سنن وآداب

سنن وآداب

11/05/2020

عمدتها إخلاص النيّة وصدق الحديث

عمدتها إخلاص النيّة وصدق الحديث

آداب قرّاء المنبر الحسيني

___ إعداد: شعائر ___

إحياء أمر الإمام الحسين عليه السلام ببيان أهدافه السامية التي قام لأجلها، ورواية ما جرى عليه وعلى أصحابه وأهل بيته من ظلم الظالمين فضلٌ عظيم، خصوصاً إذا ما اقترن ذلك بإبكاء السامعين ليتحقّق لديهم بذلك التفاعل العاطفي الذي هو الوقود لمحاربة الفساد داخل النفس وخارجها.

أبرز ما ينبغي أن يتحلّى به أهل المنبر الحسيني، نقلاً عن كتاب «فقه المجالس الحسينية»، وهو متن تدريسيّ في معهد «سيّد الشهداء عليه السلام للخطابة الحسينية» في بيروت.  

 

اتّفق العلماء على أهمّية حيازة قارئ العزاء على عدد من الآداب والأخلاقيات، بل الواجبات، ليكون أهلاً لارتقائه منبر خدمة الإمام الحسين عليه السلام، منها:

1- أن يكون الدّاعي إلى الإتيان بهذا العمل امتثالَ أمر الله سبحانه وتعالى في إحياء شعائره، والإخلاص في النّيّة والقصد.

أمّا قصد الامتثال، فلِما ورد من الأمر بإحياء أمرهم عليهم السلام، والحثّ على ذلك بالحثّ على البكاء والحزن والأسى  في كثير من الروايات.

 ولهذا  كانت قراءة التّعزية من العبادات المستحبّة بشكل مؤكّد. يقول المحدّث النّوري في كتابه (اللؤلؤ والمرجان: ص 39): «..لهذا شمّرت جماعة قارئي العزاء عن سواعد الجدّ والنّشاط لإحياء هذه السّنّة السّنيّة [يريد الإبكاء على سيّد الشهداء عليه السلام]، وإقامة هذه الشعيرة العظيمة. وعلى هؤلاء أن لا يغفلوا ولا يغيب عن أذهانهم أنّ هذه العبادة كغيرها من العبادات لا تكون مقبولة إلّا إذا كان الدّاعي إليها نيل رضى الله، وإدخال السّرور على قلب الرّسول وأئمّة الهدى صلوات الله عليهم أجمعين..».

فإذا أراد قارئ العزاء لعبادته هذه أن تكون محلّ قبول الله تعالى ورضاه، ورضى رسوله والأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين، فليُخلص في قراءته، وليبتعد عن الرّياء الّذي ما دخل عملاً إلّا أفسده، فقد يصعد الخطيب وهو يريد التّقرّب إلى بعض المخلوقين لا إلى الله فيكون مرائياً في عمله، فيُرَدّ عليه عمله. والنّصوص في ذلك كثيرة...

ومرتبة الإخلاص عظيمة المقدار، كثيرة الأخطار، دقيقة المعنى، صعبة المرتقى، يحتاج طالبها إلى نظر دقيق ومجاهدة تامّة، خصوصاً عندما يرى كثرة المستمعين إليه والمعجبين به.

ولأنّ لمجلس البكاء والعزاء على سيّد الشّهداء خصوصيّات مهمّة، فلا بدّ أن يكون القارئ حائزاً على شرط القبول، وهو الإخلاص لله تعالى شأنه، وقد ذكر آية  الله الشّيخ جعفر التستري ثمانية من خواصّ مجالس البكاء عليه عليه السلام، منها:

الأولى: أنّ مجلسه عليه السلام يحيي القلوب يوم تموت القلوب، لقول الرضا عليه السلام: «..ومَن جلس مجلساً يُحيى فيه أمرَنا لم يمتْ قلبُه يوم تموت القلوب».

الثانية: أنّ مجلسه عليه السلام مَصعد التسبيح، لِما ورد في الرواية عن الصادق عليه السلام: «نفَس المهموم لظلمنا تسبيحٌ، وهمّه لنا عبادة، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله ..».

الثالثة: أنّ المجلس محبوب للصادق عليه السلام، فيكون محبوباً لرسول الله صلّى الله عليه وآله، وبالتالي محبوب لله تعالى، فقد ورد قول الصادق عليه السلام لفضيل: «..إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله مَن أحيى أمرنا..».

الرابعة: أنّ المجلس مَنظر للحسين عليه السلام، فإنّه عن يمين العرش ينظر إلى موضع معسكره ومَن حَلّ به من الشهداء، وزوّاره، ومَن بكى عليه، فقد روى الشيخ المفيد في (أماليه) بإسناده عن محمد بن مسلم قال: «سمعت أبا عبد الله يقول: إنّ الحسين بن عليّ عند ربّه عزّ وجلّ ينظر إلى معسكره، ومن حَلَّه مِن الشهداء معه، وينظر إلى زوّاره وهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم، وبدرجاتهم ومنزلتهم عند الله عزّ وجلّ مِن أحدكم بولده، وإنّه لَيرى من يَبكيه فيستغفر له، ويسأل آباءه عليهم السلام أن يستغفروا له..».

الخامسة: أنّ مجلسه عليه السلام مَشهد ملائكة الله المقرّبين، فقد روى الكشّي في (رجاله) بإسناده عن زيد الشّحام قال: «كنّا عند أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام، ونحن جماعة من الكوفيّين فدخل جعفر بن عثمان على أبي عبد الله عليه السلام، فقرّبه وأدناه ثمّ قال: يا جعفر، قال: لبّيك، جعلني الله فداك! قال: بلغني أنّك تقول الشّعر في الحسين وتجيد، فقال له: نعم جعلني الله فداك! قال: قل. فأنشده صلّى الله عليه فبكى ومن حوله حتّى صارت الدّموع على وجهه ولحيته. ثمّ قال: يا جعفر، واللهِ لقد شهدك ملائكةُ الله المقّربون ههنا يسمعون قولك في الحسين، ولقد بكَوا كما بكينا وأكثر، ولقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعته الجنّة بأسرها وغفر الله لك. فقال: يا جعفر ألا أزيدك؟ قال: نعم يا سيدي. قال: ما من أحدٍ قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به إلاّ أوجب الله له الجنّة وغفر له».

السادسة: أنّ مجلس عزاء الحسين عليه السلام قبّةُ الحسين عليه السلام، وذلك لأنّ قبّته ليست مختصّة بالبنيان الخاصّ الّذي نراه فوق الضريح، بل قبّته عليه السلام هي الخضوع والخشوع أيضاً، وكلُّ مجلس خضوع –خصوصاً إذا انعقد لذكر الحسين عليه السلام– هو قبّة الحسين عليه السلام. وإذا كان المجلس هو قبّته عليه السلام كان له تأثير القبّة في إجابة الدّعاء كما ورد في عدّة روايات.

السّابعة: أنّ مجلس العزاء والبكاء هو معراج الباكي، ومحلّ نزول صلوات الله تعالى ورحمته الخاصّة بمغفرة الذنوب ورفع الدّرجات، كما ورد في كثير من الرّوايات.

2- من واجبات أهل المنبر الحسيني الصدق، ويُقصد به ضرورة الصدق في العرض والسّرد بعيداً عن الكذب والتضخيم، وإدخال ما ليس من السيرة فيها.

وخلاصة القول في ذلك: إنّما يجب على قرّاء العزاء ومَن قاربهم في النقل والتبليغ أن يراعوا الصدق في مقام العمل، سواء كان في كيفية نقل الأخبار والقصص، أم في صدق اللسان والتحرّز عن الكذب به. وكما هو معلوم فإنّ الكذب اعتُبر من الكبائر التي أوعد الله تعالى عليها بالنار.

وفي الآيات والروايات ما يغني في بيان مذمّة الكذب وحسن الصدق وملاحته ومدحه، فالكذب من صفات المنافقين لقوله تعالى: ﴿..وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ المنافقون:1.

ومن أبرز مصاديق الظلم لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ..﴾ الزمر:32، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ..﴾ الأنعام:21.

وإنّه يوجب اسوداد الوجه يوم القيامة لقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ..﴾ الزمر:60.

وأمّا الصدق فهو من صفات المتّقين، قال تعالى: ﴿..أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ البقرة:177، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ الزمر:33.

وقد مدح الله تعالى نبيّاً من أنبيائه بصدق الوعد فقال تعالى: ﴿..إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ مريم:54.

إنّ الصدق ينفع يوم القيامة لقوله تعالى: ﴿..هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ..﴾ المائدة:119..

وفي خبر أبي كهمس قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: عبد الله بن أبي يعفور يُقرئك السلام. قال: عليك وعليه السلام، إذا أتيت عبدَ الله فأقرئه السلام، وقل له: إنّ جعفر بن محمّد يقول لك: اُنظر ما بلغ به عليّ عليه السلام عند رسول الله صلّى الله عليه وآله فالزمه، فإنّ علياً عليه السلام إنّما بلغ ما بلغ عند رسول الله صلّى الله عليه وآله بصدق الحديث وأداء الأمانة».

وأخطر ما يكون الكذب في نقل الأخبار والروايات والأحداث، ومشهور الحديث المتواتر عنه صلّى الله عليه وآله: «مَن كذّب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار».

وقد وُصف جملة من رواة الأحاديث بالكذب، ورُدّت الروايات التي وردوا في إسنادها بسبب كذبهم.

والآثار السلبية للكذب في نقل الحديث لا تنعكس على خصوص الكاذب فقط، بل تتعدّى إلى تحريف المنقول مع أنّ أصله قد يكون صحيحاً فيُرفض كلّه بسبب الكذب، ومن تلك الآثار:

- تشويه المنقول في أعين الناس فلا يثقون بوقوع الصحيح منه.

- إعطاء الصورة السيئة لنقلَة الحديث والسيرة، مع أنّ هنالك كثيراً منهم صادق ومخلص.

- إيصال الباطل والمكذوب إلى الأجيال على أنّه حقّ وصدق.

- توهين السّيرة الحسينية إذا ارتكزت في أذهان الناس على تلك الأكاذيب التي اختلقها الكاذبون والوضّاعون وسيّئو النيّة، ويقوم بنقلها بعضُ من حسُنت نيّته جهلاً منه لحقيقة الحال.

ومن هنا كان التركيز على أهمّية التثبّت قبل النقل.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  تاريخ و بلدان

تاريخ و بلدان

نفحات