريبه؟

كانت بريطانيا يائسة من إنجاز أيّ تقدم في قضم نفوذ الدولة العثمانية، ما دام القائد الوطني النوعي "ابن الرشيد: محمد العبد الله الرشيد" على قيد الحياة، فلمّا توفّي بعد حكم دام 30 سنة، حاول الإنكليز إقناع خلَفه "عبد العزيز المتعب الرشيد" بالسير في ركابهم والعمل ضدّ الدولة العثمانية فلم يُفلحوا، فطلب الإنكليز من عبد الرحمن بن سعود -والد عبد العزيز- أن يتصدّى لحرب ابن الرشيد الخلَف، فقال لهم:

" كبرت ولا أستطيع مقابلة عبد العزيز المتعب الرشيد" فحرّضوا حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح الذي خاض مع ابن الرشيد مواجهة مُنيت بالفشل الذريع، فعاد الإنجليز يبحثون عن الشخص الذي يمكنه أن يكون ساتراً أمنيّاً لحربهم ضدّ ابن الرشيد، ففكّروا باعتماد "فيصل الدويش" لكنهم سرعان ما استبعدوه، ثم عادوا إلى عبد الرحمن بن سعود الذي اعتذر ولكنه نصحهم باعتماد ابنه "عبد العزيز"، فكان له ما أراد.

* يقول فيلبي - على ما نقله ناصر السعيد :

"لقد رأى بعض رجال المخابرات العامة أن يبرزوا لهذه المهمّة فيصل الدويش رئيس قبيلة "مطير" فهو رجل قويّ الشكيمة قويّ القبيلة يستطيع أن يكون سلطاناً وملكاً على الجزيرة العربية بقوّة الإنكليز، ولكن بعض رؤساء المخابرات الإنكليزية تردّدوا أخيراً لأن لصفات الدويش الشخصية هذه والقبيلة مضارّها، ولأن إيمانه الإسلامي صادق واعتزازه بعروبته قويّ، وهذا ما سيجعل منه الشخص غير القابل للترويض، ومن خلال دراسة لشخصيّته ثبت أنه ليس مطواعاً للإنكليز ولا يُعتمد عليه ولهذا غضّ عنه النظر".

 وينبغي التأمّل جيداً في الصفات الدّينية والوطنية التي كان "فيصل الدّويش" يتحلّى بها، فمنعت بريطانيا من اعتماده، وواصلت البحث عمّن لا تتوفّر فيه هذه الصفات، فكان "عبد العزيز" هو المطابق للمطلوب.

* وحول اعتماد عبد العزيز يقول فيلبي - نقلاً عن ناصر السعيد :

"وعاد رجالنا في المخابرات الإنكليزية للتكرار على عبد الرحمن آل سعود -والد عبد العزيز- قائلين له :نحن لا نريد منك أن تخرج من الكويت بل تبقى هنا وكلّ ما نريده أن نستخدم اسمك في حركتنا هذه، فقد منحناك الثقة الكاملة وسنكوّن لك جيشاً بعدّته وعتاده ليستولي هو وحده على الرياض فيسلّمها لك ويجعل من الرياض قاعدة ينطلق جيشنا منها لتصفية "نجد" و"حائل" ولنصدّ خطر عبد العزيز المتعب الرشيد والأتراك، وأنت أقرب الناس إلى قلوبنا ".

"فكرّر عبد الرحمن آل سعود تخوّفه من الفشل الذي سيُصيبه وقال: "أما بالنسبة لي فقد انتهيت، لكنني أعرض عليكم ابني عبد العزيز لأنّه رغم صغر سنّه سينفعكم "، ".."

أولاً: لأنّ عبد العزيز شابّ صغير في مستقبل العمر وبالإمكان توجيهه كما ينبغي ..

ثانياً: إن لدى المخابرات البريطانية ما يثبت أن هذه العائلة تنتمي إلى أصل يهودي يرجع إلى قبيلة "بني القينقاع" -وكان عبد الرحمن آل فيصل آل سعود يفخر بهذا الأصل عندما قالوا له ذلك ويقول إن هذا ما يقرّبني من بريطانيا زُلفى- [لذلك فإنّ عبد العزيز هو] الشخصية التي ستحقّق تنفيذ الرغبات في حلّ مشكلة فلسطين لصالح اليهود لتكون لليهود أرضاً يقطنونها بعد تشرّد طويل".

* فيلبي، المندوب السامي للصهيونية العالمية، لصناعة عبد العزيز

والمراد بالصهيونية العالمية هنا الأعمّ من الإدارة العميقة للحركة الصهيونيّة، ومن حكومة بريطانيا الصهيونيّة، فقد كان "فيلبي" كثيراً ما يخالف سياسة بريطانيا التزاماً بالاستراتيجيّة الصهيونية في تبنّي آل سعود وعبد العزيز بالذات، هذه الاستراتيجيّة التي ينقل "وايزمان" أن فيلبي كان تحدّث بها مع "تشرشل" ويصحّح "فيلبي" بعض المعلومات لوايزمان في كتاب "مذكراتي مع الملك عبد العزيز".

وفي الفصل الأول من هذا الكتاب، يتحدّث " فيلبي " عن " عبد العزيز " في صباه، فيقول :

"رجعتْ ߤ القافلة إلى الكويت حيث سُمح للأسرة بإقامة مستديمة، وهناك عاش ߤ الشاب عبد العزيز في كنَف أسرته حتّى مطلع قدوم قرن جديد. وكانت ߤ تعاليم ومبادئ الأسرة الوهّابية الوطيدة هي أهمّ مواد دراسته، بينما ترك ߤ تثقيفه في المسائل الدنيوية الأخرى للفرص والظروف في بادئ الأمر، ߤ وبعد بلوغه سنّ المراهقة استمدّ ثقافته من حضور الحفلات الرسمية التي ߤ كان يُقيمها كبار الأسرة ومن أحاديثهم القيّمة وسحرهم المهذّب الممتع.

 ولا بدّ أنه قد أفاد كثيراً من حضور الاجتماعات العامة التي كان يعقدها ߤ مضيفهم شيخ الكويت مبارك الصباح الذي كان بلا شكّ من أبرز ߤ الشخصيات العربية في تلك الأيام الحرجة عندما كانت السياسة الألمانية ߤ تضع الكويت نصب عينيها، لتكون نهاية الخط الحديديّ (برلين - بغداد).

ولا شكّ كذلك في أنه كان على علم وإدراك كاملين بما لبريطانيا من ظلال ߤ تقي لَفحات السياسة: ظلال كانت تُحَسّ أكثر مما تُرى، خلال الأيام ߤ السابقة لاعتبار الخليج العربي بحيرة بريطانية، وعندما كانت تحترم بكلّ ߤ دقة السيادة التركية الوهمية طالما لم ترتبط بمصالح عناصر عدائية قوية.

ولا ريب أن هذه الفترة هي التي اكتمل أثناءها في نفس الشاب عبد العزيز ߤ الإعجاب البريء بالاستعمار البريطاني، هذا الإعجاب الذي صحبه في ߤ  ߤحياته بتحفّظ واحد هو: أن لا يصطدم بنطاق نشاطه الخاصّ. وقد يكون من ߤ المرجّح أنه بدأ يفكر خلال هذه السنين في إمكان بناء إمبراطورية لنفسه ߤ تضمّ ما تفرّق وتشتّت شمله من الأقاليم التي حكمها أسلافه والتي قامت ߤ عليها مملكة محمّد الرشيد حتّى مماته في سنة 1897م، وربما كان هذا ߤ التفكير عاملاً قويّاً خدّاعاً في أحلام يقظته آنئذٍ، ولكنْ كان لا بدّ من ߤ انقضاء بضع سنين أخرى حتى أمكن أن يوفَّر له من الحقيقة مادّة واعدة. (يقصد مرحلة التدريب الأولى التي كان عبد العزيز يحتاجها).

أضاف فيلبي : "ولقد لزم الأمير عبد العزيز، طوال هذه الفترة عن طواعية واختيار، ߤ طراز الحياة العربية في تلك الأيام، فقد كانت هناك خيل وجمال للركوب ߤ وكذلك صقور وبزات للصيد، وفضلاً عن هذا فكانت هناك مضارب ߤ النيران والقهوة تدفئ الإنسان وهو يقضي ساعات الظلام منصتاً لأحاديث ߤ قدامى الجنود وقصصهم عن الحرب والحب في آنٍ معاً".

بوضوح تامّ، يمكنك أن تلمس -من هذا النصّ وغيره- أن لغة "فيلبي" في الكلام عن عبد العزيز هي لغة الأستاذ الملازم لتلميذه الذي قلّبه ظهراً لبطن، وعرف قدراته العقليّة ومدى أفقه، وخبر الأحاسيس والمشاعر.

وبمنتهى اليسر يمكن استخراج كتاب خاصّ بعلاقة فيلبي بعبد العزيز آل سعود، ممّا كتبه "فيلبي" في مؤلّفاته الكثيرة، عن "عبد العزيز" وحروبه التي كانت جميعها بقيادة "فيلبي"، ما عدا المعركة الأولى التي كانت بقيادة الضابط الإنجليزي "شكسبير" الذي قتله أحد جنود ابن الرشيد، فتولّى فيلبي قيادة سائر المعارك من بعده.

* " عبد العزيز آل سعود " ذئبٌ يهوديّ من ورقٍ بريطانيّ :

أبرز ما يُنسب إلى عبد العزيز، وتبنى عليه "بطولاته" الوهميّة في الأعمّ الأغلب، ما يلي:

1- اغتيال حاكم الرياض والسيطرة على المدينة، في عملية تسلّلٍ جريئة جداً من الكويت، في أربعين من أنصاره.

2- القضاء على حكم "آل الرشيد" الذي كان في نجد العقبة الحصينة الكأداء، في وجه القضم البريطاني المبطَن لسلطة الدولة العثمانيّة.

3- استئصال الشريف حسين، الذي كانت جيوشه الجرّارة بقيادة أولاده، الوسيلة الفضلى لبسط النفوذ البريطانيّ على الحجاز والأردن، وفلسطين، وبسط النفوذ الفرنسي على سوريا لبنان.

4- احتلال الأحساء لتأمين المورد المالي الرئيس لمملكته وامتلاكها منفذاً بحرياً بالغ الأهميّة.

ولدى البحث الموضوعي، لا يثبت لعبد العزيز إلا الكثير من فرادة الجرأة، والكثير من التوحّش في عملية احتلال الرياض بعد اغتيال حاكمها .

أما "الإنجازات" الأخرى المدّعاة له، فهي بريطانيّة تخطيطاً وتجهيزاً وتنفيذاً، لم يكن لعبد العزيز منها إلا استعمال اسمه، تماماً كما قالت المخابرات البريطانية لوالده عبد الرحمن حين عرضوا عليه العمل باسمه.

* في المواجهات مع آل الرشيد، وبعد مقتل"شكسبير"، كان القائد الميدانيّ "جون فيلبي" معزّزاً بأحدث الأسلحة، وبعد تعدّد المنازلات، وعندما أشرفت بريطانيا على اليأس من إحراز النصر على "حائل" القلعة الوطنيّة الشماء، جاء دور المكر البريطاني - الصهيوني في شراء الذمم، فكان ما كان.

* وفي استئصال الشريف حسين، وبعد أن جعله تماديه في الرهان على بريطانيا، يفني جيوشه في القضاء على مراكز الثقل العسكري التركيّة في الحجاز وغيره، تمكّنت بريطانيا بقيادة جون فيلبي الميدانيّة من استنفار أربعين ألفاً، والتحق بهم على أكناف الطائف حوالي العشرة آلاف مقاتل، لمهاجمة الشريف حسين الذي لم يتمكن إلا من استنفار أربعمائة مقاتل، ثم مائتين، ثم مائتين إضافيّين، ليواجه خمسين ألفاً بثمانمائة!

* وأما احتلال الأحساء، فقد كان هدفاً بريطانياً بأولوية مطلقة والسبب هو الخزين النفطيّ الذي ما يزال متدفّقاً حتى الآن، وقد تحدّث فيلبي نفسه -في سياق حديثه عن إنجاز عبد العزيز الاستراتيجي لتثبيت مملكته- عن مرور "رحالة" بريطاني هو "اليوزباشي ج. س. ليشمان"، أثناء رحلة طويلة له من ߤ بغداد عبر القصيم والرياض حيث قابل ابن سعود قبيل حملته على "حريق"، إلى أن قال فيلبي: "وفي غضون شهور أربعة بعد هذه ߤ الزيارة كان ".." الاحتلال ߤ التركي قد انتهى في هذه المنطقة". (فيلبي- مذكراتي مع الملك ص59).

***

* " لو اعتمدتم على جِمالكم، وسيوفكم العتيقة لما حكمتم الحجاز لحظة "!

أورد "ناصر السعيد" في كتابه "تاريخ آل سعود ص 124"، شهادة مدويّة لسعيد الكردي رئيس المخابرات في عهد سعود بن عبد العزيز، تؤكد أن كل "الفتوحات" العسكرية التي تنسب إلى عبد العزيز، هي إنجاز بريطانيّ صرف.

وينبغي التنبّه إلى أن المرحلة التي تجرّأ فيها سعيد الكردي فقال ما يعادل قتله، هي مرحلة اجتماع كلمة العائلة المالكة على إقصاء الملك سعود بن عبد العزيز، وكان الكردي من أعوانه.

قال ناصر السعيد: "إنها شهادة من سعيد الكردي الرئيس الأسبق للمخابرات السعودية في عهد سعود، أدلى بها في لحظة ألمٍ داخلي لهوْل ما عرفه عن جرائم آل سعود في الحجاز وغير الحجاز، حينما استشاره الوزير الأسبق للدفاع السعودي الأمير مشعل بن عبد العزيز في مجلسه في جدّة أثناء الحديث عن الحجاز وقال "مشعل":

"ليس لأحد من هذا الشعب علينا منّة ولا معروف . لقد أخذناكم يا الحجازيين بالسيف مثلما أخذنا نجد وغيرها".

حينها استشاط سعيد الكردي [ غضباً فقال ] بسخرية وهو يبتسم:

"لا يا طويل العمر!… لقد كنت أنا من قادة جنود الشريف حسين بن علي الذين حاربوكم في الطائف، وكنت من قادة جيش الشريف علي بن الحسين الذين حاربوكم في "الرغامة" في جدة.

وانا الآن رئيس استخباراتكم ولديّ من المعلومات سابقاً وحالياً الشيء الكثيروالله لو اعتمدتم على جِمالكم وسيوفكم العتيقة لما دخلتم الحجاز وحكمتموه لحظة واحدة، ولكنها مدافع الإنكليز وبواخرهم وأسلحتهم الهائلة وإرادتهم المصرّة على تسليمكم عرش الحجاز بعد أن رفض الحسين مطلب الإنكليز بتقسيم الوطن العربي إلى دويلات ورفض إعطاء فلسطين لليهود ووافق والدُكم على ما رفضه الحسين.

هذا هو السبب الأول.

 والسبب الثاني هو أن الإنكليز استطاعوا إغراء " الشريف" خالد بن لؤي ضدّ أبناء عمه الحسين وأولاده فقادكم ابن لؤي إلى بلاده.

 وأما أنا، فانظر يا سموّ الأمير إلى أسناني: إنها كأسنان بقية الجنود التي تساقطت من حصار الجوع والعطش الذي فرضته البوارج الحربية الإنكليزية على الحجاز لصالح والدكم، فمنعت قوات الإنكليز عنا وعن المواطنين الطعام الوارد من البحر ومنعوا الماء في الوقت الذي نرى جنود والدكم في مخيم الرغامة وغيره يكدّسون فضلات الطعام ويسكبون المياه في الصحراء، ونحن بحاجة إلى ما يسد الرمق، أما الأسلحة التي تفرّغها البوارج الإنكليزية للجند السعودي فإننا نراها مكدسة كالتلال، ونحن لا سلاح يذكر لديناولا ذخيرة من الإنكليزهذه هي السيوف الحقيقية التي أخذتم بها الحجاز وغيره يا طويل العمر، ولا تحرجني أن أقول أكثر من هذا!!

لا تحرجني أن أقول أنكم لم تجرأوا على مزايدة الحسين بالدّين، في الوقت الذي أطلقتم على ابن الرشيد أنه كافر بالدّين واتهمتم أهل نجد وعسير واليمن والاحساء والجوف بالكفر؟".

فعضّ الأمير مشعل على شفته، وحيث لم يجد الجواب، قال :

"ظنّيناك كردي و "آثاريك " عربي، وظنّيناك صديق لنا و"آثاريك" عدوّ قديم يا رئيس استخباراتنا "..!

فقال الكردي: الإسلام جمع الناس على حقّ"!

وكانت نهاية الكردي أن دسّوا له السّم !

أضاف ناصر السعيد :

وكان فيصل وآل فهد قد نسّقوا خططهم للتخلّص من الخصوم الذين يقفون إلى جانب الملك سعود وغيره، ولأن سعيد الكردي كان رئيس المخابرات في عهد سعود وكانوا يعملون للتخلّص من سعود نفسه، فقد تخلّصوا من أعوان سعود ومنهم سعيد الكردي بأن دسوا له السم الذي اشتهر آل سعود بإتقان وضعه للخصوم.

***

ما تفعله الإدارة الأميركية اليوم مع محمد بن سلمان برضى أبيه وإلحاحه، هو تقليد لسياسة بريطانيا في تصنيع عبد العزيز برضى أبيه وإلحاحه.

الفارق الجوهريّ الوحيد أن بريطانيا رمت بكل ثقلها لتظهير عبد العزيز بطلاً قومياً، ومصلحاً اجتماعياً في مصافّ "الأنبياء"! بينما لا يعدو محمد بن سلمان وأبوه، لدى الإدارة الأمريكية، كونهما "البقرة الحلوب".

واهمٌ من يصدّق أن هناك شخصيّة حقيقيّة أو حقوقيّة اسمها "المملكة العربيّة السعوديّة" أو "مجلس التعاون الخليجي" أو "جامعة الدول العربيّة".

 

اخبار مرتبطة

نفحات