تقديس رسول الله صلى الله عليه وآله

تقديس رسول الله صلى الله عليه وآله

01/06/2006

هل يمكن أن يكون تلاقي الشياطين الغربيين من أمر يكيين وغيرهم، مع شياطين الخوارج على ضرب قدسية رسول الله صلى الله عليه وآله، مجرد صدفة؟ أم أنها مؤامرة شيطانية واحدة تعددت مظاهرها؟ هل من باب الصدفة أن يتم تفجير قبة العسكريي

هل يمكن أن يكون تلاقي الشياطين الغربيين من أمر يكيين وغيرهم، مع شياطين الخوارج على ضرب قدسية رسول الله صلى الله عليه وآله، مجرد صدفة؟ أم أنها مؤامرة شيطانية واحدة تعددت مظاهرها؟ هل من باب الصدفة أن يتم تفجير قبة العسكريين عليهما السلام؟ وهل من باب الصدفة أن نجد في مكة شارعاً باسم أبي لهب، ولا يمكننا أن نجد أي أثر للبيت الذي عاش فيه رسول الله صلى الله عليه وآله مع سيدتنا أم المؤمنين خديجة، بل ولانجد أي أثر للأماكن الكثيرة المرتبطة به صلى الله عليه وآله تاريخياً، ماعدا مكتبة مكة المكرمة! التي هي في الأصل البيت الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ولايسمح لمسلم بالدخول إليه، بل ويصد عنه كل من يقترب منه بنية السلام على المصطفى الحبيب والتبرك برؤية هذا المكان المقدس. لقد استطاع نكراء الوهابية أن يحمل النظام في الحجاز - إلى وقت قريب - على الدفاع عن تشوهات هذه النكراء وتزييفاتها طيلة الفترة الماضية، وهاهي بوادر العودة إلى المجمع عليه بين المسلمين من قبل النظام تتعاظم يوماً بعد يوم. لابد لكل موحد أن يطيل الوقوف عند القاسم المشترك بين هؤلاء الذين يصرون على ضرب علاقة المسلم بمن لايقبل الله تعالى إسلام مسلم إلا بالوقوف ببابه والتفاني في حبه وحب عترته صلى الله عليه وآله، وبين المؤامرة الأمريكية- الغربية التي كان آيات الشيطان رشدي مظهرها الأول، ولما فشلت أطلت نفس المؤامرة برأسها من جديد في الصور المسيئة للمصطفى الحبيب التي صرح بوش نفسه بضرورة عدم السماح للمحتجين عليها أن يحققوا مايريدون.

بسم الله الرحمن الرحيم
تقديس رسول الله صلى الله عليه وآله[1]
الشيخ حسين كوراني


* في المنطلقات:
القدس في اللغة الطهر، وليس السبب في الطهر المعنوي إلا سلامته من شوب الباطل، ومن هنا كان "القدوس" على الإطلاق هو الحق المطلق. [2]
* والحق في اللغة: " هو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره.  من حقَّ الشئ ، يحقُّ، إذا ثبت ووجب.
 " وفي اصطلاح أهل المعاني : الحكم المطابق للواقع، يطلق على الأقوال والعقائد ، والأديان، والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك، ويقابله الباطل.[3]
 و الباطل في اللغة : هو ما لا ثبات له عند الفحص عنه.[4]
 * ولئن اختلف الناس في تطبيق الحقيقة المطلقة على مصاديقها فإنهم متفقون على ثلاثة  محاور:
1-"قداسة"الحقيقة، بمعنى أنها القيمة المقدسة التي لايجوز النيل منها بوجه من الوجوه.
2-أن مقدار تجلي الحقيقة في أي مجال، فرداً كان أو جماعة، أو فكرة، أو شيئاً. يكسب هذا المجال من " القداسة" بمقدار تجلي الحقيقة فيه.
3-وانطلاقاً من محورية الإنسان وتميزه بين المخلوقات بلحاظ أنه الأقدر على التفاعل مع الحقيقة، فمن البديهي أن يكون للإنسان الذي تتجلى الحقيقة فيه، موقع طليعي بين سائر مجالات تجلي الحقيقة.
يشكل ماتقدم أصلاً في الفكر البشري، لايقع الإختلاف إلا في تطبيقه، وعليه تتفرع المسلمات المجمع عليها بين الناس أجمعين من احترام الوطن، والقانون، والحريات، وغير ذلك، بل تتفرع عليه أيضاً المسلمة المجمع عليها من إنزال أقصى العقوبات بمن يتطاول على قدس هذه المسلمات، فإذا بخيانة الوطن مثلاً " الخيانة العظمى" التي تستتبع القتل.
* وحيث إن الحقيقة المطلقة في الرؤية التوحيدية هي الله تعالى: "  ذلك بأن الله هو الحق"  كان من الطبيعي أن لاتسبغ القداسة بالأصالة إلا على الله تعالى، وتسبغ القداسة بالتبعية على كل تجلٍّ للقدس الإلهي بمقدار مايكون التجلي.
 
* هو الحق:
كثيرة هي الآيات المباركة التي تؤكد أصل أن الله تعالى " هو الحق " ومنها :
1- الآية المشار إليها: *ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شئ قدير [ الحج 6 ] *
2-* ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير [ لقمان 30 ] *
 3- * يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين [ النور 25 ] *
4- * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم [ المؤمنون 116 ] *
5- * ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين [ الأنعام 62 ] *
6- * هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون [ يونس 30] *
7- * فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون [ يونس 32 ] *


* في الدلالة:
قال الشيخ الطوسي:
" وصْفُه تعالى  بأنه الحق يحتمل أمرين : أحدهما : أنه ذو الحق في قوله وفعله . الثاني:أنه الواحد في صفات التعظيم التي من اعتقدها، فهو محق.[5]
يريد بالأول : كما تقول  العدل وتقصد العادل المتمحض فيه.
وفي مكان آخر قال رحمه الله: " ذلك بأن الله هو الحق":  الذي يجب توجيه العبادة إليه". [6]
أي انطلاقاً من أن العبادة هي قمة التعلق بالحقيقة والذوبان فيها.

* وقال القرطبي:
"كل ما سواه وإن كان موجوداً حقاً فإنه لا حقيقة له من نفسه، لانه مسخَّر مصرَّف.
 والحق الحقيقي : هو الموجود المطلق الغني المطلق، وأن وجود كل ذي وجود عن وجوب وجوده، ولهذا قال في آخر السورة : "وأن ما يدعون من دونه هو الباطل " [الحج :62]. والحق الموجود الثابت الذي لا يتغير ولا يزول، وهو الله تعالى ".[7]
يريد أن الواقعية والحقانية تدوران مدار الوجود القطعي، وحيث إن كل موجود يفتقر إليه تعالى، فإن كل حقانية فرع وجب وجوده عز وجل، فهو الحق المطلق، ويلتقي مراد القرطبي بما يأتي عن السيد الطباطبائي. 

* وقال السيد الطباطبائي:
" المراد بالحق نفس الحق، أعني أنه ليس وصفاً قائماً مقام موصوف محذوف هو الخبر، فهو تعالى نفس الحق الذي يحقق كل شئ حق ويجري في الأشياء النظام الحق، فكونه تعالى حقاً يتحقق به كل شئ حق، هو السبب لهذه الموجودات الحقة، والنظامات الحقة الجارية فيها، وهي جميعاً تكشف عن كونه تعالى هو الحق .[8]
وقال في مكان آخر:
 "وإذا كان حقية الشئ هو ثبوته فهو تعالى حق بذاته، وغيره إنما يحق ويتحقق به. وإذا تأملت هذا المعنى حق تأمله وجدت أولاً : أن الأشياء بأجمعها تستند في وجودها إليه تعالى، وأيضا تستند في النظام الجارى فيها عامة، وفى النظامات الجزئية الجارية في كل نوع من أنواعها وكل فرد من أفرادها إليه تعالى .[9]

* وقال أيضاً:
" وقد تحقق مما تقدم أن الحق في معنى الواجب الوجود".[10]
وحول الآية المباركة:  " ذلك بأن الله هو الحق وأن ما تدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير " قال قدس سره:
"والحصران في قوله : بأن الله هو الحق " وقوله : " وأن ما يدعون من دونه هو الباطل " إما بمعنى أنه تعالى حق لا يشوبه باطل وأن ما يدعون من دونه وهي الأصنام باطل لا يشوبه حق، فهو قادر على أن يتصرف في تكوين الأشياء وأن يحكم لها وعليها بما شاء . وإما بمعنى أنه تعالى حقٌّ بحقيقة معنى الكلمة مستقلاً بذلك، لا حق غيره إلا ما حققه هو ، وأن ما يدعون من دونه وهي الأصنام بل كل ما يركن إليه ويدعى للحاجة من دون الله هو الباطل لا غيره إذ مصداق غيره هو الله سبحانه فافهم ذلك، وإنما كان باطلاً إذ كان لا حقية له باستقلاله، والمعنى - على أي تقدير - أن ذلك التصرف في التكوين والتشريع من الله سبحانه سبب أنه تعالى حق يتحقق بمشيته كل حق غيره، وأن آلهتهم من دون الله وكل ما يركن إليه ظالمٌ باغٍٍ من دونه باطلٌ لا يقدر على شيء " .[11]
وخلاصة الأرجح في ماتقدم من الآراء أن الثابت الذي وجب ثبوته وحق، والذي يكتسب  منه كل حق  حقانيته هو الحق المطلق عز وجل.


* الحق المبين:
ولا بد من  الوقوف بعناية عند قوله تعالى : " يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون إن الله هو الحق المبين "
والمبين هو الذي يوضح غيره ويبينه، ولئن استعمل بما يشي بغير ذلك كما في " البلاء المبين" و" الخسران المبين" فإن سبب استعماله هو كونه من غاية الوضوح بحيث يصبح مبيناً لكل أحجام ما عداه من البلاء أو الخسران وغير ذلك.[12]
وعليه فالحق المبين مصطلح يحمل  معنى الحق الذي  لاتتضح حقانية أي شيء إلا به ومن خلال الإرتباط به، والوقوع في صراطه  الوجودي أو التشريعي الحق.
 قال السيد الطباطبائي:
"ويعلمون أن الله هو الحق المبين ". والآية من غرر الآيات القرآنية تفسر معنى معرفة الله فإن قوله : " ويعلمون أن الله هو الحق المبين " ينبئ أنه تعالى هو الحق لا سترة عليه بوجه من الوجوه ولا على تقدير من التقادير فهو من أبده البديهيات التي لا يتعلق بها جهل لكن البديهي ربما يغفل عنه فالعلم به تعالى هو ارتفاع الغفلة عنه الذي ربما يعبر عنه بالعلم ، وهذا هو الذي يبدو لهم يوم القيامة فيعلمون أن الله هو الحق المبين".[13]


* يتضح مما تقدم:
1- أن من المسلمات العقلية تقديس الحق.
2- أن الله تعالى هو الحق المطلق.
وعليه فالتقديس من حيث الأصل والمبدأ منحصر به تقدست آلاؤه وجل ثناؤه.
* هل ينافي ذلك تقديس غيرالله تعالى:
قال العسكري:
* وقال بعض المحققين : التسبيح هو تنزيه الله عما لا يليق بجاهه من صفات النقص. والتقديس : تنزيه الشئ عن النقوص. والحاصل أن التقديس لا يختص به سبحانه بل يستعمل في حق الآدميين . يقال : فلان رجل مقدَّس : إذا أريد تبعيده عن مسقطات العدالة ووصفه{بالخير}ولا يقال : رجل مسبَّح، بل ربما يستعمل في غير ذوي العقول أيضاً، فيقال : قدس الله روح فلان، ولا يقال : سبحه. ومن ذلك قوله تعالى : " ادخلوا الأرض المقدسة " ".." يعني أرض الشام . وأما قول الملائكة : ( سبوح ، قدوس ) مع أن المناسب تقديم القدوس ليكون ذكره بعده ترقياً من الأدنى إلى الأعلى، فلعله للإيذان من أول الأمر بأن المراد وصفه سبحانه دون غيره . انتهى . وهو تحقيق أنيق *[14]
وولاينافي عدم حصر التقديس به سبحانه، أن هذا الحصر ثابت له عز وجل من حيث الأصالة والمبدأ، ولكنه يسري إلى ماتجلت فيه حقانية الحق، فمن الواضح أن التقديس للإنسان والمكان والزمان، رهن الحقانية المتجلية فيه، وهو نفس معنى أن الله تعالى هو الحق وأن حقانية كل شخص أو شيء فرع اتصاله به سبحانه.

* القداسة قيمة معرفية:
على العكس من السائد في تحميل معنى القداسة أعباء الطواغيت الذين فرضوا تقديسهم على الناس، أو خُدع الناس بهم فقدسوهم، فإن القداسة في حد ذاتها قيمة معرفية هي غاية في السمو والنبل والعقلانية، لأنها تنطلق من الآتي:
1-إصرار العقل على معرفة الحقيقة.
2-إصراره على التمييز بينها وبين الباطل الهباء، وبذل كل جهد عقلي صريح لعدم الإغترار بما فيه شوب الباطل.
3-والإصرار على معرفة سبل تجلي الحقيقة في ميادين الحياة وأصناف الموجودات.
4-الإصرار على معرفة الطرق التي تجعل الفرد في عقيدته والسلوك تجلياً من تجليات الحقيقة بحسبه، يغذ السير في دروب التماهي معها والتكامل بها.


* التقديس وكرامة الإنسان:
في ضوء ماتقدم، لاينبغي الفصل بين التقديس وبين كرامة الإنسان، سواء أردنا من التقديس قيام الإنسان بتقديس الحق والحقيقة، أوأردنا به قداسة الإنسان وكونه أهلاً للتقديس، حيث إن المحور في ذلك كله " قدس الحق" و "قداسة الحقيقة" وبما أن الإنسان هو المؤهل الوحيد وبامتياز لمعرفة الحقيقة والتزامها والتفاني في الذوبان فيها حتى العبادة، فإن الحديث عن قداسة الحقيقة، هوالوجه الآخر عن حديث "كرامة الإنسان"، تماماً كما هو العلم الوجه الآخر لقيمة العالِم.
*يضاف إلى ذلك في باب المردود العملي للتقديس، أنه لاقداسة بمعزل عن الفائدة العملية للناس، فليس المقدس هو الذي يأخذ من الناس، بل المقدس هو الذي يعطي ولا يحتاج أن يأخذ شيئاً، حتى الولاء فإن من احتاج إلى الولاء ليتقوم به، ليس مقدساً.
وما تلازم التقديس مع المردود العملي، إلا لون آخر من ألوان " كرامة الإنسان".


* قداسة كل بحسبه:
تكشف هذه القداسة الحصرية للحقيقة أي للحق تعالى، أن كل قداسة تنسب إلى غير الحقيقة، فإنما هي مستمدة من التزامها الحقيقة، ولذلك فهي مكتسبة من درجة هذا الإلتزام، فليست القداسة لشخص أو لمكان أو زمان، أمراً اعتباطياً، بل هي وفق معايير دقيقة وتخصصية تقوم على قاعدة قداسة الحق والحقيقة، ولذلك فهي إن ثبتت في مورد معين، فلا بد من معرفة درجتها والحدود.


* الثابت والمشروط :
كما تكشف قاعدة التفريق بين المقدس لذاته" وبين المقدس لالتزامه الحقيقة، أن من القداسة ماهو ثابت للمقدَّس، ومنها ماهو مشروط ببقاء هذا الإلتزام وعدم الخروج عنه، فرب  مقدَّس ينقلب على عقبيه، ورب غير مقدس يصبح مقدساً، وبينهما مراتب لاتخفى.


* أقرب الخلق إلى الحق سبحانه:
كما يرتبط تقديس سيد الأنبياء والخلق أجمعين، المصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله، بتقديس الحقيقة جذرياً، فإن تقديس أي إنسان أو غير إنسان مرتبط جذرياً بتقديس رسول الله صلى الله عليه وآله، فهو التجلي الإنساني الأتم للحقيقة المطلقة، بمعنى أن كرامة الإنسان عند الله تعالى تدور مدار الحقيقة المحمدية التي تمحضت في تجلية الحقيقة المطلقة فإذا هي منها هي بقدرة الله تعالى وحوله سبحانه وقوته.
" من يطع الرسول فقد أطاع الله"  قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني" " ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم { وأرادوا التوبة }  جاؤوك"!!


* تقديس الأنبياء والرسل:
يتضح بجلاء أن تقديس الأنبياء والرسل عليهم السلام، جميعاً أو فرادى،  لاينفصل عن تقديس المصطفى الحبيب، لسببين:
1-  أن تقديسه صلى الله عليه وآله يتضمن تقديسهم عليهم السلام، حيث إن المؤمن به يؤمن بجميع رسل الله تعالى وأنبيائه.
2-   كما أن تقديس كل منهم فرع التزامه الحقيقة التي لم يبلغ أحد منهم مرتبة تجليها الأتم غيره، ومن هنا  كان صلى الله عليه وآله الشاهد على الأنبياء، ولم يبعث نبي إلا على الإعتراف له صلى الله عليه وآله بالنبوة.


* تقديس أهل البيت:
 ويلحق بتقديس الرسول صلى الله عليه وآله تقديس أهل البيت عليهم السلام، بل تقديسهم تقديسه، فهم منه صلى الله عليه وعليهم كالضوء من الضوء، وقد أجمعت الأمة على تلقي ما روي عنه صلى الله عليه وآله في حقهم عليهم صلوات الرحمن، على قاعدة أنهم حقيقة محمدية وشأن نبوي، ولذلك لا يشك موحد في أن على كل صحابي أن يحبهم، وإلا فإنه خارج عن شرف الصحبة. 
* قال الشيخ المفيد:
".. قوله سبحانه : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتومنن به ولتنصرنه " يعني رسول الله صلى الله عليه وآله . فحصلت البشائر به من الأنبياء أجمعهم قبل إخراجه إلى العالم بالوجود، وإنما أراد جل اسمه بذلك إجلاله وإعظامه، وأن يأخذ العهد له على الأنبياء والأمم كلها، فلذلك أظهر لآدم عليه السلام صورة شخصه وأشخاص أهل بيته عليهم السلام، وأثبت أسماءهم له ليخبره بعاقبتهم ويبين له عن محلهم عنده ومنزلتهم لديه، ولم يكونوا في تلك الحال أحياء ناطقين ولا أرواحأ مكلفين، وإنما كانت أشباحهم دالة عليهم حسب ما ذكرناه ". [15]
* وقال رحمه الله تعالى:
بشر الله تعالى الانبياء المتقدمين بنبينا محمد صلى الله عليه وآله قبل وجوده في العالم . فقال سبحانه ( وإذ اخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جائكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ) يعني رسول الله صلى الله عليه والله ( قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ) يعني عهدي ( قالوا اقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) قال جل اسمه ( النبي الا مي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل )فكان نبينا عليه والله السلام مكتوبا مذكورا في كتب الله الاولى ، وقد اوجب على الامم الماضية معرفته والاقرار به وانتظاره ، وهو عليه السلام وديعة في صلب آبائه لم يخرج إلى الوجود. [16]
* وقال الشيخ الصدوق:
ويجب أن نعتقد أن الله تعالى لم يخلق خلقا أفضل من محمد والائمة ، وأنهم أحب الخلق إلى الله ، وأكرمهم عليه ، وأولهم إقراراً به لما أخذ الله ميثاق النبيين ( وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ). وأن الله تعالى بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم إلى الأنبياء في الذر . وأن الله تعالى أعطى ما أعطى كل نبي على قدر معرفته نبينا، وسبْقِه إلى الإقرار به،وأن الله تعالى خلق جميع ما خلق له ولاهل بيته - عليهم السلام - وأنه لولاهم لما خلق الله السماء والأرض ، ولا الجنة ولا النار، ولا آدم ولا حواء، ولا الملائكة ولا شيئاً مما خلق. صلوات الله عليهم أجمعين .[17]


* تعظيم شعائر الله، تقديسها:
حول معنى تعظيم شعائر الله في قوله تعالى: ".. ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " تلتقي كلمات العلماء الأعلام من الفريقين على الآتي:
1-أن المراد بشعائر الله " كل  ما له إضافة إلى الله توجب له المنزلة والحرمة ، كالمسجد والقرآن والحجر الاسود وما سواها من الشعائر الالهية. [18] وبعبارة أخرى: الشعائر "هي معالم للطاعات والقرب".[19]
2-أن المحور في هذا التعظيم هو نسبة المعظَّم إلى الله تعالى.
3-أن هذا التعظيم يشمل الأشخاص، والأشياء.[20]


* المؤامرة الشيطانية:
هل  يمكن أن يكون تلاقي الشياطين الغربيين من أمر يكيين وغيرهم، مع شياطين الخوارج على ضرب قدسية رسول الله صلى الله عليه وآله، مجرد صدفة؟ أم أنها مؤامرة شيطانية واحدة تعددت مظاهرها؟
هل من باب الصدفة أن يتم تفجير قبة العسكريين عليهما السلام؟
وهل من باب الصدفة أن نجد في مكة شارعاً باسم أبي لهب، ولا يمكننا أن نجد أي أثر للبيت الذي عاش فيه رسول الله صلى الله عليه وآله مع سيدتنا أم المؤمنين خديجة، بل ولانجد أي أثر للأماكن الكثيرة المرتبطة به صلى الله عليه وآله تاريخياً، ماعدا مكتبة مكة المكرمة! التي هي  في الأصل البيت الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ولايسمح لمسلم بالدخول إليه، بل ويصد عنه كل من يقترب منه بنية السلام على المصطفى الحبيب والتبرك برؤية هذا المكان المقدس.
لقد استطاع نكراء الوهابية أن يحمل النظام في الحجاز - إلى وقت قريب - على الدفاع عن تشوهات هذه النكراء وتزييفاتها طيلة الفترة الماضية، وهاهي بوادر العودة إلى المجمع عليه بين المسلمين من قبل النظام تتعاظم  يوماً بعد يوم.
لابد لكل موحد أن يطيل الوقوف عند القاسم المشترك بين هؤلاء الذين يصرون على ضرب علاقة المسلم بمن لايقبل الله تعالى إسلام مسلم إلا بالوقوف ببابه والتفاني في حبه  وحب عترته صلى الله عليه وآله، وبين المؤامرة الأمريكية- الغربية التي كان آيات الشيطان رشدي مظهرها الأول، ولما فشلت أطلت نفس المؤامرة برأسها من جديد في الصور المسيئة للمصطفى الحبيب التي صرح بوش نفسه بضرورة عدم السماح للمحتجين عليها أن يحققوا مايريدون.
إن القاسم المشترك المشار إليه هو بالتأكيد إدراكهم لحقيقة أن البنيان التوحيدي كله يرتكز إلى القاعدة التي حددها الله تعالى لتثبيت توحيده سبحانه بين الناس، وهي العلاقة العقلية والقلبية العارمة بالحب والشوق والحنين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله.
وكما أدركت المخابرات البريطانية  يوم كانت بريطانيا القطب الأوحد! هذه المعادلة وعملت على ضرب علاقة الأمة بنبيها، فقد أدركت المخابرات الصهيونية- الأمريكية نفس المعادلة، وزادها إصراراً على نفس المؤامرة الشيطانية، هذه الصحوة الإسلامية الخمينية الهادرة التي ضيقت على الكفر الخناق، والتي لايشكل وقوع الغدة السرطانية بين ناري حماس وحزب الله، والتوثب الإسلامي المتنامي في مصر والعراق، إلا بعض مظاهرها.
يريدون ليظفؤوا نور الله بأفواههم، واله متم نوره ولو كره الكافرون.الصف -8
 
________________________________________
[1]أعدت المادة لمجلة  "بقية الله" ونشرت - مشوَّهة - في حلقتين.
[2]لسان العرب - ابن منظور ج 6 ص 168 و النهاية في غريب الحديث - إبن الاثير ج 4 ص 23 و الصحاح - الجوهري ج 3 ص 960
[3]أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية 193
[4]الراغب الأصفهاني، مفردات غريب القرآن .
[5]التبيان - الشيخ الطوسي ج 7   ص 335
[6]التبيان - الشيخ الطوسي ج 8   ص 286
[7]تفسير القرطبي - القرطبي ج 12 ص 14- 15.
[8]تفسير الميزان - السيد الطباطبائي ج 14   ص 345
[9]تفسير الميزان - السيد الطباطبائي ج 16  ص 236 .
[10]تفسير الميزان - السيد الطباطبائي ج 16   ص 237
[11]تفسير الميزان - السيد الطباطبائي ج 14  ص 402
[12]أنظر: لسان العرب - ابن منظور ج 31 ص 68 و مجمع البحرين- الشيخ الطريحي ج   4 ص 16 و تاج العروس - الزبيدي ج 9 ص 149
[13]تفسير الميزان - السيد الطباطبائي ج 11 ص 335
[14]الفروق اللغوية- أبو هلال العسكري  ص 125
[15]الشيخ المفيد،المسائل السروية- ص 43
[16]الشيخ المفيد،رسائل في الغيبة - ج 1 ص 12- 13
[17]الشيخ الصدوق. الإعتقادات 93
[18]السيد الخوئي، البيان في تفسير القرآن 496 وانظر: الطبسي، مجمع البيان7/150  وانظر:إبن جرير الطبري، جامع البيان17/206
[19]الجصاص، أحكام القرآن1/119
[20]أنظر: تفسير القرطبي - القرطبي ج 6 ص 38و:أحكام القرآن - الجصاص ج 2 ص 376 و: التبيان - الشيخ الطوسي ج 7 ص 313 و:  تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي ج 7 ص 15 و: جامع البيان - إبن جرير الطبري ج 71   ص 210 و : البيان في تفسير القرآن- السيد الخوئي ص 471 و: تفسير الميزان - السيد الطباطبائي ج 1 ص 407 و: ج 4 ص 374 و: تفسير ابن كثير - ابن كثير ج 3 ص 229

اخبار مرتبطة

نفحات