السّبع المَثاني، الصّلاة، والكنز
من أسماء سورة الفاتحة

السّبع المَثاني، الصّلاة، والكنز من أسماء سورة الفاتحة

منذ ساعة


السّبع المَثاني، الصّلاة، والكنز
من أسماء سورة الفاتحة

ـــــــــــــــإعداد: «شعائر»ـــــــــــــــ 


يعرض هذا المقال -المقتطف من رسالة (العروة الوثقى) في تفسير سورة الحمد للشيخ البهائي العاملي قدّس سرّه، والمطبوعة في ذيل كتابه (مشرق الشمسين)- لأشهر أسماء سورة الفاتحة المباركة؛ أُمُّ القرآن، أُمُّ الكتاب، السَّبعُ المثاني، الحمد، وفاتحة الكتاب. ويعلّل الشيخ البهائي أوجه هذه التسميات، وغيرها الأقل تداولاً، مع وقفة ضافية عند الإشكالات التي قد ترِد على التّعليل.

تسمية هذه السُّورة بهذا الإسم [فاتحة الكتاب]
1- إمّا لِكَونها أوّل السُّوَر نزولاً كما عليه جمعٌ غفير من المفسِّرين.
2- وإمّا لِما نُقِل من كَوْنها مُفتَتَح الكتاب المُثبَت في اللّوح المحفوظ.
3- أو مُفتَتَح القرآن المُنزَّل جملة واحدة إلى سماء الدُّنيا.
4- أو لِتَصدير المصاحف بها على ما استقرَّ عليه ترتيب السُّوَر القرآنيّة، وإن كان بخلاف التّرتيب النُّزولي.
5- أو لافتتاح ما يُقرأ في الصّلاة مِن القرآن.
فهذه وجوه خمسة لِتَسميتها بفاتحة الكتاب.
وربَّما يخدش الرّابع منها بتقدُّم تلك التّسمية على هذا التّرتيب لوقوعها [التسمية] في الحديث النّبوي ووقوعه [الترتيب] بعد عصر الرِّسالة.
و[ربّما يخدش] الخامس بأنّ المُراد بالكتاب هنا الكلّ لا البعض، وهي في الصّلاة فاتحة البعض لا الكلّ، على أنَّ إطلاق الكتاب على البعض من المُستحدَثات بعد هذه التّسمية، إذ هو اصطلاح أُصولي.

ويُمكن دَفْع الخدشَين:

* أمّا الأوّل: فبأنَّ تلك التّسمية لمّا كانت مأخوذة من الشَّارع، فلعلّه سمّاها بذلك لِعِلمه بتصدير الكتاب العزيز بها فيما بعد، كما يُقال مِن أنَّها سُمِّيت بالسَّبع المثاني بمكَّة قبل نزولها بالمدينة لعلمه سبحانه بأنَّه سَيُثنِّي نزولها بها، على أنَّ القول بأنَّ ترتيب السُّوَر القرآنيّة على هذا النَّمط مِمَّا وَقع بعد عصر الرِّسالة ليس أمراً مُجمَعاً عليه بين الأُمّة، كيف وبعض السَّلَف مُصرُّون على أنَّ ترتيب المصحف المجيد على ما هو عليه، إنّما وقع في عصره صلّى الله عليه وآله طبْق ما اقتَضاه رأيه الأقدس.
* وأمَّا الثّاني فيَتطرَّق القَدْح إلى بعض مقدِّماته، وسيّما حكاية الإستحداث، كيف وتجويزهم كَوْن السُّورة هي المُشار إليه في قوله عزَّ وعلا ﴿ذلك الكتاب..﴾ البقرة:2 شاهدُ صِدقٍ بخلافه، على أنَّ تسمية البعض باسم الكُلّ مجاز شايع لا حجر فيه، فلا مانع من أن يكون هذا منه.
ومِن أسمائها [الفاتحة] أمُّ القرآن وأمُّ الكتاب لأنّها جامعة لِأُصول مقاصده ومُحتَوِية على رؤوس مطالبه، والعرب قد يُسمُّون ما يَجمَع أشياء عديدة أمّاً، كما يُسمُّون الجلدة الجامعة للدِّماغ وحواسّه أمّ الرّأس، واللِّواء الذي مُجتمع العَسْكَر تحته أُمّاً، ولأنَّها كالقِد لِمَا فُصِّل في القرآن المجيد، فكأنَّه نَشَأ وتَوَلَّد منها بالتّفصيل بعد الإجمال، كما سُمِّيت مكَّة المُشرَّفة بِأُمِّ القُرى لأنَّ الأرض دُحِيَت مِن تحتها.

وجه اشتمال السورة على مقاصد القرآن الكريم

إمّا إنَّ تلك المقاصد راجعة إلى أمرين، هما:
1- الأصول الإعتقاديّة.
2- والفروع العمليّة.
أو هما معرفة:
1- عن الرُّبوبيّة.
2- وذلّ العبودية.
وإمّا أنَّها يرجع إلى ثلاثة هي:
1- تأديةُ حمدِه وشكرِه جلَّ شأنُه.
2- والتَّعبُّد بأمرِه ونَهْيِه.
3- ومعرفةُ وعدِه ووعيده.
وأمَّا إلى أربعة، هي:
1- وَصْفه سبحانه بِصِفات الكمال.
2- والقيام بما شَرَعه من وظائف الأعمال.
3- وتبيُّن درجات الفائزين بالنِّعَم والأفضال.
4- وتذكُّر دَركات الهاوِين في مَهاوي الغضب والضَّلال.
وأمَّا إلى خمسة، هي:
1- العِلم بأحوال المَبدأ والمَعاد.
2- ولُزوم جادّة الإخلاص في العمل والإعتقاد.
3- والتَّوسُّل إليه جلَّ شأنُه في طَلَب الهداية إلى سبيل الحقِّ والسَّداد.
4- والرَّغبة في الإقتداء بالّذين رَبحت تجارتهم بإعداد الزَّاد لِيَوم التَّناد.
5- والرَّهبة في اقتفاء أَثَر الذين خسروا أنفسهم بِتَرك الزَّاد وإهمال الإستعداد.
ولا مِرْية في تضمين هذه السُّورة الكريمة جميع هذه المطالِب العظيمة.

ومِن أسمائها السَّبع المثاني:
1- إذ هي سبع آياتٍ اتِّفاقاً، وليس في القرآن ما هو كذلك سواها، إنْ غَيَّر بعضُهم عَدّ التَّسمية آية دون ﴿صراط الذين أنعمتَ عليهم﴾، وبعضُهم عَكَس.

2- وإمَّا لأنَّها تُثَنَّى في كلِّ صلاة مفروضة ولا تَرِد صلاة الجنازة لأنَّها صلاة مجازيَّة عندنا، وما ذَكَره ثقة الإسلام أبو علي الطّبرسي طاب ثراه في (مجمع البيان) مِن أنَّها يُثنَّى قراءتها في كلِّ صلاة فَرْض ونَفْل مُشكِل بالوِتْر عندنا، ولعلَّه قدّس سرّه لم يَعْتَدّ بها لِنُدرتها.
وفي كلام صاحب (الكشّاف): لأنّها تُثنَّى في كلِّ ركعة، وهو بظاهره غير صحيح، ووجوه التَّكلُّف لتوجيهه مشهورة، أجودُها حمل الرَّكعة على الصّلاة تسمية لِلكلّ باسم الجزء، ولا يرِدُ عليه الوِتْر إذ ليست في مذهبه، ولا صلاة الجنازة، وإنْ جُعِلت صلاة حقيقة لعدم إطلاقه الرَّكعة عليها.
وأمَّا ما ذَكَره صاحب (تفسير الكبير) مِن أنَّها تُثنَّى في كلّ ركعة من الصَّلاة فعجيب، ولك أنْ تجعل لفظة (من) في كلامه بيانيّة، فيكون غرضه الإشارة إلى توجيه كلام (الكشّاف)، لكنّه لا يخلو مِن بُعد، وليس مِن دَأْبه في ذلك الكتاب الإقتصار على أمثال هذه الإشارات في أمثال هذه المقامات، وإنَّما ذلك دَأْب البيضاوي ومَشربِه، وبين المشربَين بَوْن بعيد.
 
3- وإمَّا لأنَّها تَثنَّى نزولها، فَمَرَّة بِمكَّة حين فُرِضَت الصَّلاة وأخرى بالمدينة حين حُوِّلَت القِبلة.

4- وإمَّا لاشتمال كلٍّ مِن آياتها السَّبع على الثّناء عليه جلَّ شأنُه؛ إمّا تصريحاً أو تلويحاً، وهو مبنيٌّ على ما هو الصَّحيح مِن عَدِّ التَّسمية آية منها، وعَدِّ ﴿صراط الذين أنعمت عليهم﴾ بعضاً من السَّابعة، وإلَّا فتَضمُّنها الثّناء غير ظاهر.

5- وإمّا لتكرُّر ما تضمَّنته من المقاصد:
فالثَّناء عليه سبحانه قد تَكَرَّر في جُملتَي البسملة والحمدِ لَه. وتخصيصُه عزَّ وعلا بالإقبال عليه وحده والإعراض عمَّا سواه قد تكرَّر في جملَتَي العبادة والإستعانة. وطلبُ الهداية إلى الصِّراط المُستقيم مُكرَّر بـ ﴿صراط الذين أنعمت عليهم﴾، كما أنَّ سؤال البُعد عن الطَّريق غير القويم مُكرَّر بِذِكر ﴿المغضوب عليهم ولا الضالين﴾.
 فهذه وجوه خمسة في تسميتها بالسَّبع المثاني.

ومن أسمائها سورة الحمد، إمَّا لاشتمالها على لفظه كما هو ملحوظٌ في أسماء سائر السُّوَر، أو لِتَضُّمنها هي أو كلٌّ مِن آياتها معناه، على ما قُلناه قبيل هذا.
هذه الأسماء الخمسة هي أشهر أسماء هذه السُّورة الكريمة، ولها أسماء أخرى متفاوتة في الشُّهرة أكثرها مُستَنبَط من الحديث، فتُسمَّى:
سورة الكنز لِمَا رُوِي عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال: «نَزلَت فاتحة الكتاب بمكّة من كنزٍ تحت العرش».
والوافية لأنّها لا تُبَعَّض في الصلاة بخلاف باقي السُّوَر عند كثيرٍ من الأمّة.
والكافية لأنّها تكفي في الصَّلاة عن غيرها من السُّوَر عند أكثر الأمّة، ولا يكفي عنها غيرها. أو لأنّه يَترتَّب عليها ما يَترتَّب على غيرها من البركة والفضل وكثير من الآثار من دون عكس، وما رُوِي عن النّبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال: «أمّ القرآن عِوَضٌ عن غيرها، وليس غيرُها عوضاً عنها» يَحتمل الوجهَين.
وتُسمَّى الشِّفاء والشَّافية لِما رُوِي عنه صلّى الله عليه وآله: «فاتحة الكتاب شفاء مِن كلِّ داء».
والأساس لِما مرَّ في تسميتها بالفاتحة لِقَول ابن عبّاس رحمه الله: «إنّ لِكلِّ شيءٍ أساساً»، إلى أن قال: «وأساس القرآن الفاتحة».
وتُسَّمى تعليم المسألة لأنّه سبحانه علَّم فيها عِبادَه آداب السُّؤال مِن الثَّناء على المسؤول منه أوّلاً، ثمَّ الإخلاص في التَّوجُّه إليه والإعراض عمَّا سواه، ثمّ عَرْض الحاجة عليه.
وتُسمَّى سُورة الصَّلاة والصَّلاة أيضاً لِوُجوب قراءتها فيها، ولِما رُوِي عن النَّبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال: «قال الله عزَّ وجلَّ: قَسَمتُ الصَّلاة بيني وبين عبدي نصفين..»، والمُراد بها الفاتحة كما يَظهر مِن تتمَّة الحديث.
وقد اختلفوا أنّها مكّيّة أو مدنيّة، والأوّل هو المرويّ عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، وقد يُستدلّ عليه بِقوله عزَّ وعلا في سورة الحجر: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي..﴾ الحجر:87، وهي مكِّيّة بِنَصِّ جماعة مِن السَّلَف.
 أمّا ما رُوِيَ مِن أنّ السَّبع المثاني هي السَّبع الطّوال فلا ينهض؛ لِمعارضته الرِّوايات الدالّة على أنَّها الفاتحة، لكنّ التَّعبير عن المستقبل المُتحَقِّق الوقوع بالماضي شايِع في القرآن المجيد، فالأَوْلى الإستدلال بِما شاع وذاع مِن أنَّ الصَّلاة فُرِضَت بمكَّة، ولم يُنقَل إلينا صلاة خالية عن الفاتحة مع توفُّر الدَّاعي إلى نقل أمثال ذلك.
والقول بأنَّها مدنيّة منسوب إلى مجاهد وهو متروك. وقيل إنَّها مكّيَّة مدنيّة لِنُزولها في كلٍّ من الحَرَمَين الشَّريفَين كما مرَّ، وقد يُزيَّف بأنَّ النُّزول ليس إلَّا الظُّهور مِن عالَم الغَيْب إلى عالَم الشَّهادة وهذا مِمّا لا يَقبل التَّكرُّر، ودفعُه ظاهرٌ على مَنْ عَرَف حقيقة الوَحْي، والله سبحانه أعلم بحقايق الأمور.

اخبار مرتبطة

  في توجيهات وليّ الأمر

في توجيهات وليّ الأمر

  دوريات

دوريات

23/10/2011

دوريات

  إصدارات اجنبية

إصدارات اجنبية

نفحات