كتاباً موقوتاً

كتاباً موقوتاً

منذ يومين

الرِّياءُ المُلتَبس


 
الرِّياءُ المُلتَبس
من مكائد الشّيطان في الصّلاة
_____إعداد: خليل الشيخ علي_____


«الكلامُ هنا في ما يَبتدئ الإنسانُ به من العبادة خالصاً لله تعالى لا يريدُ به غيرَه، ثمّ يَعرض له ما يُنافي الإخلاص على وجه الشّوب اللّطيف الذي ينبغي التّنبيه عليه في مثل هذا المقام، وهو يأتي على وجوه، بعضُها جَليّ وبعضُها خفيّ». 


هكذا مهّد الشهيد الثاني قدّس سرّه في (أسرار الصّلاة) للحديث على الرّياء الذي قد يتلبَّسُ العبد عند أداء الفرائض، مفصّلاً إيّاه على ثلاثة وجوه:

أحدُها
: أن يعقدَ الصّلاة على الإخلاص المَحْض، والإقبالِ على الله تعالى بها، وهو خالٍ من نظر النّاس إليه، فيدخل عليه داخلٌ أو ينظر إليه ناظر، فيقول له الشيطان: زِدْ صلاتك حُسناً حتى يَنظر إليك هذا الحاضر بعين الوقار والصّلاح ولا يزدريك ولا يغتابك. فتخشع جوارحُه وتسكُن أطرافُه ويُحسِّن صلاته، وهذا هو الرّياء الطّارئ الظّاهر الذي لا يخفى على المُبتدئين من المُريدين، ولكنّه في الجملة من شوائب القُرْب ومَنافي الإخلاص.

وثانيها: أن يكون قد فهم هذه الآفة وأخذ منها حِذْرَه، فصار لا يتبع الشّيطان فيها ولا يلتفت إليه، ويستمرّ في صلاته كما كان، فيأتيه الشيطانُ في معرض الخير فيقول: أنتَ متبوعٌ ومُقتدىً بك ومنظورٌ إليك، وما تفعله يُؤْثَر عنك ويتأسَّى بك غيرُك، فيكون لك ثوابُ أعمالهم إنْ أحسنتَ وعليك الوِزْر إنْ أسأت؛ فأَحسِن عملك فعساه أن يُقتدى بك في الخشوع وتحسين العبادة، فتكون شريك مَن اقتَدى بك، للحديث المشهور أنّ «مَن سنّ سُنَّةً حسنةً فلهُ أجرُها وأجرُ من يعملُ بها إلى يوم القيامة».
وهذه المكيدة أعظمُ وأدقّ، وقد يَنخدع بها مَن لا ينخدع بالأولى، وهو أيضاً عين الرّياء ومُبطِلُ الإخلاص؛ فإنّه إذا كان يرى الخشوع وحُسن العبادة خيراً لا يرتضي لغيره تركُه، فَلِمَ يرتضي لنفسه ذلك في الخَلوة؟ ولا يمكن أن يكون نفسُ غيره أعزّ عليه من نفسه، فهذا عين التّلبيس. بل المُقتدى به هو الذي استقام في نفسه واستنار قلبُه فانتشر نورُه إلى غيره، فيكون له الثّواب عليه.
وأمّا فعل الأوّل فمحض النّفاق والتّلبيس، فيطالَب يوم القيامة بتلبيسه ويُعاقَب على إظهاره مِن نفسه ما ليس متَّصفاً به، وإنْ أُثيب المُقتَدي به.

وثالثها: وهو أدقُّ ممّا قبله، أن ينتبه العبد لذلك وأنّه مكيدة من الشّيطان، ويعلم أنّ مخالفته بين الخلوة والمشاهدة للغير محضُ الرِّياء، ويعلم أنّ الإخلاص في أن تكون صلاته في الخلوة مثل صلاته في المَلأ، ويستحيي من نفسه ومن ربّه أن يخشع لمشاهدة خلقه تخشُّعاً زائداً على عادته، فيُقبل على نفسه في الخلوة ويحسِّن صلاته على الوجه الذي يرتضيها في الملأ، ويُصلّي أيضاً في الملأ كذلك للعلّة المذكورة.
وهذا أيضاً من الرّياء الغامض؛ لأنّه حسَّن صلاته في الخلوة ليُحسِّن في الملأ. بل الإخلاصُ أن يكون مشاهدةُ البهائم لصلاتِه ومشاهدة الخلق على وتيرةٍ واحدة، فكأنَّ نفس صاحب هذه الخَطْرة ليس تسمح بإساءة الصّلاة بين الناس، ثمّ يستحيي من نفسه أن يكون في صورة المُرائين، ويظنّ بأنّ ذلك يزول بأن يستوي صلاتُه في الخلاء والملاء، وهيهات!
بل زوال ذلك بأنْ لا يلتفت إلى الخلق كما لا يلتفت إلى الجمادات والبهائم في الخَلوة والملأ جميعاً، وهذا شخصٌ مشغولُ الهمّ بالخلق في جميع أحواله. وهذا من المكائد الخفيّة، وإلى هذا المعنى الإشارة في الحديث النّبوي: «لا يَكملُ إيمانُ العبد حتّى يكون النّاس عنده بمنزلةِ الأباعر»، فتأمّل.



 

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ يوم

  كتب أجنبية

كتب أجنبية

منذ يوم

كتب أجنبية

نفحات