لا تُصالِح ...

لا تُصالِح ...

26/11/2011

لا تُصالِح ...

 
لا تُصالِح ...
 رصاصة الناتو بانتظارك
________ محمّد صادق الحسيني*________

إنّه منهم وهم منه، وإنّهم هم مَنْ قتلوه خوفاً من افتضاح أسرارهم؛ والأهمّ من ذلك فإنَّ قَدَر مَنْ يُسلِّم مقدَّرات بلاده وتقرير مصير شعبه للفرنجة لا يمكن أن يكون مصيره إلَّا على شاكلة ما رأى العالم على شاشات التَّلفزة: طاغية يَستسلم للثُّوّار فاقداً لكلِّ حيلة.
وبينما يُريده الثوار حيّاً للمحاكمة، تأتي التّعليمات سريعاً مِن ممثلة الشَّيطان الأكبر أنِ اقتُلوه فوراً، لأنّه إنْ حُوكِمَ سيّفضح أمرنا وأسرارنا، وهكذا تبرَّع أحد «ثوّار» الناتو المأمورين لهذا الغرض، وهم بالطّبع غير ثوّار الشَّعب اللِّيبي الحُرّ والعظيم، لِيقتله بكلِّ دمٍ بارد، فيُصبح مِصداق الآية القرآنيّة الشّريفة: ﴿كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر فلما كفر، قال اني برئ منك اني اخاف الله رب العالمين﴾ الحشر:16.
إنَّهم يكذبون البتّة، فلا هم يَخافون الله ولا هم يَحزنون، إنَّهم تعبوا من الإلحاح عليه في الآونة الأخيرة لِيَمنحهم قواعد عسكريّة ثابتة، فامتنع رغم أنّه قدَّم لهم ليبيا كاملة على طبقٍ مِن ذهب. ولمَّا يَئسوا منه، وحانت الفرصة المناسبة، قرَّروا إكمال السِّيناريو الذي بدأوه معه من خلال استنزاف قوى الشَّعب اللِّيبي العظيم، ليَصلوا إلى محطّة تَعب الثُّوّار الحقيقيِّين واستنفاد حَيْلهم، ليتقدَّموا هم للتَّنافس في ما بينهم من أجل تقاسم الكعكة قبل فوات الأوان، كما صرَّح رئيس الحكومة البريطانيّة كاميرون: «علينا الإسراع في اقتناص حصَّتنا من النَّفط اللِّيبي بسرعة، وعدم ترك السّاحة لِأمريكا وفرنسا وغيرهما».
هذا هو قَدَر كلّ مَنْ يُسلِّم أمره لأرباب الحروب والفِتَن والمؤامرات الخفيّة، بدل أنْ يسلم أمره لله تعالى، ويَعتمد على شعبه في إرساء حكم الله على الأرض.
هذا هو الدَّرس الأهمّ الذي يتركه لنا مقتل الطّاغية القذّافي والذي لا بُدَّ من التّوقُّف عنده طويلاً.
بالمقابل، لا بُدَّ من التّوقُّف عند مَثَل الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة التي تعيش حصاراً ظالماً لِمُدّةٍ تزيد على الثّلاثة عقود، ولا يَجِد الفرنجة مَنْ يُلاقيهم ولَوْ في وسط الطَّريق لِيَعقد معهم ولو صفقة واحدة، أقلّها إبقاء بعض قوّاتهم في العراق المُنهَك والضَّعيف، مقابل طريق آمن إلى البحر المتوسِّط عبر سوريا.
لكنَّ كلمة الرَّفض والإحتجاج التي نهلَها الثُّوّار الإيرانيُّون مع حليب أمَّهاتهم، علَّمتهم أَلَّا يمدُّوا أيديهم إلى الشَّيطان، ولو طال الحصار ألف عام.
لذلك، إسمعوا ما يقوله "نيوِت غينغرتش" مرشَّح الرئاسة الأمريكيّة الجمهوري عنهم، كما ورد في مناظرة له عبر شبكة الفوكس نيوز: «ينبغي علينا التَّفكير جديّاً ببديل للحُكم الإيراني الحالي، لأنّ هذا الحكم مُتعهِّد بتدمير "إسرائيل" وإخراجنا من الشّرق الأوسط .. لقد أهانت إيران الولايات المتّحدة مرّات ومرّات .. وبالتّالي، فإنَّ علينا استخدام نهج "ريغن" معها لإسقاطها بأيّ ثمنٍ كان، كما فعلنا مع الإتّحاد السّوفياتي السّابق، لأنّنا لن نكون في أمان ما دام هذا الحكم مستمرّاً.
وعليه، لا بُدَّ من اعتماد خطّة حازمة في إطارٍ من الحرب النّاعمة التي تقدِّم الإسناد والدَّعم المالي لكلِّ القوى المعارضة. وكما فعل "ريغن" و"تاتشر" و"جان بول الثاني": تشديد الحصار النَّفسي والأمني والإقتصادي، دعم المنظَّمات المعارِضة وتجهيزها بكلِّ الإمكانات المطلوبة؛ مثل راديو إيران الحرّة، تلفزيون إيران الحرّ، إنترنت إيران الحرّ، وما تشديد العقوبات الإقتصاديّة عليها إلَّا الخطوة الصَّحيحة اليسيرة في هذا المجال..».
إلى أن يقول، وهنا يأتي بيت القصيد في كلامه: «علينا ألَّا نسير على خُطى أوباما الذي يبحث عن طريق تفاهم مع هذا الحكم، لأنَّ هذا الحكم لن يَتصالح معنا مطلقاً، إنَّه عدوّنا الذي أَقسَم على أن لا يُصالحنا مطلقاً».
ومَنْ يَعرف خفايا ما يجري في الغُرَف المغلقة منذ نهاية السَّبعينات حتى الآن، يَعرف تماماً بأنّ أكثر من موفد غربي وعربي ولا سيَّما الخليجي منهم، لطالما حَمَلوا رسائل تحمل كلمة السِّرّ الشَّهيرة: أنْ تصالَحوا مع «إسرائيل» ولكم ما تُريدون. لكنَّ ردّ إيران عليهم كان دائماً: إنَّها مبادئنا التي لن نتخلّى عنها، وهي كلمة السِّرّ التي أَوْدَعَها مؤسِّس الثّورة بين يدَينا: اليوم إيران وغداً فلسطين.
نعم، منذ محاولات المرحوم ياسر عرفات التي لم تتوقَّف حتّى آخِر موفد خليجي غادر طهران، مروراً بكلِّ أشكال الرَّسائل السويسريّة وغيرها، والكلام واحد: أُسكتوا عن «إسرائيل» على الأقلّ، واتركونا نحن نتفاهم وبعض الفلسطينيِّين ... وبعد ذلك لكلِّ حادث حديث.
 غير أنَّ الجانب الإيراني كان رَدُّه في كلِّ مرّة أكثر حزماً، وآخرها كلام الامام السَّيِّد عليّ الخامنئي في مؤتمر دعم الإنتفاضة الفلسطينيّة، وبحضور القيادات الفلسطينيّة المُقاوِمة كافّة: «نريد كلّ فلسطين لِكُلِّ الفلسطينيّين، وفلسطين التّاريخيّة من النّهر إلى البحر يجب أن تعود إلى سكَّانها وأهلها الحقيقيِّين».
من الطَّبيعي أن يَحنق الفرنجة على هكذا قرار، ويقرِّروا فتح النّار على طهران وحكَّامها، ويُلفِّقوا لهم ذلك الفيلم البوليسي التَّافه والسَّخيف: أي محاولة إغتيال السَّفير السّعودي في واشنطن.
لو قَبِلوا في «إسراطين» فقط لكان توقَّف كلّ شيء مؤقَّتاً ... لكنَّه لم يكن لِيَطول، وكان مصيرهم سيكون قطعاً مثل مصير القذّافي الذي قُتِل برصاصة ناتو أمريكيّة رخيصة، وبكلِّ دمٍ بارد، رغم كلّ الخدمات الكُبرى التي قدَّمها لهم، لا سيَّما منذ أن فَكَّك منشآته النوويّة وقدَّمها لهم خردة حديد.
لكنَّ الإيراني أذكى من ذلك وأكثر حكمةً وحنكةً ودهاءً، وكما يقول المثل الإيراني الشّهير: «مَنْ يطالبك بنطق الألف لا تَقبل، لأنّك سَتُجبَر على قراءة الحروف الأبجديّة حتّى الياء».
ومقتل الطّاغية القذافي عِبْرة لِمَن يَعتبر من الواقفين على بوّابات استجداء التّدخُّل الأجنبي، ولدينا في كنوز الشّاعر المصري الكبير أمل دنقل ما يُفيد كثيراً في هذا السِّياق، حيث يقول:
«لا تُصالح وإن توَّجوك بتاج الإمارة..».
فها هو المُتَوَّج بملك ملوك إفريقيا على حساب شعبه وشعوب القارَّة المُستضعَفة، عندما جدَّ الجدُّ كان ثمنه رصاصة ناتو رخيصة لا غير.


انتفاضة عالميّة على الرأسماليّة المتوحّشة

لم يَكُن ما شاهده العالم يومَ منتصف تشرين أوّل الفائت حدثاً عابراً، ولم تَكُن نتيجته متوقَّعة، إذ أنَّ اندلاع احتجاجات غاضبة في حوالي ألف مدينة في العالم، والمدن الغربيّة منها بالخصوص، ضدّ ما وَصَفته حناجر المحتجِّين بالرَّأسمالية المتوحِّشة، لا يُمكن عَدُّه حَدَثاً عابراً بكلِّ تأكيد.
صحيحٌ أنّ الأجهزة الأمنيّة في الدّول التي وَقَعَت على أراضيها تلك الإحتجاجات تمكّنت من احتوائها، والتَّقليل من مَدَياتها، ومَنْع استفحال تداعيات دعوتها التي انطلقت شرارتها الأولى في السّابع عشر من أيلول الماضي، وتحديداً مع حركة (إحتلُّوا وول ستريت) الأميركيّة، إلّا أنّ القرائن تُشير إلى احتمالات تَجَدُّدِها مستقبلاً، وربَّما بشكلٍ أكثر تنظيماً وتمرُّداً.
هنا يأتي السؤال؛ لماذا كلّ هذه المسيرات الإحتجاجيّة في الدُّوَل الأكثر رخاءً واستقراراً في العالم؟
بعض المتظاهرين ردَّدوا مقولة أنَّهم يشاركون في حرب الـ (99%) ضد الـ (1%)، إشارةً منهم إلى عدد المحرومين في بلدانهم قياساً إلى عدد الأثرياء والمُتخَمين. فهل يعني هذا التّصريح المثير أنَّ نهاية النِّظام الرّأسمالي أصبحت مسألة وقت ليس إلَّا؟
لعلَّ الإجابة عن هذا التَّساؤل بكلمة نعم فيها مِن التَّسرُّع الشيء الكثير، نَظَراً لقدرة هذا النِّظام على المراجعة والبراغماتيّة، وتبنِّي خطوات إصلاحيّة كبرى.
لكنَّ الجواب عن السُّؤال المتقدِّم بكلمة نعم فيه أيضاً من الصواب الشَّيء الكثير، إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار التُّهمة التاريخيّة التي تُحمِّل النِّظام الرّأسمالي وِزْر قسمة العالم إلى أقلِّيّة مُترَفة وأغلبيّة محرومة، فضلاً عن تحميله وِزْر الأزمة الماليّة التي ضربت أميركا وأوروبا في العام 2008 م.
لطيف القصّاب (كاتب عراقي)




____________________________________
* محلّل سياسي من إيران/ عن «القدس العربي» – لندن


اخبار مرتبطة

  أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

  القلب والحظوظ الدنيويّة

القلب والحظوظ الدنيويّة

  دورياات

دورياات

26/11/2011

دورياات

نفحات