كلمة سواء

كلمة سواء

20/04/2012

من عوائق التحاور والتّعارف

من عوائق التحاور والتّعارف
الفرديّة الذّاتيّة
ـــــ سيد محمّد حسيني* ـــــ


لا بدّ من القول بدايةً إنّ البلدان العربيّة والإسلاميّة تعيش ضمن دائرةٍ واحدةٍ هي دائرة الحضارة الإسلاميّة، وكلُّ القاطنين في هذه الدائرة على اختلاف أديانهم ومذاهبهم هم أبناءُ هذه الحضارة.
لطالما كان التعايش بين الأديان في منطقتنا قائماً على أفضل صورة ولا يزال، أللّهمّ إلّا ما خلقَته مصالحُ الطّامعين من توتّرٍ وتنافر تحت وطأة وانتشارِ الثّقافة الصليبيّة والصهيونيّة.
صورُ التعايش الديني في العالم الإسلامي بحاجة  اليوم إلى دراسات مستقلّة لتبيّن مدى قدرة سماحةِ الإسلام وسماحة الأديان الإلهيّة القائمة على تخليص الإنسان من أنانيّته ونظراته الضيّقة والإنطلاق به في رحاب ربِّ العالمين.
إنّ التخلّف في مستوياته المتعدّدة، ولا سيّما في الجانب المعرفي، هو بلا شكّ مرحلةٌ من مراحل الموت الحضاري، ومن عوارض الموت تفكُّك الجسد وفقدانُه الإرتباط العضوي بين أجزائه، وبالعكس فإنّ الحياة هي التي تهبُ هذا الإرتباط والتّلاحم وتجعل الجسد «إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجَسد بالسَّهر والحُمّى».
لقد تجمّعت على العالم الإسلامي بعد عصر الغزو الإستعماري بشكل خاصّ عواملُ أفقدَتْه كثيراً من مقوّمات الحياة، وهذه الحالة أدّت إلى تفكُّكه إقليميّاً ودينيّاً ومذهبيّاً وقوميّاً، فأصبحت بلدان العالم الإسلامي مسرحاً لألوان الصراعات. كما أنّ حالة الهبوط الحضاري تفرز بشكل طبيعي ألوان الأمراض؛ وعلى رأسها مرضُ استفحال الذاتيّة الفرديّة. وهذا المرض هو ما يتمثّل في ضِيق النّظر والتعصّب وعدم الإستماع، لأنّ استفحالَ الذاتيّة الفرديّة لا يلبث أن يتحوّل إلى صنمٍ وطاغوتٍ يسدُّ منافذَ الإستماع: وهذا ما نفهمُه من السّياق القرآني حيث يقول سبحانه: ﴿والذين اجتنبوا الطّاغوت أن يعبدوها وأنابوا الى الله لهم البُشرى فبشّر عباد، الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه..﴾ الزّمر:17-18.
إنّ من أخطر عوامل التخلّف الحضاري: الإحساسُ بالذلّ والهزيمة النفسيّة، وسيطرةُ المتجبّرين، وفقدان الهوية. وهو الأمر الذي يسبِّبُ الشعور بالضّعف والتقاعس والإستسلام. لقد تجمّعت هذه العوامل على أُمّتنا بعد عصر الغزو الإستعماري، ومعاهدات التقسيم، وتسليط الضّعفاء والمهزومين والتابعين على مقدّراتنا. غير أنّ بشائر التغيير تبدو واضحةً في الأفق. هذه الصّحوة التي تعمّ العالمَ العربيّ والإسلامي تُنبئ بيَقظة، وتُعلن عن عودة الحياة إلى هذه الأمّة.
ولو قُدّر لهذه الصحوة أن تنجو من تدخّل الطّغاة والمستبدّين، ومن تراجع المهزومين والمتخاذلين، ومن عَبَث الجَهلة والمُتعصِّبين لأعادت الحياةَ الى أُمّتنا، ولعادت معها صورُ التعاونِ والتعايش في إطار منظومتِنا الحضاريّة.
إنّ في دائرتنا الحضاريّة الإسلاميّة كلّ عوامل التجاوز المعرفي والثقافي لِتحجُّر الأُطر الدينيّة والمذهبيّة والإقليميّة والقوميّة للإنطلاق في رحاب الإنسانيّة الواسع، حيث يُصبح فيها أرسطو المعلَِّم الأوّل والفارابي المعلّم الثاني. وفي العصر الحديث، بين أيدينا شواهد –من إسهاماتٍ في الأدب واللّغة- على وحدة دائرتنا الحضارية وانتماء شعوبها بمختلف أديانهم وقوميّاتهم إلى جذور ثقافية واحدة.
العامل الحضاري الإسلامي بمقدوره أن يقدّم للعالَم –إنْ عاد الى حياته– أروعَ نموذجٍ لثقافة التعايش الدّيني وللعلاقات الإنسانيّة بين الشعوب القائمة على أساس التعارف: ﴿يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتْقاكم﴾ الحجرات:13.
أعود إلى التأكيد على أنّ ما يحدث في منطقتنا الإسلاميّة من نزاع واختلاف بين المسلمين أنفسِهم، وبين المسيحيّين أنفسِهم، وبين المسلمين والمسيحيين ليس من طبيعة الإسلام وليس من طبيعة المسيحيّة، بل هي حالة شاذّة نأمل أن تزول في الأُفق القريب مع زوال عوامل التدهور الحضاري في أمّتنا، وليس ذلك على الله تعالى بعزيز.


* وزير الثقافة الإيراني -  من مداخلة له في مؤتمر حول الأديان.


اخبار مرتبطة

  ملحق شعائر 7

ملحق شعائر 7

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

21/04/2012

دوريات

نفحات