وصايا

وصايا

11/05/2020

السير إلى الله بجناحَي الثِّقْلين

 

السير إلى الله بجناحَي الثِّقْلين

من توجيهات العلامة الشيخ حسن زاده الآملي

 

 

«ليس للإنسان عمل أهمّ من بناء الذات. ولبناء كلّ شيء لوازمُ بحسبه؛ فالحائط يحتاج إلى الحجارة والطين. والإنسان إلى العلم والعمل. وما لم يصل الإنسان إلى لقاء الله فهو لم ينل كماله المطلوب. ومعنى لقاء الله اتّصاف الإنسان بالأوصاف الإلهية وعدم تعلّقه بالخلق».

وصية أخلاقية عبادية جامعة للعلامة العارف الشيخ حسن حسن زاده الآملي، مختصرة بتصرّف عن كتاب (نور العرفاء)، إصدار «دار الولاء» في بيروت.

 

 

العرفان العمليّ هو الانتقال من مقام الكلام إلى مقام العمل، والاشتغال بالتهذيب وتزكية النفس، وإحالة القلب مقرّاً لنور الحقّ: «القلبُ حَرَمُ اللهِ فلا تُسكِنْ في حَرَمِ اللهِ غيرَ الله».

كثيرٌ من الناس ادّعوا العبودية وتحدّثوا عن ترك الدنيا، ولكن ما إنْ أقبلتْ الدنيا عليهم حتّى تركوا كلّ شيء غيرها. الحقّ أن يقول الإنسان: «ثبِّتْ قلبي على دينِك».

 

البرنامج العبادي

تُعدّ الصلاة، التي هي عمود الدين، أفضل وأمتن برنامج لبناء الإنسان، فالصلاة تصيّره كالملائكة، لأنّ المصلّي يتطهّر من كلّ الذنوب، فكلّ من كان مصليّاً فهو، حُكماً، طاهر الأخلاق، حَسَن الأفعال والأقوال، ويتجنّب اللّغو والكسل والأخلاق الرذيلة.

وبرنامج الإنسان العباديّ، لا يعدو القرآن الكريم وسنّة الرسول الخاتَم وأهل بيته عليهم السلام، وكلّ ما عدا ذلك، فهو الهوى والهوس.

وإذا كنت تريد برنامجاً للعبادة، فتدبّر قوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾.

* وعليك:

1) بالصّمت: أي حفظ اللسان ومجانبة أهل الغفلة، وتجنُّب فضول الكلام كما تُجتنب فضلات الطعام.

2) والجوع: يجب على الإنسان التقليل من الطعام، أي ما زاد على المتعارف عليه، حتى يقوى فيه الجانب الروحانيّ. وضبطُه على الترتيب التالي:

أوّلاً: أن لا يأكل في اليوم والليلة أكثر من وجبتَين، وأن لا يأكل بينهما.

ثانياً: فليأكل بعد ساعة من الجوع، ويكفّ عن الطعام قبل الشّبَع، وإذا استطاع المواظبة على صيام ثلاثة أيام من كلّ شهر، فلْيفعَلْ.

3) والسّهر: فلْيَنم ستّ ساعات في اليوم والليلة. وعليه بقيام اللّيل: ثلاث ساعات في الشتاء، وساعة ونصف الساعة في الصيف.

4) والخلوة: لا يفوّت الخلوة في اللّيل، ولْيُناجي الله صادقاً: «إلهي أتيتك حتّى تجعلني فائزاً ومفلحاً». ويطرق باب التوسّل بالنبيّ وآله الأطهار، بإخلاص، لأنهم وسطاء فيض الحقّ.

أيها العزيز، من الأمور المجرّبة عند أولياء الله؛ أنّ الإكثار من الذّكر الشريف: «يا حيُّ، يا قَيّوم، يا مَن لا إلهَ إلّا أنت»، يُوجب حياة العقل. اخْتَلِ مع الله في وقت يكون البدن فيه مرتاحاً (والقلب في حالة إقبال)، وردّد هذا الذّكر الشريف من دون تحديد العدد، لكنْ بحضور القلب ومراعاة أصول الأدب مع الله تبارك وتعالى.

5) وإدامة الذكر: القاعدة في العناوين الأربعة المتقدّمة أن خير الأمور أوسطها، وأمّا هذا الخامس، فطُوبى للّذين يداومون عليه: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

عليه أن لا يترك الذّكر والتفكّر لأنهما جناحا السّير في سماء المعرفة. والتوصية الأساسية هي بأذكار الصباح والمساء، وأهمّها مذكورٌ في الروايات، والأهم تعقيبات الصلوات، والأساس ذِكرُ وقت النّوم، لأنه مأثورٌ في الروايات.

وعليه بالمداومة على الذّكر اليونسيّ، ﴿..لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، في السجود، وعدم إهماله ليلاً ولا نهاراً، وأقلّه أربعمائة مرة.

وبالجملة: عليك أن يكون كلامك وطعامك ونومك بقدر الضرورة: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾. وجدّد العهد مع القرآن المجيد «عهدِ الله» في كلّ يوم، ولْتكُن نيّتك عند تلاوة القرآن، إهداء ثوابها لخاتَم الأنبياء صلوات الله عليه وآله الطيّبين الطاهرين.

 

الملْك على مثال الملكوت

الجزاءُ هو العمل نفسه: ﴿...هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. القيامة معك وليست في آخر الزمان.

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله، لقيس بن عاصم: «إنّ معَ الدنيا آخرة».

وقال صادق آل محمٍّد صلّى الله عليه وآله: «إنّ اللهَ خلقَ مُلكَه على مثالِ مَلكوتِه، وأسّسَ مَلكوتَه على مثالِ جَبَروتِه؛ لِيستدلَّ بمُلكِه على مَلكوتِه، وبملكوتِه على جَبَروته». اقرأ وافقَهْ جيّداً. ومعراجُ رسول الله صلى الله عليه وآله شرحُ أطوارِ البشر...ما لم تَتُهْ، فلن تعثرَ في نفسِك على شيء.

اخبار مرتبطة

نفحات