موقعُ التَّخلية والتّحلية في تهذيبِ النّفْس

موقعُ التَّخلية والتّحلية في تهذيبِ النّفْس

منذ 6 أيام

موقعُ التَّخلية والتّحلية في تهذيبِ النّفْس

موقعُ التَّخلية والتّحلية في تهذيبِ النّفْس
«لولاهما لم يظهر على القلب سلطانه»
____إعداد: عبدالله النابلسي____

«إذا قلعت عن القلب أصول ذمائم الصفات التي هي بمنزلة الأبواب العظيمة للشيطان، زالت عنه وجوه سَلْطَنَتِه وتصرّفاته، سوى خطراته واجتيازاته، والذِّكر يمنعُها، ويقطع تسلّطَه وتصرّفه بالكليّة».
حول فلسفة مدرسة الذّكر وتثقيفه وآدابه، تختار «شعائر» هذا النَّصّ من (جامع السعادات) للفقيه الكبير الشيخ محمد مهدي النراقي قدّس سرّه الشريف.

وعليك بكثرة الذِّكر بالقلب واللّسان. فإذا قُلِعت عن القلب أصولُ ذمائم الصفات التي هي بمنزلة الأبواب العظيمة للشيطان، زالَت عنه وجوهُ سلطنته وتصرُّفاته، سوى خطراته واجتيازاته، والذِّكر يمنعها ويقطع تسلُّطه وتصرُّفه بالكلِّية. ولو لم يسدَّ أبوابه أوّلاً لم ينفع مجرَّد الذِّكر اللّساني في إزالتها، إذ حقيقة الذِّكر لا يتمكَّن في القلب إلَّا بعد تخليته عن الرّذائل وتحليته بالفضائل، ولولاهما لم يظهر على القلب سلطانه.
ومَثَل الصفات المذمومة مَثَل لحمٍ أو خبز أو غيرهما من مشتهيات الكلب، ومَثَل الذِّكر مَثَل قولك له: إخسأ. ولا ريب في أنَّ الكلب إذا قَرُب إليك ولم يكن عندك شيء من مشتهياته، فهو ينزجر عنك بمجرَّد قولك: إخسأ، وإن كان عندك شيء منها لم يندفع عنك بمجرَّد هذا القول، ما لم يَصِل إلى مطلوبه. فالقلبُ الخالي عن قوت الشيطان يندفع عنه بمجرد الذِّكر، وأمّا القلب المملوء منه فيدفع الذِّكر إلى حواشيه، ولا يستقرّ في سويدائه، لاستقرار الشيطان فيه.
وأيضاً الذِّكر بمنزلة الغذاء المقوِّي. فكما لا تنفع الأغذية المقوِّية ما لم يُنَقَّ البدن عن الأخلاط الفاسدة ومواد الأمراض الحادثة، كذلك لا ينفع الذِّكر ما لم يُطهَّر القلب عن الأخلاق الذميمة التي هي مورد مرض الوساوس، فالذِّكر إنّما ينفع للقلب إذا كان مطهَّراً عن شوائب الهوى ومنوّراً بأنوار الورع والتقوى، كما قال سبحانه: ﴿إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون﴾ الأعراف:201 .وقال سبحانه : ﴿إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب..﴾ ق:37.
ولو كان مجرَّد الذِّكر مُطرداً للشيطان لكان كلُّ أحدٍ حاضر القلب في الصلاة، ولم يخطر بباله فيها الوساوس الباطلة والهواجس الفاسدة، إذ منتهى كلُّ ذكرٍ وعبادة إنّما هو في الصلاة، مع أنّ مَن راقب قلبه يجد أنَّ خطور الخواطر في صلاته أكثر من سائر الأوقات، وربّما لا يتذكَّر ما نسيه من فضول الدنيا إلّا في صلاته، بل يزدحم عندها جنود الشياطين على قلبه ويصير مضماراً لجولاتهم، ويقلِّبونه شمالاً ويميناً بحيث لا يجد فيه إيماناً ولا يقيناً، ويجاذبونه إلى الأسواق وحساب المعاملين وجواب المعاندين، ويمرُّون به في أودية الدنيا ومهالكها. ومع ذلك كلّه لا تظنّنَّ أنَّ الذكر لا ينفع في القلوب الغافلة أصلاً، فإنَّ الأمر ليس كذلك، إذ للذِّكر عند أهله أربعُ مراتب كلّها تنفع الذاكرين، إلّا أنَّ لبَّه وروحه والغرض الأصلي من ذلك المرتبة الأخيرة.

مراتب الذِّكر


الأولى: اللّساني فقط.
الثانية: اللّساني والقلبي، مع عدم تمكّنه من القلب، بحيث احتاج القلب إلى مراقبته حتى يحضر مع الذِّكر، ولو خُلِّي وطبعه استرسل في أودية الخواطر .
الثالثة: القلبي الذي تمكّن من القلب واستولى عليه، بحيث لم يمكن صرفه عنه بسهولة، بل احتاج ذلك إلى سعي وتكلُّف، كما احتيج في الثانية إليهما في قراره معه ودوامه عليه .
الرابعة: القلبي الذي يتمكَّن المذكور من القلب بحيثُ انمحى عند الذِّكر، فلا يلتفت القلب إلى نفسه ولا الذِّكر، بل يستغرق بشراشره في المذكور، وأهل هذه المرتبة يجعلون الإلتفات إلى الذِّكر حجاباً شاغلاً .
وهذه المرتبة هي المطلوبة بالذات. والبواقي مع اختلاف مراتبها مطلوبة بالعرَض، لكونها طُرُقاً إلى ما هو المطلوب بالذات .


اخبار مرتبطة

  قرن الإسلام، وعصرُ الشعوب

قرن الإسلام، وعصرُ الشعوب

  المُشايَعة والمتابَعة

المُشايَعة والمتابَعة

  دوريات

دوريات

منذ 6 أيام

دوريات

نفحات