أعلام

أعلام

11/05/2020

النبيّ الشهيد زكريّا عليه السّلام

المُواسي لرسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله في فجيعتهِ بسبطهِ الحُسين عليه السلام

النبيّ الشهيد زكريّا عليه السّلام

_____ إعداد: الشيخ أحمد الكاظمي _____

 

  • النبيّ زكريّا عليه السّلام من أنبياء الله العِظام، وأحدُ أنبياء بني إسرائيل.
  • هو أبو النبيّ يحيى عليه السّلام، وزوج خالة السيّدة مريم أُمّ النبيّ عيسى عليهما السّلام.
  • ذُكِرَ اسمه عليه السّلام في القرآن الكريم سبع مرات، وذلك في سوَر: (آل عمران)، (الأنعام)، (مريم)، و(الأنبياء).
  • أكثرُ الآيات القرآنية تفصيلاً لجوانب من قصّته عليه السّلام هي: الآيات (37-41) من سورة آل عمران، والآيات (2-11) من سورة مريم.
  • قُتِلَ ظُلماً وعدواناً على يد شِرار قومه من بني إسرائيل، فكان من الأنبياء الشهداء صلوات الله عليهم.

 

أثنى الله تعالى على النبيّ زكريّا عليه السّلام في القرآن الكريم، فوصفه في أول سورة (مريم) بالعبودية: ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾، وأمّا في سورة (الأنعام): فعدّه من الصالحين ﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾، واجتباه وهداه إلى صراطٍ مستقيمٍ ﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، واصطفاه للنّبوة والرسالة في بني إسرائيل ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾.

لم يُذكر من تفاصيل حياته عليه السّلام في القرآن الكريم إلّا حادثتين:

الأولى: كفالتهُ وتعهّدهُ للسيّدة مريم عليها السّلام.

الثانية: دعاؤهُ الله تعالى أنْ يرزقه ولداً، واستجابته وإعطاؤه يحيى عليه السّلام.

وذُكِرَتْ بعض أخباره عليه السّلام في الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام.

 

كفالةُ زكريّا لمَريَم عليهما السّلام

قالَ الله تَعالى: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ... ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ آل عمران:37-44.

اختار الله زكريّا كي يتكفّل مريم، إذ إنّ أباها عمران قد ودّع الحياة قبل ولادتها.. إنّ أُمّ مريم بعد أنْ وضعتها لفّتها في قطعة قماش وأتت بها إلى المعبد وخاطبت علماء بني إسرائيل وأشرافهم بقولها: هذه المولودة قد نُذِرَتْ لخدمة بيت الله، فليتعهّد أحدكم بتربيتها، ولمّا كانت مريم من أُسرة معروفة (آل عمران)، أخذ علماء بني إسرائيل يتنافسون في الفوز بتعهّد تربيتها، وأخيراً اتّفقوا على إجراء القرعة بينهم، فجاؤوا إلى شاطئ نهر وأحضروا معهم أقلامهم وعصيّهم التي كانوا يقترعون بها، كتب كلّ واحد منهم إسمه على قلم من الأقلام، وألقوها في الماء، فكلّ قلم غطس في الماء خسر صاحبه، والرابح يكون من يطفو قلمه على الماء: غطس القلم الذي كتب عليه اسم زكريّا، ثمّ عاد وطفا على سطحه، وبذلك أصبحت مريم في كفالته، وقد كان في الحقيقة أجدرهم بذلك، فهو نبيّ وزوج خالة مريم.

كَبُرت مريم تحت رعاية زكريّا، وكانت غارقة في العبادة والتعبّد .. وكانت على درجة كبيرة من التّقوى ومعرفة الله حتى أنّها فاقت الأحبار والعلماء في زمانها، وعندما كان زكريّا يزورها في المحراب يجد عندها طعاماً خاصاً .

(تفسير الأمثل: 2/265، 275)

عن الإمام الصّادق عليه السّلام، قال: «..فلمّا بَلَغَتْ مَريَم صارَتْ في المِحراب وأرخَتْ على نفسها ستراً وكان لا يراها أحدٌ، وكان يَدخُل عليها زكريّا المِحراب فيجد عندَها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، فكان يقول: ﴿أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا﴾ فتقول ﴿هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ..﴾.

(تفسير البرهان: 2/392)

عن الإمام الباقر عليه السّلام، قال: «..فقال لها (عليّ لفاطمة عليهما السلام) يوماً: يا فاطمة، هل عندك شيء؟ قالت: لا، والذي عظّم حقّك، ما كان عندنا منذ ثلاثة أيّام شيءٌ نُقريك به، قال: أفلا أخبرتني؟ قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، نَهاني أنْ أسألك شَيئاً، فقال: لا تَسألي ابن عمّك شيئاً، إنْ جاءك بشيء عَفواً، وإلّا فلا تسأليه».

.. فأقبل عليّ عليه السلام فوَجَد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، جالساً وفاطمة تُصلّي وبينهما شيءٌ مُغطّى، فلمّا فَرَغَتْ أحضرت ذلك الشيء، فاذا جَفنة من خُبزٍ ولحمٍ، قال: يا فاطمة، أنّى لك هذا؟ قالت: ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ  إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ألَا أُحدّثُك بمثَلِك ومثَلِها؟ قال: بلى، قال: مَثَل زكريّا إذْ دخل على مريم المِحراب فوجد عندها رزقاً ﴿قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ..﴾.

(تفسير نور الثقلين: 1/333)

زكريّا ويَحيَى عليهما السّلام

«قالَ الله تَعالى: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ  قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ﴾ (آل عمران:38-41).

وكذلك الآيات الكريمة:(2 -11) من سورة مريم و(89-90) من سورة الأنبياء، تحدّثت عن دعاء زكريّا وولادة يحيى عليهما السّلام.

بعدما رأى زكريّا عليه السلام من أمر مريم في عبادتها وكرامتها عند الله ما رأى، هنالك دعا زكريّا ربّه وسأله أنْ يهب له من امرأته ذريّة طيّبة، وكان هو شيخاً فانياً وامرأته عاقراً، فاستُجيب له، ونادته الملائكة وهو قائم يصلّي في المحراب: انّ الله يبشّرك بغلام اسمه يحيى، فسأل ربّه آية، فقيل له: إنّ آيتك أنْ يعتقل لسانك فلا تكلّم الناس ثلاثة أيّام إلّا رمزاً، وكان كذلك، وخرج على قومه من المحراب وأشار إليهم أنْ سبّحوا بُكرةً وعشيّاً، وأصلح الله لَهُ زوجهُ فَوَلَدتْ لَهُ يحيى عليهما السلام».

(تفسير الميزان: 14/27-28)

«عن الريّان بن شَبيب، قال: دخلتُ على الرّضا عليه السّلام في أوّل يومٍ من المحرّم، فقال لي: يا بن شَبيب أصائم أنت؟ فقلت: لا، فقال: إنّ هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريّا عليه السّلام ربّه فقال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ فاستجاب الله له، وأمَر المَلائكة فنادت زكريّا وهو قائم يصلّي في المحراب ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى﴾ فمَن صام هذا اليوم ثمّ دعا الله عزّ وجلّ استجاب الله عزّ وجلّ له كما استجاب لزكريّا عليه السّلام».

(وسائل الشيعة: 10/469)

 

«كان يحيى عليه السّلام -إضافةً إلى أنّه أحد أنبياء بني إسرائيل- من العابدين المتّقين البكّائين من خشية الله تعالى، فعن الإمام الصّادق عليه السّلام، قال: بكى يحيى بن زكريّا عليه السلام، حتّى ذهب لحم خدّيه من الدّموع، فوضع على العظم لبوداً يجري عليها الدّموع، فقال له أبوه: يا بنيّ إنّي سألت الله تعالى أنْ يهبك لي لتقرّ عيني بك، فقال: يا أبه، إنّ على نيران ربّنا معاثر لا يجوزها إلّا البكاؤون من خشية الله عزّ وجلّ، وأتخوّف أنْ آتيها فأزلّ منها، فبكى زكريّا عليه السلام حتّى غشي عليه من البكاء».

(بحار الأنوار: 14/167)

وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: «..وكان زكريّا عليه السلام إذا أراد أنْ يعظ بني إسرائيل يلتفت يميناً وشمالاً، فإن رأى يحيى عليه السلام لم يذكر جنّةً ولا ناراً، فجلس ذات يوم يعظ بني إسرائيل وأقبل يحيى قد لفّ رأسه بعباءة فجلس في غمار النّاس، والتفت زكريّا عليه السلام يميناً وشمالاً فلم يرَ يحيى، فأنشأ يقول: حدّثني حبيبي جبرئيل عليه السلام عن الله تبارك وتعالى، أنّ في جهنّم جبلاً يُقال له السّكران، في أصل ذلك الجبل وادٍ يُقال له الغضبان لغضب الرّحمن تبارك وتعالى، في ذلك الوادي جبّ قامته مائة عام، في ذلك الجبّ توابيت من نار، في تلك التوابيت صناديق من نار، وثياب من نار، وسلاسل من نار، وأغلال من نار، فرفع يحيى عليه السلام رأسه، فقال :وا غفلتاه من السّكران، ثمّ أقبل هائماً على وجهه، فقام زكريّا عليه السلام من مجلسه فدخل على أُمّ يحيى، فقال لها: يا أُمّ يحيى، قومي فاطلبي يحيى، فإنّي قد تخوّفت أنْ لا نراه إلّا وقد ذاق الموت».

(بحار الأنوار: 14/166)

زكريّا والحُسين عليهما السّلام

«عن سعد بن عبد الله القُمّي أنّه قال للإمام المهدي عليه السلام [بمحضر أبيه الإمام العسكري عليه السلام]: أخبرني يا ابن رسول الله عن تأويل ﴿كهيعص﴾؟

قال: هذه الحروف من أنباء الغيب، أطلع الله عليها عبده زكريّا، ثمّ قصّها على محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وذلك أنّ زكريّا سأل ربّه أنْ يعلّمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل فعلّمه إيّاها، فكان زكريّا إذا ذكر محمّداً وعليّاً وفاطمة والحسن سُرّي عنه همّه وانجلى كربُه، وإذا ذكر الحسين خنقته العَبرة ووقعت عليه البَهرة.

فقال ذات يوم: يا إلهي، ما بالي إذا ذكرتُ أربعاً منهم تسلّيتُ بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرتُ الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تعالى عن قصّته، وقال: ﴿كهيعص﴾ فالكاف: اسم كربلاء، و الهاء: هلاك العترة، والياء : يزيد وهو ظالم الحسين عليه السلام، والعين: عطشُه. والصاد: صبرُه.

فلمّا سمع ذلك زكريّا لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام، ومنع فيها النّاس من الدّخول عليه، وأقبل على البكاء والنّحيب، وكانت نُدبَتُه: إلهي أتفجع خير خلقك بولده، إلهي أتنزل بلوى هذه الرزيّة بفنائه، إلهي أتلبس عليّاً وفاطمة ثياب هذه المصيبة، إلهي أتحلّ كُربة هذه الفجيعة بساحتهما.

 ثمّ كان يقول: اللّهمّ ارزقني ولداً تقرّ به عيني على الكبر، واجعله وارثاً وصيّاً، واجعل محلّه منّي محلّ الحسين، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه، ثمّ افجعني به كما تفجع محمّداً حبيبك بولده. فرزقه الله يحيى وفجعه به».

(كمال الدين وتمام النعمة: 2/488)

وهكذا فقد واسى زكريّا عليه السلام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ،حيث انّ الله تعالى فجع زكريّا بيحيى عليهما السلام، كما فجع نبينا صلّى الله عليه وآله وسلّم  بالحسين عليه السلام، بأن أخبَرَهُ بمصيبته وما يجري عليه -كما أخبَرَ نبينا صلّى الله عليه وآله وسلّم، بما يجري على الحسين عليه السلام- ثم تُوفّي زكريّا واستُشهد قبل شهادة ابنه عليه السلام، كنبينا صلّى الله عليه وآله وسلّم.

 

شهادةُ زكريّا عليه السّلام

«لم يُذكر في القرآن مآل أمره عليه السّلام وكيفية ارتحاله، لكن وردت أخبار متكاثرة من طرق العامّة والخاصّة، أنّ قومه قتلوه، وذلك أنّ أعداءه قصدوه بالقتل فهرب منهم والتجأ إلى شجرة فانفرجت له، فدخل جوفها ثمّ التأمت فدلّهم الشيطان عليه، وأمرهم أنْ ينشروا الشجرة بالمنشار ففعلوا وقطعوه نصفين فقُتِلَ عليه السّلام عند ذلك».

(تفسير الميزان: 14/28)

وهكذا قضى النبيّ زكريّا عليه السّلام شهيداً مظلوماً محتسباً على يد شرار بني إسرائيل، الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ، وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ البقرة:61، مُلتحِقاً عليه السّلام بقافلة الأنبياء الشهداء ﴿وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ النمل:59.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

نفحات