موقف

موقف

منذ 5 أيام

مؤشِّرات ولادة نظام دولي جديد


مؤشِّرات ولادة نظام دولي جديد*

______عبد الحليم فضل الله**______

تدلّ الوقائع على أنَّ ولادة نظام دولي جديد يرث ثنائيّة الحرب الباردة باتت قريبة. مع أنَّ اكتمال الولادة يتطلَّب في ما يتطلَّبه تحقيق التّوازن بين موقع كلّ دولة من الدُّول على خارطة السّياسة الدّوليّة من جهة، وبين مساهمتها في الإنتاج العالمي من جهة أخرى.
فَدُولُ الأسواق الناشئة التي راكمت خلال السنوات العشر الماضية نموّاً يساوي ضعفَي النّموّ في الدُّول الصّناعيّة الكبرى على الأقلّ، لم تسجِّل حضوراً موازياً لا على المستوى السِّياسي ولا على مستوى المؤسَّسات الدّوليّة. وما زال بوسع الولايات المتحدة أن تنفق ما يزيد على 43% من فاتورة الإنفاق العسكري في العالم (689 مليار دولار من أصل 1630 ملياراً)، ثمّ تفرض على الآخرين مشاركتها في تغطية العجز المالي والتّجاري الناجم عن ذلك.
وإذا أخذنا بما أورده الكاتب الإقتصادي جدعون راشمان في كتابه (مستقبل تتساوى فيه الأرباح والخسائر) عن أنَّ العولمة هي ظاهرة جيواستراتيجيّة بقدر ما هي ظاهرة إقتصاديّة وسياسيّة، فإنَّ منع أو امتناع دول الأسواق الناشئة عن استثمار نجاحاتها الإقتصاديّة في حقل السِّياسة العالميّة، سيُعرقل قيام نظام دولي مستقرّ، ويحمِّلنا من ثمَّ مخاطر اتِّباع قواعد النّظام القديم الذي زالت مبرِّرات وجوده، لكنّه يستمرّ بقوة الهيمنة السّياسيّة والعسكريّة.
هناك فرصة، ولا شكّ في قيام نظام دولي جديد لا يشبه الملامح البائسة التي رسمها الغرب على وجه العالم مأخوذاً بنشوة انهيار الخصم الإيديولوجي في بداية التّسعينيّات. ولدينا ثلاثة أسباب لقول ذلك: التّبدُّل العميق في توزيع القدرات الإقتصاديّة عالميّاً. إخفاق القوّة العسكريّة المتفوِّقة لأميركا في تحويل نجاحاتها العسكريّة إلى مكاسب سياسيّة، وانطفاء جاذبيّة النموذج الغربي الأميركي الذي لم يُلهم أيّاً من المنتفِضين في العالم العربي.
وبتعبيرٍ آخر، تزداد فرص قيام نظام عالمي متوازن ومتعدِّد، كلّما صار صعباً على واشنطن التّعويض عن تراجع قوّتها الإقتصاديّة، إنْ من خلال تفوُّقها العسكري أو عبر جاذبيّة نموذجها السّياسي ونمط حياتها اللّيبرالي. هذا بغضِّ النّظر عن إصرار جوزف ناي على فكرة القوّة الأميركيّة الناعمة، وقيام فرانسيس فوكوياما في كتابه الجديد (بدايات النظام السياسي) بإعادة إنتاج نظريَّته عن نهاية التّاريخ، للتّأكيد أنَّ النموذج السياسي الأميركي لا يزال المثال الكوني الصّالح.
لكنّ توافر الشّروط لا يكفي وحده. فقيام نظام دولي جديد يتطلَّب أفعالاً ومنافسات دوليّة، وربّما خوض صراعات، ويُوجب التخلِّي أيضاً عن فرضيّة أنّ النّجاح الإقتصادي وحده قادر على تحقيق التّوازن التّاريخي مع الغرب. إذا كانت هذه هي رؤية الّصين التي تنتظر تحوُّل نجاحاتها الإقتصاديّة تلقائيّاً إلى مكاسب استراتيجيّة وفي الوقت المناسب، فإنَّ رؤية أخرى تشقّ طريقها بثبات، هي الرّؤية الإيرانيّة، وإلى حدٍّ ما الرّوسيّة، والتي ترى أنَّ النّجاح الإقتصادي شرطٌ لازمٌ لتحقيق التّوازن، لكنَّ الّشرط الكافي هو تحقيق حضور استراتيجي يُسهم في درء المخاطر، ويتعامل مع التّحدّيات ضمن أوسع دائرة، وفي أطول مدى ممكن.
_________________________________
* نقلاً عن جريدة الأخبار اللّبنانيّة -  مختصَر
** باحث متخصِّص في الشّؤون الإستراتيجيّة

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 4 أيام

  كتب أجنبية

كتب أجنبية

منذ 4 أيام

كتب أجنبية

نفحات