أَرُوحُك أم روحُ النُّبُوَّة تَصعدُ؟

أَرُوحُك أم روحُ النُّبُوَّة تَصعدُ؟

منذ 4 أيام

أَرُوحُك أم روحُ النُّبُوَّة تَصعدُ؟

قَطْعُ الرّأسِ الشّريف
أَرُوحُك أم روحُ النُّبُوَّة تَصعدُ؟
ــــــــ إعداد: أسرة التحريرــــــــ

قال عليٌّ عليه السلام: «ولولا أنّ قريشاً جعلت اسمَه [أي رسولَ الله صلّى الله عليه وآله] ذَريعةً إلى الرّياسة، وسُلَّماً إلى العِزِّ والإمرة، لما عَبَدتِ اللهَ بعد موتِه يوماً واحداً، ولارْتَدَّتْ في حافرتها، وعاد قارحها جذعاً، وبازلها بِكْراً..». (ابنُ أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج 20، ص 298)
ما يلي عرضٌ لبعض دلالات قطْعِ الرّأس الشريف، ونموذجٌ من النصوص التي وثّقت هذا المشهد الذي طالما أبكى رسولَ الله صلّى الله عليه وآله، والنبيّين والملائكة، قبل وقوعِه.


لو كان رسول الله صلّى الله عليه وآله في كربلاء، لَقطعَ آلُ أبي سفيان رأسه، ثم واصلوا التظاهر بالإسلام، يقودهم جشعُ السّلطة والدنيا والمُلك العقيم، والأدهى منهم مَن يبيع اليوم دينه بدنيا بني أميّة التي لم يبقَ منها شيء، فينساقُ مع بني أميّة مكتفياً من قتلِهم مَن هو تجلّي رسول الله صلّى الله عليه وآله، بالتعاطف والحوقلة الباهتة، فتمرّ ذكرى عاشوراء وكأنّه ليس معنيّاً بقتلِ رسول الله، وقطْعِ رأسه صلّى الله عليه وآله، كما أنّه ليس معنيّاً بحمل الرأس من بلدٍ إلى بلد، وسَبْي حُرَم سيّد النبيّين إلى حفيد ابنِ آكلةِ الأكباد.
ما تزال كربلاء امتحاناً إلهيّاً نبويّاً للأجيال في باب فرز الأمّة بين محمديّين حقيقيّين، هم الموحِّدون الصَّادقون، وبين مَن يلبس الإسلام «لبس الفَرْوِ مقلوباً». وليست العبرة بما تسجلّه دوائر النفوس، بل بما استقرّ في شغاف القلب، من محمديّة بيضاء هي الطريق الحصريّ إلى توحيد الله تعالى. تقوم هذه المحمَّديَّة البيضاء، على أساس أنَّ سرَّ «محمّد رسول الله» هو «حسينٌ منّي وأنا من حسين».
 يُحتِّم واجبُ المودّة في القربى، وحسنُ اتّباع النبيِّ الأعظم صلّى الله عليه وآله، أن يُطيل العقل والقلب التأمّل بعصف أمواجِ حبّ الله تعالى وأوليائه في الحنايا والأضلُع والشِّغاف، عندما يقرأ المحمّديّ الموحّد عن آخر ملاحم  الحسين السّبط، وجولاته العلويّة في كربلاء، على أبواب الشهادة و«قطع الرأس»!!
ما يلي نموذجٌ ممّا سجّلته المصادر الإسلاميّة، حول قطع الرأس الشريف، كما أورده المؤرخ «ابن أعثم»:

«بقِيَ الحسينُ فريداً وحيداً ".." فدعا إلى المبارزة فلم يزل يقتل كلّ مَن خرج إليه من عيون الرجال حتى قتل منهم مقتلةً عظيمة.
وتقدّم الشمر بنُ ذي الجوشن -لعنه الله- في قبيلةٍ عظيمة، فقاتلَهم الحسينُ بأجمعِهم، وقاتلوه، حتّى حالوا بينه وبين رَحْلِه، فصاح بهم الحسين عليه السلام: ويحَكم يا شيعةَ آل (أبي) سفيان! إنْ لم يكن (لكم) دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم (عُرُباً) [ كما ] تزعمون. قال: فناداه الشمر بن ذي الجوشن -لعنه الله-: ماذا تقول يا حسين؟ قال: أقول أنا الذي أقاتلُكم وتقاتلوني، والنساء ليس لكم عليهنّ جناح، فامنعوا عتاتَكم وطغاتكم وجُهّالكم عن التعرُّض لِحُرَمي ما دمتُ حيّاً.
فقال الشّمر: لكَ ذلك يا ابنَ فاطمة. ثمّ صاح الشِّمر بأصحابه: إليكم عن حريم الرجل واقصِدوه في نفسه، فلَعَمْري إنَّه لكُفْؤٌ كريم.
فحمل عليه القومُ بالحرب، فلم يزل يحمل عليهم ويحملون عليه وهو في ذلك يطلب الماء ليشربَ منه شربة، فكلّما حمل بنفسه على الفرات، حملوا عليه حتّى أحالوه عن الماء، ثم رمى رجلٌ منهم بسهم ".."  فوقع السَّهمُ في جبهتِه. فنزع الحسينُ السّهمَ فرمى به وسالت الدماءُ على وجهه ولحيتِه، فقال الحسين عليه السلام: ألَّلهمَّ إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العُصاة الطغاة، أللّهمّ، فأَحْصِهمْ عدداً، واقتُلهم (بدداً)، ولا تَذَر على وجه الأرض منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً.
ثمّ حمل عليهم كاللّيث المُغْضَب، فجعل لا يلحق منهم أحداً إلا لفحَه بسيفِه لفحةً ألحقَه بالأرض، والسِّهام تقصده من كلّ ناحية وهو يتلقَّاها بصدره ونحره، وهو يقول: يا أمَّة السُّوء! بئس ما خلّفتم محمداً في ".." عترتِه، أما إنّكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله فتهابوا قتله، بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي، وأَيْمُ الله إنّي لأَرجو أن يكرمني الله بهوانكم، ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون.
فصاح الحُصين بن نمير السكوني فقال: يا ابن فاطمة. وبماذا ينتقم لك منَّا؟ قال: يُلقي بأسَكم بينكم، ويسفك دماءَكم، ثمّ يصبُّ عليكم العذاب صبّاً.
فصاح الشِّمر بن ذي الجوشن -لعنه الله- بأصحابه فقال: ما وقوفُكم، وماذا تنتظرون بالرّجل وقد أوثقتْه السّهام؟ إحملوا عليه، ثكلتكم أمّهاتُكم. فحملوا عليه من كلِّ جانب، وأوثقتْه الجراحُ بالسيوف، فضربَه رجلٌ يُقال له زرعة بن شريك التميمي -لعنه الله- ضربةً على يده اليسرى، وضربَه عمرو بن طلحة الجعفي -لعنه الله- على حبلِ عاتقِه من ورائه ضربةً مُنْكَرة، ورماه سنان بن أنس النَّخعي -لعنه الله– بسهمٍ فوقعَ السَّهمُ في نحرِه، وطعنَه صالح بن وهب اليزني-لعنه الله- طعنةً في خاصرته، فسقطَ الحسينُ عليه السلام عن فرسِه إلى الأرض واستوى قاعداً، ونزع السَّهمَ من نحره، وأقرنَ كَفَّيْه فكلَّما امتلأتا من دمه، خَضَّب به رأسَه ولحيتَه وهو يقول: هكذا، حتّى ألقى ربّي بدمي مغصوباً على (عليَّ) حقِّي!
وأقبلَ عمر بن سعد حتّى وقف عليه وقال لأصحابه: إنزلوا إليه فخُذوا رأسه! فنزل إليه نصر بن خرشبة الضّبابي -لعنه الله- وكان أبرص، فضربه ".." فألقاه على قفاه ثمّ أخذ بلحيته، فقال له الحسين: أنت الأبقع الذي رأيتك في منامي، قال: أَوَتُشَّبِّهُني بالكلاب يا ابنَ فاطمة! ثمّ جعل يضرب بسيفه -لعنه الله- على مذبحِ الحسين وهو يقول:
               أقتلُك اليومَ ونفسي تعلمُ * علماً يقيناً ليس فيه مرغمْ
               ولا محال لا ولا تأثّمُ * إنّ أباك خيرُ مَن تكلّمْ.
فغضب عمر بن سعد ثمّ قال لرجل: إنزل أنت إلى الحسين فأَرِحه! قال: فنزل إليه خوليّ بن يزيد الأصبحي -لعنه الله- فاحتزَّ رأسه..».
(أحمد بن أعثم الكوفي، كتاب الفتوح: ج 5، ص 115 – 120 بتصرّف)

 

حاملُ الرّأس: أوْقِرْ رِكابي..


ورد في المصادر، أنّ «حاملَ الرأس» ارتجزَ بأبياته المشهورة في ثلاثة أماكن، في كربلاء، والكوفة، ودمشق، وأنَّ عاقبته كانت القتل.
قال الطبريّ: فأقبلَ سنان بن أنس حتى وقف على باب فسطاط عمر بن سعد ثمّ نادى بأعلى صوته:

أوقِر ركابي فضةً وذهبا أنا قتلتُ الملك المُحَجبّا
قتلتُ خير الناس أمّاً وأبا وخيرَهم إذ ينسبون نسبا


فقال عمر بن سعد: أشهد أنّك لَمجنون ما صحوتَ قَطّ، أدخِلوه عليّ، فلما أُدخل حذفَه بالقضيب ثمّ قال: يا مجنون، أتتكلّم بهذا الكلام، أما واللهِ لو سمعَك ابنُ زياد لضرَبَ عنقَك.
وفي كتاب (مطالب السُّؤل)، و(كشف الغُمَّة): «أنّ حامل رأس الحسين عليه السلام إلى ابن زياد كان بشر بن مالك، فلمّا وضع الرأس بين يدَي عبيد الله بن زياد قال:

إملأ ركابي فضّةً وذهبا فقد قتلت الملِك المحجّبا
ومن يصلّي القبلتين في الصّبا وخيرَهم إذ يذكرون النَّسبا
قتلتُ خيرَ الناس أمّاً وأبا

فغضب عبيدُ الله من قوله ثمّ قال: إذ قد علمتَ أنّه كذلك فَلِمَ قتلتَه؟ واللهِ لا نلتَ منّي، وَلَأُلحقنّك به. ثمّ قدّمه وضربَ عنقَه».
• ومع اختلاف اسمِ حامل الرأس -كما تقدَّم- يقوى احتمالُ قتلِ حاملِ الرأس إلى يزيد، كما نجد في النص التالي الذي أوردَه العلّامة المجلسي في (البحار)-وغيره- نقلاً عن (الخرائج) لـ «القُطب الرَّاوندي» الذي أَوْردَه مُسنداً، في حديث طويل جاء فيه:
«.. وأُدخِل الرَّأس إلى يزيد، وابتدرَ قاتلُ الحسين إلى يزيد فقال:

إملأْ ركابي فضَّة أو ذهبا      إني قتلت الملك المحجَّبا
قتلتُ خير الناس أمّاً وأبا


 فأمر يزيد بقتله، وقال: (إنْ) علمتَ أنّ حسيناً خيرُ الناس أُمَّاً وأباً، فِلمَ قتلتَه".."؟».


                            .. ووضعَ يدَه اليُمنى على رأس الحسين..
رجعَ النبيُّ من سفره ".." مغموماً، فصعد المنبر فخطبَ ووعظَ، والحسينُ بن يدَيه مع الحسن، فلمّا فرغ من خطبته، وضع يدَه اليُمنى على رأس الحسين ورفعَ رأسه إلى السماء وقال: أللّهمّ إنّي محمّدٌ عبدُك ونبيّك، وهذان أطائب عترتي وخيار ذرّيتي وأرومتي ومَن أخلفهما بعدي. أللّهمّ وقد أخبرني جبريل بأنّ ولدي هذا مقتولٌ مخذول، أللّهمّ فبارك لي في قتله واجعلْه من سادات الشهداء إنّك على كلّ شيءٍ قدير، أللّهمّ ولا تبارك في قاتله وخاذله. قال: فضجَّ الناس في المسجد بالبكاء، فقال النبيّ: أتبكون ولا تنصرونَه؟! أللّهمّ فكن له أنت وليّاً وناصراً.
     (الخوارزمي، مقتل الحسين)
 



اخبار مرتبطة

  آلُ محمّد صلّى الله عليه وآله  بين الحُبِّ والنّصب

آلُ محمّد صلّى الله عليه وآله بين الحُبِّ والنّصب

  سببُ ازديادِ حُبِّ الدّنيا

سببُ ازديادِ حُبِّ الدّنيا

  دوريات

دوريات

منذ 3 أيام

دوريات

نفحات