وصايا

وصايا

11/05/2020

في صيانة النفس وتكميلها

في صيانة النفس وتكميلها

خمس توصيات للمحدّث الشيخ عباس القمّي

  • إعداد: «شعائر»

 

لا بدّ للإنسان السالك إلى الله عزّ وجلّ من أمورٍ تُعينه على تطهير نفسه من الأوصاف الرذيلة وتجميلها بالصفات المحمودة، وقد لخّصها المحدّث الشيخ عباس القمّي رحمه الله، في خمس نقاطٍ ضمّنها خاتمةَ كتابه (خمسون درساً في الاخلاق)، هي مضمون هذه المقالة - الوصية.

 

أوّلاً: المواظبة على الأعمال التي تُورثُ الصفات الحسنة، ويُلزم نفسه بها، رَضِيتْ بذلك أم أبتْ، فإنّ مقتضى الصفة أن يَجدّ الإنسان في تحصيلها أو يَجدّ في إبقائها والمحافظة عليها.

ثانياً: المواظبة على مراقبة حال نفسه وأعماله، وتأمُّلُ كلّ عمل قبل الشروع فيه، لئلّا يعمل خلافاً لمقتضى الخُلق الحسن، وأن لا يغفل عن حاله أبداً. بل عليه أن يفتح دفتر أعماله كلّ يوم وليلة فيمرّ عليها متفحّصاً في ما صدر عنه، فإنْ كان عمله خيراً حمِد الله وشكَره على توفيقه له، وإن كان عمِل سوءاً تاب وأصلح.

ثالثاً: أن يحترز عما يُحرّك شهوته وغضبه، كأنْ يمنع عينه وأذنه وقلبه عن رؤية وسماع وتصوُّر كلّ ما يثير غضبه وشهوته، وليَجِدَّ في صون قلبه عن تلك الوساوس.

رابعاً: أن لا ينخدع بنفسه، وأن لا يحمل أعماله على محمل الصحّة، وأن يستقصي عيوبه، وأن يسعى لإزالة ما وُجد منها، وليعلم أنّ كلَّ نفس تعشق صفاتها وأفعالها، فإنّ أعماله تحسُن في نظره، ولن يكتشف عيوبه إلّا بالتأمُّل ودقّة النظر.

ومن المستحسن أن يتفحّص معايبه عبر أصدقائه، وأن يترصّد ما يُظهره أعداؤه له من عيوب، فيجدّ في إصلاحها، وأن يتّخذ من الآخرين مرآةً لرؤية عيوبه، فإذا رأى في أعمالهم قُبحاً منع نفسه من فعله، وإن رأى منهم عملاً حسناً جدّ في فعله.

خامساً: أن يمتنع عن مصاحبة الأشرار وسيّئي الخُلق، ويبتعد عنهم، وأن يلتزم مصاحبة أهل الدين والأخلاق الحسنة، فإنّ للمجالسة والمصاحبة مدخليّة عظيمة في شخصيّته، فإنّ طبْع الإنسان،كاللّص، يلتقط ما يُكرّر أمامه. [مضمون بيتين بالفارسية]:

ابنُ نوحٍ عاشَرَ الأشرارَ

فنسيَ انتسابَه إلى النبيِّ

وكلبُ أصحابِ الكهفِ عاشرَ

الصالحين فأصبحَ (بمنزلة) الآدميّ

 

علاوةً على ذلك، فإنّ جليس الأشرار وأهل المعاصي شريكهم في العذاب: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ..﴾ (هود:113).

ولكي تعرفَ آثار مجالسة أهل المعاصي أنقلُ إليك حديثاً شريفاً جامعاً للفوائد العظيمة، وبه أختم رسالتي هذه. رُوي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قوله:

«مرّ عيسى بن مريم عليهما السّلام على قريةٍ قد ماتَ أهلُها وطَيرُها وداوبُّها، فقال: أما إنّهم لم يموتوا الاّ بسَخطة، ولو ماتوا متفرّقين لَتدافنوا.

فقال الحواريّون: يا روحَ الله وكلمتَه، ادعُ الله أن يُحييهم لنا، فيُخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبَها.

فدعا عيسى عليه السلام ـربّه، فنُودي من الجوّ: أنْ نادِهم.

فقام عيسى عليه السّلام باللّيل على شَرَفٍ من الأرض، فقال: يا أهلَ هذه القرية.

فأجابه منهم مجيب: لبّيكَ يا روحَ الله وكلمتَه.

فقال: وَيْحَكُم، ما كانت أعمالكم؟

قال: عبادةُ الطاغوت، وحبُّ الدّنيا، مع خوفٍ قليل، وأمَلٍ بعيد، وغَفلةٍ في لَهْوٍ ولَعِب.

فقال: كيف كان حبّكم للدنيا؟

قال: كحُبّ الصبيّ لأمّه، إذا أقبلتْ علينا فرِحنا وسُرِرنا، وإذا أدبرتْ عنّا بكينا وحزنّا.

قال: كيف كانت عبادتكم للطاغوت؟

قال: الطاعةُ لأهل المعاصي.

قال: كيف كان عاقبة أمركم؟

قال: بِتنا ليلةً في عافية، وأصبحنا في الهاوية.

فقال: وما الهاوية؟

قال: سِجِّين.

قال: وما سِجِّين؟

قال: جبالٌ من جمر تُوقَد علينا إلى يوم القيامة.

قال: فما قُلتم، وما قيلَ لكم؟

قال: قلنا: رُدّنا الى الدنيا، فنزهدَ فيها. قيل لنا: كذبتُم.

قال: ويحك كيف لم يكلّمني غيرُك من بينهم؟

قال: يا روحَ الله إنّهم مُلجمون بلٍجامٍ من نار، بأيدي ملائكةٍ غِلاظٍ شِداد، وإنّي كنت فيهم، ولم أكن منهم، فلمّا نزلَ العذابُ عمّني معهم، فأنا معلّقٌ بشعرةٍ على شفير جهنّم، لا أدري أُكَبْكَبُ فيها أم أنجو منها.

فالتفت عيسى عليه السّلام إلى الحواريين، فقال: يا أولياءَ الله، أكْلُ الخبزِ اليابسِ بالملحِ الجَريش، والنومُ على المزابلِ، خيرٌ كثيرٌ مع عافيةِ الدنيا والآخرة».

لا يخفى أنّ ما نقله ذلك الرجل لعيسى عليه السّلام عن حال تلك القرية ينطبق على حالنا وحال أهل زماننا، فالكثير منّا يفتقر حتّى الى الخوف القليل الذي كان عند أهل تلك القرية.

أمّا قصّة حبّنا للدنيا وطول أملنا وغفلتنا ولهونا ولعبنا، فهي أوضح من أن نستعرضها هنا. فكلّ مَنْ يرجع الى نفسه وأهل زمانه سيعلم ذلك جيداً.

نسأل الله البصيرة والعافية، ونعوذ به من الغفلة والغواية.

 

توصية من الإمام الخميني قدّس سرّه

يقول الإمام الخميني رضوان الله عليه في وصيّته لولده السيد أحمد:

«ولدي! أقرأ سورة الحشر المباركة، فهي مليئة بكنوز المعارف والتربية، وهي تستحقّ ان يقضي الإنسان عمره بالتفكّر فيها، ويأخذ منها -بعون الله تعالى- زاداً لطريقه، لا سيما الآيات الأخيرة في السورة، من قوله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾...

كان شيخنا العارف الجليل [ شاه آبادي ] يقول: إنّ المثابرة على تلاوة الآيات الأخيرة من سورة الحشر المباركة، من الآية 18 إلى آخر السورة، مع تدبّر معانيها، في تعقيبات الصلوات، وخصوصاً في أواخر اللّيل حيث يكون القلب فارغَ البال، مؤثّرة جداً في إصلاح النفس، وفي الوقاية من شرّ النفس والشيطان».

اخبار مرتبطة

  تاريخ و بلدان

تاريخ و بلدان

نفحات